رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عند تناول الآثار الإستراتيجية المترتبة على عملية عاصفة الحزم فإن جملة من الحقائق والوقائع على الأرض لابد من التطرق إليها باعتبارها نقطة ارتكاز لدى المفكر الاستراتيجي العربي الذي يتعامل معها كمعطيات أولية لتحديد مساراته وبالنتيجة تمكينه من اتخاذ القرار الإستراتيجي الذي يخدم المصالح القومية..
الحقيقة الأولى/ لقد عجز النظام السياسي والدبلوماسي الدولي وما يرتبط به من معادلات ومصالح ونزعات اقتصادية عن التعاطي مع مستحدثات الربيع العربي وبالمقابل وقف النظام العربي عاجزا عن خلق أو تأطير أي مشروع نهضوي يوظف حالة الربيع لصالحه.
الحقيقة الثانية/ أن ما ترتب على الربيع العربي من فراغ في السلطة في بعض الدول عملت نظرية المصالح الدولية ومشاريع الهيمنة الإقليمية ومشروع الإرهاب الدوغمائي على ملئه بطريقة لا تقبل التجزئة لارتباط هذه المكونات بعضها ببعض سلبا أو إيجابا.
الحقيقة الثالثة/ أن الحالة العربية بقيت مرتكزة على نظرية الدولة الوطنية والدفاع عنها وفقا لعقلية القلعة لعدم وجود أي بديل جمعي للأمة في نظريات الدفاع فباتت تنتظر دورها في عملية وصول المشاريع الإقليمية أو الإرهابية إليها.
الحقيقة الرابعة/ أن نظام العدالة وفض النزاعات وحماية الإنسان في القانوني الدولي وقف عاجزا عن تقديم الحلول للتعاطي مع حالة الإقليم لأنه يميل في أصله للقواعد الاستعمارية.
الحقيقة الخامسة/ وعطفا على ما ورد أعلاه فلقد أضحت فكرة السيادة الوطنية عبارة عن فكرة قديمة لا تفي بالغرض مما جعل منها محض نظريات خيالية مهدرة ضمن إطار القانون الدولي الذي أفرغت قواعده من مضمونها وجرى إهدار جوهرها.
الحقيقة السادسة/ أن المشاريع الدولية والإقليمية والإرهابية تستند إلى عمليات توظيف واصطفاف طائفي أو عرقي تحرق الأخضر واليابس في عمليات إعادة توزيع مناطق النفوذ والهيمنة لا وبل تشكيل خريطة جديدة تزول بموجبها دول وتنشأ أخرى أو يتم تغيير خريطتها زيادة أو نقصانا.
الحقيقة السابعة/ لقد فشلت جميع مساعي الحل السلمي لجميع قضايا المنطقة قديمها وحديثها..
إزاء هذه الحقائق وقفت الأمة العربية أمام خيارين لا ثالث لهما فإما استمرار حالة الرضوخ فالانهيار للدول تباعا بعد فرض المشاريع المذكورة هيمنتها أو وصايتها عليها، أو نفض الأمة العربية ركام الغبار عن حالتها الوجودية لفرض قواعد عمل جديدة في الإقليم وفي نظريات إدارة الصراع فإما أن تقوم بعملية تنفيس واحتواء للصراع أو أن تعمد إلى تضخيم وتفجير الصراع وحيث أن خيار الاحتواء بات متعذرا وفقا لتسلسل الأحداث وجملة المعطيات والحقائق أعلاه وتبلور مشاريع الهيمنة على الأمة وعلى مقدراتها وتهديد هويتها لا بل ووجودها كله كانت النتيجة الطبيعية هي (عاصفة الحزم)..
بصراحة متناهية ووضوح ومباشرة نقول إنه لا حاجة لنا ولا عبرة ولا إنتاجية لتبرير هذا العمل العسكري المبارك ضمن نطاق قواعد القانون الدولي لعجزها عن حماية شعبنا في سوريا ومن قبله في فلسطين أو حتى محاولة شرعنته ضمن نطاق ميثاق الجامعة العربية باعتباره الوجه الآخر لنفس العملة الدولية التي عجزت عن حماية الحقوق العربية على مدار تاريخنا المؤلم لا بل ووضعت قيودا على مدى إمكانية حماية شعوبنا المضطهدة، فهذه العملية هي إفراز طبيعي وردة فعل على الحالة الشاذة في الإقليم كانت حتميتها العسكرية عبارة عن مسألة وقت ويكفي فيها مبررها الأخلاقي الذي ينهض بذاته سببا كافيا للشرعية عند عجز أو عدم كفاية قواعد القانون الدولي وباختصار نقول إن الأمة العربية لم تعد معنية كثيرا بقواعد دولية لا تحقق الحد الأدنى المتيقن من العدالة في المنطقة..
