رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يخطئ من يعتقد أن الطبائع والصفات لا يمكن تغييرها، أو أن ما ألفه المرء واعتاده وعاش عليه فترة من الدهر، لا يمكن له أن يتحول عنه، ويصير شيئا لصيقًا به طيلة عمره.
وبالنظر إلى الوصايا القرآنية والنبوية بتحسين الأخلاق، سندرك بوضوح إمكانية التغيير، فلو لم تكن الطبائع والأخلاق تتغير لبطلت المواعظ والوصايا، ولما جاء الأمر بتحسين الأخلاق كما قال علماء السلوك كالغزالي وغيره.
لكن التغيير كأي سلوك بشري له خصائص ومراحل يمر بها، تسير وفق سنن ربانية، ولها في نفس الوقت عوائق تحول دون إتمام عملية التغيير حتى وإن أرادها الإنسان.
وليس هناك ما يدفع الإنسان للتغيير بقدر ما يدفع إليه الإيمان، عندما يتمسك الإنسان بعقيدة سليمة تنتشله من حيرة النظر في الكون العتيد، فتريح عقله، وتنسجم مع فطرته، وتربطه بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
كان النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية منذ البعثة، يؤكد على تعميق الإيمان في النفوس، عن طريق تدبر القرآن الكريم، والوصية بالطاعة والبعد عن المخالفة، فإن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته هي أكبر طاقة دافعة للتغيير.
فالعقيدة هي أقوى دافع لتغيير الإنسان، وكلما كان إيمانه بالفكرة أعمق، كلما اتجه صوب ما يتناغم معها من قيم وسلوكيات ترقى لمستوى تلك العقيدة، لذا تحول الصحابة بعد إيمانهم من شأن إلى شأن آخر.
كان الفاروق عمر قبل الإيمان، رجلًا جافًا، وليس له تأثير يذكر في مجتمعه، فما إن خالطت بشاشة الإيمان قلبه حتى تحول إلى عمر الذي يُبكيه الجياع، وتقتلع قلبَه آيةٌ قرآنية يتلوها بالليل في صلاته، تحول إلى عمر حاكم أكبر دولة على الأرض في وقت ما، ترتعد له فرائص القياصرة والأكاسرة.
كان بلال بن رباح قبل الإيمان، مجرد عبد حبشي، يضنيه العمل بالنهار والسوط بالليل، لا ذِكر له بين الأنام، كان هملًا بين الناس، فتحول بالإيمان إلى سيد في قومه، شجاع يتصدى في ساحة المعركة من كان سيّده يوما في الرق، فقد زال عنه الخوف من السياط، وتحول إلى بلال مؤذن الرسول، الذي يعرفه كل طفل صغير، فما إن يذكر الأذان في العهد النبوي حتى يتبادر إلى الأذهان اسم بلال.
وكان مصعب بن عمير قبل الإيمان، فتى مكة المدلل، وابن أمه، تضع له الطعام عند رأسه حتى إذا ما استيقظ لم يتكلف عناء طلب الزاد، تشتري له أفخر الثياب وأرقى العطور، حتى كان يعرف أنه مر من الطريق من رائحة عطره، ولما اعتنق الإيمان تحول هذا الشاب الناعم الذي لا يستطيع الاعتماد على نفسه إلى رجل جلد خشن يتحمل العذاب والجوع من أجل فكرته التي يؤمن بها.
اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم عليه في نشر الإسلام بالمدينة، فلم يدع دارًا في يثرب إلا ودعا أهلها إلى الإسلام، فلما أذن الله لنبيه بالهجرة، ذهب إلى المدينة وقد عمها الإسلام بسبب هذا الشاب، فاستقبلوه على مشارفها استقبال الأهل والأحباب.
لكن تغيير الأخلاق يحتاج إلى شيء من الصبر والتكلف حتى تصير سجية وطبعا، كما الحال فيمن يحاول تحسين خطه، يعاني ويراعي المسافات على السطور زمنًا، حتى يصبح الخط الحسن شيئا عاديا يفعله بلا تكلف.
إن رغبة الإنسان في تغيير نفسه تنبع من قناعته وإيمانه بالكسب الذي سيحصده والذي سيجلبه له هذا التغيير، والخسارة التي سيجنبه إياها، لذلك يلزم تذكير النفس بذلك وتحديثها على الدوام بهذا الكسب وتلك الخسارة.
