رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
على مر سنوات، أغارت الطائرات الإسرائيلية على الأراضي السورية. وفي كل غارة، حققت أهدافها. ومرةً بعد أخرى، عادت إلى قواعدها بسلام كأنها كانت في نزهة. أهم من هذا كله أن بشار الأسد ماجرؤ مرةً أن يأمر بإطلاق سلاحٍ حقيقي على الطائرات الإسرائيلية، وكانت ردوده محصورةً بين التنديد والاستنكار من جهة، والتأكيد على احتفاظه، الذي يبدو مؤبداً لانهاية له ولامصداقية عملية، على « الحق بالرد في الوقت المناسب»! ما الذي حدث إذن خلال غارة الأسبوع الماضي؟ لماذا أطلق الأسد صواريخ وأعلن نظامه، كذباً، إسقاط طائرة؟ هل شرب الأسد حقاً «حليب السباع»، كما يقولون؟ أم أنه أصيب بالجنون لعلمه بدلالات وجود أحدث الدفاعات الجوية الروسية على مرمى حجرٍ من دمشق، فضلاً عن طائراتها الحديثة. ورغم كل هذا، تحصل الغارة الإسرائيلية وكأن الروس يغطون في نومٍ عميق!بشيءٍ من التحليل، تبدو الغارة حدثاً مفصلياً مليئاً بالإشارات، إذ تتزامن تماماً مع انطلاق العام السابع لثورةٍ سورية، ثمة مؤشراتٌ عديدة على أنه سيكون عاماً تظهر فيه تدريجياً تباشير النصر. مامن فسحةٍ لأحلام النهار في الموضوع. فالموضوع يتعلق بالمتغيرات الكثيرة والجذرية والسريعة المحيطة بالشأن السوري. ولامجال، أيضاً، لحديثٍ عن نصرٍ نهائيٍ وسريع وكامل. فهذه الثورة عملية تحررٍ وتطهير من إرثٍ تقليدي مهترىء دام عقوداً، بحساب، وقروناً، بحسابٍ آخر.. وهي، بعدَها، انبثاقٌ من أرض الثورة، التي سُقيت بدماء السوريين، لإنسان ثورة مختلفٍ تماماً عن سوريٍ سابق، مامن شك أنه سيحتفظ بكل ماكان في تكوينه من خير، وهو كثير. لكنه سيخلع عنه أثواباً تراكمت من الجهل والتقليد والآبائية والأمية في الثقافة والسياسة والعمل العام، بحيث يصنع بنفسه ولادة ثقافةٍ جديدة بكل المعايير.عودةً للغارة ومعانيها، مع ربطها بالتوقع المذكور أعلاه. يبدو تصرف بشار وقراره في الموضوع ناتجاً عن إدراكٍ نهائي بقرب قطع الحبل السري الذي يربطه بالرحم الروسية. مع علمه أن هذا القطع يعني إلقاءه في العراء، وأنه لايعني أبداً استقلالاً يعرف قبل أي شخصٍ آخر أنه لايُطيق شيئاً منه. مع علمه بأن الحبل الآخر المتعلق بالإيرانيين يتصل باطراد بالحبل الروسي. وأن حكام طهران، التجار، يبيعون كل شيء في نهاية المطاف حين ترجح كفة البيع على كفة الشراء.بكل الحسابات الاستراتيجية: رحيل بشار قادم. لافسحة هنا للتفصيل في تغييرات استراتيجية تجري في المنطقة سراعاً موحيةً بذلك، وسيكون لهذا وقتٌ آخر. لكن هذا يبقى مقام استذكار السوريين لواجبهم، هم دون غيرهم، مع التغييرات المذكورة حُكماً، وبدونها، فيما يتعلق بمسؤوليتهم ودورهم، بعد كل هذه التجربة. لهذا نؤكدها مرةً أخرى. بكل مقاييس الحضارة والإنسانية، ثبتَ للعالم بأسره أن بشار (قزم). لكن هذه الحقيقة لن تصل بالثورة السورية إلى النصر إلا عندما يُخرج الشعب السوري كمونهُ الحقيقي الذي يُظهر كم هو (عملاق).من أجل هذا، تحتاج سوريا اليوم لكل أبنائها، بعيداً عن أي معنىً من معاني (السلبية) أو (الحياد) أو (اليأس) التي يمكن أن تتلبس بعض السوريين، فتكون أخطرَ على ثورتهم من كل عنصر قوةٍ يملكهُ النظام.تتعدد أسباب السلبية والحياد واليأس، لكن النتيجة تظل دائماً واحدة: خسارة الثورة لطاقاتٍ كان يمكن أن تحملها إلى منصة النصر، وخسارةُ الطاقاتِ لثورةٍ، لفرصةٍ فريدة يصعب أن تتكرر، فرصة حياتِها لتُحقق أشواقها وتطلعاتها وآمالها بالحرية والكرامة وتقرير المصير. وأياً كانت خلفيتك وطريقة تفكيرك أيها السوري، ثمة ألف سببٍ وسبب تُعطيك، أيها السلبي وأيها المحايد وأيها اليائس، مشروعيةً لمُمَارستك. أنت تعلم ذلك في أعماقك. وماأسهل أن تستخدمه لتبرير سلبيتك وحيادك ويأسك.ماأسهل أن يجد السوري اليوم سبباً للاستقالة من ثورة بلاده. ليس المقامُ هنا مقامَ مناقشة صواب هذه الأسباب أو خطئها، وإنما التساؤل عما يمكن أن تفعله بخصوصها. أنت. أنت السوري الذي لايستطيع أن يَخلعَ جِلدَهُ أو يأخذ إجازةً من انتمائه للوطن.
