رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تحدثنا في المقال السابق عن المعيارين الأولين للتنافس الاقتصادي وسنكمل اليوم باقي المعايير، ولا يشك عاقل أن النمو الاقتصادي هو أساس كل نمو حضاري آخر.
المعيار الثالث: كفاءة سوق العمل
الحديث هنا ليس عن البضائع وإنما عن الإنسان، وتقاس كفاءة سوق العمل بالأمور التالية:
(1) المرونة، ويُقصد بها تعدد مهارات ومواهب وقدرات الموظفين والعمال.
(2) الكفاءة ويُقصد بها مدى استفادة الدولة والشركات من المهارات والمواهب والقدرات التي يتمتع بها الموظف والعامل.
أفضل ست دول في العالم في معيار كفاءة سوق العمل
* المركز الأول: سنغافورة
* المركز الثاني: سويسرا
* المركز الثالث: هونغ كونغ
* المركز الرابع: أمريكا
* المركز الخامس: الدانمارك
* المركز السادس: كندا
" ما لم تكن مستعداً لأن تتفوق في عملك فوق المستوى العادي، فأنت لا تستحق أن تشغل أي مكان في القمة" جيه سي بني
- معيار كفاءة سوق العمل لدول الخليج العربي ومصر
الأرقام البيانية التالية تبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في العام (2011) م، في معيار كفاءة سوق العمل.
* حصلت الإمارات على المركز (25) من أصل (139) دولة
* البحرين حصلت على المركز (27)
* الكويت حصلت على المركز (62)
* السعودية حصلت على المركز (64)
* عمان حصلت على المركز (35)
* قطر حصلت على المركز (14)
* مصر حصلت على المركز (128)
المعيار الرابع: تميز الأسواق المالية
يقاس تميز الأسواق المالية لدولة ما بالأمور التالية:
(1) الكفاءة، ويُقصد بها مدى سهولة الحصول على القروض، بالنسبة للشركات والمصانع، وهنا أطالب بأن تكون القروض بلا فوائد ربوية، من خلال الاستفادة من التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمال وطرق تملكه وإدارته.
(2) توفر رأس المال للمصانع والشركات والتجار وغيرهم.
(3) حماية حقوق المستثمرين، وتقاس الحماية بعدة أمور منها قوة البنوك، قوانين البورصة، مؤشر الحقوق القانونية في الأسواق المالية.
- معيار تميز الأسواق المالية لدول الخليج العربي ومصر
الأرقام البيانية التالية تبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في العام (2011) م، في معيار تميز الأسواق المالية.
* حصلت الإمارات على المركز (32) من أصل (139) دولة
* البحرين حصلت على المركز (19)
* الكويت حصلت على المركز (61)
* السعودية حصلت على المركز (22)
* عمان حصلت على المركز (29)
* قطر حصلت على المركز (19)
* مصر حصلت على المركز (79)
المعيار الخامس: حجم السوق
يُقصد بحجم السوق البضائع وكيفية تصريفها، فالدولة التي تملك البضائع إما أن تبيعها في داخل الدولة أو خارجها، فحجم السوق لدولة ما يُقاس بالسوق الداخلية والخارجية، ويتأثر هذا المعيار بعدد سكان الدولة، لذا فمن الطبيعي أن تجد الدول الصغيرة مشكلة في تصريف البضائع داخلياً، بسبب صغر حجم الدولة، وهذا ما سنلاحظه في الأرقام والتقارير والإحصاءات التي ستأتي.
أما الدول الكبيرة مثل أمريكا والصين، اللتين تملكان أسواقاً كبيرة في الداخل والخارج، فوضعها مختلف تماماً، فمثلاً أمريكا لديها سوق ضخم في الخارج، حيث تبيع في كل دول العالم، وسوق ضخم في الداخل حيث يبلغ حجم السوق الداخلي (300) مليون نسمة.
- معيار حجم السوق لدول الخليج العربي ومصر
الأرقام البيانية التالية تبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في العام (2011) م، في معيار حجم السوق، ومن الطبيعي أن تتأخر الدول ذات الكثافة السكانية القليلة، لأن اعتمادها سيكون على السوق الخارجية، وأن تتقدم الدول ذات الكثافة السكانية العالية مثل مصر والسعودية، بسبب ضخامة السوق الداخلي.
* حصلت الإمارات على المركز (49) من أصل (139) دولة
* البحرين حصلت على المركز (95)
* الكويت حصلت على المركز (57)
* السعودية حصلت على المركز (21)
* عمان حصلت على المركز (70)
* قطر حصلت على المركز (64)
* مصر حصلت على المركز (25)
المعيار السادس: تميز القطاع الخاص
في كل دولة هناك ثلاثة قطاعات:
* القطاع الحكومي مثل الشركات الحكومية والوزارات المختلفة.
* القطاع الخاص مثل الشركات والمصانع والمؤسسات، التي لا تتبع الحكومة.
