رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هُنا من دوحة الخليج ولؤلؤته التي تتفرَّد بأصالتها وتطوُّرها، أكتبُ لكم، من عاصمة الاستقرار والازدهار، بينما تتسارع الوفود القادمة للمُشاركة في الاجتماع الوزاري رفيع المستوى لوزراء خارجية الدول العربية والإسلامية، استعدادًا للقمة العربية الإسلامية الاستثنائية المُرتقبة على مستوى القادة؛ للرد على العدوان الصهيوني الغاشم والجبان، والذي حاول- بكل فشل- استهداف قيادات الشعب الفلسطيني، وتحديدًا الوفد السياسي المُفاوِض لإنهاء حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
* تجتمعُ الأُمَّة العربية والإسلامية في قطر، كعبة المضيوم، من أجل بناء موقف مُوَحَّد، يضع حدًا لغطرسة كيان الاحتلال البربري، الذي يعيث في المنطقة فسادًا وإفسادًا، مُستعينًا بكل أسف بحليفه الأمريكي الذي لم يعُد خافيًا على أحد مدى تواطئه فيما يجري بإقليمنا المُلتهب من أحداث كبرى. تلتئم هذه القمَّة الاستثنائيةُ، في أعقاب عدوانٍ غير مسبوقٍ على دولة خليجية وعربية وإسلامية، لم تكن يومًا في حالة حرب مع هذا الكيان الخسيس، رغم- بلا شك- الموقف المُناهِض لجرائم الاحتلال، لكنَّ الدوحة لم تكن يومًا سوى رسول سلام، ووسيط نزيه، يُكرِّس كل إمكانياته الدبلوماسية من أجل نزع فتيل الأزمات عن منطقتنا، التي ابتُليَت بهذا السرطان الخبيث المُسمّى «إسرائيل».
* أنظار العالم اليوم كُلها مُتَّجِهة صوب قطر، بعد أن شنَّ الاحتلال الصهيوني عدوانه الآثم على الدوحة يوم الثلاثاء الماضي، وبعد أن أصدر مجلس الأمن الدولي بيانًا أدان بالإجماع هذا العدوان، وشدَّد على دعم سيادة قطر، كما أعرب عن «أسفه البالغ» لسقوط مدنيين ضحايا جراء العدوان، وهو ما يُؤكد مكانة قطر العالمية ودورها الفاعل على الساحة الدولية والأُممية. وقبل ذلك، أعرب العديد من دول العالم في قاراته المُختلفة، عن إدانتهم الشديدة لهذا العدوان الذي يُمثِّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، واعتداءً سافرًا على السيادة القطرية.
كُل ذلك يؤكد أنَّنا أمام لحظة تاريخية ومفصلية في معركتنا مع هذا العدو الصهيوني الوحشي، ذلك الكيان المارِق الذي يتحدّى كل القوانين والشرائع والأعراف الدولية، ويدوس بقدميه على المواثيق والقرارات الأممية؛ بما فيها القرار الخاص بتأسيسه المزعوم. وهذه اللحظة تتطلب من جميع الدول التي ستجتمع يوم الإثنين، هنا في الدوحة، أن تتخذ قرارات على مستوى القمَّة المنعقدة، وبما يتماشى مع حجم الجُرم الصهيوني الذي اقترفه مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، وضمان تنفيذ هذه القرارات لدعم حقوق الشعب الفلسطيني كاملةً، ومحاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه في كل بقعة حول العالم، وتقديم كبار مسؤوليه المتطرفين: نتنياهو وبن غفير وسموتريش وغيرهم للعدالة الدولية، ومحاكمتهم بارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ليكونوا عبرة لكل مُجرم سفّاح في هذا الكيان الدموي.
* ومن هذا المنطلق، فإننا نأمل أن تتمخض عن القمَّة العربية الإسلامية الاستثنائية، حزمة قرارات- لا توصيات ولا مُطالبات- تتضمن إعلان قطع العلاقات كاملة مع هذا الكيان المُجرم المُعتدي على أمن الخليج وأمن الدول العربية والإسلامية، والانسحاب مما يُسمى بـ»اتفاقات إبراهيم»، وطرد وسحب السفراء في الدول التي تُقيم علاقات دبلوماسية. إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية على الكيان الصهيوني، تتضمن منع أي شركة دولية تعمل في دولة الاحتلال أو مُموَّلة من استثمارات إسرائيلية، من العمل في الدول العربية والإسلامية، وتفعيل لجنة المقاطعة العربية لإسرائيل، لضمان التزام الدول، وتوسيع نطاق عمل هذه اللجنة ليشمل التعاون مع مختلف دول العالم المؤمِنة بالعدالة. كما نأمل أن تتخذ القمة قرارًا بالإجماع لغلق المجال الجوي أمام جميع الطائرات الإسرائيلية، وعدم السماح لأي سفن بحرية تجارية مُتَّجِهة إلى إسرائيل، بالرسو في الموانئ العربية والإسلامية.
* ويُعوَّل على هذه القمَّة أن تدعم جهود إعلان الدولة الفلسطينية المُستقلة على حدود يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشريف، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني، وأهمها: حق العودة، وإطلاق سراح جميع الأسرى في سجون الاحتلال، ومنح الدولة الفلسطينية كافة الحقوق للتصرُّف في مواردها الاقتصادية والطبيعية.
كما نأمل من هذه القمَّة أن يتضمن البيان الختامي التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة المُحتل، وهو حق يكفله القانون الدولي، ومخاطبة مجلس الأمن الدولي لإجبار إسرائيل على الانسحاب الفوري من قطاع غزة وإنهاء حرب الإبادة، ووقف مخطط التهجير القسري واقتلاع سكان فلسطين من أرضهم، في ظل ما يجري بالضفة الغربية المحتلة أو في القدس، فضلًا عن قطاع غزة.
* ولا شك أنَّ المطالبة بإنشاء صندوق مالي تنموي لدعم بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية وتحقيق الرخاء للشعب الفلسطيني، يمثل أولوية قصوى، نأمل أن يتضمنه البيان الختامي للقمَّة. كما نأمل العمل على إطلاق صندوق وقفي إسلامي لحماية المسجد الأقصى المبارك، وشراء الأراضي المحيطة به، لمنع مُخطط هدمه وتخريبه.
إنَّنا لسنا أمام قمَّة اعتيادية ولا اجتماع يُصنَّف على أنَّه ردة فعل تجاه العدوان على قطر؛ بل إنها قمَّة المصير المُشترك، ليس فقط للدول العربية أو الإسلامية، ولكن المصير المُشترك للإنسانية، المصير المُشترك للعدالة، المصير المُشترك للحق في العيش الكريم والاستقرار والسلام؛ امتثالًا لقوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا».
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6360
| 24 أكتوبر 2025
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5103
| 20 أكتوبر 2025
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
4974
| 27 أكتوبر 2025