رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه مالم يعلم، والصلاة والسلام على معلم البشرية وباعث النهضة فيها، وعلى آله وصحبه أجمعين: يقاس مستوى التعليم لدولة ما بما يلي: أولاً: جودة التعليم الأساس (الابتدائي) ثانياً: نسبة الالتحاق بالمدارس الأساسية (الابتدائية) ثالثاً: حجم الصرف على التعليم الأساس بالنسبة للميزانية العامة. أولاً: جودة التعليم الأساس (الابتدائي) جودة التعليم الابتدائي تنعكس على رقي وتطور أي دولة، بل تنعكس على كل الحضارة، بل أقول ما هو أغرب من هذا، حيث تشير الإحصاءات إلى أن الأطفال الذين يلتحقون بالحضانات (٢-٤) سنوات، تكون نسبة الذين يتخرجون منهم في الثانوية العامة (بعد 14 سنة) أكثر من الذين لم يدخلوا الحضانة بنسبة (٣٠٪)، وهنا نتحدث عن فترة الحضانة، وليس عن مرحلة الروضة، فآثار جودة التعليم الابتدائي لا تظهر في يوم وليلة، بل تحتاج إلى سنوات لنقطف ثمارها الإيجابية. يقول روجر فريتس " ليس التعلم أن تحفظ الحقائق عن ظهر قلب بل إن تعرف ماذا تفعل بها " التعليم مفتاح البناء والنهضة جودة التعليم الابتدائي قضية في غاية الأهمية، خاصة في مرحلة تشكيل شخصية الطفل، وتزداد أهميتها إذا عرفنا أنها المرحلة التي تؤسس لكل المراحل التي تأتي بعدها، وما سيأتي ينبني عليها، فأي ضعف أو قصور في هذه المرحلة، سينعكس سلباً وضعفاً على باقي مراحل التعليم، وضعف التعليم مؤذن بانهيار الحضارات، وقوة التعليم وجودته هي المفتاح الأساس لبناء ونهضة الحضارات، ولقد اتفقت كلمة العالم كله على أن التعليم الأساس هو أساس التفوق. فهذه " اليابان " ما تفوقت إلا بعد أن ضاعفت من اهتمامها بالتعليم الأساسي، وجعلت من أهدافها تجاوز هدف تخريج أطفال متفوقين دراسياً، إلى تخريج أطفال بارعين وأذكياء ومبدعين. معايير التعليم الجيد ترتبط جودة التعليم ارتباطاً وثيقاً بمعايير رئيسة منها: - تحقيق الأهداف التعليمية المخطّط لها مسبقاً. - وجود معايير للقياس والكيف، والمقارنة ومؤشرات أداء، وليس فقط الكم. - الاهتمام بجودة المعلم وجودة التلميذ - الاهتمام بجودة المنهج وجودة تقنيات التعليم والوسائط التعليمية الحديثة. معيار جودة التعليم الأساس في بعض الدول الأجنبية * كندا (5.6) من (7) درجات * اليابان (5.1) من (7) درجات * فرنسا (5) من (7) درجات * بريطانيا (4.9) من (7) درجات * الصين (4.7) من (7) درجات * أمريكا (4.9) من (7) درجات * ألمانيا (4.6) من (7) درجات * الكيان الصهيوني (3.6) من (7) درجات نلاحظ هنا نتيجة الكيان الصهيوني (3.6) من (7) درجات، وهذا مؤشر على انهيار التعليم الأساس لديهم، وهذا يعني انحدار الأجيال القادمة لديهم – بإذن الله تعالى- لأن اهتمامهم منصبٌ على الجانب العلمي الذي يخدم الجانب العسكري بشكل كبير، وليس على التعليم الأساسي. معيار جودة التعليم الأساس في دول الخليج العربي ومصر * قطر (6) من (7) درجات * الإمارات (4.9) من (7) درجات * البحرين (4.5) من (7) درجات * عمان (4.4) من (7) درجات * السعودية (4.2) من (7) درجات * الكويت (3.5) من (7) درجات * مصر (2.5) من (7) درجات معيار جودة التعليم الأساس في باقي الدول العربية * لبنان (5.5) من (7) درجات * تونس (5) من (7) درجات * الأردن (4) من (7) درجات * سوريا (3.3) من (7) درجات * الجزائر (3.1) من (7) درجات * المغرب (3.1) من (7) درجات * موريتانيا (2.5) من (7) درجات * ليبيا (2.5) من (7) درجات معيار جودة التعليم الأساس في بعض الدول الإسلامية * ماليزيا (4.9) من (7) درجات * إندونيسيا (4.1) من (7) درجات * تركيا (3.2) من (7) درجات * باكستان (3) من (7) درجات * نيجيريا (2.6) من (7) درجات تحية لقَطَر نلاحظ من خلال الأرقام أن دولة " قطر " قد تفوقت على " كندا " في معيار التعليم الأساسي، وهذا يستوجب منا شكرها والثناء عليها، ودعوة باقي الدول العربية للاقتداء بها، والاستفادة القصوى من تجربتها الرائدة، ولأن الخبر ليس كالمعاينة، فلقد زرت المؤسسات التعليمية في " قطر " فوجدت شيئا عجيباً، وإذا كنت سأرسل أولادي للدراسة في العالم الإسلامي فستكون " قطر " هي اختياري الأول بلا شك، في المقابل هناك كارثة في التعليم الابتدائي في بعض الدول العربية والإسلامية، آمل أن يعالجوها سريعا. ثانياً: نسبة الالتحاق بالمدارس الأساسية (الابتدائية) من المقاييس الرئيسة التي يقاس بها مستوى التعليم في دولة ما نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي، أي نسبة الأطفال المسجلين في المدارس الابتدائية. المؤشرات السلبية للتسرب من التعليم الابتدائي يعطي التسرب من التعليم الابتدائي مؤشرات سلبية على الآتي: * قوة وكفاءة النظام التعليمي * مؤازرة المجتمع لقضية التعليم، ومدى اقتناعه بأهمية التعليم. * حجم الهدر في الإنفاق على التعليم، حيث تصرف أموال طائلة على التعليم، ولست أدري ما الفائدة من كل ذلك الإنفاق في حين أن نسبة كبيرة من الأطفال لا يدخلون المدارس. ثالثاً: حجم الصرف على التعليم الأساس بالنسبة للميزانية العامة. هذه إحدى المعايير الرئيسة التي يتم قياس التعليم من خلالها، وإليك بعض الأرقام والإحصاءات التي تكشف نسبة الصرف على التعليم من الميزانية العامة لبعض الدول: * اليابان (١٠٪) من الميزانية العامة للدولة * الكيان الصهيوني (١٤٪) من الميزانية العامة للدولة * أمريكا (١٥٪) من الميزانية العامة للدولة * سنغافورة (١٥٪) من الميزانية العامة للدولة * الدول العربية (١٨٪) هي نسبة المتوسط العام للصرف على التعليم من الميزانية العامة. " إن التعليم والقضاء يشكلان محورين أساسين في حياة أي أمة، وإن في فسادهما فساد الحياة كلها " د. عبد الكريم بكار حاسبوهم أولاً نلاحظ من الأرقام والإحصاءات أن الدول العربية من أكثر الدول إنفاقاً على التعليم، فهي تنفق أكثر من اليابان وأمريكا وسنغافورة، والسؤال الذي يطرح نفسه أين تذهب تلك الأموال الطائلة..؟ أنا متأكد أنها خصصت في الميزانية باسم التعليم، لكنها لم تنفق في تطوير التعليم والارتقاء به، بل ربما أنفقت في السفرات والرحلات وأشياء أخرى. وأنا لا أدعو إلى الزيادة في الإنفاق على التعليم، وإنما أدعو إلى محاسبة الأشخاص المسؤولين عن هدر الأموال المخصصة للإنفاق على التعليم. الآثار السلبية لضعف الإنفاق على التعليم * زيادة نسب الجهل والأمية. * ضعف البنية التحية في المباني وغيرها. * يؤدي إلى تخلف المناهج وضعف تطويرها. * سبب في تراجع تعليم النساء. * يؤدي إلى ضعف رعاية المبدعين والمميزين من الطلبة. * يؤدي إلى زيادة عدد الطلاب في الفصل الواحد فوق المعدل الطبيعي، والعدد الطبيعي المقبول للطلاب في الفصل الواحد (25) طالباً. إضاءة ما من شك أن الطريق أمامنا طويل وشاق، لكننا وبحمد الله تعالى بدأنا نلمس نتائج إيجابية لمحاولات الاستدراك والتصحيح، وكم أتمنى أن يتصدى مجموعة من الشباب والفتيات في كل بلد لقضية الصحة وتطويرها، ومجموعة أخرى من الشباب والفتيات في كل بلد تتصدى لقضية التعليم وتطويره والارتقاء به. أدعو الشباب والفتيات وكل من لديه همّ ويملك الهمّة، أن يشاركنا من خلال زيارة الموقع الإلكتروني الخاص بمشروع التغيير الحضاري (www.change-project.org) وينخرط في أحد المشاريع المتخصصة في كل مجال من هذه المجالات، وبدون ذلك يبقى مشروع التغيير الحضاري مجرد أصوات طارت في الهواء، أو مجرد حبر على ورق.
