رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاطمة سعد النعيمي

* أستاذ التفسير وعلوم القرآن- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة قطر

مساحة إعلانية

مقالات

0

د. فاطمة سعد النعيمي

الوقت الذي لا يعود

05 ديسمبر 2025 , 01:02ص

في زمن تتسارع فيه الخطوات وتتزاحم فيه الانشغالات، يغدو ضياع الوقت واحداً من أخطر ما يواجه الإنسان في حياته اليومية. ومن منظورٍ قرآني، لا يُنظر إلى الساعات والأيام باعتبارها وحدات زمنية عابرة، بل بوصفها رأس مال الإنسان ومحلّ ابتلائه وأساس مسؤوليته.

يضع القرآن الكريم هذا المعنى في إطار شديد الوضوح من خلال سورة العصر، التي تصف الإنسان بالخُسران ما لم يملأ عمره بما يحقق قيمته ووجوده. ثم يلفت الوحي النظر إلى حقيقة أعظم: أن الوقت ليس ممتداً بلا حدود، ولا ممهلاً بلا نهاية، بل إن لكل أجلٍ موعداً لا يتجاوز ولا يُقدَّم، وذلك في قوله تعالى في سورة النحل: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ آيةٌ تختصر المعنى كله: أن الفرص ليست مفتوحة بلا نهاية، وأن تأجيل اليوم إلى غدٍ قد يكون سبب الندم الأكبر.

وفي سياقٍ آخر، يذكّر القرآن بأن العمر فرصةٌ أُعطيت للإنسان لينتفع بها: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ﴾

فالعمر ليس مجرد زمن، بل مساحة للتأمل والعمل والإصلاح. وكلما طال تضييع اللحظات، ضاقت مساحة الإدراك.

ويأتي الإمام ابن القيم في مدارج السالكين ليعطي بعداً سلوكياً دقيقاً لمعنى الوقت، فيقول: "من علامة الحكمة أن تُعطِي كلَّ شيءٍ حقَّه، ولا تُعجِّله عن وقته، ولا تؤخّره عنه".

كلماتٌ تختصر منهجاً في الحياة: أن الوقت إذا خرج عن موضعه ضاع، وإذا تأخر أثره فسد، وإن غفل الإنسان عن تنظيم ساعاته فوّت أثمن ما يملك.

إن ضياع الوقت في الحقيقة ضياع للفرصة، وضياع للمعنى، وضياع للعمر نفسه. فالإنسان حين يترك أيامه تتسرب من بين أصابعه دون هدف أو عمل، إنما يضيّع ما لن يعود أبداً. ولهذا كان القرآن يوقظ في القلب حسًّا يقظاً يجعل المرء يستشعر قيمة كل لحظة، ويملأ عمره بما يبقى.

ولعلّ أعظم ما يقوله الوحي للإنسان اليوم هو: إن الوقت ليس ظرفاً محايداً، بل شهادة تُكتب عليك أو لك. ومن وعى هذه الحقيقة لم يسمح لشيء أن يسرق منه حياته، ولم يدع العمر يمضي بلا أثر.

مساحة إعلانية