821
| 21 مارس 2017
بغض النظر عن النوايا الطيبة من جانب المعارضة السورية، وهي وفيرة؛ والاتهامات المتعددة الموجهة لها من أطراف عديدة، وفيها مشروعيةٌ أكيدة؛ يضيع الحوار فيما يتعلق بأداء المعارضة، ورؤيتها وممارساتها، في زواريب تحكمها ظروفٌ شخصية وحزبية وأيديولوجية تحيط بعملها.رغم كل المحاولات، ثمة حلقةٌ مفقودةٌ لا تنال نصيبها المقدّر من البحث والمتابعة. والمعارضة تتابع الدوران، على مدى ثلاث سنوات على الأقل، في حلقات مفرغة من قضايا تنحصر في الترتيبات التنظيمية والهيكلية والإدارية، وبسياق تغلب عليه المماحكات الداخلية من جهة، ومحكومٌ، لدرجةٍ مبالغٍ فيها، من جهةٍ ثانية، بالاستجابة لضغوط وتوجهات إقليمية ودولية خارجية لا تراعي دائمًا المصلحة العليا للسوريين.لا نعتقد هنا أن الضغوط المذكورة من جميع الجهات تناقض مصالح السوريين، بل إن فيها ما يمكن أن يقوى موقفهم السياسي. لكن المفرق في القضية يكمن في الانتقال من طريقة عمل عشوائية بدرجةٍ كبيرة في هذا الإطار، بحثًا عن رؤية، ثم ممارسات، وفكر سياسي متقدم، آن الأوان لها أن تنبع من التجربة الطويلة والقاسية للسوريين على مدى ست سنوات.من هنا، تأتي أهمية مشاريع جدية محترفة سورية، تتكلم لغة العصر وتستخدم أدواته ومفاهيمه وآلياته، لتكون رافدًا لعمل ساسة المعارضة، ورافدًا يزودهم باستشارات وأوراق عمل ودراسات تضع بين أيدي مؤسساتها أوراقًا إستراتيجية هامة تفرض احترامها في دوائر المفاوضات من طرف، وتشكل، من طرف آخر، ذخيرةً في غاية الأهمية من تراكمٍ علمي وعملي تنتج عنه أنظمة وهياكل تشكل تدريجيًا نواة النظام الإداري والسياسي والقانوني والدستوري لسوريا الجديدة. وكم من مرة سمعنا، وسمع المعنيون في المعارضة، من القوى الدولية، وفي مقدمتها "أصدقاء سوريا".. عبارة: ليس لديكم شيء محترف، بمعنى أنظمة قانونية ودستورية، يمكن أن يُظهر أنكم تفكرون وتعملون وفق مقاييس تفكير وعمل (رجال الدولة).منذ اللحظة الأولى لإنشاء المجلس الوطني السوري، وحتى الآن، لا تزال أكبر (تهمة) توجه للمعارضة السورية افتقارها إلى مثل ذلك النظام/الأنظمة، واقتصارُها في العمل السياسي، خاصة في المحافل الدولية، على تقديم الطلبات العاطفية، في إطارٍ من التوسل والعُند، مع الوقوف عند هذه النقطة. دونما تجاوزها إلى جهدٍ فعال ومنظم ومثابر ومحترف يتعامل مع هذا التحدي، حتى بعد ست سنوات من عمر الثورة.بالمقابل، ثمة جهدٌ متصاعد في جهود السوريين ممن اقتنعوا بأنه بات من الفضيحة عدم التعلم من تجارب السنوات المذكورة، والعمل وفق مقتضيات هذه الدروس، خاصة على المستوى المؤسسي.الحالات كثيرة. ومنها في هذا الإطار، كمثالٍ فقط، "معهد العالم للدراسات"، الذي بدأ عمله، فعليًا، منذ أقل من سنة، بعد تحضيرات دامت فترة مُقدّرة. وبعد فترة قصيرة نسبيًا لا تتجاوز عشرة شهور، أنجز المعهد إنجازات منها: ١) تشكيل تراكم معرفي عن قرابة 14موضوعًا مختلفًا عن القضية السورية بمعدل خمسة أبحاث في كل موضوع، وبمجموع يتجاوز 90 مادة إجمالًا. والخطير في الموضوع أنها تُشكل فقهًا متقدمًا للواقع السوري، لا يكمن في معزلٍ عنه التعامل عمليًا مع الظواهر بما يحقق المصالح العامة، ٢) إنشاء تواصل، ثم علاقات موثقة مع أكثر من 70 باحثا وخبيرا وكاتبا ومتخصصا في الشأن السوري في تخصصات مختلفة، سوريين وعربًا وغربيين، وصولًا لتشكيل جماعة علمية تركز على سوريا بالتدريج، 3) التركيز على الجمع بين الأبحاث التحليلية الإحصائية الاستقصائية من ناحية، وتقديم مقترحات سياسات policy proposals، في مجالات مختلفة وهامة.ثمة تفاصيل هامة جدًا تكمن وراء هذا العرض المختصر للموضوع، يمكن تقديمها للمهتمين، والمتابعة في هذا المشروع وأمثاله هو بحد ذاته النقلة الإستراتيجية المطلوبة في عمل المعرضة، والأهم، في أي إنجاز ممكنٍ لها.نطرح هذا الموضوع بشكلٍ مقصود في نفس أيام انعقاد مؤتمر جنيف4، الذي لا يتوقع كثيرون أن تنتج عنه نتائج متقدمة أو حاسمة. لكن ثمة حقيقة يجب التصريح بها: لو أن الفريق السياسي للمعارضة امتلك المعطيات والأبحاث التي عمل عليها معهد العالم للدراسات، ومؤسسات سورية مشابهة، بحيث كانت هذه الأوراق للمعارضة بمثابة ذخيرة سياسية إدارية قانونية حملها معه إلى جنيف، لكان الأرجح أنه سيملك أوراقًا متقدمة جدية تعطيه وزنًا وتأثيرًا أقوى بكثير.ثمة إجماع على احتمال وصولنا إلى جنيف 5 وربما 6 و7، فهل تستمر المعارضة السورية في تعاملها مع هذه التطورات بشكلٍ تقليدي لا يتغير، غارقٍ عمليًا في التكتيك، وسياسيًا في الأيديولوجيا والشعارات، وعمليًا في مناكفات وتنافسٍ طفولي في كثير من الأحيان؟هذا مفرق طريقٍ كبير. ومن سوء الحظ أن الخيار فيه يتعلق بثقافة تقليدية غالبةٍ على ثقافتنا السورية والعربية المعاصرة.
588
| 28 فبراير 2017
منذ أقل من خمسة أشهر، انعقد في الرياض الاجتماع الوزاري المشترك الخامس للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي وتركيا. وكانت نتيجته توافقاً كبيراً، خاصةً فيما يتعلق بداعش وإرهابها، وإيران وسياساتها في المنطقة، من باب الإدراك المشترك لحجم التهديد الذي يشكله هذان العنصران على المنطقة، بشعوبها ودولها. رغم هذا، كانت ثمة عوائق إقليمية ودولية أمام تحويل ذلك التوافق النظري إلى سياسات عملية على أرض الواقع، خاصةً فيما يتعلق بدور إدارة أوباما وسياساتها في المنطقة من ناحية، وبطبيعة العلاقات التركية الروسية، وقتَها، من ناحيةٍ ثانية. بالمقابل، نحن اليوم أمام عالمٍ جديد. لاعلاقة له بما كان عليه العالم منذ شهور قليلة. تغيّرَ لاعبون رئيسيون، وتغيرت سياسات أساسية، فتغيرت معها كل المعادلات. وبتنا نشهد انقلاباً كاملاً في الوضع الاستراتيجي الإقليمي والدولي يفتح "نافذة فرصة" فريدة، لترجمة اتفاق الخليجيين والأتراك إلى فعلٍ سياسي يخلق واقعاً جديداً في المنطقة. لكن مفرق الطريق يكمن في رؤية النافذة حين تنفتح، وفي توظيفها بمهارة وسرعة لتحقيق الأهداف، مادامت الفرصة سانحة. وحين نجد أصابع إيران وراء غالبية القضايا التي يتفق عليها الأتراك والخليجيون، بما فيها التلاعب بداعش وإرهابها. وندرك، بتصريحات القيادات الإيرانية، أن وجودها في سوريا هو محورُ سياساتها الإقليمية، يصبح طبيعياً أن يكون التعامل معها هناك مدخلاً لتقليم أظافرها في باقي أرجاء المنطقة. كانت تركيا تتعامل مع الوضع السوري بمنطقٍ تكتيكي، وانطلاقاً من أفكار نظرية. وهي اليوم تتعامل معه استراتيجياً، ومن خلال رؤيةٍ تفرضُها الواقعية السياسية. وهي نفسُ الواقعية السياسية التي تُظهر حجم المصالح المشتركة مع أهل الخليج العربي، وتستصحب حقيقة استهداف الطرفين كليهما، وتُبينُ أن التنسيق والتشاور يعطيهما سوياً أوراقاً استراتيجية تتعلق بصناعة حاضر المنطقة ومستقبلها. ثمة اليوم من يدرك، من العرب، هذه الحقيقة، ويعمل بمقتضاها، ليس فقط لمصلحة سوريا وشعبها، وإنما لإدراكه استحالة تحقيق المصلحة الوطنية، أصلاً، في معزلٍ عن التعامل مع الوضع السوري بكل حيثياته. خاصةً وأنه كانت هناك محاولةٌ لإقناع العرب جميعاً بـ "الاستقالة" من الشأن السوري. وتمَّ تقديم الفكرة في لَبُوسٍ من البراغماتية والحكمة السياسية، لإعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه، على أساس أن هذا يجري بموافقة أمريكية، وأنه "أمرٌ قد تَوجّه". كان هذا في الحقيقة توجُّهَ أوباما، الذي قلنا في هذه الصفحة منذ شهور أن "القلق العربي من تصريحاته يبدو مبالغاً فيه، والأرجح أن إرث وسياسات و(عقيدة) هذا الرئيس.. ستخرجُ معه في الصناديق التي سيحملها يوم مغادرته البيت الأبيض". هذا ماحصل تحديداً. ومايهمُّ، راهناً، ملايين العرب والسوريين المهددين في أصل وجودهم، من الإدارة الأمريكية الجديدة، هو موقفُها الحاسم، حتى الآن، من إيران وداعش. وإذا اجتمع الجهد الخليجي والتركي مع ترتيبات أمريكية، بحسابات روسية جديدة، فإن وقف سببي الفوضى الكبيرة في المنطقة عند حدّهما، وبشكلٍ نهائي، يصبح مسألة وقت. وهذا كله يبدأ برحيل بشار الأسد الذي يتمسك الإيرانيون برمزية وجوده سياسياً، كقاعدةٍ أساسية لمجمل سياساتهم ومخططاتهم. بإنشاء مناطق آمنة للسوريين في شمال البلاد وجنوبها، وبتحويل الجيش الحر إلى نواةٍ للجيش الوطني السوري، تنعدم تدريجياً الدواعي النفسية والعملية والفكرية لانتشار الإرهاب في شعوب المنطقة، وتُحاصرُ داعش في دوائر صغيرة يمكن القضاء عليها، وتُحاصرُ معها إيران وعملاءها، وتخف ظاهرة اللاجئين بكل تأثيراتها السلبية، وتنفتح إمكانيات ظهور بديلٍ سياسي وعسكري للأسد ونظامه في سوريا، يساعد على ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة. ثمة احتمالان لاثالث لهما. فإما أن تبقى هذه الأمور أمنيات، أو تُصبح أمراً واقعاً يحقق كثيراً من المصالح للشعوب والحكومات. والعنصر الحاسم بين الخيارين هو وجود الإرادة السياسية، ومعها الثقة بالقدرة على فعلٍ سياسي مبدع، في عالَمٍ سورياليٍ معاصر، أظهرت الوقائع إمكانية حدوث المستحيلات فيه.