3095
| 05 سبتمبر 2012
أستسمح القراء عذرا لانقطاعي منذ العشر الأواخر من رمضان وأسأل الله أن يتقبل منا كل عمل صالح ويبارك لكم في كل أعيادكم ويجعلها عامرة بطاعته. وكنا بدأنا في مؤشرات الاهتمام بالصحة، والتي تعتبر من أساسيات بناء دولة متحضرة ومتطورة وفاعلة، وبدأناها بتأثير الأوبئة على الدولة كمؤشر أول على الاهتمام العام بالصحة وسنتبعها اليوم بمعيارين آخرين أساسيين: (2) ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻮﻓﻴﺎت ﺑﻴﻦ الأطفال إن انتشار الأوبئة في دولة ما، يدل على اهتمام أو عدم اهتمام الدولة بتوفير بيئة صحية وآمنة للناس، وبالذات توفير المصادر النقية للمياه النظيفة، وهذا ينعكس سلباً على حياة الأطفال، ويؤدي إلى ارتفاع نسبة الوفيات بينهم، وﻧﺴﺒﺔ اﻟﻮﻓﻴﺎت ﺑﻴﻦ اﻷﻃﻔﺎل أحد المعايير الرئيسة التي تقاس بها الصحة في دول العالم، فإذا كانت نسبة الوفيات بين الأطفال مرتفعة، فهذا مؤشر على أن الوضع الصحي متخلف، وإذا كانت نسبة الوفيات قليلة، فهذا يعني أن الوضع الصحي متطور . أنا أؤمن أن التقدم يحدث لكل المجالات في الدولة، وأن التخلف يصيب كل شيء فيها، والمقارنة التالية تكشف صدق ما أقول، ففي إفريقيا تبلغ نسبة وفاة الأم أثناء الولادة (1) لكل (16) بمعنى أم واحدة من كل (16) تموت أثناء الولادة، بينما في أمريكا تبلغ النسبة (1) لكل (٣٧٠٠) حالة ولادة، هل لاحظتم الفرق ..؟! فائدة: في دراسة أعدها البنك الدولي اتضح " أن معدل وفيات الأطفال يزيد بثلاثة أضعاف في الدول الأكثر فساداً عنه في الدول الأقل فساداً ". - تخفيض نسبة الوفيات بين الأطفال تشير التقارير الحديثة الصادرة عن منظمات الصحة العالمية إلى أن نسبة الوفيات بين الأطفال في القرن الإفريقي في ازدياد، مع أنه يمكننا تخفيض نسبة الوفيات بين الأطفال إلى (٥٠٪) إذا اتبع الناس إجراءات صحية سليمة مثل: * إبقاء الأطفال حديثي الولادة في مكان دافئ. * عدم تعريضهم للحرارة الشديدة أو البرودة الشديدة . * التشجيع على النظافة في المكان والجسم. * وجود قابلة ماهرة وممرضة متخصصة عند الولادة. ولا بد أن يكون هناك المزيد من الاستثمار في برامج المبادرات الصحية التي تسعى لضمان حصول الأمهات على المساعدات المهنية أثناء الولادة، لأن نسبة وفيات الأطفال كلما ارتفعت، فهذا يعين أن المجتمع يتجه نحو الشيخوخة. - معدلات وفيات الأطفال في العالم (2008)م في الدول العربية أنا أقول دائماً لا تنظروا إلى عدد المستشفيات ولا كثرة من يحملون الشهادات، ففي النهاية هناك معايير ونتائج ومؤشرات على أرض الواقع تعكس التطور أو التخلف، واحدة من هذه المعايير والمؤشرات: نسبة وفيات الأطفال، وهذه هي معدلات الدول العربية: * الإمارات (7) لكل (1000) طفل . * قطر (9,2) لكل (1000) طفل. * الكويت (9,4) لكل (1000) طفل. * البحرين (9,6) لكل (1000) طفل. * عمان (10,3) لكل (1000) طفل. * السعودية (18,4) لكل (1000) طفل. * مصر (19,8) لكل (1000) طفل. * لبنان (11,9) لكل (1000) طفل. * سوريا (14,3) لكل (1000) طفل. * ليبيا (15,3) لكل (1000) طفل. * الأردن (17) لكل (1000) طفل. * تونس (18,3) لكل (1000) طفل. * موريتانيا (19,8) لكل (1000) طفل. * المغرب (32,3) لكل (1000) طفل. * الجزائر (36) لكل (1000) طفل. - معدلات وفيات الأطفال في العالم (2008)م في بعض الدول الإسلامية * ماليزيا (5,9) لكل (1000) طفل * تركيا (19,8) لكل (1000) طفل * إندونيسيا (30,7) لكل (1000) طفل * باكستان (71,9) لكل (1000) طفل * إيران (94) لكل (1000) طفل * نيجيريا (95,8) لكل (1000) طفل نلاحظ أن ماليزيا من أفضل الدول الإسلامية على الإطلاق، وأن النسبة بلغت في الإمارات (7) لكل (1000) طفل، وهذا يعني أن القطاع الصحي تطور في الإمارات تطوراً ملحوظاً، بينما نجد أن هناك مشكلة حقيقة في إيران ونيجيريا، حيث تبلغ النسبة حوالي (١٠٪)، وأعتقد أن كل طفل نحميه داخل في باب إحياء النفس، الذي يقول الله تعالى فيه ( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) وكذلك هو مساهمة عملية في بناء الحضارة. (3) ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ هذا مؤشر ثالث يُقاس به التطور الصحي في بلد معين، ونحن كمسلمين نعتقد أن الأعمار بيد الله تعالى، ولا نشكّ في ذلك، لكن الله تعالى جعل لذلك أسباباً، وديننا لا يمنع من الأخذ بالأسباب بل يحضّ عليها ويوجبها، ومن ذلك التداوي في حال المرض، يقول النبي ((تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً إِلَّا الْمَوْتَ وَالْهَرَمَ )) أحمد فلا يجوز في شريعة الإسلام أن ترمي بنفسك أمام سيارة بحجة أن الأعمار بيد الله تعالى، ولا يجوز كذلك أن تعرّض نفسك للأمراض وتقول الأعمار بيد الله تعالى، صحيح أن الأعمار بيد الله تعالى، ولكن هناك أسباب بيد البشر، وكلما طال عمر الإنسان عند الوفاة، وطالما أن الأطفال لا يموتون في الولادة أو الصغر، كان متوسط العمر أعلى. - معدلات متوسط الأعمار في دول الخليج العربي ومصر عام (١٩٥٠)م وعام 2008تشير الى أن متوسط الأعمار آخذ بالارتفاع، وهذا مؤشر إيجابي على أن الوضع الصحي يتطور ويتحسن بشكل كبير وملحوظ. " كلما ألفت الحياة الإسلامية أعجبت بقواعد حفظ الصحة العجيبة التي وضعها النبي ( للمؤمنين " د. شروف بيرون - كل انحراف عن منهج الله يقابله ابتلاء كلما انحرف الناس عن منهج تعالى، وخالفوا سننه الكونية، أصابهم البلاء والأمراض، وهذا ما يشير إليه حديث النبي (( .. لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا )) ابن ماجه وأكثر دولة ينطبق عليها هذا الحديث هي دولة " سوازيلاند " في إفريقيا، حيث نجد فيها حالياً أقل متوسط للأعمار ، إذ يبلغ (32) سنة فقط، والسبب هو الأمراض التي أصابتهم بسبب انحرافهم عن منهج الله تعالى، فهي نفس الدولة الأعلى في نسبة الإصابة بالإيدز، حيث وصلت نسبة الإصابة بالمرض إلى (٣٩٪)، وفقاً لــ (Global Shocking Facts) . وهناك سبب آخر لانتشار الأمراض في العالم وهو السمنة، حيث تقدّر أعداد المصابين بالسمنة في العالم (مليار وستمائة مليون) إنسان. - مبادرات لا إحصاءات وشعارات ليس هدفي أن أحشو عقول القرّاء بأرقام وإحصائيات ترهق أذهانهم، وإنما الهدف بعث الهمّة نحو العمل، والبدء بمشاريع عملية منتجة، تسهم بشكل فعال في بناء الحضارة، ويمكن الاطلاع على المشاريع المقترحة والمبادرات المطروحة، من خلال زيارة الموقع الإلكتروني الخاص بمشروع التغيير الحضاري (www.change-project.org) في الموقع ستجدون مبادرات، واحدة منها متعلقة بتطوير الصحة في كل بلد، لذا أتمنى من المهتمين خاصة فئة الشباب أن يتفاعلوا مع هذه المبادرات، فمثلاً يقول الشباب السوداني: نحن الذين سنتولى مشروع تطوير الصحة في السودان لنرفع هذه المعدلات، وقِس على ذلك باقي المبادرات في كل المجالات. وأختم بهذه الجملة المضحكة والمعبرة في نفس الوقت للناقد الساخر مارك توين " توخ الحذر بشأن قراءة الكتب الصحية، فقد تموت من خطأ مطبعي".
1944
| 28 أغسطس 2012
أمتنا أمة عظمية، ذات منهج عظيم، ورسالة عالمية عظيمة، من قبلُ قادت هذه الأمة البشرية، وأحسنت قيادها، وساساتها بما حقق للبشرية السعادة والطمأنينة، ثم أصيبت بأمراض شتى، جعلتها في ذيل الأمم، لكنها – بإذن الله تعالى- قادرة على أن تقود البشرية من جديد، وتسود الأرض مرة ثانية، لكن أمر السيادة والريادة لا يتم بالأماني والشعارات، ولا بالشكوى والبكاء، الريادة والسيادة طريقهما التخطيط الدقيق، والعمل الجاد الدءوب، فلا بد لنا من وضوح في التخطيط، وجدية في العمل، وتشير الدراسات الحديثة إلى أن كل ساعة نقضيها في التخطيط ستوفر علينا (٤) ساعات عند التنفيذ. الصحة والتعليم الأساسي وحيث إننا ماضون في هذه المقالات بطرح مشاكلنا مع تقديم رؤية وأفكار لها، فإننا سنبحث خلال هذا المقال وما بعده مشكلة الصحة والتعليم الأساسي في أمتنا الإسلامية، ولعل شهر رمضان الذي فرض فيه الصوم لصحة المؤمنين ونزل فيه قول الله تعالى (اقرأ) يكون حافزا لنا في الحديث عن هذين المجالين. أفضل ست دول في العالم في معيار الصحة والتعليم الأساسي * المركز الأول: بلجيكا * المركز الثاني: فلندا * المركز الثالث: سنغافورة * المركز الرابع: آيسلند * المركز الخامس: نيوزيلندا * المركز السادس: كندا هذه هي الدول الأفضل في العالم في معيار الصحة والتعليم الأساسي، فإذا أردنا أن نقتدي فبهم، ولا مانع من أن نقيس أنفسنا بما لديهم، ثم نعدل على الخطط بما يتناسب معنا، فأحد قوانين الإبداع يقول: قلّد أفضل الموجود ثم عدل. معيار تميز الصحة والتعليم الأساسي لدول الخليج العربي ومصر الرسم البياني التالي يبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في العام (2011) م، في معيار الصحة والتعليم الأساسي. * حصلت الإمارات على المركز (37) من أصل (139) دولة * البحرين حصلت على المركز (35) * الكويت حصلت على المركز (66) * السعودية حصلت على المركز (72) * عمان حصلت على المركز (96) * قطر حصلت على المركز (15) * مصر حصلت على المركز (88) ويحق لنا هنا أن نفخر بدولة قطر العربية، التي نالت المركز (15) على مستوى العالم في معيار الصحة والتعليم الأساسي، أي أنها تفوقت على كثير من الدول الكبرى المتقدمة، مثل أمريكا وبريطانيا والصين. معيار الصحة كيف يقاس..؟ يقاس معيار الصحة في الدول بعدة أمور أهمها: (1) ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻷوﺑﺌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدوﻟﺔ ومدى اﻧﺘﺸﺎرها خاصة اﻹﻳﺪز واﻟﻤﻼرﻳﺎ واﻟﺴﻞ. (2) ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻮﻓﻴﺎت ﺑﻴﻦ اﻷﻃﻔﺎل. (3) ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﻌﻤﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻊ أولا: ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻷوﺑﺌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدوﻟﺔ ارتبطت كلمة الوباء (Epidemic) بحدوث مرض معدٍ وانتشاره بشكل واسع بين كثير من الناس في وقت واحد، فهو انتشار مفاجئ وسريع لمرض معين، في بقعة جغرافية، بمعدل فوق المعدل الطبيعي المعتاد. ولطالما شكّلت الأوبئة مصدر قلق للدول، وتحدياً كبيراً للطب والأطباء وكل من يقدم الرعاية الصحية للناس، بما تسببه من هلاك للأنفس، وإنفاق هائل للأموال، فوباء الملاريا –مثلاً – يحصد أرواح مليون طفل سنوياً، أي بمعدل طفل كل (٣٠) ثانية. في الماضي كانت الأوبئة تشكل خطراً رهيباً، بسبب الجهل وضعف الرعاية الصحية، وعدم توافر العلاج الناجع، واليوم أيضاً ما زالت الأوبئة تشكل تهديداً للدول، ليس بسبب الجهل، ولكن بسبب سرعة الانتشار بين الناس، لأن انتقال الناس وتواصلهم أصبح أسرع وأوسع من ذي قبل. وباء الطاعون ما زالت الصحة تشكل تحدياً أمام رواد التطوير والبناء الحضاري، فلا يمكن أن تتقدم أي دولة طالما بقي معيار الصحة لديها متخلفاً، ولنأخذ مثالا على ذلك وباء الطاعون الذي تنقله الفئران، وأطلق عليها الناس اسم " الموت الأسود " (Black Death). بين عامي (1347-1352)م اجتاح الطاعون أنحاء واسعة من أوروبا، وتسبب في موت (60) مليون إنسان، أي ما يعادل ثلث سكان القارة آنذاك. لذا فأي دولة تكون مهيأة لانتشار الأوبئة هي دولة ضعيفة، لا يمكن الاعتماد عليها في التنمية والتطور، ولأننا نخطط لبناء حضارة عالمية لتسود، لا يمكن أن نهمل هذا الجانب، أو أن نغض الطرف عنه، ويمكننا محاصرة الأوبئة من خلال الاستفادة من التطور الإداري وتطويع التقنية لهذا الهدف. - SARS مرض (SARS) هو مرض معدٍ يصيب الجهاز التنفسي، ظهر لأول مرة في عام (2003)م، فأصيب الناس على مستوى العالم بالذعر الشديد، والخوف الرهيب، مما دفع دولاً كثيرة إلى دفع تكاليف باهظة لمواجهة هذا المرض، ومن تلك الدول كانت " كندا " التي تشير الأرقام إلى أن تكاليف مكافحة المرض بين عامي (٢٠٠٣-٢٠٠٦)م، بلغت (٨٠٠) مليون دولار، مع أن عدد المصابين لم يتجاوز (160) حالة. واعترفت الجهات الصحية فيما بعد أنها وقعت فريسة للإعلام الموجّه، والذي بالغ في تضخيم المرض، وأنها لو استفادت من هذه التكاليف، واستغلت تلك المبالغ بشكل صحيح، لأصبح لديها نظام معلوماتي صحي متطور. انتشار الأوبئة من المؤشرات التي يقاس بها معيار الصحة في دولة ما، مراقبة ثلاثة أوبئة هي اﻹﻳﺪز واﻟﻤﻼرﻳﺎ واﻟﺴﻞ، لأنها أمراض قاتلة وواسعة الانتشار، فمثلاً وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية فإن (40%) من سكان العالم مهددون بخطر الإصابة بالملاريا. ولقد حاز الإسلام قصب السبق حين دعاء إلى ما اصطلح على تسميته حالياً بالحجر الصحي، حيث يقول النبي "إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رِجْزٌ أَوْ بَقِيَّةٌ مِنْ عَذَابٍ عُذِّبَ بِهِ قَوْمٌ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ" أحمد عمر يطبق الحجر الصحي لقد طبّق عمر بن الخطاب (مفهوم الحجر الصحي في زمانه، فيما عرف بطاعون " عمواس" الذي مات فيه أمين هذه الأمة، أبو عبيدة عامر بن الجراح (، فعن عبد الله بن عباس "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءَ. فَقَالَ عُمَرُ: ارْتَفِعُوا عَنِّي، ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ، فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ رَجُلَانِ، فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءَ. فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ! نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ..." البخاري أوروبا في القرون الوسطى قارنوا هذا بحال أوروبا في القرون الوسطى، الذي يصفه " كينيث ووكر" حيث يقول في كتابه "تاريخ الطب " إن ظهور الأوبئة وبشكل خاص الطاعون كان يعزى إلى أسباب إلهية، وهذا يعني عقاب البشر بسبب ذنوبهم " وهذا الأمر يسبب للناس شعوراً بالألم، وإحساساً بالذنب، مما يدفعهم إلى حالات من الهستيريا الجماعية، مثل أن يجتمع المريض بالطاعون مع غيره في ذات الكنيسة، دون تطبيق لأدنى قواعد الحجر الصحي، فترى الكنائس وقد امتلأت بالمصلين والمبتهلين، ومع ترنيمات الصلوات كنتَ تسمع أنين المرضى المصابين بالطاعون، فيزداد المرض انتشار واتساعاً بين الناس.
762
| 25 يوليو 2012
تحدثنا في المقال السابق عن المعيارين الأولين للتنافس الاقتصادي وسنكمل اليوم باقي المعايير، ولا يشك عاقل أن النمو الاقتصادي هو أساس كل نمو حضاري آخر. المعيار الثالث: كفاءة سوق العمل الحديث هنا ليس عن البضائع وإنما عن الإنسان، وتقاس كفاءة سوق العمل بالأمور التالية: (1) المرونة، ويُقصد بها تعدد مهارات ومواهب وقدرات الموظفين والعمال. (2) الكفاءة ويُقصد بها مدى استفادة الدولة والشركات من المهارات والمواهب والقدرات التي يتمتع بها الموظف والعامل. أفضل ست دول في العالم في معيار كفاءة سوق العمل * المركز الأول: سنغافورة * المركز الثاني: سويسرا * المركز الثالث: هونغ كونغ * المركز الرابع: أمريكا * المركز الخامس: الدانمارك * المركز السادس: كندا " ما لم تكن مستعداً لأن تتفوق في عملك فوق المستوى العادي، فأنت لا تستحق أن تشغل أي مكان في القمة" جيه سي بني - معيار كفاءة سوق العمل لدول الخليج العربي ومصر الأرقام البيانية التالية تبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في العام (2011) م، في معيار كفاءة سوق العمل. * حصلت الإمارات على المركز (25) من أصل (139) دولة * البحرين حصلت على المركز (27) * الكويت حصلت على المركز (62) * السعودية حصلت على المركز (64) * عمان حصلت على المركز (35) * قطر حصلت على المركز (14) * مصر حصلت على المركز (128) المعيار الرابع: تميز الأسواق المالية يقاس تميز الأسواق المالية لدولة ما بالأمور التالية: (1) الكفاءة، ويُقصد بها مدى سهولة الحصول على القروض، بالنسبة للشركات والمصانع، وهنا أطالب بأن تكون القروض بلا فوائد ربوية، من خلال الاستفادة من التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمال وطرق تملكه وإدارته. (2) توفر رأس المال للمصانع والشركات والتجار وغيرهم. (3) حماية حقوق المستثمرين، وتقاس الحماية بعدة أمور منها قوة البنوك، قوانين البورصة، مؤشر الحقوق القانونية في الأسواق المالية. - معيار تميز الأسواق المالية لدول الخليج العربي ومصر الأرقام البيانية التالية تبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في العام (2011) م، في معيار تميز الأسواق المالية. * حصلت الإمارات على المركز (32) من أصل (139) دولة * البحرين حصلت على المركز (19) * الكويت حصلت على المركز (61) * السعودية حصلت على المركز (22) * عمان حصلت على المركز (29) * قطر حصلت على المركز (19) * مصر حصلت على المركز (79) المعيار الخامس: حجم السوق يُقصد بحجم السوق البضائع وكيفية تصريفها، فالدولة التي تملك البضائع إما أن تبيعها في داخل الدولة أو خارجها، فحجم السوق لدولة ما يُقاس بالسوق الداخلية والخارجية، ويتأثر هذا المعيار بعدد سكان الدولة، لذا فمن الطبيعي أن تجد الدول الصغيرة مشكلة في تصريف البضائع داخلياً، بسبب صغر حجم الدولة، وهذا ما سنلاحظه في الأرقام والتقارير والإحصاءات التي ستأتي. أما الدول الكبيرة مثل أمريكا والصين، اللتين تملكان أسواقاً كبيرة في الداخل والخارج، فوضعها مختلف تماماً، فمثلاً أمريكا لديها سوق ضخم في الخارج، حيث تبيع في كل دول العالم، وسوق ضخم في الداخل حيث يبلغ حجم السوق الداخلي (300) مليون نسمة. - معيار حجم السوق لدول الخليج العربي ومصر الأرقام البيانية التالية تبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في العام (2011) م، في معيار حجم السوق، ومن الطبيعي أن تتأخر الدول ذات الكثافة السكانية القليلة، لأن اعتمادها سيكون على السوق الخارجية، وأن تتقدم الدول ذات الكثافة السكانية العالية مثل مصر والسعودية، بسبب ضخامة السوق الداخلي. * حصلت الإمارات على المركز (49) من أصل (139) دولة * البحرين حصلت على المركز (95) * الكويت حصلت على المركز (57) * السعودية حصلت على المركز (21) * عمان حصلت على المركز (70) * قطر حصلت على المركز (64) * مصر حصلت على المركز (25) المعيار السادس: تميز القطاع الخاص في كل دولة هناك ثلاثة قطاعات: * القطاع الحكومي مثل الشركات الحكومية والوزارات المختلفة. * القطاع الخاص مثل الشركات والمصانع والمؤسسات، التي لا تتبع الحكومة. * القطاع الشعبي الذي يدور الجمعيات الخيرية والنفع العام، وتُقاس جودة أي اقتصاد دولة بهذه القطاعات الثلاثة، التي منها " القطاع الخاص ". - معايير تميّز القطاع الخاص يُقاس تميّز القطاع الخاص وفق معايير تفصيلية أهمها: (1) الشبكات الداعمة التي تدعم القطاع الخاص، وكذلك عدد الموردين للبضائع، فمثلاً المصنع الذي يعتمد على مورد واحد فقط ما من شك أنه في خطر، خاصة إذا توقف المورد أو امتنع عن التوريد. (2) جودة الموردين، فإذا كان المصنع يستورد من جهة متدنية الجودة، فقطعاً ستكون منتجات المصنع رديئة وسيئة ولن تنافس الأجود منها والأفضل. (3) تطور القطاع الخاص، هل هو قطاع ثابت وجامد وتقليدي..؟ أم هو في تطور مستمر؟ (4) تميز العمليات والإستراتيجيات، والحديث هنا عن جودة إستراتيجيات التنافس مع الدول الأخرى (5) تميز عمليات الإنتاج، هل هي رديئة وضعيفة، أم أنها متميزة وذات جودة عالية؟ (6) تميز التوزيع والتسويق للإنتاج، هل هو توزيع ضعيف أم قوي؟ - أفضل ست دول في العالم في معيار تميز القطاع الخاص * المركز الأول: اليابان * المركز الثاني: السويد * المركز الثالث: ألمانيا * المركز الرابع: سويسرا * المركز الخامس: هولندا * المركز السادس: النمسا - معيار تميز القطاع الخاص لدول الخليج العربي ومصر الأرقام البيانية التالية تبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في العام (2011) م، في معيار تميز القطاع الخاص. * حصلت الإمارات على المركز (21) من أصل (139) دولة * البحرين حصلت على المركز (53) * الكويت حصلت على المركز (56) * السعودية حصلت على المركز (19) * عمان حصلت على المركز (44) * قطر حصلت على المركز (21) * مصر حصلت على المركز (61) * إضاءات سريعة (1) الملف الاقتصادي في عالمنا العربي والإسلامي يحتاج إصلاحه إلى جهد كبير جداً، نحن لا نعاني من شح في الطاقات البشرية، ولا ندرة في الموارد المالية والطبيعية، فالقدرات والأموال موجودة لكننا نحتاج إلى توظيف صحيح لمقدرات الدول ومهارات العمّال والموظفين. (2) لا يمكن أن يحدث تطور اقتصادي في ظل حكم استبدادي يأخذ الأموال ويسرق مقدرات الشعب، ويستأثر بخيرات البلد، ثم لا يجد أحداً يحاسبه. (3) قد يأخذ الاستبداد عدة أشكال، منها السرقات المباشرة دون حساب من أحد، ومنها بيع الأراضي وتوزيعها بغير حق لصالح الحكام وبطانتهم، ومنها استغلال الثروات الأساسية للدولة، لصالح الحاكم وبطانته السيئة. (4) من أجل إحداث تطور اقتصادي لا بد من وجود نظام محاسبي، وهيئة رقابية مستقلة، لا تتبع الحكومة، إنما تتبع البرلمان الذي يتولى تعيين أعضاء هيئة المحاسبة والرقابة، وبغير ذلك ينتشر الفساد، ويأكل الأخضر واليابس من مقدرات الدولة. (5) بعد الربيع العربي، والثورات العربية المباركة يعيش عالمنا العربي فرصة كبيرة لإعادة الاقتصاد إلى جادة الصواب، ولتحقيق تنمية حقيقية لصالح الشعوب، وفرصة موازية لتغيير النظرة إلى التعليم والصناعة، وتغير قيم الإنسان بما ينفع نفسه وبلده والأمة والبشرية.
