رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هو موعد انطلاق الحرب الوحيدة التي أنجز فيها العرب انتصارا حقيقيا على عدو خارجي - وبالذات الكيان الصهيوني - في التاريخ الحديث، لقد خاضوا سلسلة من الحروب التي شهدت مواجهات مع العدو، بداية بحرب 1948 والتي قاتلت فيها الجيوش العربية - دون استعداد واكتمال للترتيبات اللوجستية - العصابات الصهيونية المدعومة من قبل الغرب الصانع التاريخي للكيان، والذي هدف من وراء صناعته في المنطقة لزرع امتداد له يفصل المشرق عن المغرب العربي، وانتهت هذه الحرب بالنكبة المعروفة، ثم حرب العام 1956 والتي شاركت فيها أكبر إمبراطوريتين في العالم آنذاك وهما بريطانيا وفرنسا الكيان الصهيوني في العدوان على مصر الناشئة بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بعد أن قرر تأميم قناة السويس والتي كانت تجسد الحضور والهيمنة الاستعمارية، مما اعتبراه إضرارا بمصالحهما ومخططاتهما، فكان لابد من معاقبته وانتهت الحرب بتهديد سوفييتي وضغط أمريكي على قوات الأطراف المهاجمة، فانسحبت تجر أذيال الخيبة، وحقق عبد الناصر انتصارا سياسيا بامتياز كان من أهم نتائجه ذبول أوراق الإمبراطوريتين وصعود الإمبراطورية الأمريكية التي تولت مسؤولية رعاية الكيان الصهيوني منذ ذلك التاريخ، سياسيا واقتصاديا والأهم عسكريا، وهو ما كان سببا جوهريا في هزيمة القوات العربية في عدوان الخامس من يونيو من عام 1967 بفعل سلسلة من المؤامرات التي دبرتها واشنطن وعواصم الغرب الأخرى للانتقام من مصر الناصرية المناوئة للمخططات الاستعمارية، والتي نجحت في بناء أنموذج تنموي استثنائي في المنطقة بتجلياته المتنوعة، خاصة على الصعيد الاقتصادي والصناعات العسكرية الناشئة.
ولم يستسلم الشعب المصري للهزيمة أو النكسة، فانتفض مساندا لقائده، مطالبا باستمراره على رأس الدولة زعيما ليعيد ترتيب الأوراق، وهو ما فعله باقتدار وكفاءة عالية من خلال البدء في عملية إستراتيجية واسعة النطاق شملت كل أركان الدولة المصرية لإعادة بناء القدرات الوطنية وفي المقدمة منها المؤسسة العسكرية استعدادا ليوم المواجهة الشاملة مع العدو.
وعندما وقعت هذه المواجهة المرتقبة منذ أن شعر جنود وضباط وقادة القوات المسلحة المصرية في مثل هذا اليوم – السادس من أكتوبر من العام 1973 جاءت النتائج متسقة مع المقدمات التي غزلتها قيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ويمكن إجمال أهم عناصر النجاح في هذه الحرب فيما يلي:
أولا: اتكاء القيادة -عقب هزيمة الخامس من يونيو 1967 - على الشعب الذي خرج يومي التاسع والعاشر من يونيو مطالبا زعيمه الذي هزم بالبقاء بعد التخلص من النتوءات الداخلية، التي شكلت - إلى جانب معطيات خارجية خطيرة بلغت حد المؤامرة - أسبابا جوهرية للنكسة - حسب تعبير ناصر- والذي صاغه محمد حسنين هيكل بتفرد، لأنه عكس واقع الحال، فما جرى كان مجرد انتكاسة في معركة، بينما الحرب ما زالت مستمرة ولم يفض إلى تحقيق أهداف الكيان الصهيوني ومن يقف وراءه من شن عدوان يونيو، وفي مقدمتها إسقاط النظام الناصري بتوجهاته الوطنية والقومية والمعادية للمخططات الاستعمارية والتدخلات الأجنبية في مقدرات شعوب المنطقة.