623
| 19 فبراير 2017
ثمة مقولةٌ شائعةٌ، وصحيحة، في عالم السياسة والاقتصاد تحديدًا: "لا تضع بيضَك كله في سلةٍ واحدة". وعلى ما في العبارة من بساطة، غير أنها تحمل بُعدًا إستراتيجيًا لا يمكن إهماله. القاعدة صحيحة. وهي ترمي، أولًا وأخيرًا، للحفاظ على المصالح بشكلٍ مدروس. لكن أهميتها تزداد في حالات استثنائية، حيث تبدو الأمور مختلطة، وحين تظهر ظروفٌ تضع أصحاب العلاقة فيما يشبه الحصار النفسي والفكري والعملي، بين ما يمكن أن يُعتقد (مبادئ) كلية وشاملة من جهة، ويُعتقد بأنه (مصالح) نفعية حصرًا، من جهةٍ ثانية. لكن قواعد السياسة والعلاقات الدولية لا تسير وفق هذه الثنائية. وتحقيقُ المصالح العامة ليس محشورًا في أسرِ ذلك الحصار. بشيءٍ من شفافيةٍ نعيد التأكيد على ضرورتها، وبحثًا عن مقارباتٍ تصيب الحقيقة في مثل هذه المواضيع، نحاول رؤية المشهد في إطارٍ أكثر شمولًا. ثمة مواضيع ثلاثة مترابطة يجب أخذها بعين الاعتبار في هذه المرحلة. أولًا، هناك قرارات وسياسات صدرت عن الرئيس الأمريكي وإدارته فيما يتعلق بكثيرٍ من القضايا، منها ما يمكن أن يصيب بالضرر سمعة الإسلام بشكلٍ عام، وبعض المسلمين داخل أمريكا وخارجها. ثانيًا، أثارت تلك القرارات والسياسات زخمًا من الحراك الجماهيري والحقوقي والإعلامي والثقافي والسياسي، داخل أمريكا تحديدًا، بشكلٍ هائل. في هذا الإطار، كسب المسلمون تعاطفًا غير مسبوق داخل الولايات المتحدة، حيث صعدت المشاعر الإيجابية تجاههم مثلًا من 53% إلى 70% خلال الأشهر القليلة الماضية. وبما أن الرئيس الأمريكي يهتم جدًا بانطباعات الناس ويتابع آراءهم، فمن الطبيعي أن يأخذها بعين الاعتبار في سياساته. ثالثًا، من قرارات وسياسات ترامب التي نتحدث عنها ما يتعلق بإيران. الدولة ذات الطموحات التوسعية الإمبراطورية الفارسية، والتي توظف الدين لأغراض سياسية دنيئة ومصلحية في كل المجالات، بشكلٍ بات معروفًا ولا يحتاج إلى دليل أو توصيف. الدولة التي كانت سياسات أوباما تفتح لها المجال واسعًا لتحقيق أهدافها بشكلٍ كامل. وفي هذا المسار، تبدو قرارات وسياسات ترامب، حتى الآن على الأقل، الوسيلة الوحيدة لإيقاف المدّ الإيراني المسعور. والأهم من هذا، لحماية المنطقة وشعوبها وتراثها وهويتها من آثاره المدمرة المتعلقة بأصل وجودها. ما هو الموقف الأمثل تجاه مثل هذا الوضع المعقد؟ لا توجد هنا مواقف مثالية، بمعنى قدرتها على التعامل مع الوضع بشكلٍ يتجنب كل السلبيات ويُحقق كل الإيجابيات. نفهم، ونتفهم، الحديث عن (المبادئ)، بل ونوافق على خطورة إهدارها، حتى في عالم السياسة والعلاقات الدولية. لكن طبيعة الحياة المتشابكة، في موضوعنا تحديدًا، تفرض التعامل مع الظاهرة برؤية شمولية. كمثالٍ فقط، يمكن لمن يركزون على ما يمكن أن يصيب المسلمين في أمريكا من أضرار نتيجة قرارات ترامب، قراءة التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية منذ أيام عن التعذيب في سوريا، خاصة في سجن صيدنايا، أو ما سمته "المسلخ البشري". ويمكن لهم التفكير فيما عاشه الشعب السوري من أهوال بات صعبًا الحديث عن إحصاءاتها، وبالدور الأساسي لإيران وميليشياتها الهمجية في مأساة العصر السورية، وفي كل ما حصل في المنطقة من عنفٍ وقتلٍ وتدميرٍ على يدها ويد أتباعها المأجورين، وأخيرًا، تخيلُ ما يمكن أن تؤول إليه الأحداث في غياب من يوقف إيران عند حدها. عالم السياسة زاخرٌ بالتحديات. لهذا، يتمتع أقطابها الحقيقيون بأمرين: المرونة، والإبداع. فلا يحاصرون أنفسهم في خيارٍ واحد لا ثاني له. ثمة توزيع أدوار، وثمة ما يمكن قوله همسًا، بالدلائل والبيانات عن خطورة أي دراسة غير مدروسةٍ إستراتيجيًا، دونما ضرورة للبيانات الإعلانية، وشعاراتها، المزيفة أحيانًا. وثمة دائمًا، في عالم السياسة المعقد، خيارات وبدائل تجمع ما يحسبه البعض تناقضات، سبيلًا لتحقيق المصالح العامة.