608
| 10 يوليو 2012
يقول ابن خلدون رحمه الله " إن الأموال إذا اكتنزت وادخرت في الخزائن لا تنمو، وإذا كانت في صلاح الرعية وإعطائهم حقوقهم، وكفّ الأذية عنهم نمت وزكت وصلحت بها العامة، وترتبت بها الدولة، وزادت فيها العزة والمنفعة " بتصرف. سنتناول بالتفصيل خلال هذه المقالة والمقالات التي تليها جانباً مهماً في الحضارة الإسلامية، ألا وهو جانب الاقتصاد، وسنقرأ معاً الأرقام المخيفة، التي تشير إلى حجم الثروات الطبيعية غير المستثمرة، بالإضافة إلى حجم الثروات النائمة في البنوك الأجنبية. والمعادلة التي تحكم منطقتنا العربية معادلة غريبة جداً، وظالمة في نفس الوقت، حيث الساسة وأرباب الحكم في قائمة أغنى أغنياء العالم، بينما شعوبهم مصنفة ضمن أفقر شعوب العالم. - معايير التنافس الاقتصادي سنتحدث في هذه المقالات عن ستة معايير تنافسية كلها في الاقتصاد، وهي بشكل مجمل كالآتي: المعيار الأول: استقرار الاقتصاد العام المعيار الثاني: كفاءة سوق البضائع المعيار الثالث: كفاءة سوق العمل المعيار الرابع: تميز الأسواق المالية المعيار الخامس: حجم السوق المعيار السادس: تميز القطاع الخاص ولنبدأ بالمعيار الأول وهو استقرار الاقتصاد العام. المعيار الأول: استقرار الاقتصاد العام ويقاس استقرار الاقتصاد العام للدولة من خلال عدة جوانب رئيسة أهمها: 1) مدى إتقان التخطيط والإعداد لميزانية الدولة. 2) معدل التوفير المحلّي. 3) نسبة الزيادة في الفائدة "الربا" وتأثيرها على الاقتصاد. 4) الدين الحكومي. 5) التضخم، الذي يقاس كالتالي: نأخذ (400) سلعة أساسية مثل الحليب والسيارات والبيض والأثاث والبنزين، ثم ننظر في أسعارها لهذا العام، ونقارنها بأسعار العام القادم، فإذا ثبتت الأسعار ولم تزد، لم يكن هناك تضخم، وإذا ارتفعت الأسعار بنسبة (5%) فإن نسبة التضخم هي (5%)، وإذا كانت الزيادة (20%) فالتضخم (20%) وهكذا، فكلما زاد التضخّم قلّت القيمة الشرائية للنقود. أفضل ست دول في العالم في معيار استقرار الاقتصاد العام إذا كان تصنيف الدولة من الدول المتقدمة، فهذا يعني أن هناك أموالاً كافية، ولا يوجد تضخم ولا ديون على الدولة، وبحسب تقرير التنافسية العالمي فإن ترتيب أفضل ست دول في العالم في معيار استقرار الاقتصاد العام كان كالآتي. * المركز الأول: بروناي * المركز الثاني: الكويت * المركز الثالث: عمان * المركز الرابع: الصين * المركز الخامس: سويسرا * المركز السادس: كوريا نلاحظ هنا أن ثلاث دول إسلامية كانت من أفضل دول العالم في معيار استقرار الاقتصاد العام، وهي (بروناي، الكويت، عمان). المعيار الثاني: كفاءة سوق البضائع نتكلم هنا عن البضائع، وتحت هذا المعيار تندرج جملة من المؤشرات التي تقاس بها كفاءة سوق البضائع في الدولة منها: أولاً: قوة التنافس المحلي، وتحته تندرج بعض القضايا مثل: - قوانين مكافحة الاحتكار. - خطوات فتح شركة جديدة. - الوقت اللازم لفتح شركة جديدة. ثانياً: قوة التنافس الخارجي، وتحته تندرج بعض القضايا مثل: * عوائق الدخول إلى السوق المحلي. * التعرفة الجمركية كم مقدارها. * قوانين تملك الأجانب. * نسبة الواردات من الدخل القومي. * جودة شروط الطلب، أي درجة وعي العميل عند الشراء. * حرص العميل على الجودة أم على السعر المخفض. معيار كفاءة سوق البضائع لدول الخليج العربي ومصر الرسم البياني التالي يبيّن الوضع الحالي لدول الخليج العربي بالإضافة لمصر في عام (2011)، في معيار كفاءة سوق البضائع. * حصلت الإمارات على المركز (6) من أصل (139) دولة * البحرين حصلت على المركز (9) * الكويت حصلت على المركز (52) * السعودية حصلت على المركز (10) * عمان حصلت على المركز (24) * قطر حصلت على المركز (12) * مصر حصلت على المركز (87) هذه بعض المؤشرات الاقتصادية والتي سنتبعها بمؤشرات أخرى لكن ما يهمني وأتمنى من أرباب السياسة والممسكين بملفات الاقتصاد والتنمية في البلاد الإسلامية والعربية أن تكون لديهم خطط وتصورات ومؤشرات لا أن يكونوا أرقاما في مؤشرات غيرهم !!
2336
| 04 يوليو 2012
الحمد لله الذي بسط الأرض وجعلها كلها موطنا للإنسان يتنقل فيها حيث يشاء، والصلاة والسلام على من نشر الدعوة بين أرجاء الأرض، وعلى آله وصحبه أجمعين. لم تكن الحضارة الإسلامية يوماً منغلقة على ذاتها، ولم تمنع يوماً التواصل بين المسلمين وأهل الثقافات الأخرى، بل كانت حضارة منفتحة على الآخرين، بكل ما لديهم من خبرات وثقافات، وأفكار وعادات، ولم يكن هناك خوف على الإسلام أو المسلمين، لأنهم كانوا يملكون الموازين والمعايير التي تمكنهم من الاختيار الواعي، والحكم على الأشياء. قارنوا هذا بسياسة العزل في روسيا التي اتبعها " ونستون تشرتشل " في أربعينيات القرن الماضي، حيث أصدر مرسوماً يقضي بعدم خروج أو دخول أحد إلى روسيا مدة عشرين سنة، وهو ما عرف آنذاك بـ " الستار الحديدي"، فمنع حتى الإعلام بصوره المختلفة من دخول روسيا، بهدف بناء ونشر وتثبيت الفكر الشيوعي فيها. جيل الصحابة كان جيلاً منفتحاً والحديث التالي يوضّح أن المسلمين أيام النبي ( كانوا منفتحين على الحضارات الأخرى، والثقافات القريبة منهم، يقول أبو هريرة (كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة : 136] )) رَوَاهُ الْبُخَارِي وقال النبي ( حَدِّثُوا عَن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ ) أحمد هذا الانفتاح كان منضبطاً بضوابط في مجمل تؤدي إلى هدف واحد، وهو ألّا يؤثر هذا الانفتاح على ثوابت الإيمان أو قطعيات الشريعة. عالم جديد هكذا أتخيل حضارة الإسلام في المستقبل، حضارة منفتحة على العالم، وليس منغلقة على ذاتها ومكوناتها، لأن البعض قد يتخيل الحضارة قائمة على فكرة " كل شيء حرام وكل شيء ممنوع " فالفن حرام، والإنترنت حرام، وقس على ذلك الكثير مما اختلف حوله العلماء. ومن تخيل الحضارة بهذه الصورة القاتمة، هل سيتمكن من تطبيق المنع ..؟ الجواب: لا، فعهد المنع ولّى، وبوجود الإعلام الحديث كالفضائيات لم يعد بإمكان أحد الحجر على العقول أو محاصرة الأفكار، ومصادرة الآراء، وكم ضحكت عندما تقرر بعض الدول منعي وبعض الدعاة من دخول أراضيها، وكأنهم سيحولون بيننا وبين الناس، ولقد أطال الله تعالى في عمرنا حتى رأينا شباباً أشعلوا ثوراتهم باستعمال الفيسبوك والتويتر وغيرها من أدوات التواصل الاجتماعي، وأطاحوا بزعماء دول، ورؤساء حكومات. - التقوى هي المانعة والحاضنة نحن نتحدث عن عالم جديد لا مكان للمنع فيه، فحضارة الإسلام لا تمنع الناس من الفكر والثقافة والتعبير عن الرأي، لأن الشيء الذي سيمنع الناس هو تقوى الله تعالى، والتربية السليمة، وليس القهر والاستبداد، والظلم والتعسف، نحن نستطيع أن نضبط ما بين أيدينا من وسائل الثقافة والإعلام، كفضائياتنا وقنواتنا، لكننا أبداً لن نستطيع أن نضبط كل العالم بفكرتنا، فمثلاً من سيملك القدرة على منع الناس من استخدام الانترنت ..؟! ليس القهر والاستبداد الذي سيحمي شبابنا وأبناءنا، بل سيحميهم تقوى الله تعالى أولاً، ثم جرعة قوية من التربية الصالحة، وتقديم إعلام يرتقي بالقيم والسلوكيات الإنسانية، إعلام بديل عن إعلامنا الحالي، وتلفزيون الواقع الذي في غالبيته شرّ، وله إسهامات كبيرة في الانحطاط، ونشر الفساد في المجتمعات. - التجربة الماليزية لن أتحدث هنا عن تجربة "ماليزيا " في جانب التطور والصناعة، بل سأتناول كيفية تعامل الدولة مع الإعلام الفاسد، ومع القنوات الفضائية التي تبث ما يخالف قيم ومبادئ المجتمع الماليزي المسلم. أنشئت شركة " أسترو " لتزويد المشتركين بالقنوات الفضائية، وبالنسبة للمشتركين تقوم الشركة بحذف أي لقطة فيها إخلال بالآداب، أو مخالفة للقيم، أو إساءة للأخلاق، عن طريق تأخير بث بعض البرامج، فالأخبار يتم تأخير بثها (10) ثوان، والبرامج العادية يؤخرونها نصف ساعة، بهدف حذف أي إعلام فاسد. وفعلهم هذا ليس تحكماً سياسياً، أو تعدٍ على حريات الناس واختياراتهم، بل ضبط للأخلاق، لأن الحرية الفكرية مطلقة، لكن الأخلاق يجب أن تضبط بالتقوى والقانون، ويعاقب من ينحرف عنها، فنحن نريد حضارة إسلامية منفتحة فكرياً وحضارياً وسياسياً، لكن الجانب الأخلاقي لا بد من أن نضبطه بقدر الاستطاعة. - حضارة الإسلام أعجبتني كلمات للبروفيسور " إفرنج " الأستاذ في جامعة تينيسي (Tennessee) الأمريكية وعلمت أنه أسلم، يقول للمسلمين ناصحا " إنكم لن تستطيعوا أن تنافسوا الدول الكبرى علميًا، أو تقنيًا، أو اقتصاديًا، أو سياسيًا، أو عسكريًا، ولكنكم تستطيعون أن تجعلوا تلك الدول تجثوا على رُكَبها أمامكم بالإسلام، أفيقوا من غفلتكم لقيمة هذا النور الذي تحملون، والذي تتعطش إليه أرواح الناس في مختلف جنبات الأرض، تعلموا الإسلام وطبقوه، واحملوه لغيركم من البشر تنفتح أمامكم الدنيا، ويَدِنْ لكم كل ذي سلطان، أعطوني أربعين شابًا ممن يفهمون هذا الدين فهمًا عميقًا، ويطبقونه على حياتهم تطبيقَا دقيقًا، ويحسنون عرضه على الناس بلغة العصر وأسلوبه وأنا أفتح بهم الأمريكتين ". تعقيب حالياً أتفق مع البروفيسور " إفرنج " أننا لا نستطيع منافسة الدول الكبرى، لكن بعد (٢٠) سنة نستطيع بإذن الله تعالى. عندنا استعداد كامل لبناء الحضارة، لكننا لا نريد أن نبنيها على نفس التصور الذي يقرؤه الناس في الكتب، لأن العالم من حولنا تغير، هناك ثوابت وأصول لا مجال للاجتهاد فيها، وهناك قضايا ومسائل يمكن الاجتهاد فيها، بما يحقق مقاصد الشريعة، ولا يتعارض مع ثوابت ومقومات الحضارة الإسلامية. حضارتنا تمنح الحقوق لكل مكونات المجتمع، تمنح المحفزات للعلم والإنجاز، حضارة تتعاون مع المسلم والكافر ... فيما نتفق عليه، ولا يخالف ثوابتنا ومبادئنا، حضارة أساسها العمل الجماعي لبناء حضارة تسعد بها البشرية.