نشير هنا إلى مسألة غاية في الأهمية ونلفت انتباه الإعلام العربي تحديدا إليها وهي أن ولادة نظرية جديدة للقوة العربية فيما بات بالإمكان تسميته (بمبدأ سلمان - الحزم) قد جرى فيه نقل الأمة بكاملها من المفعول به للفاعل ونحن نتحدث هنا عن إعادة تموضع قومي يتجاوز حدود ومفاهيم الدولة الوطنية لذا كان من الخطأ الجسيم بمكان أن يتم اختزال هذا الحدث (التاريخي) بالسعودية (الأم) بوصفه حربا في اليمن لأننا بتنا اليوم نتحدث عن ولادة نظام عربي جديد تكون فيه (الأم) عمود الخيمة والرافعة المتينة الراسخة للخيمة العربية التي لا يمكن أن تكتمل صورتها دون أوتاد وخيوط تشكل النسيج العربي ككل وعليه فلابد للإعلام العربي من إعادة صياغة مفرداته بهذا الاتجاه الأوسع لكي لا يتم تقزيم الآثار الإستراتيجية الكبرى المترتبة على تشكل هذا النظام الجديد وما أستحدثه على المنطقة والتي يمكن بيان أهمها بما يلي: -
أولا/ ولادة القوة بمواجهة الهيمنة والإرهاب
إن أي تغيير لا يمكن أن ينشأ إلا عن حالة قوة تفرض هذا التغيير كواقع على الأرض وتحمي وجوده وتعطيه شرعية الاستمرار القادر على ملء الفراغ الناشئ عن تفكك الدولة الوطنية للتصدي لعمليات الإحلال الحضاري الطارئ - غير العربي - على هوية المنطقة أو التفكيك الخشن لعمليات الإسقاط بالبراشوت للتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود والتي حاولت فرض مفاهيم وأدوات وحدود جديدة في المنطقة.
ثانيا/ إزاء الفشل الأخلاقي والقانوني والسياسي والدبلوماسي لقواعد العمل الدولي ومنظماته ومؤسساته وأشخاصه في حل مشاكل الإقليم فإن حالة القوة العربية الوليدة تستمد شرعيتها من ذاتها وواقعها باعتبارها البديل الأخلاقي الواقعي لإنهاء مشاكل الإقليم فتعمل على إخماد الصراع غير الأخلاقي في البؤر المتوترة أو المشتعلة مثل سوريا والعراق..
ثالثا/ أن القوة تخلق قواعدها بنفسها فتفرض معادلات جديدة في المنطقة والعالم وهي تتجاوز حدود فكرة السيادة التي باتت وهمية وتشرع للتدخل ضمن النطاق الحيوي لنظريات الأمن القومي العربي والذي يتجاوز فيها هذا النطاق فكرة (من المحيط للخليج) لتصبح متعدية لتطال الإرهاب بضربه وتفكيكه في العالم كله أو التأثير الدولي على مصالح الغير فيما إذا حاول العبث بالداخل العربي وهنا فعلى الغير اتباع ما ينشأ عن أفعال القوة بمفهومها الواسع وأثر استخدامها لأن القبول بنتائجها من عدمه سيان بالنسبة لمن يملكها ولديه القدرة على استخدامها باعتبار كل ما ينشأ عنها وتفرضه على أرض الواقع يمثل حالة الشرعية وعلى الغير التكيف مع الواقع الجديد..
رابعا/ أن القوة كحالة عربية هي الوحيدة القادرة على إعادة التوازن للمنطقة والأخذ بزمام المبادرة والانتقال من حالة المفعول به للفاعل مما يعني إجبار المجتمع الدولي على القبول بقواعد جديدة في العمل الدولي يفضي إلى تطوير قواعد القانون الدولي وأدواته لأنه قد ثبت أن هذه القواعد وما ينشأ عنها من أداوت كانت ولا تزال عاجزة أمام إنصاف الأمة العربية في قضاياها وكذلك وقفت عاجزة عن التعاطي مع ما نشأ من واقع على الأرض بعد الربيع العربي لاسيَّما فيما يتعلق بقضية الإرهاب الذي أخذ شكلا وحجما وتأثيرا أكبر من بعض دول المنطقة..
خامسا/ أن فكرة القوة العربية لا تتوقف عند حالة الدفاع بل هي متعدية وهجومية عند اللزوم قادرة على ملء أي فراغ ينشأ عن غياب سلطة الدولة الوطنية أو انهيارها لحماية سقوط أي دولة في حالة الفوضى أو استعادتها من الفوضى ومنع توظيف حالة انهيارها لتصبح ورقة تفاوض لدى الغير وبهذا المعنى تصبح الدولة الوطنية جزء من معادلة التفاوض مع الغير كطرف يضع شروطه على الطاولة وهنا يبرز اتجاهان الأول متعلق بتراجع فكرة السيادة الوطنية متى ما كانت على حساب الأمن القومي لتنصاع لمتطلباته والثاني أن الأمن القومي العربي هي فكرة موضوعية مجردة وبالتالي لا يمكن أن تنحاز لحالة أو تركيبة أو فكرة طائفية أو عرقية بل تواجهه ومن هنا فعلى الجميع الاستعداد لفكرة التدخل في سوريا والعراق لتفكيك الاصطفاف الطائفي ووقف التطهير العرقي الحاصل كضرورة وكنتيجة حتمية لولادة القوة الجديدة..