700
| 12 فبراير 2017
ثمة تغيير جذري في رؤية الأتراك للأزمة السورية وطريقة التعامل معها. بات هذا معروفًا، لكن تحليل ملابساته يبقى مجالًا للدراسة. في بداية الثورة السورية، وعكسَ ما يعتقد كثيرون، أصر الأتراك على تجنب التدخل في شؤون المعارضة السورية إلى درجةٍ (مثالية).. وهناك أحداث ووقائع ووثائق تؤكد هذه الحقيقة، عاشها كاتب هذه الكلمات، مع قيادات المجلس الوطني تحديدًا، بحكم العمل السياسي في المجلس تلك الفترة. مع بدء عسكرة الثورة، ثم نشوء الائتلاف، وتصاعد التدخل الإقليمي والدولي، دخل الأتراك في المعادلة. لكن دخولهم ذاك لم يكن مُهيمِنًا ولا مدروسًا، وإنما كان جزئيًا، ويندرج دائمًا في سياق التعامل مع المداخلات المذكورة، وتجريب سيناريوهات متعددة، مع التأثر بتوافقات الداعمين حينا، وخلافاتهم أحيانًا. وبشكلٍ عام، كان يغلب على سياسة تركيا ردود الأفعال تجاه التغيرات السورية والإقليمية والدولية، ومحاولة الحركة بناءً عليها. لكن عام 2016 حمل أحداثًا قلبت الرؤية التركية رأسًا على عقب. تضمّنَ هذا همومًا داخلية اقتصادية وسياسية وأمنية، وتهديدات خارجية، وشكًا في المصداقية العملية للتنسيق مع الحلفاء العرب. وأهمُّ من هذا كله، خيبة أمل كاملة (والنهائية) تجاه جميع أطياف المعارضة السورية السياسية والعسكرية، فيما يتعلق بقدرتها على تحقيق أي إنجاز على المدى المنظور. من هنا، تشكلت لدى الأتراك رؤية إستراتيجية مغايرة فيما يتعلق بسوريا وثورتها، هنا بعض عناصرها. إن القضية السورية طويلة الأمد، واستمرار الوضع على ما كان عليه، بالمعطيات السابقة، لن ينفع السوريين حتمًا، وسيضرُّ بتركيًا قطعًا. أي أن نتائجه ستكون خسارة للجميع. بالمقابل، قد لا تُحقق الاستدارة الكاملة الحالية، خاصة تجاه روسيا، نتائجها الكاملة المرجوة، لكن أي نتائج سلبية لها لن تكون حتى قريبة من درجة سوء الوضع من دونها. هذا فضلًا عن أن الاستدارة نفسها يمكن أن تكون ورقة ضغط إستراتيجية لتصحيح العلاقة مع أوروبا والناتو وأمريكا على المدى المتوسط والبعيد، وقد تأتي زيارتا رئيستي وزراء بريطانيا وألمانيا لتركيا مؤخرًا في هذا السياق. ثمة قاعدة في علم التفاوض تؤكد بأنه فن التنازلات المتبادلة. وإذ يعلم الأتراك صعوبة حصولهم على كل ما يريدون، لكنهم يحاولون توظيف القاعدة من خلال ربط القضايا ببعضها، والقيام بمقايضات حالية ومستقبلية، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، بشكلٍ كبير ومعقد. من هذه المنطلقات، يبدو تعامل الأتراك مع فصائل المعارضة السورية السياسية والعسكرية، فيما يخص الروس والأستانة والمفاوضات، محكومًا بجملة عناصر. يطرح الأتراك للفصائل أنهم حققوا لهم أهدافا أساسية كانت شبه مستحيلة، منها: اعتراف روسيا والنظام بهم، والإقرار العملي بأنهم الفاعلون على الأرض، وبالتالي فسيكون دورهم في العملية السياسية أساسيًا وليس تجميليًا، وستبقى مواقع سيطرتهم الجغرافية في حوزتهم بينما كان احتمال فقدانها مرجحًا في ظل استمرار الوضع السابق. إلى هذا، سيستخدم الأتراك موضوع المشاركة في الأستانة كعملية فرز نهائي أمام روسيا (وأوروبا وأمريكا) بين المعارضة المعتدلة وغير المعتدلة.
606
| 06 فبراير 2017
هل يمتلك العرب تصورًا واضحًا ومحددًا لعملية الإصلاح التي باتت استحقاقًا ملحًا منذ زمن؟ قد يحسب البعض أن طرح السؤال من مدخل (القدرة) ليس صحيحًا قبل الإجابة على سؤال آخر يتعلق بـ(الإرادة). هو السؤال التالي: هل توجد لدى العرب أصلًا أيّ رغبة حقيقية في القيام بالإصلاح؟ ينسجم هذا التصور مع التكوين الثقافي، وبالتالي السياسي، السائد في العالم العربي، وهو تصورٌ يُعلي قيمة النيات والرغبات في حصول أي إنجازٍ أو فعلٍ، بينما يبخس الدور الذي تلعبه مسألة القدرة والإمكانية في تحقيق ذلك الإنجاز أو الفعل. ففي إطار منظومة التفكير الغالبة يُعتقد أن كل المطلوب هو (إرادة) الإصلاح والرغبة فيه، فلا يكون من أمر هذا الإصلاح إلا أن يصبح، بطريقة أو أخرى، واقعًا تراه العيون وتشهد عليه الأبصار. وهذا ينتج عن الظن بأن فعاليات الحياة البشرية إجمالا تتمحور أساسًا حول (رغبات) و(نيّات) مَنْ يؤثّرون في تلك الفعاليات، ومن يساهمون في صياغة الحاضر وصناعة الواقع.هل يمكن أن يكون الأمر بالمقلوب؟ الإجابة نعم، بعد تحليل معطيات الواقع ودروس التاريخ. لا دعوة هنا لإغفال دور النيات والإرادات في مثل هذه القضايا، لكن الذي ينبغي التأكيد عليه هو دور (القدرة) في خلق (الرغبة والإرادة) ابتداءً. فالقدرة تعني التمكن من رؤية مداخل الإصلاح وأشكاله وسيناريوهاته الكثيرة الممكنة، وعدمَ الانحصار في مدخلٍ تقليدي سائد، وهذا ما يخلق الرغبة والإرادة. إن أي عملية إصلاح، سياسي واقتصادي وثقافي، في البلاد العربية لا يمكن إلا أن تحصل في إطارٍ يأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الواقع السياسي العربي الراهن إضافة إلى الإرث السياسي التاريخي للبلاد العربية. وإن جوهر الإصلاح، السياسي تحديدًا، لا يكمن دومًا، كما يظن البعض، في استبدال أفراد بأفراد أو مجموعة بمجموعةٍ أخرى. لأن هناك موروثًا سياسيًا / ثقافيًا مشتركًا يبدو غالبًا، خاصةً على أفراد وجماعات النخبة السياسية التقليدية العربية بجميع ألوانها الأيديولوجية سواء كانت في داخل إطار السلطة السياسية أو في صفوف المعارضة، وهو موروثٌ سيُفرز قياداتٍ سنُفاجأ كلّما وصلت إلى موقع صناعة القرار بأنها تشترك مع غيرها في كثير من الصّفات التقليدية، بغض النظر عن شعاراتها التقدمية في مراحل ومواقع المعارضة العتيدة. ودروس البلاد التي وقعت فيها الثورات وفيرةٌ في هذا المجال. من هنا، ربما كانت الخطوة الأولى على طريق أي إصلاح سياسي تتمثل في محاولة الاتفاق على مدخلٍ لذلك الإصلاح يتجنب التركيز الحاد على تداول الحكم كأولوية لابد منها لأي إصلاح، لأن هذا التداول في الظروف الثقافية الحالية قد يكون أصلًا غير ذي معنى، وربما لن يؤدي سوى إلى تكرار التجارب الفاشلة بصورٍ مختلفة.