25149
| 19 يونيو 2012
الفرد منتظم في أسرة ومجتمع، والمجتمع الذي لا يطغى على الفرد، كانت هاتان النقطتان محور حديثنا في المقالين السابقين حين تكلمنا عن المقومات الجماعية للأمة الإسلامية، ومن المقومات الجماعية أيضا لهذا الدين: ثالثاً- الدولة المقيمة للدين ثالث المقومات الجماعية للحضارة الإسلامية هو الدولة المقيمة للدين، فليس للدولة في الحضارة الإسلامية أن تختار نوع الحكم الذي تحكم به، لأنها مطالبة بتحكيم شريعة الله تعالى، والدولة التي ترفض التشريع الإسلامي، ليست دولة إسلامية، لأن الذي يجب أن يُحَكَّم هو شرع الله تعالى، فدور الدولة في الحضارة الإسلامية هو إقامة شرع الله تعالى، والحكم بما أنزل رب العالمين، وقد حسم القرآن هذه المسألة، ولم يترك فيها مجالاً للاجتهاد، فقال تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب/36 دولة دينية أم مدنية تُعتبر إقامة الشريعة وسياسة الناس بهذه الشريعة، أحد المهام الرئيسة للدولة في الإسلام، فحضارة الإسلام حضارة دينية، أي إن الدين أحد مقوماتها الرئيسة، والسؤال الذي يطرح نفسه، وأثار جدلاً بين العلماء والمفكرين، هل نحن دولة دينية..؟ إذا كان يُقصد بالدولة الدينية كما في الغرب، أن يحكم الخليفة باسم الله ويهتدي بوحي الله وأنه معصوم، فقطعاً – بهذه الصورة - لسنا دولة دينية، لكن في الوقت نفسه لدينا نصوص شرعية فوق الدستور، وبالنسبة لنا فهذه النصوص هي المرجعية الإسلامية المعتبرة، ومن هنا وقع إشكال كبير بين العلماء والمفكرين، وحتى لا أطيل في الإجابة والرد، أرى أننا يجب أن نكون دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية. لا اجتهاد في مورد النص حتى نزيل أي إشكال نقول من باب التوضيح: إن أيّ قضية أو مسألة فيها نص صريح، أو حصل عليها إجماع مثبت فلا تمس، وليس من حق أي حزب أو حاكم - يصل إلى الحكم - أن يناقش حكمها الشرعي، بهدف التبديل والتغيير، لأنها مسألة ثابتة بالنص والإجماع، لذا فهي فوق الدستور، وعليه فإن مجال الحوار هو المسائل التي لا نصّ فيها، وليس عليها إجماع. فمثلاً: نص الإسلام على أن الزنا حرام، وحدّد عقوبة لمن يرتكب الفاحشة، فلا يجوز لبرلمان أن يشرّع قانوناً يبيح الزنا الذي يقع بالتراضي، أو يُسقط العقوبة لأجل إسقاط الحق الشخصي أو لأنه كان بالتراضي، لأن الله حكم وقضى في هذه الجريمة، ويجب أن نسلم بحكم الله تعالى، ونطبّق شريعته وحدوده إن كنا مسلمين مؤمنين (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب/36 دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية هكذا هي رؤيتي للدولة المستقبلية في الحضارة الإسلامية، دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، دولة فيها ترشح، وانتخابات، وبرلمان يشرّع القوانين، ويمكنه تعيين الحاكم وعزله، ويصادق على ميزانيات أجهزة الدولة وغيرها من المهام المناطة به. لكن مهما بلغت مدنية الدولة، فهناك قضايا ومسائل فوق الدستور، بل إن كل دولة مدنية فيها قوانين فوق الدستور، حتى تلك الدول الغربية التي تحكم بالقوانين الوضعية، ففي فرنسا –مثلاً - الديمقراطية فوق الدستور، لذا لا يمكن للبرلمان أو لأغلبية فيه أن تلغي الديمقراطية، كذلك لا يمكن للبرلمان أن يلغي " اللائكية "وهي أقصى درجات العلمانية في فرنسا، باعتبارها الضامنة للوحدة الاجتماعية والسياسية والحارسة للهوية العامة للفرنسيين، فلو حصل حزب " مسيحي " على الأغلبية في البرلمان لا يستطيع أن يلغي العلمانية من فرنسا، لأن العلمانية فوق الدستور. رابعاً- شورى محكومة بالنص أنا أؤمن بالشورى والتعددية، والتي قد يسميها البعض بـ " الديمقراطية " وأؤمن بحق الأفراد في الترشح والانتخاب والوصول إلى البرلمان، وأؤمن كذلك بالحوار والنقاش والشورى حول كل القضايا والمسائل، التي لا نصّ عليها ولا إجماع، ولا تعتبر من القطعيات والثوابت التي لا تتغير ولا تتبدل. ولطالما كانت الشورى إحدى دعائم الحضارة الإسلامية، وهي ليست شورى مطلقة، بل محكومة بالدين، ومضبطة بالنص الشرعي، ومقيدة بحالات وأحوال معينة، فلا يجوز باسم الشورى أو الديمقراطية، إصدار قانون يبيح الخمر ويشرّع لها، حتى لو كان هذا رأي الأغلبية، لأن حرمة الخمر ثبتت بنص شرعي قطعي، ولا مجال للاجتهاد فيه. منافع الشورى للشورى منافع وبركات وآثار إيجابية منها: - أن القرار الفردي أقرب للخطأ، بينما القرار الشوري الجماعي أقرب للرشد والصواب. - اشتراك الأمة في مزاولة السلطة، مما يجعل الناس يهتمون بأمر الدولة، - الارتفاع باهتمامات الأمة، من خلال إشراكهم في التفكير واتخاذ القرارات في قضاياهم. - الشورى تحول دون استبداد الحاكم وطغيانه، وتفرّده بالسلطة والحكم. - الشورى تدعم الوحدة الوطنية، من خلال الدعوة إلى الحوار الهادف البناء. - الشورى تكشف لنا عن الطاقات والكفاءات والقدرات والعقول المبدعة. - الشورى تعطي قوة تنفيذية للقرار، لأنه يصدر عن أغلبية وبعد حوار وتفاعل كل الأطراف.