وتزامن ذلك مع تغييرات في العمل السياسي الداخلي وإعادة بناء الاتحاد الاشتراكي العربي بعد إصدار بيان الثلاثين من مارس 1968، والذي تضمن نقدا ذاتيا للتجربة ودروس الاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيها ووضع تصورات للنهوض مجددا، رغم أن شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" كان هو المهيمن على المرحلة.
ثانيا: اعتماد عملية إعادة بناء القوات المسلحة على أسس احترافية وعلمية، بعد أن تخلص عبد الناصر من مراكز قوى أحاطت بقيادتها السابقة لها، اتسمت بالشللية وغض البصر عن الكفاءة والمهنية، وكان الولاء الشخصي هو المعيار، وتجلى ذلك في اختيار القيادة العامة من ضباط كانوا أنموذجا للانضباط والتميز في الأداء العسكري، وفي صدارتهم محمد فوزي الذي اختير قائدا عاما ووزيرا للحربية، وعبد المنعم رياض والذي عين رئيسا للأركان، وكلاهما لم يكونا من الحلقة الضيقة التي كانت تحيط بالمشير عبد الحكيم عامر وشلته، فضلا عن قادة آخرين أثبتوا جدارة قتالية في فترة وجيزة، مع إحداث تغيير إستراتيجي في نوعية المجندين من خلال الاعتماد على خريجي الجامعات والمعاهد المتوسطة، وهو ما جعلهم أكثر قدرة على التفاعل مع النوعيات الحديثة من الأسلحة والأنظمة التكنولوجية المتطورة التي تم الحصول عليها من الاتحاد السوفييتي الحليف الإستراتيجي في ذلك الوقت، مما أسهم في التسريع بوتيرة عملية إعادة البناء، مع توفير مناخات نفسية مغايرة لأفراد القوات المسلحة رفعت من معنوياتهم مع جرعات من التربية الوطنية والدينية عبر منهج علمي مختلف عما كان سائدا، وهو ما جعلهم جميعا في حالة ترقب للمواجهة، ودللوا عمليا على ذلك من خلال حرب الاستنزاف والعمليات التي سبقتها شرق قناة السويس وشكل ذلك تدريبا عمليا على الحرب القادمة، لذلك فإن ما جرى في السادس من أكتوبر لم يكن الا استمرارا لما خاضوه من مواجهات وتلقوه من تدريبات في الأعوام الستة التي سبقت الحرب.
ثالثا: الاعتماد على المنهج العلمي في التخطيط للحرب وعدم ترك أي أمر، ولو كان متناهيا في الصغر، للظروف والخضوع التام للدراسات العملية والاختبارات المنهجية، بداية من اختيار ساعة الصفر وما يناسبها من ظروف مناخية، وما يتعلق بالمد والجزر في المجرى المائي لقناة السويس، فضلا عن متابعة عميقة للداخل الإسرائيلي، عبر شبكة جواسيس متغلغلة في مؤسسات الكيان، العسكرية والسياسية والاقتصادية، وكان أبرزها شبكة رأفت الهجان التي قامت باختراقات لأدق أسرار جيش الكيان، بما في ذلك الحصول على كل المعطيات المتعلقة بالتسليح والتدريب وخطط العمليات وأوضاع خط بارليف، الأمر الذي أسهم في سرعة الانقضاض عليه بعد دك مواقع العدو في سيناء بـ200 طائرة مقاتلة شكلت المدخل الأول لمعزوفة الانتصار في هذه الحرب.
رابعا: حشد كل طاقات الدولة في المجهود الحربي وصياغة منظومة وطنية داخلية شكلت عنصر الإسناد الرئيسي للقيادة في استعداداتها للمواجهة، وتزامن ذلك في المساعي إلى بناء ظهير عربي ظهرت تجلياته كأبرز ما يكون في قمة الخرطوم في التاسع والعشرين من أغسطس من العام 1967 والتي قدمت الإسناد القومي لعبد الناصر من خلال عنصرين جوهريين، أولهما التوافق على مشروع المواجهة عبر إعلان اللاءات الثلاث: "لا إصلاح ولا اعتراف ولا فاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحقل لأصحابه"، ثم التوافق على تقديم الدول النفطية دعما ماليا لدول المواجهة وهي إلى جانب مصر كل من سوريا والأردن، وهو ما لعب دورا شديد الأهمية في توفير منظومة الإسناد القومي لمصر وسوريا في حرب أكتوبر والتي امتدت إلى توظيف النفط كسلاح فاعل في المواجهة.
وختاما لا أود أن أدخل طرفا في المناقشات البيزنطية حول دور كل من ناصر والسادات في الحرب، فكلاهما لعب الدور المنوط به ولم يكن السادات بمنأى عن الجهد الذي كان يقوده جمال، فقد كان واحدا من أهم المقربين منه، ويحظى بثقته، بدليل أنه اختاره في منصب نائب الرئيس في توقيت صعب قبيل توجهه للمشاركة في قمة عربية في المغرب تواترت معلومات عن مخطط لاغتيال عبد الناصر، وبعد رحيل الزعيم الخالد وتولى السادات الحكم واصل الرجل مسيرة إعداد الدولة للحرب، مستندا إلى خطط معدة وجيش جاهز وجند وضباط وقادة تسكنهم الأشواق للانتصار، متحملا مسؤولية إصدار قرار الحرب- وذلك في حد ذاته يعد إنجازا بالغ الأهمية - التي نجحت في كسر تفرد الجيش الصهيوني بالتفوق العسكري وشكلت رغم محدوديتها - وفق التوجيه الاستراتيجي الخاص بها - انتصارا حقيقيا كان العرب في حاجة إليه أيا كانت طريقة السادات في التوظيف السياسي لنتائجها في التفاوض مع العدو وهو ما اعتبره الكثيرون- وأنا واحد منهم - أقل مما كان يجب الحصول عليه.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3849
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2202
| 03 نوفمبر 2025
8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات في قمة التنمية.. العالــــم فــي قطـــر ■قطر والأمم المتحدة شراكة دائمة ومستمرة نحو الأهداف المشتركة ■قمة التنمية ترسخ ثقة المجتمع الدولي بقدرات قطر ■الحدث الدولي الكبير باستضافة قمة التنمية موضع فخر واعتزاز ■حضور بارز لدولة قطر في جميع برامج الأمم المتحدة التنموية والإنسانية ■قمة الدوحة ستبقى علامة فارقة في مسيرة التنمية الاجتماعية ■«إعلان الدوحة للتنمية» سيكون بصمة تاريخية في سجلات الأمم المتحدة ■ترسيخ مكانة الدوحة كعاصمة للحوار والشراكة الدولية من أجل التنمية ترحب الدوحة بالعالم في قمة العالم الثانية للتنمية الاجتماعية التي تعقد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بعد مرور ثلاثين عاماً على القمة الأولى التي عُقدت عام 1995، مما يضفي على قمة الدوحة أهمية استثنائية، فالدوحة عاصمة عالمية للفعاليات الكبرى، وقد استعدت بكل إمكاناتها لتوفير مقومات النجاح لبرامج القمة وجداول أعمالها وأنشطتها. ترحب الدوحة بكل المشاركين في قمة التنمية الاجتماعية الثانية التي تعقد على مستوى رؤساء دول وحكومات وصناع قرار وكبار المسؤولين وقادة المنظمات الإنسانية بهدف معالجة الثغرات بشأن التنمية الاجتماعية التي أصبحت الشغل الشاغل لدول العالم، حيث إن أرقام الفقر والجوع ما زالت مرتفعة، فضلا عن الدول الخارجة من الحروب والأزمات والصراعات، مما يضاعف الحاجة إلى تجديد التزام دول العالم بدفع عجلة التنمية الاجتماعية. ومن المؤكد أن قمة الدوحة ستكون علامة فارقة في مسيرة التنمية الاجتماعية، ومثلما نجحت الدوحة في استضافة الفعاليات الكبرى من رياضية وسياسية واقتصادية وثقافية فإن قطر ستقدم للعالم أفضل نسخة من القمة العالمية للتنمية الاجتماعية. إن انعقاد قمة التنمية الثانية في الدوحة تعكس ثقة المجتمع الدولي بدور قطر وجهودها لتعزيز السلام والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة بوصفها شريكا دائما للأمم المتحدة، وكما أشار حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، في كلمته الترحيبية على صفحة القمة: «إن قطر استضافت على مر السنين العديد من المؤتمرات الرفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة، ما وفر منصة للحوار والتعاون بشأن أبرز التحديات العالمية، وتعكس هذه الجهود التزامنا الدائم بقيم وأهداف الأمم المتحدة ورؤيتنا لعالم يتاح فيه الازدهار للجميع». الشراكة بين قطر والأمم المتحدة تمتد لعقود وهي شراكة متجذرة في المبادئ والأهداف المشتركة الإنسانية والتنموية والتعليمية وحفظ الأمن والسلم الدوليين وتعزيز حقوق الإنسان، وتقديم المساعدة الإنسانية، والمشاركة في العمل الجماعي بهدف التصدي للتحديات القائمة والناشئة التي تواجه العالم. وأصبحت دولة قطر حاضرة بقوة في أغلب أنشطة الأمم المتحدة، وفي برامجها الإنسانية والتنموية. لطالما كانت قطر سباقة بدعم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، خاصة في مجالات مكافحة الفقر والصحة والتعليم من خلال مساعدات خارجية بلغت قيمتها نحو 4.8 مليار دولار منذ عام 2020، خصص 90% منها للدول الأقل نموا. كما حرص سمو الأمير المفدى على تتويج المساعدات القطرية بمبادرات وتبرعات أعلنها في كثير من الفعاليات الأممية، كان أبرزها تبرع سموه عام 2019 بمبلغ 100 مليون دولار لصالح الدول الجزرية والأقل نموا. كما توجت قطر شراكتها مع المنظمة الأممية بافتتاح بيت الأمم المتحدة في مارس 2023 ويُعد الأول من نوعه في المنطقة بصفته مقرا يجري فيه تنسيق المهام الإقليمية لعدة منظمات من ضمنها: منظمة العمل الدولية واليونسكو ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وصندوق الأمم المتحدة الدولي للطفولة (اليونيسيف) ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الصحة العالمية. وفي إطار الشراكة مع الأمم المتحدة تحضر أيضا مبادرات صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، لحماية التعليم في مناطق النزاعات عبر مؤسسة التعليم فوق الجميع، وعبر برنامج «علم طفلا» الذي نجح في إعادة 10 ملايين طفل إلى المدارس، فيما تسعى مؤسسة «صلتك» لتوفير فرص عمل لأكثر من خمسة ملايين شاب. وفي هذا السياق تعتبر استضافة الدوحة للقمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية رصيدا إضافيا يعزز مكانة قطر المرموقة على الساحة الدولية، ويعكس إيمانها العميق بأهمية التعاون متعدد الأطراف في معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المجتمعات، خصوصا في ظل التحولات العالمية المتسارعة التي أنتجت وقائع جديدة ترزح تحت أعبائها شعوب كثيرة، مما يزيد الحاجة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتمكين الفئات الضعيفة من المشاركة الفاعلة في التنمية. إن هذا الحدث الدولي المهم المتمثل بانعقاد القمة التاريخية في الدوحة موضع فخر واعتزاز لدولة قطر وجميع أبناء الشعب القطري، فقد أثبتت