1142
| 29 يناير 2017
منذ ثمانِي سنوات، وقبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2008 بيومين، كتبتُ في هذه الصفحة مقالًا بنفس العنوان أعلاه، مع فارقٍ يتمثل في أن اسم الرئيس يومها كان «أوباما». كانت جميع استطلاعات الرأي وقتها، ومعها الأجواء النفسية السائدة في أمريكا تجاه إدارة بوش الابن والجمهوريين بشكلٍ عام، تشير إلى غلبة احتمال فوز أوباما بالرئاسة. من هنا، قلت: «وإذا حصل هذا، يصبح السؤال المطروح عنوانًا لهذا المقال مشروعًا: هل العرب جاهزون للتعامل مع رئيسٍ أمريكي مثل باراك أوباما؟». واليوم، مع فجر اليوم الثالث لوجود رئيسٍ أمريكي جديد مثل دونالد ترامب، يفرض السؤال نفسه بقوةٍ، وبنفس الملابسات المتعلقة به حين طُرحَ يومذاك، وكان منها ما يلي: «قد يستغرب البعض من السؤال لأن الانطباع السائد في العالم العربي يوحي بأن شعبية المرشح الديمقراطي فيه ربما تفوق شعبيته في بلاده. لكننا نعلم جميعًا أن هذه المشاعر تنبع من رؤيةٍ عاطفيةٍ تعوَّدنا على وجودها في هذه البقعة من العالم. وهي تصدر عن (الأمل) بأن يتعامل الرجل مع العرب بشكل مختلف عن الطريقة التي تعامل بها الرئيس بوش معهم».وبعد الحديث عن احتمال تحسُّن العلاقات بين العرب وأمريكا، وأسباب ذلك، تم التأكيد في المقال: إن «هذا لا يعني أبدًا أن أوباما سيتساهل في تأمين المصالح الإستراتيجية لبلاده من أجل (سواد عيون) العرب والمسلمين»، وأنه «سواء كان الأمر على المستوى الجماهيري أو على المستوى الرسمي، يجب أن يتجاوز العرب عقلية انتظار الهبات من الآخر. ففي هذا العالم المعقد، لا مجال للتعامل بين الدول بناءً على العواطف والمشاعر. وأفضل ما يمكن للمرء أن ينتظره من النظام السياسي العالمي هو أن يمتلك حدًا أدنى من العقلانية والفهم للشروط التي يتحقق معها الأمن والسلام والازدهار في العالم. وهي شروط تتضمن درجةً من الاحترام المتبادل ومن التعاون المشترك في جميع المجالات. بكلماتٍ أخرى، هذا هو أقصى ما يمكن لأوباما رئيسًا أن يقدمه للعرب». لكن السؤال الآخر المهم كان منذ ثماني سنوات، ولا يزال اليوم، يكمن في البحث عن شروط ذلك الاحترام المتبادل. إذ أنه «لا يمكن أن يحصل في غياب احترام طرفٍ من الأطراف لذاته بالمعنى الحقيقي للكلمة. كما أن حصول التعاون يصبح مستبعدًا إذا كان طرفٌ من الأطراف لا يعرف أصلًا ما يريد. بعد أكثر من ثماني سنوات، تفيد المعطيات والإحصاءات أن دلالات الأرقام المذكورة أصبحت أسوأ مما كانت عليه يومها، والمعلومات موجودة في تقرير التنمية البشرية العربي 2016. وإذ تساءلنا عام 2008 بالقول: «في ظلّ وجود هذه الحقائق، هل يكون العالم العربي جاهزًا للتعامل مع أوباما بكل انفتاحه وثقافته وحتى تعاطفه إذا ما أصبح رئيسًا بعد أيام؟»، فإن مجرد التفكير بالسؤال، في ظل ما بات معروفًا عن «الفكر السياسي» للإدارة الأمريكية الجديدة، خاصة في مجال السياسة الخارجية، يبدو مُرعبًا الآن.
579
| 22 يناير 2017
"ستكون الفوضى السياسية معلمَ السنوات الخمس القادمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك مع تزايد مطالب الجماهير من النخب الراسخة. وسيكون مرجحاً استمرار الحروب الأهلية والحروب بالوكالة في عدد من الدول الفاشلة. ستكون الصراعات بين القوى الدينية والسياسية مرجحةً أيضاً مع استمرار انخفاض أسعار الطاقة بما سيضعف المؤسسات القائمة".لاتُذكر هذه الفقرة من التقرير، الذي صدر الأسبوع الماضي، في الملخص التنفيذي الذي نشرته بالعربية "إدارة الاستخبارات الوطنية" الأميركية، التي تنسق العمل بين 17وكالة أمريكية تعمل في مجال الاستخبارات.من المؤكد، إذاً، أن الاقتصار على قراءة الملخص العربي، كما يبدو شائعاً بين العرب، لايوفر معرفةً وافيةً بأفكاره الخطيرة، وخاصةً منها مايتعلق بهذه البقعة من العالم.والحقيقة أن الفقرة المتعلقة بما يسميه التقرير "الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" تتصف بدرجةٍ كبيرة من السوداوية والتشاؤم، وتشمل مروحةً واسعة من التوقعات الكئيبة الطاغية عليه تماماً. وذلك بعكس مناطق أخرى كثيرة في العالم تبدو فيها ملامح للأمل والتطور باتجاه الأفضل.كيف نتعامل عربياً مع مثل هذه التقارير؟ من المؤكد أن تجاهلها بشكلٍ كامل سيكون ممارسةً رعناء، إن لم نقل طفولية. فالتفاصيل المتضمنة في فقرة المنهج العلمي الذي استُعمل لإنتاجه تُظهر درجة الجهد المبذول، ليس فقط في الإدارة نفسها، وإنما مع خبراء داخل أميركا وفي أنحاء متفرقة من العالم، للوصول إلى النتائج الواردة فيه.لكن المفارقة تكمن في أن توقعات التقرير واستقرائه للمستقبل العربي ليست كتاباً مُنزلاً من السماء، ولا هي قدرٌ محتومٌ عليهم يستحيل التعامل معه. فالتوقعات المذكورة هي، في نهاية المطاف، بمثابة إفراز لقرارات وممارسات وسياسات يبنى التقرير على وجودها واستمرارها كأسباب ومقدمات، تلك التوقعات، كنتائج منطقية.نحن هنا إذاً بإزاء معادلة الأسباب والنتائج التي تحكم الواقع الإنساني بأسره، وليس فقط الدول والمجتمعات العربية. ومن طبيعة قوانين الاجتماع البشري وسنن وجوده أن النتائج ستختلف حتماً حين تأخذ الإرادة البشرية الحرة بأسباب مختلفة عن تلك الواردة في التقرير، في هذا المقام كما في كل مقامٍ آخر.يتحدث التقرير مثلاً عن "الانقطاع المَرَضيّ المُزمن (أو الهوة العميقة) بين القيادات والنخب في المنطقة، من جانب، وبين جموع المواطنين من جانب آخر"، ويذكر حسب الاستقراء والمعطيات أن الهوّة "ستستمر في العديد من دول المنطقة إلى أمدٍ قادم"!يتحدث التقرير أيضاً عن الاستمرار المتوقع في "ظروف سياسية وفرص اقتصادية لدمج شباب دول المنطقة في منظومات سياسية واقتصادية.. تعترف بكمون هؤلاء وتتلاءم مع ثقافتهم"، وإلا- يُكمل التقرير- فإن هذا يعني استمرار "غياب العدل والاحترام لهم ولكرامتهم، وبحيث تستمر هذه الظروف نفسها في تغذية مناخات اليأس وسوء المعاملة للآخرين.. فضلاً عن التطرف الديني". بل إن التقرير يؤكد بأن كل ماسبق، وغيره كثير في التقرير، يعني أن "عدم الاستقرار سيستمر ويتصاعد لأمدٍ طويل"، حتى في دولٍ عربية مهمة، بخلاف تلك التي تشهد عدم الاستقرار الآن.من قال إن هذه الظروف "يجب" أن تستمر؟ ولماذا يقبل العرب بأن تكون هذه التوقعات لعنةً أبدية أصابتهم، وليس عليهم إلا التعامل معها بمنطق ردود الأفعال؟ وفي ظل كون تلك التوقعات تشكل في النهاية تهديداً وجودياً للجميع، دولاً وشعوباً وحكاماً ومحكومين، هل يستحيل فعلاً التفكير بشكلٍ خلاق، وامتلاك الإرادة السياسية، لجَسر الهوة بين القيادات والنخب وبين المواطنين؟ وهل يَعدم العرب، بطاقاتهم وإمكاناتهم القيادية والشعبية، القدرة على خلق ظروف سياسية وفرص اقتصادية تسمح باستيعاب طاقات شباب مجتمعاتهم وتوجيهها نحو الأمل والبناء والإبداع بدلاً من اليأس والغلو والهدم؟أكثر مايُفزعُ في التقرير أنه يربط، في آخره، احتمالاً ضئيلاً لتحسن الأمور في العالم العربي بتحسن أسعار النفط، ولاشيء آخر! وإذ يبدو العرب في التقرير بشكلٍ عام، ومع هذه النتيجة، منزوعي الإرادة بشكلٍ كامل، فإن رفض هذه المقولة عملياً، بالأفعال والقرارات والسياسات، وليس فقط نظرياً، هو وحده الذي سيثبت كذب النبوءات المشؤومة الجمة في التقرير.