2657
| 05 يونيو 2012
أولاً- الفرد منتظم في أسرة ومجتمع إن هذه الفلسفة على بساطتها ليست موجودة في الغرب، والأسرة عندهم أمر ثانوي، فمن السهل أن يعيش الفرد وحده، بعيداً عن أسرته التي نشأ فيها، لأن أهداف الدولة تدور حول رفاهية الفرد كفرد. أما في حضارتنا الإسلامية فللأسرة أهمية كبيرة، لأنها اللبنة الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، ولأنها تحقق المطالب النفسية والجسدية للفرد باعتدال، والأسرة بالنسبة للمسلم هي الطريق الشرعي لإبقاء العنصر البشري، وحفظ الأنساب من الاختلاط، وهي كذلك مركز لتدريب الفرد على تحمل المسؤوليات في الحياة. - التفكك الأسري في الغرب نعني بالتفكك الأسري مجموع المشكلات والأزمات التي تستولي على الأسرة وتعصف بها، مما يؤدي إلى تمزقها، وتشتت شملها، وتشجع الأفراد على أن يعيشوا منفصلين عن الأسرة الحاضنة، ومما لا شكّ فيه أن الأُسَر المتفككة تؤدي إلى تفكك المجتمع، وإذا تفكك المجتمع أوشكت الحضارة على الانهيار والاندثار، كما هو الحال في الغرب الآن، الذي بدأت أُسَرَه بالانهيار، وظهرت فيه انحرافات أسرية يصعب على العاقل أن يتصورها، فعندهم أسر عشاق، يعيشون مع بعضهم بلا زواج شرعي، ولديهم زواج المثلين، وانتشر بينهم زنا المحارم، ومن المضحك المبكي أن رجلاً في ولاية فلوريدا تقدم للمحكمة بطلب إقرار زواجه من فرس، لكن المحكمة رفضتها ولم تُجزها، لذا بدأ المفكرون والعقلاء في الغرب يحذرون من فكرة موت الغرب، وانهيار المجتمع، بسبب موت الأسر وانهيارها وتفككها. - التكافل الأسري في الإسلام قارنوا الحضارة الغربية بحضارة الإسلام، التي وازنت بين الفردية والجماعية، ومن الأمثلة التي توضح هذا المقوّم، ما يسمى في الفقه الإسلامي بـ " العاقلة "، وهي كلمة تطلق على الأقارب الذكور خاصة من الدرجة الأولى، الذين يستطيعون المساهمة بشيء من أموالهم، لدفع الدية الشرعية، في حال قَتَلَ أحدُ أقاربهم إنساناً عن طريق الخطأ، وعجز عن دفع الدية، أو لم يكف المال الذي يملكه، ففي حال عفا أهل المقتول، وحتى لا يقتل عن الجاني، تصبح الدية واجبة على العاقلة (الأقارب)، لأن القاتل فرد يعيش ضمن منظومة اسمها أسرة ممتدة، فليس على الشرطة والأمن فقط ضبط الفرد، بل أيضاً الأسرة والأقارب، أما في الغرب فالفرد فرد، له تقديره وكفلت القوانين الكثير من حقوقه، لكن تلك القوانين تدور حول الفرد فقط. ثانياً- المجتمع الذي لا يطغى على الفرد أقر الإسلام للفرد حقوقاً كثيرة، واحترم خصوصيته وكفل حقه في الحرية والتعبير عن رأيه، فلسنا الحضارة الشيوعية التي ألغت حق الفرد في التملك، ولسنا الاشتراكية التي لا تقدّر جهد الفرد وبذله، فرفعت شعار " مِنْ كلٍ حسب طاقته، ولكلٍ حسب حاجته " بمعنى يبذل كل فرد ما يستطيع من جهد، ويتم توزيع نتائج هذا الجهد – لا بالعدل- وإنما حسب حاجة كل فرد. ولقد اعترف الغرب بروعة الإسلام في هذا الجانب، وشهد بذلك بعض مفكريهم وعقلائهم أمثال الدكتور " هارولد ب. سميث " نائب رئيس قسم الديانات بكلية (ووستر)، بولاية أوهايو، الذي يقول " يعد الفرد في الإسلام مهمًا، لأنه وحدة من القوة الأخلاقية وفي العرف الإسلامي تصور آخر يتعلق بالفرد في الجماعة ويمنح الناس وسيلة للترابط، وإحساسًا بالاتحاد لا يوجد أحيانًا في التصورات الغربية الحديثة للإنسان ". الحقوق الأساسية للفرد في الإسلام (1) حق الحياة وحرمة التعذيب والاسترقاق والإكراه، قارنوا هذا الحق بما يجري في دولنا الاستبدادية، من مآسٍ تُرتكب بحق الشعوب، ومن رفع صوته بالإنكار فمصيره السجن والإذلال أو القتل وإزهاق روحه. (2) حق الحرية، والإسلام يمنع سجن الناس بمجرد الظن أو الاشتباه، كما يمنع الإيقاف التعسفي للفرد، هذا في الإسلام، أما في دولنا الاستبدادية، فالإنسان لديهم متهم حتى تثبت براءته، وربما يمكث فترة طويلة في السجن لأنه مشتبه به، وأعرف من سُجن في " ليبيا " (17) سنة على ذمة التحقيق، وبعد ذلك ثبتت براءته. (3) حق التقاضي، بأن يوجد قضاء نزيه ومستقل، لا كما هو الحال في دولنا الاستبدادية، حيث يُشترى القضاة ويُباعون، ويقع بعضهم تحت تهديدات وضغوطات، تجعله ينحاز للباطل ويحكم لصالحه، ومن حقه كذلك أن يبتّ بسرعة في القضايا التي يتقدم بها، وألا تُنسى وتُوضع في الأدراج، ومن حقه كذلك أن يدافع عن نفسه فيما يوجّه إليه من اتهامات. (4) الحق في تبني الفكر، واختيار الديانة وحرية الاعتقاد، فلا يجوز أن يُكره على ترك دينه، واعتناق دين آخر، قال تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ" (البقرة/256 ). (5) الحق في النقد والتعبير عن رأيه، والبحث عن الأفكار والآراء، ومن حقه كذلك الحصول على المعلومات التي يحتاجها. (6) الحق في حفظ كرامته حياً وميتاً، في حضرته وغيبته، وأن يُحترم فلا يهان، وحتى إن مات دُفن بكرامة وإنسانية، وحقه في الكرامة المعيشية ونيل الرعاية الصحية الملائمة. (7) الحق في التنقل وحرية الحركة والسفر بلا قيود، فلا يمنع من السفر بسبب انتمائه الفكري أو رأيه السياسي، ولا يُحجر عليه أو تقيّد حركته بسبب نقده أو التعبير عن رأيه. (8) الحق في التجمع والتظاهر السلمي، وتكوين النقابات والتجمعات المهنية، أضف إليها الحقوق السياسية مثل حقّ الترشح والانتخاب واختيار من يمثله وينوب عنه، وحقه في تنصيب الحاكم وعزله. (9) الحق في الوظيفة وممارسة العمل، وتقاضي الأجر العادل، وألا يُحرم أو يُعزل من وظيفته لسبب سياسي أو سبب طائفي، وحقه كذلك في الزواج وتكوين أسرة. (10) حقه في الثقافة والعلم والتعلم، وأن يذهب إلى المدرسة، وإن كان فقيراً معدماً، وهذه الحقوق يجب على الدولة أن توفرها، وواجب عليها كذلك أن تصونها وتحميها.
2066
| 30 مايو 2012
يقول ابن خلدون رحمه الله " جمع القلوب وتأليفها إنما يكون بمعونة من الله تعالى، وإن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا حصل التنافس وفشا الخلاف، وإذا انصرفت إلى الحق وأقبلت على الله تعالى اتحدت وجهتها، فذهب التنافس وقلّ الخلاف، وحَسُنَ التعاون والتعاضد، واتسع نطاق جمع الكلمة لذلك فعظمت الدولة " بتصرف العمل الجماعي علامة على قوة المجتمع يتحدث ابن خلدون رحمه الله تعالى عن مبدأ أساس لنهوض الحضارات وبنائها، مبدأ أجمعت عليه الدنيا كلها، قديماً وحديثاً، ألا وهو مبدأ العمل الجماعي، الذي يعتبر أحد مؤشرات القوة في أي مجتمع، ودلالة على الوعي والنضج الذي يتمتع به أفراد ذاك المجتمع. إن قوة المجتمع المدني تكمن في قدرته على استيعاب مختلف الأطياف والتوجهات والأفكار، وتوجيهها باتجاه واحد يحقق مصالح الناس، بما لا يتعارض مع شرع الله تعالى، والتجمعات البشرية في أي مجتمع تكون نقطة قوة إذا استوعب الناس مبادئ العمل الجماعي، والعمل بروح الفريق الواحد، وإلا كانت تلك التكتلات نقطة ضعف، لأن الخلاف والتناحر والتنافس غير الشريف سيدبّ بين أفرادها. - قاعدة ذهبية في العمل الجماعي " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه " هذه القاعدة من القواعد الفكرية التي كوّنت رؤيتي للعمل الجماعي، وهي كلمة لـ " محمد رشيد رضا " رحمه الله، ونقلها عنه الإمام الشهيد " حسن البنا " رحمه الله، فهي ليست من كلماته، كما يظن البعض. هذا القول الجميل يشير إلى أهمية التعاون في القضايا التي عليها اتفاق، فلا خلاف فيها، وفي المقابل أهمية الإعذار في القضايا التي نختلف فيها، وقد هاجم بعض الدعاة والعلماء هذه القاعدة، واعتبروها مدخلاً لإفساد الدين، وقالوا: لا مجال للتعاون بيننا وبين من خالفنا. ولو أنهم رجعوا إلى كتب السياسة الشرعية، وأمعنوا فيها النظر، لتبين لهم خطأ فهمهم، وخطورة فتاواهم، لأن بديل الحوار والإعذار هو التدابر والتناحر والتهاجر، وهذا ليس مما يدعو إليه الإسلام، لأن فلسفة الإسلام قائمة على الاستفادة من كل الطاقات والجهود الممكنة. متى يعذر بعضنا بعضاً " يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه "هذا الجزء من القاعدة هو الذي أثار حفيظة بعض العلماء والدعاة، فشنعوا على الآخذين بهذه القاعدة، لأنهم ظنوا أن الإعذار سيصل إلى الثوابت والمسلمات في ديننا، كقضايا الإيمان والتوحيد، ففهموا أننا سنرى الكفر البواح ونقض معالم الدين ثم نتجاوز عن ذلك من باب إعذار الآخرين، ولا أظن أن مسلماً عاقلاً سيرضى بهذا الفهم السلبي. لا أحد ينكر أن اختلاف الآراء والعقول سيبقى في هذه الأمة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولا أظن أن أحداً يزعم أنه قادر على جمع كلمة الأمة على رأي واحد، والعاقل يكفيه قول ربنا تبارك وتعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) هود/119 أما من أراد الجدال ومخالفة العقل والنص، فلسنا له من المجادلين، لأن الجدل آفة تقسّي القلوب، وتمنع العمل، وتُذهب البركة. - حالات ينبغي فيها الإعذار لكني أقول في بعض الحالات لا بد أن نعذر من نختلف معهم، إذا لم نقم عليهم الحجة، ولم تبلغهم الأدلة، وكانوا في جهل، فكيف لا أعذر الكثير من الأمريكيين، الذين تشير الإحصاءات إلى أن (2%) فقط هي نسبة من سمعوا عن الإسلام من المسلمين أنفسهم، أما النسبة العظمى فقد سمعوا عن الإسلام من الإعلام، الذي يقدمه على أنه دين الدم والإرهاب والتفجير والإجرام. هذا لا يمنع أن تكون هناك فئات لا نعذرها، ولا نقبل العذر منها، خاصة من أقيمت عليهم الحجة، وبلغهم الإسلام بصورة النقية الصافية. وإني أطرح على من خالفني السؤال التالي كمدخل لإعادة النظر في المسألة، لو تقدمت إلينا إحدى المنظمات الدولية (غير المسلمة) بمشروع يهدف إلى حماية البيئة من الملوثات، أو يحارب ظاهرة الإجهاض، هل يحرم التعاون معهم في هذا المجال..؟ * مبادئ أساسية في العمل الجماعي عَنْ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ قَالَ ((مَثَلُ الْقَائِم عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)) البخاري من هذا الحديث الشريف نستنتج مبادئ أساسية في العمل الجماعي: (1) حرية منضبطة الحرية الشخصية مطلوبة ومسموح بها، ولكنها ليست حرية مطلقة بلا قيود، لأن المجتمع لا يخلو من السفهاء أصحاب العقول الصغيرة، وسذج أصحاب قرارات متهورة، ومثل هؤلاء نقيّد من حرياتهم، ونأخذ على أيديهم ونمنعهم، قياساً على من كان في أسفل السفينة. (2) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مزايا العمل الجماعي، وأحد مظاهره التطبيقية، فليس من الإسلام أن نرى المنكر والخطأ ثم لا نسعى إلى تغييره أو التخفيف منه، لأن غاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو نشر الفضيلة وحفظ المجتمع من الرذيلة. (3) للجميع حق في المال العام لا يمكن لفرد أو حكومة أو سلطة أو جهة مهما كانت أن تستفرد بأموال الأمة ومقدراتها، لأن كل فرد في المجتمع له سهم في هذه المقدرات، ونصيب من تلك الخيرات، مهما قلّت أو كثرت، وبأي حقّ يتصرف بعض الأفراد بمقدرات أمة كاملة، وأموال شعب بأكمله..؟! (4) العمل الجماعي يحقق الأهداف العمل الجماعي من أكبر الأسباب المعينة على تحقيق الأهداف، فلولا العمل الجماعي المتحد لم تصل السفينة إلى وجهتها المتفق عليها، لأن الأمر إذا تُرك لاجتهاد الأفراد فهناك من سيجرها يميناً ويساراً، والنتيجة أن الضرر سيلحق الجميع، والدمار سينال من الكل. (5) مسؤولية جماعية في العمل الجماعي الكل يتحمل الضرر إذا وقع، فلا شكّ أن من كانوا في أسفل كانوا يعانون إذا أرادوا أن يحضروا الماء، فكان لزاماً عليهم أن يتحملوا الضرر الخاص الواقع بهم، من أجل دفع الضرر العام، لأن النجاة تكون للجميع، والهلاك يكون كذلك للجميع. الفردية من مقومات الحضارة الغربية العمل الجماعي من مقومات الحضارة الإسلامية، وهذا على النقيض من الحضارة الغربية التي تقوم على مقومين رئيسين: الأول: الفردية (individual) الثاني: المادية (Material) فالفرد في الحضارة الغربية يفعل ما يشاء في حدود ما يسمح به القانون، ومن آثار الفردية ونتائجها أن الأسرة بعد سنٍ معينة لا سلطة لها على الفرد، فمن حقّه أن يستقل ويفعل ما يريد، ومن آثارها كذلك أن أهداف الدولة والمجتمع تدور حول كيفية إسعاد الفرد كفرد مستقل، وليس كفرد ينتمي إلى مجتمع متضامن ومتكافل، وهذه فلسفة تخالف وتناقض فلسفة الإسلام التي تعطي وتصون حقوق الأفراد، ولكن تطالبهم بحقوق الجماعة (الأمة).
2050
| 09 مايو 2012
رعاية الأجساد المرتبطة بالروح هي أول المقومات العملية التي فصلنا فيها في مقالنا السابق، وهانحن نكمل تلك المقومات: ثانياً: القوة التي تدافع عن الحق مثل الحق مثل الوردة العطرة، والقوة مثلها مثل الشوك الذي يحيط بالوردة فيحميها، ويبعد الأيدي القاطفة عنها، والحق كالمدينة العامرة، والقوة هي السور المنيع الذي يحيط بالمدينة فيحميها ويصون أهلها، الحق كاللوحة الجميلة والحق هو الإطار الذي يحوطها ويحميها. ((إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)) كلمة قالها عثمان بن عفان (، ليبين أثر القوة في حماية الحق، والوَزْع يعني الكفّ والمنع، والمعنى أن " مَن يَكُفُّ عن ارتكاب العَظائِم مَخَافَةَ السُّلطان أكْثرُ مِمَّن يَكُفُّه مَخافَةَ القرآنِ واللَّهِ تعالى ". وهذه حقيقة يشهد لها كل ذي عقل، فالقرآن الكريم على ما فيه من وعظ وتذكير، وآيات وعد ووعيد، فإن ذلك وحده لا يكتفي لردع البعض ومنعه من الخطيئة، لكن الخوف من السلطان وعقوبته قد يردعانه. - القوة من أجل العدالة وكرامة الإنسان في حضارتنا الإسلامية لابد من صنع القوة، وإيجاد مسبباتها وعواملها، لحماية الحق والدفاع عنه، لأن الحق سيضعف إذا لم تكن هناك قوة تحميه، وفي الوقت ذاته هي قوة تحقق العدالة، وتحفظ كرامة الإنسان، ولقد تتبعت الفتوحات الإسلامية كلها، بدءاً بالصين وانتهاءً بالأندلس، فلم أقرأ فيها عن حالة اغتصاب واحدة وقعت، فليس في حضارة الإسلام سجون سرية، ولا تعذيب كما يحدث في الحضارة الغربية، وكلنا شاهد وسمع أخبار سجن " أبي غريب" في العراق، وما حدث فيه من امتهان غير مسبوق لكرامة الإنسان. حتى المعارك التي خاضوها باسم المسيح (لم تخلُ من ظلم ولا اعتداء، ولم يستطع القادة العسكريون في الحملات الصليبية أن يمنعوا السلوكيات الوحشية غير الأخلاقية بحق المسلمين، وحسبك دليلاً على وحشيتهم أنهم قتلوا (50.000) إنسان في يوم واحد، فيما سمّي بفتح القدس. وأنا هنا لم آت على فظائع بعض الحكام الجبابرة في عصرنا والذين يحسبون على الإسلام وهو منهم براء فإن ما فعلوه من امتهان لكرامة الإنسان لم يفعله بشر ولا جان إنما كان نوعا من الضلال انحدر دون الأنعام. قوة متزنة وليست إرهاباً مع أن الإسلام دين قوة وليس دين ضعف، إلا أن الحضارة الإسلامية هي الحضارة الوحيدة التي فتحت الفتوح ولم ترتكب الفظائع، ولقد مرت بالمسلمين حالات ضعف دفعتهم إلى الحكمة والتعقّل والتأنّي، لكن في حالات الغلبة والكثرة، استعمل المسلمون القوة أيضاً بحكمة، ولم يستعملوا الإرهاب الذي هو باختصار ترويع الآمنين أو الاعتداء على الآخرين وممتلكاتهم، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، فهو عنف غير مبرر وغير مشروع، ومخالف لكل المقاييس الأخلاقية والقانونية، وهو عنف يتخطى الحدود السياسية والجغرافية للدول. والإرهاب بهذا المعنى ليس خطراً على الدولة فقط، ولا على الحكام فقط، بل خطره أكبر على الإسلام، لأن الإسلام اختُطف من قبل فئات من المسلمين، شوّهوا صورته باسم الجهاد، وأفرطوا باستخدام القوة بحجة حماية الإسلام والمسلمين، فكان الإسلام هو الخاسر الأكبر. - قوة من أجل العزّة دين الإسلام دين القوة من أجل العزة، فليست قوته من أجل ترويع الناس وسفك دمائهم والاستيلاء على مقدراتهم، بل قوة من أجل تحقيق العزة والكرامة للأمة المسلمة، وقد حاول البعض أن يُظهر الإسلام على أنه يصفوه دين سلام ومحبة، وبصورة تشي بالضعف والخور. نعم هو دين سلام في الأوضاع الطبيعية، دين سلم ومحبة في الأحوال العادية، لكن عندما يُعتدى علينا فنحن الأسود التي لا تهاب، ونحن الموت الزؤام القادم لقبض أرواح المعتدين، لأن ديننا دين عزة يرفض المذلة، وليس فيه كما عند الآخرين، احبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم، من ضربك على الخد الأيمن فأدر له خدك الأيسر، من سرق قميصك فأعطه إزارك، بل في ديننا ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)) الترمذي - القوة مع العدل الإسلام وَسَطٌ في تطويع القوة، حيث طالب المسلمين بالعدل مع أعدائهم، فقال الله تعالى (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أقرب لِلتَّقْوَى ) المائدة/8. والمعنى أي لا يحملنّكم بغض قوم على أن تتجاوزا الحق إلى الباطل، والعدل إلى الظلم، يؤيده قول النبي (أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) أبو داود. وتجلّت واقعية الإسلام حين شرع مقابلة السيئة بمثلها دون زيادة، فقال تعالى (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) النحل/126. والمعنى إن أردتم أيها المؤمنون أن تعاقبوا من ظلمكم واعتدى عليكم وأساء لكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به من العقوبة دون زيادة. - من روائع سيّد رحمه الله للأستاذ سيد قطب كلمات رائعات في القوة والعدل فيقول رحمه الله".. إذا وقع الاعتداء على أهل الدعوة فإن الموقف يتغير، فالاعتداء عمل مادي يُدفع بمثله إعزازاً لكرامة الحق، ودفعاً لغلبة الباطل، على ألا يتجاوز الرد على الاعتداء حدوده إلى التمثيل والتفظيع، فالإسلام دين العدل والاعتدال، ودين السلم والمسالمة، إنما يدفع عن نفسه وأهله البغي ولا يبغي.. فالدفع عن الدعوة في حدود القصد والعدل يحفظ لها كرامتها وعزتها، فلا تهون في نفوس الناس، والدعوة المهينة لا يعتنقها أحد، ولا يثق أنها دعوة الله تعالى، فالله تعالى لا يترك دعوته مهينة لا تدفع عن نفسها، والمؤمنون بالله لا يقبلون الضيم وهم دعاة لله والعزة لله جميعاً".
845
| 25 أبريل 2012
الحمد لله الذي جعل العمل مباركا ومثمرا، ومن جد وجد، ومن طلب أمرا وبذل أسبابه نال منه مبتغاه، ولكل مجتهد نصيب ولكل عامل أجر. الإسلام دين عملي هذا ما أؤمن به، الإسلام دين عملي حركي، وليس ديناً سكونياً ميتاً، دين عملي في أغلب تطبيقاته، وانظر إلى الصلاة مثلاً، كيف تصنع حراكاً في المجتمع وحيوية، ولقد استفادت الشعوب في الربيع العربي من هذه الظاهرة، فجعلوا يوم الجمعة ملتقىً لهم، ومرتكزاً لثوراتهم، وأطلقوا اسماً على كل جمعة يتظاهرون فيها، فسمعنا عن جمعة لن نركع، وجمعة الحسم، وجمعة حماية الثورة، وجمعة النصر، ويحق لي أن أسأل: هل يوجد دين بهذه الصورة الرائعة..؟! الإسلام دين عملي ودين وسطي في الوقت نفسه، راعى بطبيعته العملية الطبيعة التكوينية للإنسان، الذي خلقه الله تعالى في حالة وسط بين الملائكة والشياطين، ومن سمات هذا الإنسان أن روحه تسمو بفعل الصالحات، وإيمانه يزيد بالطاعات، وعلى النقيض تماما تثقل روحه بالمعاصي، وتنقص إيمانه بالخطايا من صور عمليةِ الإسلام (1) راعى الإسلام الطبيعة التكوينية للإنسان، الذي قد يشعر بالملل والسآمة من تكرار فعل الشيء، فكلفه بالعبادة ولكنه لم يطلب منه الانقطاع لها، بل نوّع العبادات، فجعل منها عبادات بدنية كالصلاة والصيام، وجعل منها عبادات جامعة كالحج والعمرة، وجعل منها عبادات مالية كالزكاة والصدقات، وجعل منها عبادات ساكنة لا حركة فيها كالخشوع والتفكر والتأمل والإخبات لله رب العالمين. 2) كذلك راعى الإسلام بطبيعته العملية اللحظات التي يتذبذب فيها الإنسان بين قوة وضعف، بين صحة ومرض، بين سفر وإقامة، فغيّر في المدى الزمني، فجعل هناك عبادات موسمية، بحيث تؤدى مرة واحدة في العمر كالحج، وجعل منها عبادات أسبوعية كصلاة الجمعة، وجعل منها عبادات يومية كالصلاة. 3) راعى الإسلام بطبيعته العملية كذلك الاستعدادات عند البشر، من حيث القوة والضعف، فطالب المسلم بتأدية الفرائض كحدٍ أدنى، ثم فتح باب التطوع لمن أراد المزيد من الثواب والأجر، كل بحسب قوته وهمته. (4) راعى الإسلام بطبيعته العملية كذلك الظروف الطارئة التي قد تمر بالمسلم، فشرع الجمع بين الصلوات للمسافر، وخفف عن المريض في الصلاة، فأجاز له أن يصلي قاعداً أو مضجعاً أو على جنبه حسب استطاعته، وأباح للمسافر أن يفطر في رمضان. (5) حتى في فرض الأحكام الشرعية راعي الإسلام سنة التدرج، بحيث فُرضت الشريعة على مراحل، ولما استقر التشريع واكتمل الدين نجد تنوّع الأحكام الشرعية، بين واجب ومندوب، وحرام ومكروه، ومباح. * المقومات العملية للحضارة الإسلامية أولاً - رعاية الأجساد المرتبطة بالروح أول المقومات العملية للحضارة الإسلامية هو أن رعاية الأجساد عندنا مرتبطة بالأرواح، بطريقة تحقق التوازن للجانبين، فديننا لا يمنع من العناية بالجسد، بل يحث على العناية به، شريطة أن يستغل هذا الجسد من أجل السمو بالروح، وأن يستثمر في التقرب إلى الله تعالى، عندها تكون العناية بالجسد عبادة يُتقرب بها إلى الله تعالى، يقول جابر بن عبد الله ( (( أَتَانَا النَّبِيُّ ( فَرَأَى رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ )) النسائي. هذا هو إسلامنا العظيم، أما الحضارة الغربية فإنها تعلي من شأن الجسد على حساب الروح، ويُنفق في بلادهم البلايين سنوياً على الجسد وما يتعلق بجماله وملذاته ورفاهيته. الجسد وعاء الروح النبي ( لم يحتقر الجسد، ولم يرَ أن الاهتمام به خطيئة، بل دعا إلى التوازن في الحياة، من خلال الإشباع الحلال لحاجيات الجسد، من غير إسراف أو تبذير، لأن الروح تعيش في الجسد، وهو وعاء لها وتتأثر به، بل طالب بالاهتمام بالجسد والعناية بمتطلباته الحلال، يقول أنس ( في الحديث المشهور(( جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ( يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النَّبِيِّ (، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ ( قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ( إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي )) رواه البخاري من يملك جسدي من منا يملك جسده..؟ هل أنتَ تملك جسدك..؟ وهل أنتِ تمليكن جسدك..؟ للإسلام فلسفة خاصة للإجابة على هذا التساؤل خلاصتها أن الإنسان لا يملك جسده، بل هو ملك لله تعالى، ووديعة وأمانة عند الإنسان، ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ( لذا يجب عليه أن يجتهد لصيانة هذه الأمانة، فأجسادنا ملك لله تعالى، جعلنا نتصرف فيها نيابة عنه بتوجيه منه، ومن هنا نستطيع أن ندرك علة تحريم الشريعة لبعض السلوكيات التي تؤذي الجسد وتسيء إليه، ومن تلك السلوكيات الوشم: يقول ابن عمر ( (( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ( الْوَاشِمَةَ وَالْمُتَوَشِّمَةَ )) أحمد ويحصل الوشم بأن يغرز الجلد بإبرة ونحوها، ثم يذرّ عليه مواد معينة تعطيه ألواناً مختلفة كاللون الأخضر و الأزرق، وهو محرم بإجماع العلماء، والعلة في ذلك أن فيه إيذاءً للجسد، ثم فيه تغيير لشيء لا يملكه الإنسان. الانتحار خيانة للأمانة وكذلك حرّم الإسلام الانتحار، وجعله سبباً موجباً لدخول النار، لأن المنتحر ضيع الأمانة ( الجسد ) بعد أن استأمنه الله تعالى عليها، ومثله كمثل من يستعير سيارة من صديقه ثم يعمد إلى حرقها عمداً، ولله المثل الأعلى. وعن عاقبة المنتحر يقول النبي ( (( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا )) رواه البخاري د. طارق محمد السويدان
899
| 18 أبريل 2012
تكملة لما بدأنا من ذكر المقومات الأخلاقية لحضارتنا الإسلامية والتي ننطلق منها في رياح التغيير نحو حضارة إسلامية رائدة ومبدعة تتفق مع رياح الربيع العربي ليكون ربيعا في تألقه وحضارته وتغييره لا مجرد انقلابات لا تغير الواقع ولا تتجه نحو أهداف حقيقية. وقد مررنا على مقومات أخلاقية ثلاث وها نحن نكمل ما بدأناه رابعاً- الإبداع المحكوم بالاتباع الإبداع أمر رائع وعظيم، وأعطيه وزناً كبيراً في عملية النهضة، ولا يمكن لحضارة أن تقوم وتستمر بلا إبداع، والإبداع ببساطة هو عملية الإتيان بجديد، فحضارتنا الإسلامية أساسها الفكر، لذا فهي تشجع الإبداع وكل ما هو جديد، وتضع له ضوابط تعصمه من الزلل، وقواعد تمنعه من الانحراف، ومن تلك الضوابط ألا يخرج عن حدود الشرع، هذا في حضارتنا الإسلامية، أما في الحضارات الأخرى فلا يوجد عندها ما تضبط به حركة الإبداع. الإسلام لا يحد من التفكير المبدع، فاذهب – إن شئت- بعيداً في تفكيرك وأفكارك، ولكن حتى يكون لتفكيرك قيمة، ينبغي أن يكون منضبطاً بالقواعد المنهجية للتفكير، وبضوابط المنهج العلمي، حتى لا يكون مجرد أحلام، وخيالات وأوهام. الإبداع وسيلة الإبداع في الإسلام وسيلة وليس هدفاً، أما في الغرب فهو غاية بحدّ ذاته، فالإبداع لأجل الإبداع، والتغيير لأجل التغيير، بغض النظر أوافق القيم أو خالفها، أنتصر للفضيلة أم للرذيلة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كل إبداع مباح..؟ وهل كل إبداع محترم ومقدّر..؟ الإسلام يعطيك القواعد المرشدة للتفكير، ثم يطلق لإبداعك العنان، يقول لك فكّر كما شئت، ولكن إيّاك أن تخالف نتائج فكرك القرآنَ الكريم أو الأحاديث الصحيحة الثابتة. وفي القضاء هناك مجال للاجتهاد، لكنه اجتهاد منضبط بآيات القرآن الكريم، وصحيح السنة النبوية، ولا تخالف أحكامه مقاصد الشريعة الإسلامية. منهجية القضاء لقد أوضح عمر بن الخطاب (منهجية القضاء، وأن الاجتهاد مكانه بعد النظر في كتاب الله تعالى وسنة نبيه(، وليس قبل ذلك، لأنه اجتهاد محكوم بالاتباع. تروي كتب السنة أن عمر بن الخطّاب (عيّن شريحاً قاضياً، ثم كتب إليه موصياً ((إِذَا جَاءَكَ أَمْرٌ في كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاقْضِ بِهِ وَلاَ يَلْفِتَنَّكَ عَنْهُ الرِّجَالُ، فَإِنْ أَتَاكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَانْظُرْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ (فَاقْضِ بِهَا، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (، فَانْظُرْ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَخُذْ بِهِ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ قَبْلَكَ، فَاخْتَرْ أَيَّ الأمريْنِ شئتَ إِنْ شئتَ أَنْ تَجْتَهِدَ بِرَأْيِكَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَتَقَدَّمْ، وَإِنْ شئتَ أَنْ تَأَخَّرَ فَتَأَخَّرْ وَلاَ أَرَى التَّأَخُّرَ إِلاَّ خَيْرًا لَكَ)) رواه النسائي في السنن الصغرى. تفكير ملتزم بالأصول.. منفتح على الثقافات الأخرى منهجية الإسلام تقوم على التفكير الملتزم بالثوابت والأصول، وفي الوقت نفسه تقوم على الانفتاح على الأفكار والثقافات الأخرى، والاستفادة منها، طالما أنها لا تتعارض مع أحكام الشريعة ومقاصدها، وبمثل هذه المنهجية أنتجت حضارة الإسلام إبداعات كثيرة، كانت قمة في الروعة والعظمة، ومن تلك الإبداعات العسكرية " حفر الخندق " وهي حيلة لم تعرفها العرب، وأسلوب عسكري غريب عنهم، لذا لما وقف فَوارِسُ مِن قُريش على الخندق قالوا: إن هذه مَكيدةٌ ما كانت العربُ تعرِفُها ". وهذه المكيدة تعلّمها النبي (من " سلمان الفارسي " وفعلُ النبي (يدلّ على أن مجتمع المسلمين آنذاك كان منفتحاً على الثقافات الأخرى، وأن الإسلام يرحب بكل إبداع وكل جديد، ما لم يخالف مقاصد الشريعة الإسلامية وأحكامها. من إبداعات المسلمين لمّـا فهم المسلمون هذه المنهجية، أبدعوا إبداعات غير عادية، ومن ذلك: * إبداع القاضي أبي يوسف في كتابه الخراج، الذي يعتبر أول كتاب يتحدث عن السياسة المالية للدولة. * إبداع الإمام الشافعي في كتابه " الرسالة " الذي هو أول كتاب يوضع فيه علم أصول الفقه. * أبدع العلماء المسلمون علمَ الجرح والتعديل، الذي لا يوجد في حضارة أخرى مثيل له. * إبداع " الجويني " في كتابه " غياث الأمم " الذي يُعدّ أول كتاب في العالم يتحدث عن علم المستقبليات وإدارة الأزمات. أبدع العلماء المسلمون منهجية في التوصل إلى العلم التجريبي الرصين، القائم على الفرضية والبرهان، والمشاهدة والتجريب *أبدع المسلمون فكرة الفرق العلمية، حيث يكوّن الباحثون فريقاً علمياً متكاملاً، يشتمل على أكثر من تخصص، وأكثر من عالم، لتكون النتيجة عملاً متكاملاً مدروساً من كل النواحي الفرق بين الإبداع وحكم الإبداع الكثير لا يفرّق بين الإبداع وحكم الإبداع، وللتوضيح نضرب المثال التالي، لنفترض أنا فتاة قامت بتصميم ملابس بشكل مبدع غير مسبوق، فإن فعلها هذا يسمى إبداعاً لأنه شيء جديد ملموس، فإذا كانت الملابس مما يكشف العورات، ولا يحقق الستر، فتصبح إبداعاً حراماً، فهي إبداع لكنه إبداع حرام. أيضاً لنتخيل أن سيدة تمتلك مهارة في " الطبخ " فاخترعت أكلة جديدة لم يسبقها إليها أحد، ففعلها هذه يسمى إبداعاً لأنه شيء جديد، لكن لو استعملت الخمر في هذه الأكلة، صار الإبداع حراماً. وهكذا نرى أن الإبداع عند المسلمين محكوم بالاتباع وبشرع الله عز وجل، أما في الغرب فلا ضوابط للإبداع، وليس هناك إبداع حرام وآخر حلال.
985
| 11 أبريل 2012
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
4803
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
3561
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2871
| 16 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2736
| 16 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2643
| 21 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع...
1557
| 23 أكتوبر 2025
واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...
1461
| 21 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1407
| 16 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
1041
| 20 أكتوبر 2025
1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...
963
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
837
| 20 أكتوبر 2025
في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...
807
| 17 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية