رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عبد العزيز الكحلوت

عبد العزيز الكحلوت

مساحة إعلانية

مقالات

732

عبد العزيز الكحلوت

الرباعية التونسية تستحق جائزة نوبل للسلام

12 أكتوبر 2015 , 01:42ص

كان منح جائزة نوبل للسلام للجنة الرباعية للحوار الوطني التونسي مفاجأة من العيار الثقيل فلم يكن أحد يتوقع للجنة نوبل أن تمنح الجائزة لهذه اللجنة التي تضم أربع منظمات مدنية هي الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، فقد تم ترشيح 273 اسما للحصول على الجائزة، ولم يكن متوقعًا بالمرة أن تعطى لشخص اعتباري عوضا عن شخص طبيعي ولكن تقدير العالم لجهود الرباعية التونسية جعلها تنحو هذا المنحى فتفوز اللجنة الرباعية بالجائزة ويجيء هذا الاختيار بالتأكيد تقديرا من العالم للدور الذي لعبته اللجنة الرباعية في إنقاذ سفينة الوطن التونسي من الغرق في مستنقع الاقتتال والاحتراب المؤدي إلى ضياع الثورة التي حلمت بها الأجيال في تونس وللحدث دلالات مهمة في كتاب الثورات ليس في هذا الوقت، فحسب بل في أوقات سابقة فبعض الثورات أكلت نفسها وتحولت إلى عنف ودماء وانقلبت على نفسها وانتكست كما في الثورة الفرنسية وبعضها تحول إلى حكم ديكتاتوري شمولي نكل بالجماهير عوضا عن أن ينتصر لها وينصفها كما في الثورة البلشفية، أما اليوم فإن نجاح الثورة التونسية وانهيار ثورات الربيع العربي الأخرى يشكل انتصارا للطبقة الوسطى والنخبة التونسية، فالجائزة منحت في واقع الحال لتجمع من عدة منظمات مدنية قوامها عمال ومهنيون ومحامون ومثقفون بذلوا جهدا كبيرا ومضنيا، وإن كان بطيئا لصياغة حوار وطني جاد ومقنع في وقت أوشكت فيه الثورة على الانتكاس بالاندفاع نحو العسكرة أو التشرذم والتشظي فهؤلاء المهنيون والمحامون والمثقفون هم الأبطال الحقيقيون الذين انتشلوا تونس قبل أن تسقط في الهاوية وثبتوها على مسار الديمقراطية التي تعني ضمن ما تعنيه عدم الانفراد بالحكم والتوافق والتعددية وقبول الآخر والأمن الاجتماعي فاستحقوا بلا جدال جائزة نوبل للسلام، لأنهم أنقذوا ثورة من الضياع.

أما في مصر فقد تآمرت الأحزاب الليبرالية واليسارية على أول عملية ديمقراطية حقيقية تشهدها مصر من زمن طويل وتآمرت على أول رئيس مصري مدني منتخب في أول انتخابات نزيهة وحقيقية في التاريخ المصري المعاصر شهد لها القاصي والداني إذ تمكن 35 حزبا سياسيا ليبراليا ويساريا من تشكيل جبهة إنقاذ وطني عملت بالتنسيق مع العسكر لإسقاط الثورة والرئيس المنتخب في مفارقة مدهشة فلم يحدث في التاريخ أن تآمرت الأحزاب المدنية على حكم مدني ديمقراطي، وعلى أول رئيس مدني منتخب لصالح العسكر الذين ظلوا يحكمون البلاد لنحو ستين عاما دون أن يحققوا للشعب ما يحلم به من عيش وحرية وكرامة وشكل تحالفهم مع الدولة العميقة ورجال الأعمال ومجموعات المصالح وفلول الحزب الوطني انتكاسة لثورة 25 يناير الأمر الذي أدى إلى قيام انقلاب 3 يوليو وإجهاض أول تجربة ديمقراطية والإطاحة بأول رئيس منتخب وإهانته وتلفيق التهم له ومعاملته بطريقة بربرية يندى لها الجبين، كما أعاد الانقلاب مصر إلى حكم الجنرالات فقد كشف معهد واشنطن للدراسات في دراسة له أن "25 جنرالا يحكمون مصر منذ 3 يوليو وهم الدائرة المقربة من السيسي"، وهم والسيسي مسؤولون عن دماء الأبرياء التي أريقت وعن آلاف الأبرياء الذين زج بهم في السجون وبعد تولي السيسي زعيم الانقلاب للرئاسة عاد الحكم الفردي الشمولي وانحلت جبهة الإنقاذ نهائيا وعادت الأحزاب كواجهات كرتونية وديكورات للعسكر واعتقل من رفع عقيرته وفرضت القيود على التعبير ووسائل الإعلام ولم يعد للمواطن الحق في التظاهر فلم يرتفع صوت ولم يعارض أحد وابتدع السيسي مكارثية جديدة وفتح أبواب السجون في انتكاسة لم تشهدها مصر حتى في عهد المخلوع حسني مبارك. العالم أدرك قيمة إنجاز تونس في ترسيخ الديمقراطية والتعددية وكان ذلك واضحا في بيان لجنة نوبل الذي أوضح أن منحه الجائزة للرباعية كان بسبب: "مساهمتها المهمة والحاسمة في بناء دولة ديمقراطية تعددية في تونس في أعقاب ثورة الياسمين العام 2011".. وأوضح البيان "أن اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس تشكلت في صيف عام 2013 عندما كانت العملية الديمقراطية في خطر الانهيار نتيجة للاغتيالات السياسية والاضطرابات الاجتماعية على نطاق واسع حيث أنشأت عملية سياسية سلمية بديلة في وقت كانت البلاد على شفا الانهيار"..

إذن العالم قدر ما أنجزته تونس عندما شاهد ما يحدث في مصر وليبيا واليمن وسوريا فمنح جائزة نوبل للجنة الحوار الرباعية التونسية وهو حين منحها الجائزة كان يمنحها بحق للشعب التونسي كله وفي قلبه الطبقة الوسطى التي خرج من رحمها أولئك المحامون والمهنيون والمثقفون.

مساحة إعلانية