2752
| 15 يناير 2017
"التسامح يعني تحمُّل ما لا يتوافق معنا. أوروبا مدينةٌ بمسيحيتها لمهاجرٍ سلك نفس طريق اللاجئين. سابقاً اُتُّهم يهود ألمانيا بأنهم مجتمع موازٍ لا يتوافق مع الأكثرية، تماماً كما نسمع اليوم عن (الشريعة) لإقصاء كل ما هو إسلامي. كريستين هيلبيرج ترى في تحليلها التالي لموقع قنطرة أن لكلٍّ حق تشكيل مجتمعه وأن يكون ما يريد: مسلمةً محجبةً وزيرةً أو مسلماً قاضياً. فحينها فقط تغدو ألمانيا مجتمع اندماجٍ ناجح".هذه مقدمةٌ لمادةٍ منشورة على موقع واسع الانتشار على شبكة الإنترنت، باللغات العربية والألمانية والإنجليزية، اسمه "قنطرة" للحوار مع العالم الإسلامي. الموقع ألماني بإشرافٍ مشترك بين "المركز الاتحادي للتعليم السياسي" وهيئة "دويتشه فيله" الإعلامية الكبرى ومعهد "غوتة" الشهير، بالإضافة إلى "معهد العلاقات الخارجية". وهي جهاتٌ ألمانية يقول القائمون على الموقع، في خانة التعريف به، أنها تهدف "من خلال منبرهم الجماعي على شبكة الإنترنت، إلى المساهمة في الحوار مع العالم الإسلامي"، مع الإشارة إلى دعم وزارة الخارجية الألمانية الاتحادية للمشروع.أما المادة نفسها، فهي بعنوان "الإسلام ليس نقيض الغرب بل ميراث أوروبا المُعتَّم عليه"، وبقلم الباحثة السياسية والصحفية الألمانية كريستين هيلبرج.مامن شكٍ أن كتابة ونشر مثل هذا الموضوع بهذا العنوان من قبل جهةٍ إعلامية غربية يُعتبر أمراً نادراً. وقد تتردد كثيرٌ من منابر الإعلام في الدول العربية والمسلمة بنشره هذه الأيام. ورغم وجود 100 كاتب عربي من بين كتاب الموقع الذين يبلغون أكثر من 500 كاتبة وكاتب، إلا أن نشر هذه المادة بالذات من قبل باحثةٍ سياسية وصحفيةٍ ألمانية يجب أن يلفت انتباه المسلمين، والعرب تحديداً، إن لم يكن لمدِّ يدِهم ومصافحة هذه اليد الألمانية الممدودة إليهم، فللخروج على الأقل من حالة الحصار النفسي الذي تعيش غالبيتهم فيه، بما يخص العلاقة مع الآخر عامةً، والغرب تحديداً.مايلفت الانتباه أكثر أن الجهات المشرفة على الموقع نشرت المادة ضمن جملةٍ من المواد الأخرى بعد هجوم برلين الإرهابي منذ أسبوعين ونيّف. يومَها، خصص إعلامٌ في الغرب والشرق، ومعه ساسةٌ و"زعماء" مُفترضون، وقتهم للهجوم على كل ماله علاقةٌ بالإسلام والمسلمين، وبعملية خلط أوراق لايُعرف لها أولٌ ولاآخر. بالمقابل، قالت كريستين هيلبرج في مقالها: "ما يجعلنا نأتي على ذكر الإسلام هنا هو ما يبدو ظاهرياً أن الإسلام هو أكبر تحدٍّ يواجه تسامحنا؛ فالبعض يعتبر الإسلام منبع الإرهاب ومعاداة المرأة والعنف. وهذا الأمر أدى إلى شعور هذه الفئة من بعض المنقذين المزعومين لـ (الغرب اليهودي-المسيحي) بأنه عليهم النهوض لمحاربة (أسلمة الغرب). من المؤسف أنه وبذلك يدفن هؤلاء المنقذون المزعومون أسس نظامنا الحر في القبر، النظام نفسه الذي يفترض أنه يريدون إنقاذه"..أما موقع "قنطرة" فقد نشر مواداً رصينة المحتوى بعناوين مثل "تماسك المجتمع التعددي المتنوع أفضل مواجهة للإرهاب" و"أينما كنتَ في مصر تجد يونانياً أو يهودياً يبيعك شيئاً" و"حزن المسلمين مع الألمان على الضحايا يقهر الإرهاب"، وغيرها كثير.سواء كان الهدفُ محاربة الإرهاب والتطرف والغلو، بكل أنواعه ومصادره، في العالم، أو المساهمة في وقف الجنون الشعبوي المتصاعد في مختلف أنحائه، أو التصدي لرؤىً وسياسات تستهدف العرب والمسلمين، دولاً وشعوباً وثقافةً ومجتمعات، يبدو البحثُ عن حلفاء عقلاء ومنفتحين في هذا الواقع الدولي بمثل أهمية التحالفات العسكرية والسياسية. وفي ظلِّ غياب (ذاكرةٍ استعمارية) عن ألمانيا من جانب، وإمكاناتها الاقتصادية والسياسية وخبرتها التاريخية من جانبٍ آخر، ويدها الممدودة إلى المسلمين والعرب، من جانبٍ ثالث، يبدو مفيداً التفكير (خارج صندوق) الجانب الغربي من الأطلسي، لعقد حلف فضولٍ معاصر، حصل مثله بين عشائر قريش في مكة قبل الإسلام، وفيه أنهم "تعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونُن يداً واحدةً مع المظلوم على الظالم حتى يؤدَّى إليه حقه"، وقال عنه نبي الإسلام: "لو دُعيتُ به في الإسلام لأجبت".
762
| 08 يناير 2017
لاتُبنى التحالفات الاستراتيجية الحقيقية، فضلاً عن أن تعمل بفاعلية، مابين يومٍ وليلة. وبغضّ النظر عن كل مايدخل في خانة (التثبيط) و(التخذيل) في طروحات بعض الإعلام العربي والعالمي عن التحالف الإسلامي، يبقى الكمون المستقبلي لهذا التحالف أكبر بمراحل مما يتوقع الكثيرون، خاصةً حين نتأمل الفرق في الواقع الإقليمي والدولي بين لحظة إعلانه وبين ملابسات مايجري هذه الأيام في منطقتنا والعالم. بمعنى أن إنشاءه كان يستقرئ مستقبلاً تتغير فيه المنطقة بناءً على التحالفات.من هنا تأتي أهمية الجدية والزخم في بناء هذا التحالف، وفي تهيئته وتهيئة أعضائه، سياسياً وعسكرياً، لما هو قادمٌ من تحديات، وخاصةً في إطار توفير الإرادة السياسية المطلوبة لتحقيق أهدافه. ومن هنا أيضاً تأتي أهمية انضمام سلطنة عمان للتحالف في هذه اللحظة الحساسة جداً، وبما تحمله معها السلطنة من أوراق متميزة لاتبدأ بالموقع الاستراتيجي الخطير، ولاتنتهي بدورها السياسي الخاص والحساس في العلاقات الإقليمية والدولية. ولئن كان هذا يدل على نجاح الجهود الحثيثة التي تبذلها القيادة السعودية، وكان آخرها جولة خادم الحرمين الشريفين الخليجية برسائلها المدروسة، وفي هذا المسار تحديداً بمساعي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فإنه يدل أيضاً على وعي القيادة العمانية بدلالات المتغيرات المتسارعة في المنطقة، وتأثيرها الوجودي على دولها، وهو تأثيرٌ لايمكن أن تتم مواجهتهُ إلا بمزيدٍ من الوحدة بين دول الخليج، تكون نواةً قوية للتنسيق العربي والإسلامي المطلوب.لم يكن غريباً، لهذا، أن تنقل وكالة رويترز عن مصادر عمانية أن هذا القرار جاء بعد أن تبين لها "عدم جدية أو فائدة التعاون مع الإيرانيين". بمعنى وصول عمان لنقطة اليقين باستحالة الثقة بالإيرانيين الغارقين في طموحاتهم الجنونية التوسعية، أيديولوجياً وعملياتياً، مهما حاول المرء التعامل معهم من خلال العهود والمواثيق وحتى العلاقات الخاصة.مايجب الانتباه إليه هنا يتمثل في أن عُمان شاركت في مناورات "رعد الشمال" التي نظمتها السعودية في مطلع العام الماضي، وبعد شهرين فقط من إعلان قيام التحالف. ورغم أن البعض لم ينتبه إلى مغزى تلك المشاركة، إلا أنها كانت بالتأكيد رسالةً سياسيةً مبكرةً إلى إيران. بل إن مغزى اللحظة العمانية يصبح واضحاً أكثر حين نعلم أن عُمان رحبت بتأسيس التحالف عندما تم، لكن وزير الشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي ذكَّرَ وقتها أن النظام الأساسي المعمول به في السلطنة ينص على حظر مشاركة القوات المسلحة العمانية في عمليات خارج نطاق مجلس التعاون الخليجي. والذي يعرف السياسة العمانية يُدرك أن إقدامها على هذه الخطوة راهناً نابعٌ من معلومات وتحليلات استثنائية وفي غاية الخطورة تتعلق بدور إيران في نشر الفكر الإرهابي والممارسات الإرهابية في المنطقة، فجاءت الخطوة بناءً على قاعدة أن الظروف الاستثنائية تتطلب قرارات استثنائية.لهذا، كانت وزارة الخارجية العمانية، الحريصة جداً في تعبيرها، تعني كل كلمة ذكَرَتها في بيانها الصادر الخميس الفائت بخصوص الموضوع حين قالت: "إن انضمام السلطنة إلى تحالف الدول الإسلامية لمكافحة الإرهاب يأتي في سياق الفهم المشترك للدول الإسلامية، وعلى وجه الخصوص دور وقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة وأهمية تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المناطق التي يسودها العنف الإرهابي المسلح". ورغم أن إيران لم تُذكر، رسمياً، في كل مايتعلق بالتحالف وانضمام عمان إليه إلا أن موقف قنواتها الإعلامية الوكيلة، الغاضب والمتشنج مما جرى ويجري، ينسجم مع مقولة العرب قديماً: "كاد المُريب أن يقول خذوني".مرةً أخرى، يمكن لتفعيل التحالف الإسلامي أن يحقق الكثير، لكن ترتيب أمور البيت الخليجي وحمايته من أي ثغرات يبقى شرطاً أساسياً ليكون فعلاً نواته الصلبة على كل صعيد.
616
| 01 يناير 2017
يرحم الله أهل الألباب، وأياماً قال فيها الشاعر العربي: "إن اللبيب بالإشارة يفهم". لم يكن الهدف في الجزء الأول من هذا المقال استخدام أحداث حلب للحكم على إسلامية السلطة التركية من عدمها، وإنما تَمثل الهدف، تحديداً، في محاولة فتح ملف التفكير بموضوع "الأسلمة"، بمعنى البحث عن معانيه ودلالاته الحقيقية، وملابسات تنزيله في واقع الناس، لدى العرب بشكلٍ عام، وإسلامييهم تحديداً، من خلال استخدام واقعٍ محدد يتعلق بمثالٍ يهتمون به كثيراً.فمثلُ هذه المداخل، البعيدة عن التجريد و(التنظير)، تُوفرُ مقاربةً أسهلَ وأوضح لتحديد المشكلات ومواضيع البحث، وطرح الأسئلة بخصوصها. وهي أقدرُ على إضفاء جرعةٍ من القوة النفسية والفكرية للاعتراف بالحقائق العيانية التي تفرض نفسها على واقع الناس.لهذا، وحرصاً على تأكيد الفكرة وأهميتها، نحاول مرةً أخرى.الإسلاميون مشغولون بـ "أسلمة" الحياة، ويرون، بالتالي، أن مقتضياتها تشمل كل فعاليات الحياة البشرية، ومنها، تأكيداً، السياسة، داخليةً كانت أو خارجية. هذه مقدمةٌ أولى.وثمة شرائح طاغية منهم، مع كثيرٍ من العرب، يرون في السلطة التركية نموذجاً على الالتزام بـ "مفهوم" الأسلمة، بل وحرصاً على العمل بمقتضياتها. هذا فضلاً عن رغبةٍ نفسيةٍ بأن يشيع منهج تلك السلطة في عملية الأسلمة في كل مكانٍ آخر، هذه مقدمةٌ ثانية.لاتنفي السلطة التركية نفسها صفة "الإسلامية" عن هويتها، ولاتخفيها في خطابها الإعلامي والسياسي إلى درجةٍ كبيرة. هذه مقدمةٌ ثالثة.حسب الفهم الشائع جداً لصفة "الإسلامية" ومتطلباتها العملية، بين الإسلاميين العرب، والسوريين حصراً، كان يجب على تركيا أن تتصرف، سياسياً وعسكرياً، بخصوص المسألة السورية بشكلٍ محدد، خاصةً في الأشهر الأخيرة، وتحديداً فيما يتعلق بعلاقة تركيا مع الفصائل والمعارضة السورية من جانب، ومع كل من روسيا وإيران (وإسرائيل)، من جانبٍ آخر. هذه مقدمةٌ رابعة، من التعسف إنكارُها. وتفاصيل الحديث فيها معروفةٌ ومشهورة لاحاجة للتفصيل فيها (باختصار شديد وفي أقل الأحوال: مجابهة روسيا وإيران سياسياً وعسكرياً إن اقتضى الأمر، وتزويد الفصائل بكل أنواع الأسلحة وخاصة مضادات الطائرات، وبالتأكيد عدم التعاون لخروج حلب من المعادلة).لم تتصرف الحكومة التركية في كل هذه المسائل وفق (كاتالوك) الإسلاميين العرب، ولا وفق أجندتهم وفَهمهم ورؤيتهم، من قريبٍ أو بعيد، في تنزيلها لمقتضيات الإسلامية على سياساتها الخارجية المتعلقة بالمسألة السورية. هذه مقدمةٌ خامسة.بحدٍ أدنى من المنطق، ووفق المقدمات الخمس أعلاه، ثمة احتمالان لتفسير المفارقة بالنسبة للإسلاميين العرب والسوريين. فإما أن صفة الإسلامية لم تؤخذ بالاعتبار، في قريبٍ أو بعيد، من قبل الأتراك في تعاملهم مع الوضع السوري. وهذا يعني أن تلك الصفة ليست موجودةً أصلاً لديهم، أو، في أقل الأحوال، أن هناك (انتقائيةً) في السياسات المتعلقة بها، يُطلقُ عليها البعض أسماءَ أخرى أكثر سلبيةً.. أما الاحتمال الثاني، الذي نؤكد عليه، فيتمثل في أن هناك فرقاً شاسعاً في فهم كل مايتعلق بمفاهيم "الأسلمة" و"الإسلامية" بين الطرفين. مايزيد الأمر خلطاً هو غياب التفريق بين تنزيل تلك المفاهيم في سياقين: سياق المظاهر الخارجية والشعائر من جهة، حيث يكون التشابه طبيعياً وسهلاً، وسياق القضايا الكبرى المتعلقة بالقضايا الاستراتيجية السياسية العالمية المتعلقة بمصائر الدول والشعوب، حيث تختلف الرؤية والحسابات كلياً.لايُنكر الحكام الأتراك كثيراً مما يتعلق بإسلاميتهم، كما ذكرنا، لكن فهمهم لتنزيل مقضيات الإسلام في الحياة، يحمل درجاتٍ من المراجعة والمرونة والتفاعل الهائل مع متغيرات الواقع. وهذا، تحديداً، مايُنتج ممارسات وقرارات تجعل الإسلاميين العرب والسوريين يُصابون بالدوار. وللدقة في هذا المقام، لايعني هذا التحليل إضفاء صوابيةٍ مطلقة على نتائج المراجعة والمرونة والتفاعل، فهذا ليس من طبائع الأمور، وإنما يؤكد الاختلاف الجذري في منهج التفكير بمفاهيم "الأسلمة" والإسلامية" بين الطرفين.وبدلاً من التركيز على جوهر القضية هذا، وخروجاً من مأزقهم النفسي والفكري والعملي، يَجهدُ إسلاميو العرب والسوريين في محاولة تبرير قرارات الأتراك بالحديث عما قدمته تركيا للسوريين في كل مجال، وهذاً حقٌ لايُنكر، وفي التذكير بما تواجهه من صعوبات وتحديات، مما يعرفه كل إنسان.مفرق القضية يكمن في كون تجربة حلب، في سياقها التركي والعالمي، فرصةً أخرى للإسلاميين العرب والسوريين لإعادة التفكير بكل ماله علاقة بصفات "الأسلمة" و"الإسلامية"، جذرياً وبشكلٍ شمولي.
642
| 25 ديسمبر 2016
هل يحكم تركيا اليوم "إسلاميون"؟ إذا كان الأمر كذلك، كما هو شائع، هل هناك علاقةٌ، في رؤيتهم السياسية، بين السياسة الخارجية و"الإسلام"؟ إذا كانت العلاقة موجودة، كما يعتقد كثيرون، ماهي القيم والمحددات "الإسلامية" التي صَدَرت وتَصدُرُ عنها السياسةُ الخارجية التركية، فيما يتعلق بسوريا وثورتها؟ وهل كان هناك ثمة تقديمٌ وتأخير لأولويات تلك القيم والمحددات، أو تغييرٌ فيها، خلال خمس سنوات ونصف من عمر الثورة السورية، من أيام اجتياح النظام لحماة، مروراً بإعادة العلاقات مع كلٍ من روسيا وإيران وإسرائيل، وصولاً إلى "سقوط" حلب في يد نظام الأسد؟تتكاثر هذه الأيام الدعوات إلى استخلاص الدروس والعبر من المشهد الأليم في حلب، خاصةً في صفوف الإسلاميين، والسوريين منهم تحديداً. لكن الأسئلة الكبرى المذكورة أعلاه تبدو غائبةً عن الصورة، الظاهرة على الأقل. يحصل هذا رغم أن لدى هؤلاء أسئلةً أخرى، تبقى مدفونةً في الصدور، لأسباب معروفة. والحقيقة أن الوضع الراهن لايصيبهم هم فقط بحرجٍ كبيرٍ جداً، وإنما هو حرجٌ يتجاوزهم إلى دوائر واسعة من العرب والمسلمين. لنا أن نتخيل، مثلاً، ماكان يُمكن أن يُقال لو أن أي دولةٍ عربيةٍ أو إسلامية أخرى بادرت إلى إقامة علاقات سياسية واقتصادية مع روسيا وإيران وإسرائيل، بنصف درجة علاقات تركيا بتلك الدول اليوم. لنا أن نتخيل مايُمكن أن توصف به تلك الدولة، وكيف سيتعامل معها الفكر السائد وأهله، نفسياً وإعلامياً على الأقل.لهذا، قد ينتج عن الحديث في هذا الموضوع، بوضوحٍ وصراحة، درسٌ استراتيجي، هو في النهاية أحد أهم الدروس المُستخلصة من الحال الراهن.فعلى مدى السنوات الماضية، تَصاعدَ الحشدُ النفسي والفكري في تلك الدوائر، عربياً تحديداً، ليس فقط لتأكيد حقيقة "إسلامية" الحكومة التركية، وإنما أيضاً لحتمية قيادتها عالَماً إسلامياً سُنياً، بغض النظر عن كل دوائر الانتماء الأخرى، وعن المعادلات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تحكم الإقليم والعالم. بل إن جوهر "الإسلامية" المذكورة، لدى الغالبية العظمى ممن حملَ الفكرة ودعا لها، كان لايتمحور، فقط أيضاً، على التجاهل الكلي لتلك الانتماءات والمعادلات، بل وعلى مواجَهتها ومُحارَبتها ومعاندة كل مقتضياتها، وماتفرضهُ من وقائع عملية على أرض الواقع وفي حياة الناس.كان هذا ينبثق مما سميناه في مقالٍ سابق بـ تلبيس تركيا "طربوش" الخلافة التي ستحل، بالنيابة، كل المشاكل، وتعالج، بالوكالة، كل الأزمات. كان جوهرُ "إسلامية" حكام تركيا، في نظر كثيرٍ من السوريين والعرب والمسلمين، ناتجاً عن "تفكيرٍ رغائبي" ينبع، جزئياً، من مشاعر القهر والعجز الذاتي، لكنه كان، من ناحيةٍ أخرى، ولايزال، تجلياً لأزمةٍ مستمرةٍ في فهم الإسلام ذاته، وفي كيفية التعامل مع الواقع البشري من خلاله.ربما انساقَ أتراك "العدالة والتنمية" أنفسهم، لوهلةٍ، في إطار التفكير الرغائبي المذكور، ومايفرضه على أصحابه نفسياً وفكرياً وعملياً من مقولات وممارسات. نترك هذا للتاريخ وللأتراك. لكن المؤكد أنهم تجاوزوا الموضوع مع تتالي الأحداث والوقائع خلال سنوات الثورة السورية، وتحديداً في الأشهر الستة الماضية.حسب صحيفة المونيتور التركية، ونقلاً عن موقع "ترك برس" المتخصص في الشؤون التركية: "بحجم تجارة ثنائية يصل إلى 8 مليارات دولار تُعد إيران الآن أكبر شريك إقليمي لتركيا. وبسبب انخفاض أسعار الطاقة العالمية فإن تركيا التي تشتري النفط والغاز من إيران وفرت 600 مليون دولار من جارتها الشرقية"، والعراق "يشتري منتجات تركية بقيمة 6,5 مليار دولار"، أما إسرائيل فقد استوردت "بضائع تركية بقيمة 2,5 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من هذا العام".إذا قرأ الساسة الأتراك الواقع من هذا المدخل، مع الأخذ بعين الاعتبار انقلاب تموز وأعمال الإرهاب في تركيا وانخفاض الليرة، فإن الحسابات "الإسلامية" للترجيح بين المصالح الآجلة والعاجلة، والعامة والخاصة، ستكون مختلفةٌ لديهم عنها لدى آخرين. هل هذا صوابٌ أم خطأ؟ قد يكون البحث في ملابسات هذا السؤال مدخلاً أكثر واقعيةً للبحث في سؤال "الإسلامية" من عدمها، نهايةَ المطاف.
762
| 18 ديسمبر 2016
مساحة إعلانية
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت...
7062
| 14 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....
2856
| 16 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...
2448
| 20 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...
2301
| 21 أكتوبر 2025
في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...
2127
| 16 أكتوبر 2025
قمة شرم الشيختطوي صفحة حرب الإبادة في غزة.....
1620
| 14 أكتوبر 2025
في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...
1401
| 16 أكتوبر 2025
الوقت الآن ليس للكلام ولا للأعذار، بل للفعل...
1251
| 14 أكتوبر 2025
لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها...
1128
| 14 أكتوبر 2025
لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...
861
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...
852
| 21 أكتوبر 2025
القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...
789
| 20 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية