رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لعله قد بات مؤكداً أن سياسة العلاقات بين الدول في هذا العالم الذي نعيش فيه إنما ترتكز على أساسين لا ثالث لهما القوة والمصلحة مع أنها تحاول دوما الظهور بمظهر الدول المحبة للسلام وتسعى بكل جهودها إلى تبرير سياستها اللاإنسانية بإكسابها بُعداً أخلاقيا فتزعم أنها تناهض الإرهاب وتستهدف نشر الديمقراطية وتعزيز قيم حقوق الإنسان، وبهذا فإنها تستخدم الحرب النفسية لقلب الأمور عن مسارها بكل ما تملكه من تقنية واستراتيجية في التخطيط لخدمة هذا الهدف اللاإنساني، ولعل ما يجري في المشهد السوري اليوم من مذابح وفظائع وجرائم ضد الإنسانية والمواقف الدولية منه أكبر دليل على ذلك، حيث يكشف بكل وضوح لعبة تقاسم الأدوار بين الغرب وعلى رأسه أمريكا وبين روسيا والصين وإيران من طرف آخر، حيث يظهر بلا لبس القناع الذي يبدو أن دعامتي العلاقات الدولية تجاه المشهد السوري الرعيب هما القوة والمصلحة ولا قانون سواهما فإذا كانت أمريكا تدفع في اتجاه مفكرها المعروف هانز مورجانثو الذي يرى أن عالم السياسة الدولي هو عالم الصراع من أجل القوة التي هي هدف العالم المباشر وأن المصلحة القومية هي قانونها وإذا كانت فرنسا التي تدفع في اتجاه عالمها السياسي ريمون آرون تسير على رأيه في مفهوم وحدة السياسة الخارجية بشقيه الدبلوماسي والاستراتيجي معتبرة أسلوب مكيافيلي في حيلة الثعلب الدبلوماسية في خطف عنقود العنب التي إذا لم تفلح فلابد من اتخاذ أسلوب الأسد باستخدام القوة والبطش والعنف حتى يسمع زئيره ليبقى الاتجاه الفكري الفرنسي مرتكزا على القوة كحل أخير في العلاقات الدولية لتحقيق الأهداف وإذا كانت روسيا والصين لا تريان إلا مصلحتهما وتسويقها في أي دولة ذات صلة بعلاقاتها، وكذلك إيران من حيث قوتها ومصلحتها الأيديولوجية التي تعمل على تعميقها في سوريا، إذا كان الوضع كما نرى ويرى كل منصف معنا في هذا العالم فإن ما سمعناه وشاهدناه من موقف أمريكي وغربي خلال ستة شهور في مشهد هذه المأساة الأليمة من فرض عقوبات وتجميد أرصدة ومنع للسفر لشخصيات من النظام بمن فيهم بشار الأسد وأخوه ماهر ومن هو مقرب منهما ممن يقترفون كل هذه الجرائم بحق الشعب السوري المسالم في احتجاجاته، لن يفيد على أرض الواقع شيئاً ذا جدوى حيث القتل يستمر والتمثيل والتعذيب والاعتقال والتهجير وانتهاك الحرمات المقدسة كالبيوت والمساجد وحصار المدن والقرى بل الترعيب بالطائرات الحربية التي تخرق جدار الصوت على مستوى منخفض تخويفا للشعب وقمعا له.
حتى إننا قد بتنا على شبه اليقين أن هذا الغرب يلعب علينا في الحقيقة إذ ليست العبرة بالمظهر وما نراه ونسمعه من تصريحات بقدر ما نلمس من التباطؤ العجيب باتخاذ أية خطوة لردع هذا النظام الفاشي ولجمه عن شعبه وإجباره على سحب دباباته وآلياته الثقيلة من المدن والبلدات وإعادته إلى ثكناته ليكون متجهزا فقط للحرب ضد الأعداء إذ هذا مكانه وليس لسحق الشعب سحقا طال النخب من مفكرين وعلماء دين ربانيين معروفين، فضلا عن سائر الناس الذين يتعرضون يوميا وخاصة الشباب إلى القتل المريع والاعتقال والتعذيب الشنيع، ففي أي عالم نعيش نحن اليوم كسوريين مظلومين وماذا سيجدي حتى تشديد العقوبات بما فيها بيع النفط الذي أخره الغرب قرابة شهر ونصف الشهر حتى يبدأ الشروع فيه! إننا كلنا نعلم أن أمريكا وفرنسا والغرب أجمع قد ساندوا الموقف في البلد الشقيق ليبيا بعد أحد عشر يوما ولم يسقط من القتلى إلا القليل في البداية ونحن في سوريا وقد زاد عدد القتلى على خمسة آلاف قتيل لا كما تذكر وسائل الإعلام إنهم ثلاثة آلاف ومع ذلك لم نلحظ الجدية من مجلس الأمن في إدانة العنف ولم تتخذ التدابير الكفيلة بالبدء بلجم هذا النظام الوحشي السادي، فهل يمكننا القول