ومما يساعد الإنسان على تغيير نفسه وجود أصدقاء من حوله يحملون نفس هم التغيير مثله، فذلك يشعره بالدعم المعنوي، كما يمنحه فرصة لتبادل التجارب والخبرات مع أشخاص يمشون معه في الطريق نفسه، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
ثم ينبغي على المسلم الذي يسعى إلى تغيير نفسه، أن يطلب العون من الله، وألا يكف عن الطلب حتى تتحقق الاستجابة. كما قال الله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ehssanfakih@gmail.com
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إحسان الفقيه
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
2022
| 24 ديسمبر 2025
حين تُذكر قمم الكرة القطرية، يتقدّم اسم العربي والريان دون استئذان. هذا اللقاء يحمل في طيّاته أكثر من مجرد ثلاث نقاط؛ إنها مواجهة تاريخية، يرافقها جدل جماهيري ممتد لسنوات، وسؤال لم يُحسم حتى اليوم: من يملك القاعدة الجماهيرية الأكبر؟ في هذا المقال، سنبتعد عن التكتيك والخطط الفنية، لنركز على الحضور الجماهيري وتأثيره القوي على اللاعبين. هذا التأثير يتجسد في ردود الأفعال نفسها: حيث يشدد الرياني على أن "الرهيب" هو صاحب الحضور الأوسع، بينما يرد العرباوي بثقة: "جمهورنا الرقم الأصعب، وهو ما يصنع الفارق". مع كل موسم، يتجدد النقاش، ويشتعل أكثر مع كل مواجهة مباشرة، مؤكدًا أن المعركة في المدرجات لا تقل أهمية عن المعركة على أرضية الملعب. لكن هذه المرة، الحكم سيكون واضحًا: في مدرجات استاد الثمامة. هنا فقط سيظهر الوزن الحقيقي لكل قاعدة جماهيرية، من سيملأ المقاعد؟ من سيخلق الأجواء، ويحوّل الهتافات إلى دعم معنوي يحافظ على اندفاع الفريق ويزيده قوة؟ هل سيتمكن الريان من إثبات أن جماهيريته لا تُنافس؟ أم سيؤكد العربي مجددًا أن الحضور الكبير لا يُقاس بالكلام بل بالفعل؟ بين الهتافات والدعم المعنوي، يتجدد النقاش حول من يحضر أكثر في المباريات المهمة، الريان أم العربي؟ ومن يمتلك القدرة على تحويل المدرج إلى قوة إضافية تدفع فريقه للأمام؟ هذه المباراة تتجاوز التسعين دقيقة، وتتخطى حدود النتيجة. إنها مواجهة انتماء وحضور، واختبار حقيقي لقوة التأثير الجماهيري. كلمة أخيرة: يا جماهير العربي والريان، من المدرجات يبدأ النصر الحقيقي، أنتم الحكاية والصوت الذي يهز الملاعب، احضروا واملأوا المقاعد ودعوا هتافكم يصنع المستحيل، هذه المباراة تُخاض بالشغف وتُحسم بالعزيمة وتكتمل بكم.
1635
| 28 ديسمبر 2025
أرست محكمة الاستثمار والتجارة مبدأ جديدا بشأن العدالة التعاقدية في مواجهة « تغول» الشروط الجاهزة وذلك برفض دعوى مطالبة احتساب الفوائد المتراكمة على البطاقة الائتمانية. فقد شهدت أروقة محكمة الاستثمار والتجارة مؤخراً صدور حكم قضائي لا يمكن وصفة إلا بأنه «انتصار للعدالة الموضوعة « على حساب « الشكليات العقدية» الجامدة، هذا الحكم الذي فصل في نزاع بين إحدى شركات التأمين وأحد عملائها حول فوائد متراكمة لبطاقة ائتمانية، يعيد فتح الملف الشائك حول ما يعرف قانوناً بـ «عقود الإذعان» ويسلط الضوء على الدور الرقابي للقضاء في ضبط العلاقة بين المؤسسات المالية الكبرى والأفراد. رفض المحكمة لاحتساب الفوائد المتراكمة ليس مجرد قرار مالي، بل هو تقويم مسار»، فالفائدة في جوهرها القانوني يجب أن تكون تعويضا عن ضرر او مقابلا منطقيا للائتمان، أما تحولها إلى إدارة لمضاعفة الديون بشكل يعجز معه المدين عن السداد، فهو خروج عن وظيفة الائتمان الاجتماعية والاقتصادية. إن استقرار التعاملات التجارية لا يتحقق بإطلاق يد الدائنين في صياغة الشروط كما يشاءون، بل يتحقق بـ « الثقة» في أن القضاء يقظ لكل انحراف في استعمال الحق، حكم محكمة الاستثمار والتجارة يمثل نقلة نوعية في تكريس «الأمن العقدي»، ويؤكد أن العدالة في قطر لا تقف عند حدود الأوراق الموقعة، بل تغوص في جوهر التوازن بين الحقوق والالتزامات. لقد نجح مكتب «الوجبة» في تقديم نموذج للمحاماة التي لا تكتفي بالدفاع، بل تشارك في «صناعة القضاء» عبر تقديم دفوع تلامس روح القانون وتحرك نصوصه الراكدة. وتعزز التقاضي وفقا لأرقى المعايير.
1152
| 24 ديسمبر 2025