قطر للعالم أنها المكان المثالي والنموذجي لاستضافة القمة بعد ثلاثين عاما على انعقاد القمة الأولى في كوبنهاغن. كما أن قطر أثبتت قدرتها وجاهزيتها اللوجستية والدبلوماسية والتنظيمية لاستضافة أكثر من 8 آلاف مشارك من مختلف دول العالم، بينهم رؤساء دول وحكومات وصناع قرار وكبار مسؤولين وقادة منظمات دولية وإنسانية وتنفيذ جدول وبرامج القمة التي أعدتها الأمم المتحدة بجدارة وإتقان. ولعل السمة التاريخية لهذه القمة تستند إلى عدة عناصر أبرزها «إعلان الدوحة السياسي» الذي ستعتمده القمة وتصدره الأمم المتحدة، مما يجعل اسم الدوحة مسطرا في سجلات الأمم المتحدة وفي ذاكرة كل شعوب العالم المعنية بالتنمية وسيكون إعلان الدوحة مرجعا لكل باحث وخبير بشأن التنمية العالمية. ويعتبر «إعلان الدوحة للتنمية» تعهدا جماعيا للمشاركين لإحياء التعددية وتسريع التنمية الاجتماعية دون أن يتخلف أحد عن الركب، ومن بين أهدافه الالتزام بـ»تعزيز الحلول المبتكرة والتعاون الدولي الشامل لترجمة التزامات إعلان وبرنامج عمل كوبنهاغن، والبعد الاجتماعي لأجندة 2030، إلى إجراءات ملموسة لتحقيق التنمية الاجتماعية للجميع، لا سيما لفائدة البلدان النامية». ومن الجوانب المهمة أن استضافة قطر لقمة التنمية الاجتماعية تعكس التزامها الراسخ بتعزيز التنمية الاجتماعية الشاملة والمستدامة ودعم العمل المتعدد الأطراف لتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية لجميع الشعوب، كما تمثل فرصة محورية لتعزيز الحوار الدولي حول قضايا التنمية الاجتماعية وتسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030. وقد عبر سمو الأمير المفدى عن هذا الالتزام بأبلغ الكلام حين قال: «تلتزم دولة قطر دوماً بالتنمية المرتكزة على الإنسان، سواء على المستوى الوطني أو العالمي. ومن خلال الاستثمار في التعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية، وتعزيز فرص العمل المنتج والعمل اللائق للجميع، نواصل تعزيز العدالة الاجتماعية وترسيخ الشمول. كما أننا دافعنا عن تكامل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، من خلال اعتماد نهج يشمل الحكومة والمجتمع بأسره، ويضع الإنسان في صميم عملية التنمية». لقد أكدت دولة قطر أن التنمية الاجتماعية لا تتحقق إلا من خلال الاستثمار في الإنسان، وتعزيز قيم العدالة والتضامن، ودعم المبادرات التي تكرس التعاون الدولي وتستجيب لتطلعات الشعوب نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا، وهذا ما أكده سمو الأمير المفدى في مختلف المناسبات أن الارتقاء بالإنسان يحقق التنمية المستدامة باعتبار الإنسان محور التنمية وغايتها الأساسية. لقد نجحت مسيرة قطر في تحقيق إنجازات نوعية وغير مسبوقة في عالم التنمية وصولا إلى رؤية قطر الوطنية 2030 وها هي اليوم تضع جهودها وخبراتها بتصرف العالم لبلورة رؤية وبرامج عمل لتحقيق التنمية التي تتطلع لها شعوب العالم. وذلك من خلال العمل الجاد والدؤوب مع الدول الأعضاء في القمة والمنظمات الدولية والإنسانية المشاركة لرسم المسار العملي لتحقيق أهداف التنمية. ولن تتوانى دولة قطر عن تقديم كل الدعم وبذل كل الجهود لوصول القمة إلى أفضل النتائج التي تحقق تطلعات شعوب العالم بالتنمية المستدامة وفقا لأهداف الأمم المتحدة، وترسيخ مكانة الدوحة كعاصمة للحوار والشراكة الدولية من أجل التنمية الاجتماعية المستدامة، وتعزيز ثقة المجتمع الدولي بقدرات قطر على تحقيق وإنجاز ما يعجز عنه الآخرون.
2121
| 04 نوفمبر 2025