بأن ليبيا إنما جرى التدخل فيها مباشرة نظرا لما تختزنه من النفط الذي يجعل لعاب هذه الدول يسيل من أجله ولعل هذا من الفوارق الجوهرية في التعامل إزاء مواقف الصراع ويسعفنا في ذلك جواب وزير الخارجية الأمريكي الصهيوني كيسنجر عندما سئل وقد تدخلت أمريكا لتحرير البلد الشقيق الكويت: هل لو كانت الكويت تزرع البطاطا والطماطم – أي كحال سوريا – في مجمله اليوم – كنتم تسرعون في حسم التحرير فأجاب باللغة الانجليزية: وي كيم فور أويل، إنما أتينا من أجل البترول وهكذا تكون الشواهد أكبر دليل على أهداف أولئك حفظا لقوتهم مهما كانت عسكرية أو سياسية أو اقتصادية فحيث تكون مصلحتهم في ذلك يكونون ولكن لعل أهم الفوارق كذلك هو الوجود الجغرافي والسياسي لسوريا بجوار إسرائيل التي لم ولن تجد نظاما سياسيا يهادنها وهو يدعي المقاومة والممانعة كالنظام السوري الذي أبقى الهدوء على جبهة الجولان الذي يعتبره اليهود أرضا توراتية منذ عام 1973 ولعل إسرائيل ما زالت تخشى من انهيار وسقوط نظام الأسد شكلا الأرنب حقيقة معها، حيث إنه لو جاء نظام آخر فربما يكلفها تغيير سياستها والخشية من أن تغضب بعض الجماعات في سوريا عليها كما حدث في مصر مع سفارتها وسفيرها وهي في غنى عن ذلك ومن هنا فإن اللوبي الصهيوني لا يفتأ يقنع أمريكا والغرب بعدم التحول حفظا لأمن إسرائيل، وإلا فما الذي يفسر هذا الدلع الذي يتعامل فيه الغرب مع بشار الأسد على وجه الحقيقة، وإن بدت الأمور من حيث الظاهر على خلاف ذلك فأي أخلاق سياسية تلك التي يسلكونها وشلال الدم مازال جاريا وتسلط أجهزة الأمن افقد المواطن صلته بالدولة، حيث أصبح النظام الوحشي فوق الدولة ثم يدعون أنهم يسيرون في طريق الإصلاح والفساد ينخر من قمة الهرم في هذه السلطة الباغية التي وإن صرح أوباما وساركوزي وآلان جوبيه بفقدانها شرعيتها إلا أن الموقف من الثورة السورية مازال خجولا وكسولا ولعلنا ونحن نرى فشل الغرب في إدارة الأزمة السورية لا ننسى ان روسيا لا يهمها الا مصلحتها، فالقاعدة التابعة لها في مدينة طرطوس الساحلية وهي تدعم الظالم كما فعلت في موقفها تجاه حافظ الأسد، حيث شارك خبراؤها العسكريون في قمع الانتفاضة في حماة عام 1982 ثم كيف للدول الأخرى في مجلس الأمن أن تقبل باستدامة استعمال الفيتو الروسي وروسيا بذلك وكذلك الصين التي لها مصالح اقتصادية في سوريا تنتهكان المواثيق الدولية في حماية الشعوب وتتجمدان على مصلحتهما بالعلاقة مع الحاكم وتغفلان مصلحة الشعوب الباقية ثم كيف يؤيد الموقف الروسي وروسيا هي التي زودت إسرائيل باليهود الشرقيين ولها العلاقة الوثيقة معها، أما إذا وقفنا عند موقف إيران الشيعية فهي وان تعدل موقفها بضرورة وقف العنف والاستجابة لمطالب الشعب فهي ما زالت تعتبر النظام الرئة التي تتنفس بها وتحاول ألا تخسر مكاسبها في سوريا، وأما الجامعة العربية فمع تحسن موقفها عن ذي قبل، إلا أنها لا يعول عليها في التغيير، فالكل بين مجامل ومتآمر، ولكن الله معنا.
«يومنا الوطني».. احتفال قومي لكل العرب
هنا.. يرفرف العلم «الأدعم» خفاقاً، فوق سطور مقالي، ويخفق عالياً فوق جميع السواري، على إيقاعات «العرضة»، وأهازيجها الوطنية،... اقرأ المزيد
69
| 18 ديسمبر 2025
وللوطن جمال
نعم للوطن جمال بما تحمله كلمة الجمال من معانٍ ومساحات وأفراح وأشواق، إنها فطرة فطر الله تعالى الإنسان... اقرأ المزيد
51
| 18 ديسمبر 2025
اختتمت قبل أيام في الدوحة، النسخة التاسعة من جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في... اقرأ المزيد
57
| 18 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
729
| 16 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
714
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
642
| 12 ديسمبر 2025