رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في "التضحية" بقيم العبادات الإسلامية: أحكام "الأضحية" مثالًا "ثمانون مسألةً في أحكام الأضحية"، هذا عنوان أحد الأبحاث المتعلقة بأضحية العيد.
وبشيءٍ من التأمل، لا يجدُ المرء، عقلًا ومنطقًا، طريقةً أخرى لتفريغ العبادات الإسلامية من القيم الكبرى، الواضحة والفِطرية، الكامنة فيها، أكثرَ فعاليةً من هذه الطريقة.
لم يكد يوجد مسجدٌ على هذه الأرض لم يتناول موضوع الأضحية في الجمعتين السابقتين، وإذا تابعتَ الموضوع بقصد الاستقصاء والدراسة، تسمع بشكلٍ عام شكوى مريرة ممن حضرَ الخطب المتعلقة بهذه القضية. ويبدو أن عملية (التسابق) على التفصيل والتوسيع في الحديث عن أحكام الأضحية انتقل من بطون الكتب إلى منابر المساجد.
بدءًا من التعريف، قال خطيبٌ مشهور: "سُميت أضحية من وقت ذبحها اشتقاقًا من وقت الضحى الذي تذبح فيه، إنها من بهيمة الأنعام فلا تجزئ من غيرها، والذين يريدون تطيير الشريعة تحت عنوان تطوير الشريعة، يريدون أن يبدلوا كلام الله، يخرجون اليوم بالفتاوى المعوجة لتغيير الدين وتبديله".. ويكتب آخر قائلًا: "من ذبح أضحيته ليلة العيد نظرًا للزحام على الجزارين فإنها لا تقع أضحية وإنما شاته شاة لحم، وعليه أن يذبح مكانها أخرى".
هكذا، من اللحظة الأولى، يجري التأكيد على مسائل وقضايا استنبطها الفقهاء تاريخيًا من بعض النصوص، ويتم تحويلها، ولو من دون قصد، إلى قواعد تَحكمُ الشريعة، ثم تُحاصرُ بها قيم الإسلام الكبرى والأصيلة الكامنة في عباداته، ويُتهمُ كل من يدعو لمراجعتها بأن هدفهم الحقيقي هو "تطييرُ الشريعة".
يتحدثُ النص القرآني عن نوع الأضحية بكونها من "بهيمة الأنعام". وفي المعاجم، تدل كلمة "بهيمة" على "كل ذات قوائم من دواب البر والبحر، ماعدا السِّباع" وقال بعضها: "البهيمة، الحيوان مُطلقًا". وكذلك، وردت كلمة "الأنعام" في مقامٍ آخر في القرآن: {أحلت لكم بهيمة الأنعام}، وثمة غالبيةٌ من الفقهاء تقول بأن المقصود هو "الأنعامُ كلُّها". قال أبو جعفر: "الأنعام كلها: أجنتها وسخالها وكبارها. لأن العرب لا تمتنع من تسمية جميع ذلك "بهيمة وبهائم"، ولم يخصص الله منها شيئا دون شيء. فذلك على عمومه وظاهره، حتى تأتي حجة بخصوصه يجب التسليم لها".
رغم ذلك، تُصرُّ الغالبية العظمى من الفقهاء، تاريخيًا وفي الحاضر، على حصر تعريف "بهيمة الأنعام" في الإبل والبقر والغنم عندما يتعلق الأمر بأضحية العيد. كيف يُقبل هذا التناقض مع التعريفات المُعجمية أولًا، ثم مع تفسير نفس الكلمتين في آيتين من القرآن الواحد؟ على تناقضها مع التيسير للناس في كل مكانٍ في هذا العصر توجد فيه أنعامٌ من كل نوعٍ ولون.
أكثرُ من هذا، نجد فقهاء عاشوا بعيدًا عن بلاد العرب على امتداد مئات السنين، ومن المعاصرين، يذكرون عبارة "وهذا هو المعروف عند العرب" بعد حديثهم عن تعريف بهيمة الأنعام. ولا يخطر في بال هؤلاء أن تفسير آية قرآنٍ جاء يخاطب الإنسانية في كل زمان ومكان بهذا الشكل (القومي) هو تعسفٌ خطيرٌ من جانب، وعودةٌ لشرائع الإصر والأغلال والتعسير على الناس من جانبٍ آخر. والغريب أكثرَ وأكثر أن يتجاهل غالبية الخطباء والفقهاء رواية النووي لما "حكاه ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة، وبالظبي عن واحد، وبه قال داود في بقرة الوحش"، ولو على سبيل الإشارة إلى وجود من فَكَّرَ بشكلٍ منطقي يُحقق المقاصد في تاريخنا الفقهي.