سادسا/ تعريب منطق القوة في المنطقة بعد أن كان حكرا على التدويل بإحياء التضامن العربي الذي تفكك وانهار عام 1990 بعد احتلال صدام حسين للكويت وهو يأخذ شكلا جديدا يتجاوز فكرة التضامن التقليدية وصولا للتحالف الفعلي على الأرض المنشئ لقوة إقليمية ومنظومة دفاع وردع وهجوم افتقدتها الأمة العربية عبر العقود الماضية منذ العام (1973) تمهد لحل المشاكل العربية ضمن النطاق العربي بعيدا عن التدخل الدولي الذي أنهك المنطقة وترك فراغا أو صراعا بعد انسحابه وانقضاء مصالحه وسيساهم ذلك في تشكيل أدوات جديدة كتعبير عن حالة القوة مثل محكمة العدل العربية ومجلس الأمن العربي وتفعيل أدوات سابقة مثل الجامعة العربية مما سيؤدي إلى تغيير نوعي في خريطة السيادة والنفوذ في المنطقة والعالم في حال أدير ملف القوة بما يليق به..
سابعا/ لعل من أبرز وأهم النتائج والآثار الاستراتيجية المترتبة على ولادة القوة العربية هي استعادة رجل الشارع العادي ثقته بالعسكرية العربية وشعوره بالطمأنينة من وجود قوة تحمي وجوده ومكتسباته بعد العبث الذي حصل في الإقليم
قبل الختام نشير إلى ثلاث نقاط غاية في الأهمية لن يكتمل من دونها مشهد ومنطق وتحولات القوة العربية وحيث أن عدم مراعاتها سيكون لها عواقب وخيمة جدا على مستقبل الأمة العربية وهي: -
النقطة الأولى/ لا يمكن السماح بتعطيل أو تأجيل أو فشل ولادة القوة العربية فوضع مقررات القمة موضع التنفيذ واستكمال المشهد اليمني وعاصفة الحزم حتى تحقيق كامل أهدافها على الأرض وفرض الولاية العربية على التراب العربي هو استحقاق وليس خيار ولابد لذلك من نجاح أول تجربة حقيقية في هذا الاتجاه ووضع اليد على كامل التراب اليمني بأيد عربية فالإخفاق في اليمن يعني أمرا واحدا هو فشل منظومة القوة العربية التي ستقود لنهاية النظام العربي بشكله الحالي واستفراد قوى إقليمية أخرى بالمشهد لذلك فأن التدخل البري أمر لا مفر منه وهو مسألة وقت..
النقطة الثانية/ لابد من نزع فتيل الأزمات المتوقعة وأسباب الخلاف الحالية في الشأن المصري ولا يمكن بقاء الوضع المصري محل تناقض أخلاقي وسياسي لذلك فعلى جميع الأطراف المعنية بنجاح منظومة القوة العربية والمؤثرة في المشهد المصري أن تسعى لإجراء مصالحة وطنية تاريخية يصار فيها إلى إعادة تنظيم الأخوان للانخراط في العملية السياسية المصرية بشكل سلمي تعددي ديمقراطي وعندما نتحدث بمنطق المصالحة فنحن نتحدث عن تنازلات من جميع أطراف المعادلة المصرية الوطنية..
النقطة الثالثة/ الأردن.. عليكم بالأردن فعضوا عليه بالنواجذ وأدركوه قبل أن يدركه ما يخشى عليه من تشيع سياسي فهو يعيش ضمن معادلات صعبة ومعقدة .
الدجاجة التي أسعدت أطفال غزة
دخل على أولاده بدجاجة فهللوا وسجدوا لله شاكرين! هذا كان حال عائلة غزاوية من قطاع غزة حينما أقدم... اقرأ المزيد
231
| 28 أكتوبر 2025
كم تبلغ ثروتك؟
أصبحنا نعيش في عالم تملأه الماديات، نظرة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي تجعلنا نرى أثر الحياة السريعة المادية... اقرأ المزيد
243
| 28 أكتوبر 2025
التواصل الذي يفرقنا
جلست بالسيارةِ وحتى البحر عبرتُ وخلال مجلسي في الاستراحةِ نظرتُ لكل من يجلس حولي حتى ذلك الطفل الصغير... اقرأ المزيد
195
| 28 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6540
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6423
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3126
| 23 أكتوبر 2025