* القطاع الشعبي الذي يدور الجمعيات الخيرية والنفع العام، وتُقاس جودة أي اقتصاد دولة بهذه القطاعات الثلاثة، التي منها " القطاع الخاص ".
- معايير تميّز القطاع الخاص
يُقاس تميّز القطاع الخاص وفق معايير تفصيلية أهمها:
(1) الشبكات الداعمة التي تدعم القطاع الخاص، وكذلك عدد الموردين للبضائع، فمثلاً المصنع الذي يعتمد على مورد واحد فقط ما من شك أنه في خطر، خاصة إذا توقف المورد أو امتنع عن التوريد.
(2) جودة الموردين، فإذا كان المصنع يستورد من جهة متدنية الجودة، فقطعاً ستكون منتجات المصنع رديئة وسيئة ولن تنافس الأجود منها والأفضل.
(3) تطور القطاع الخاص، هل هو قطاع ثابت وجامد وتقليدي..؟ أم هو في تطور مستمر؟
(4) تميز العمليات والإستراتيجيات، والحديث هنا عن جودة إستراتيجيات التنافس مع الدول الأخرى
(5) تميز عمليات الإنتاج، هل هي رديئة وضعيفة، أم أنها متميزة وذات جودة عالية؟
(6) تميز التوزيع والتسويق للإنتاج، هل هو توزيع ضعيف أم قوي؟
- أفضل ست دول في العالم في معيار تميز القطاع الخاص
* المركز الأول: اليابان
* المركز الثاني: السويد
* المركز الثالث: ألمانيا
* المركز الرابع: سويسرا
* المركز الخامس: هولندا
* المركز السادس: النمسا
- معيار تميز القطاع الخاص لدول الخليج العربي ومصر
الأرقام البيانية التالية تبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في العام (2011) م، في معيار تميز القطاع الخاص.
* حصلت الإمارات على المركز (21) من أصل (139) دولة
* البحرين حصلت على المركز (53)
* الكويت حصلت على المركز (56)
* السعودية حصلت على المركز (19)
* عمان حصلت على المركز (44)
* قطر حصلت على المركز (21)
* مصر حصلت على المركز (61)
* إضاءات سريعة
(1) الملف الاقتصادي في عالمنا العربي والإسلامي يحتاج إصلاحه إلى جهد كبير جداً، نحن لا نعاني من شح في الطاقات البشرية، ولا ندرة في الموارد المالية والطبيعية، فالقدرات والأموال موجودة لكننا نحتاج إلى توظيف صحيح لمقدرات الدول ومهارات العمّال والموظفين.
(2) لا يمكن أن يحدث تطور اقتصادي في ظل حكم استبدادي يأخذ الأموال ويسرق مقدرات الشعب، ويستأثر بخيرات البلد، ثم لا يجد أحداً يحاسبه.
(3) قد يأخذ الاستبداد عدة أشكال، منها السرقات المباشرة دون حساب من أحد، ومنها بيع الأراضي وتوزيعها بغير حق لصالح الحكام وبطانتهم، ومنها استغلال الثروات الأساسية للدولة، لصالح الحاكم وبطانته السيئة.
(4) من أجل إحداث تطور اقتصادي لا بد من وجود نظام محاسبي، وهيئة رقابية مستقلة، لا تتبع الحكومة، إنما تتبع البرلمان الذي يتولى تعيين أعضاء هيئة المحاسبة والرقابة، وبغير ذلك ينتشر الفساد، ويأكل الأخضر واليابس من مقدرات الدولة.
(5) بعد الربيع العربي، والثورات العربية المباركة يعيش عالمنا العربي فرصة كبيرة لإعادة الاقتصاد إلى جادة الصواب، ولتحقيق تنمية حقيقية لصالح الشعوب، وفرصة موازية لتغيير النظرة إلى التعليم والصناعة، وتغير قيم الإنسان بما ينفع نفسه وبلده والأمة والبشرية.
 زيتونتي ماتت.. وبقيت أنا !
            
            زيتونتي ماتت.. وبقيت أنا !
            الهوينا كان يمشي، هنا فوق رمشي، اقتلوه بهدوءٍ، وأنا أهديه نعشي...... صدق القائل ومِنَ الحُبِ ما قَتل، هذا... اقرأ المزيد
138
| 31 أكتوبر 2025
 بيد الوالدين تُرسم ملامح الغد
            
            بيد الوالدين تُرسم ملامح الغد
            تُعتبر الأسرة الخلية الأولى في المجتمع وأحد أهم العوامل المؤثرة في بناء شخصية الطفل، حيث تُسهم في تكوين... اقرأ المزيد
159
| 31 أكتوبر 2025
 الخطأ في تشخيص حالات التوحد (ASD)
            
            الخطأ في تشخيص حالات التوحد (ASD)
            ظهرت للأسف من قبل أخصائيين غير مدربين على كفاءة وضمير مهني التجارة بمسمى العلاج وعدم الإدراك والفهم والوعي... اقرأ المزيد
81
| 31 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
 
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6639
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6495
| 24 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2694
| 28 أكتوبر 2025
