رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

510

إبراهيم عبد المجيد

كيف اختلف نجيب محفوظ؟

07 أغسطس 2025 , 12:30ص

يظل نجيب محفوظ في حياته درسا لا يتكرر، منذ صباه حتى ظهر كاتبا للرواية عام 1939 بروايته «عبث الأقدار» كانت مصر حوله تغلي بالحركة السياسية بعد ثورة 1919. كانت الحياة الليبرالية حوله متسعة، فلم يدفع كاتب ثمن رأيه إلا قليلا، مثل عباس محمود العقاد الذي سُجن عاما، حين قال رأيه في الملك فؤاد الذي أراد تعطيل الدستور عام 1930. وبيرم التونسي الذي تم نفيه إلى باريس بسبب مقال ينتقد فيه العائلة المالكة في عهد فؤاد أيضا، وقبلهما عام 1914 تم نفي أحمد شوقي حين عزل الإنجليز الخديوي عباس حلمي الذي كان شوقي مقربا منه. ظهر في مصر كاتب ومفكر هو إسماعيل أدهم كتب مقالا بعنوان» لماذا أنا ملحد؟» عام 1937 فجاء الرد عليه بكتاب «لماذا أنا مؤمن» من عدد مهم من الكتاب ولم يتم سجنه. طبعا اختلف الأمر مع السياسيين لكن الشوارع كانت تنتفض من أجلهم وتتغير الأحوال. كان يمكن لهذا الجو السياسي المتسع أن يجذب نجيب محفوظ، لكنه لم يساهم في العمل السياسي ولم ينتم إلى أيْ حزب. تأثير الحياة الليبرالية عليه جعله يؤمن بحق الآخرين في الاختلاف، لذلك مضت سنوات طويلة حتى نهاية الخمسينيات، ولا مقالات عنه إلا مقالان أو ثلاثة مبكرون. اختار نجيب محفوظ في هذا الجو من الحرية أن يقيم للرواية العربية بيتا في لغتنا يساوي ما فعلته الرواية عبر خمسمائة سنة في العالم. فكما بدأت الرواية في العالم تاريخية ثم واقعية ثم حداثية وعجائبية بدأ هو بالرواية التاريخية مثل رادوبيس وكفاح طيبة ثم روايات واقعية مثل خان الخليلي وزقاق المدق والثلاثية الشهيرة، ثم انتقل في نهاية الخمسينيات الى الحداثة مع أولاد حارتنا. استمرت الرحلة في أن يكتب وينشر دون أي تفكير في مكسب آخر. تولى في عمله مناصب ثقافية لكنها لم تكن وسيلة للاستفادة بأي شكل من الأشكال. جاءته السينما مع بداية الستينيات تجري وراء أعماله، هو الذي لم يشغله من قبل أن تتحول أعماله لأفلام، رغم مساهمته في كتابة سيناريو لأكثر من فيلم بعضها رومانسي. كان ميله لكتابة السيناريو نوعا من التجريب وطريقة أسرع في الكسب، وكذلك ابتعادا عن كتابة الرواية لسنوات بعد حركة يوليو 1952 التي لم يكن يعرف إلى أين ستسير الأمور بعدها. ظل كذلك حتى عام 1959 حين بدأ ينشر روايته «أولاد حارتنا» في جريدة الأهرام مبتعدا عن الواقعية إلى الأفكار الفلسفية الكبرى، ورغم ما جري معها انفتحت له أبواب الرواية من جديد بغزارة. كيف استطاع محفوظ أن ينجو بنفسه من جحيم السياسة والسياسيين وجحيم الاختلاف مع الآخر؟ هذا درس لا يتوفر لكل الكتاب. يظل هو حالة خاصة لا تتكرر. كان نضجه وسط الحياة الليبرالية سببا في تقبله لأي اختلاف، وأن يحتفظ بالمرارة داخله حين يكون الرأي مجحفا له. هذا هو السبب الأول.

السبب الثاني هي الثقة والإيمان بالنفس وبأن الكتابة تكفي متعتها لأي كاتب، ومكاسبها المادية ستأتي أو لا تأتي فالمهم متعتها. ساعده على ذلك بساطة الحياة حوله في أسعارها وكل شيء فالعشرة جنيهات كانت تكفي الأسرة شهرا دون احتياج. هذا الاختلاف بين الجميع ومحفوظ كان من فعله هو، وإيمانه بما قدر الله له من كتابة، الحياة الليبرالية جعلت الجميع يعملون في كل شيء. سياسة وصحافة وإبداع، لكنه اختار الإبداع من بينها فقط، وهذه إرادته القوية، التي ساعده عليها الزمن وسهولة الحياة التي صارت حلما ضائعا.

مساحة إعلانية