رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عصام بيومي

إعلامي وباحث سياسي
ماجستير العلوم السياسية

مساحة إعلانية

مقالات

675

عصام بيومي

تشويه التاريخ.. إعادة الضبط فرض عين؟!

13 نوفمبر 2024 , 02:00ص

تحدثنا سابقا عن ضرورة خلع جلباب الغرب كله، واسترداد جلباب حضارتنا نحن، ولا يتحقق ذلك إلا بتخليص حاضرنا وماضينا من كل التشويه الذي دسته علينا قوى الاستخراب، وأيضا، استرداد كل ما نهبه أعداء الإنسانية من تراثنا الذي استباحوه بالكامل تقريبا بسقوط الأندلس، قاطفين ثمار عملية تخريب بعيدة المدى امتدت لقرون طويلة، ويريدون قرب ختامها، تنفيذ ما سموه عملية «إعادة ضبط» للعالم، بينما نحن العرب، قلب العالم الإسلامي، مَنْ نحتاج أكثر مِن غيرنا عملية «إعادة ضبط»، ليست «شيطانية» كالتي يريدونها، ولكن واقعية إيجابية تعيدنا إلى عزنا ومجدنا القديم.

قصة التخريب تلك بدأت منذ فجر الإسلام كما أوضحت سابقا، لكن مسألة التشويه والنهب تحديدا تفاقمت بدرجة خطيرة مع سقوط الأندلس. ولعل ما حدث أمام أعيننا من تشويه وتدمير ونهب لتراثنا في كل الدول التي سقطت أنظمتها في السنوات الأخيرة، من العراق وسوريا إلى اليمن وليبيا، يعطينا مثالا على ما حدث عندما سقطت ممالك الأندلس، واحدة تلو الأخرى وعندما وصل «المجرمون» إلى الأمريكتين. فقد انخرط أعداء الإنسانية المندسون في صفوف القوات الغاصبة في تنفيذ خططهم المعدة سلفا بسرقة ما يريدون من تراثنا ثم تدمير ما تبقى. وهم في كل الحالات لم يكونوا القوة الغازية الرئيسة، بل كانوا مندسين فيها. وهناك شهادات كثيرة على سوابق تاريخية قام خلالها أسلاف الصهيوماسون الحاليون بسرقة وتدمير تراث المسلمين في الأندلس وفي أي بقعة من الأرض تمكنوا منها، وخاصة الأمريكتين اللتين طاردوا المسلمين فيهما، سواء الذين فروا من اضطهاد فرديناند وإيزابيلا، التي أقْسَمَتْ أن تتعقب المسلمين هناك، أو الذين سبقوا إليهما قبل ذلك بقرون، كما أشرنا بالمقال السابق.

وهنا نجد في كتابات مؤرخين غربيين، مثل سام هاسيلبي، توثيقا لعمليات الاضطهاد الوحشية وتخريب التراث التي مورست بحق السكان الأصليين (المسلمين) في الأمريكتين، ونفهم أن سبب تلك الوحشية لم يكن مسألة تطهير عرقي، بل كانت «تطهيرا» دينيا، بحسب كتابه (أصول القومية الدينية الأمريكية،2016). والأهم من ذلك ما يسوقه هاسيلبي عن تدخل الصهيوماسون لتزوير التاريخ وتشويهه، بقوله:»إن من كتب تاريخ الاحتلال الأوروبي للأمريكتين ليس القوات الغازية ولكن «البيوريتان» المندسين الذين كانوا في حقيقتهم يهودا متخفين»، وكانوا دائما وراء تزييف التاريخ وتشويهه. وهذا ما توثقه أيضا كتب مثل، «الصهيونية المسيحية» لستيفن سايرز، و»تفتيت الشرق الأوسط» لجيرمي سولت، ويكشفان كيف اندس الصهاينة اليهود في المسيحية من خلال طائفة البيوريتان، وكيف عملوا دائما على تقويض الجسم العربي الإسلامي وصناعة الاضطرابات لهدمه. وينقل هاسيلبي عن برنال دياز ديل كاستيلو، الذي أرخ اجتياح هيرنان كورتيس حاكم «اسبانيا الجديدة» (منطقة أمريكا الوسطى)، أن الحملة أحصت أكثر من 400 مسجد في تكساس والمكسيك، مُحيت كلها من وجه الأرض. وقد ثبت حديثا أن المدعو كولومبوس كان يهوديا من السفارديم من غرب أوروبا وليس كاثوليكيا. وتم تأكيد ذلك بدراسة استمرت 22 عاما، لتحليل عينات (دِ.ن.أ.) قديمة، وبثتها وسائل إعلام عدة بينها قناة «سي.تي.في» الكندية. وثابت أيضا، بحسب كتاب «من أجل صهيون»، أن كولومبوس «اليهودي» قال في رسالته إلى ملك وملكة أسبانيا، إن هدف رحلته الأساسي نحو الأراضي الجديدة هو «الحياة والموت ضد مُحمد.. واستعادة القدس».

وفي كتاب «مَسْخُ الصُّورةِ.. سَرِقةُ وتحريفُ تراثِ الأمّةِ» نجد شرحا وافيا لعملية التشويه الضخمة التي تعرض لها تاريخ العرب والمسلمين من قبل الصهيوماسونيّة العالمية، ومن ذلك ترويجها نظريات ملفقة تظهر الغربيين جنسا متفوقا، والعرب متخلفين وبدائيين. وهو ما نظّر له مجرمون من أمثال برنارد لويس في كتاباته ليرسم، وأمثاله، صورة للمسلمين بأنهم الخطر الذي يتهدد «حضارة الغرب»، وأنَّ صداما سيقع لا محالة بين الجانبين، وهو ما دعمته كتابات فوكو وهنتنجتون. وهذا هو ما صدّرته للعالم ذراعهم الشيطانية المسماة «هوليوود» في أفلام عدة. ويتناول الكتاب في فصله الثالث كيف زور أعداء الإنسانية مصادر التراث ودسوا المعلومات المزورة في الكتب العربيّة والعالميّة، ومناهج الغرب التعليميّة، ودور الكنيسة، وحتى بعض النخب العربية، في تلك «الحرب القذرة».

كان هذا عن تشويه التاريخ، أما عن سرقته فيستعرض كتاب «الصحوة الإسلامية في الأندلس اليوم،1992» للدكتور علي المنتصر الكتاني، انقضاض اليهود على تاريخ الأندلس بأكمله وزعمهم أنهم شركاء في بناء الحضارة الإسلامية. كما يوثق سرقتهم كثيرا من روائع الفكر الإسلامي والعربي ونسبته لمفكريهم مثل موسى بن ميمون. وهنا يحضر اسم العالم التركي الراحل فؤاد سزكين، الذي قضى نحو 60 عاما، يفحص الكتب الأوربية، ليكتشف أن أكثر من 150 ألف كتاب غربي أصولها عربية إسلامية، واستطاع توثيق الأصول العربية لأكثر من 35 ألفا منها.

وقال إن كل ما كان يفعله «العالِم» الأوروبي هو ترجمة الكتاب العربي ثم وضع اسمه عليه بدلا من اسم المؤلف الحقيقي المسلم. وكان من بين ما أثبته في موسوعته «تاريخ التراث العربي» أن جميع الخرائط حتى بدايات القرن 18 أصلها عربي إسلامي، وهذا يعني أنه حتى وصول الأوروبيين إلى الأمريكتين كان بفضل العرب المسلمين؛ وكان بعضهم ضمن حملة كولومبوس بالفعل. وكان من أهم قناعات سزكين قوله «إن اقناع المسلمين بعظمة الحضارة الإسلامية أصعب من إقناع الغرب بها». وهذا ما يدفعنا للقول إن عملية «إعادة الضبط» الإسلامية يجب أن تكون فرض عين، على الأقل، على كل من يمكنه حمل هذه الأمانة. وهذا حديث آخر.

مساحة إعلانية