ومن الأحكام المذكورة بإلحاح، التشديدُ على ضرورة الالتزام بعمر الأضحية، إلى درجة أنه لا يجوز التضحية، مثلًا، ببقرةٍ عمرها سنتان إلا بضعة أيام، ولو كان وزنُها، ولحمها الذي سيُعطى للناس، ضعفَ بقرةٍ أخرى أتمت سنتين، في حين (تجوز) التضحية بالثانية!
ما من شكٍ أن ثمة أحكام للأضحية تَظهر الحكمة في الالتزام بها، لأنها تحقق مقصد العبادة، ومنها مثلًا أن تكون الأضحية خاليةً من العيوب. لكن كثيرًا من العاملين في الفقه، تاريخيًا وفي زمننا الراهن، يعودون لمسألة التعسير على الناس حتى في مثل هذه المواضع. وحين تجد مثلًا أكثر من ثلاثين عيبًا يتحدث الفقهاء عن (الكراهة) في التضحية بوجود أيٍ منها، ومنها ضعفُ البصر وصِغرُ الأذنين ورائحة الفم! فإن هذا يناقض كل معاني التيسير الذي يهدف إلى مساعدة الإنسان على تحقيق مقصد العبادة في مُجمل ظروفه وأحواله.
تطول قائمة أحكام الأضحية، وفيها مثلًا تفضيلٌ لِلَونها، بحيث تكون أقرب للون الأملح، على أساس الاقتداء بلون أضحية الرسول الكريم؛ وحصرُ توقيت الذبح لكل المسلمين في العالم، وليس للحجاج فقط، بشكلٍ تتوافر معه ملايين أرطال اللحم فقط في هذه الفترة المحددة، ولا يعلم إلا الله كم يفسدُ منها، في حين يبقى ملايين الناس محرومين حتى من رائحة اللحم بقية العام. ثم إن الأضحية تكفي عن أهل البيت الواحد، لأخَوين وعائلتيهما، مهما كان عددهم (لنفرض 10 أشخاص)، أما إن كانا يعيشان في بيتين منفصلين فيجب التضحية لكل واحدٍ منهما (ولو كان عدد الأفراد فيهما 6 أشخاص مثلًا). إلى غير ذلك من أحكام.
ثمة خيرٌ كبير يمكن أن ينتج عن أداء المسلمين لشعيرة الأضحية بفهمٍ مقاصدي أصيل. رغم هذا، من الواجب التخفيف على الناس فيما يتعلق بمشاعر من لا يستطيع منهم أداءها. لهذا، يكون غريبًا تهميش قضايا من مثل ماقاله ابن العربي المالكي في كتابه "عارضة الأحوذي": "ليس في فضل الأضحية حديث صحيح وقد روى الناس فيها عجائب لم تصح". وكذلك ما رواه البيهقي قائلًا: "رأيت أبا بكر وعمر كانا لا يُضحّيان كراهية أن يُقتدى بهما". وروايته الأخرى، بإسناد صحيح، عن أبي مسعود البدري الذي قال: "إنّي لأدع الأضحى وإنّي لموسر، مخافة أن يرى جيراني أنّه حتم عليّ".
وأخيرًا، فإن من عجائب الأحكام المذكورة "إجماع" الفقهاء على أن ذبح الأضحية أفضلُ من التصدق بثمنها، بل إن اسمًا كبيرًا يكتب في الموضوع قائلًا: "ولذلك كان الذبح أفضل من التصدق بأضعاف ثمن الأضحية، قال سعيد بن المسيب رحمه الله: "لئن أضحي بشاة أحب إلى من أن أتصدق بمائة درهم"، فلعلها تشهد يوم القيامة لصاحبها بقرونها، وأشعارها، وأظلافها، وحتى المكان الذي يقع عليه دمها".
يرحم الله ابن المسيب على قدر نيته، لكن السؤال يبقى كبيرًا: أين مَن يجلد الناس للالتزام بهذه الطريقة في التفكير من حال مئات الملايين من فقراء المسلمين وغيرهم في هذا العصر؟ بل أين هو، قبل ذلك وبعده، من قرآنٍ خاطب الرسول، الذي حمله للناس، واصفًا إياه بأنه "رحمةٌ للعالمين"؟
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
72
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
93
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
162
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4095
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1734
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1587
| 02 ديسمبر 2025