رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عصام بيومي

إعلامي وباحث سياسي
ماجستير العلوم السياسية

مساحة إعلانية

مقالات

552

عصام بيومي

ما بعد الإنسانية.. حضارة «المابعديات»!

14 أكتوبر 2024 , 02:00ص

تحدثنا سابقا عن «السايبورج» أو الإنسان الهجين أو الوسيط بين خلق الله والروبوت. وشرحنا أن ذلك يحدث في إطار صناعة الكفر ومحاولات أعداء الإنسانية الدائبة تغيير خلق الله. لكن يبدو الآن أن الأمور تأخذ منحى أكثر سرعة وخطورة في تطورها نحو تحقق آية «وظن أهلها أنهم قادرون عليها»، إذ يكثف هؤلاء الآن الحديث وبجدية عما يسمونه «ما بعد الإنسانية» إذ أنهم مهووسون بهذه اللازمة «المابعديات». وكنت أشرت في مقال «أيها السادة انتبهوا.. العالم يرجع للخلف إلى تقرير أصدرته شركة «كاسبرسكي لاب» العام الماضي ذكرت فيه أن الحدود الفاصلة بين البشر و»الإنسان التكنولوجي» ستتلاشى قريبا. وتزامن ذلك مع تصريحات لأشخاص يسمون «علماء»، ومنهم يوفال هراري، الذي يقول:»إننا قريبا سنبدأ هندسة الأجسام والعقول» وأن البشر الحاليين هم آخر جيل للإنسان بشكله الحالي. ويعني ذلك أن أعداء الإنسانية يستعدون لنقل الصراع معنا نحن البشر من مرحلة الدفاع عن أصل الحياة الرجل والمرأة، إلى مرحلة «الاختيار بين أن تكون إنسانا أو لا تكون».!

 وفي هذا يقول المفكر الروسي ألكسندر دوجين إن أنماط الحياة الخاصة بمجتمع الميم «ليست مجرد انحراف، بل عنصر ضروري لتنفيذ وانتصار الأيديولوجية الليبرالية.» وأن مسألة الشذوذ تلك ما هي إلا مرحلة من مراحل تستهدف تغيير بنية الإنسان حيث ستكون الخطوة النهائية «في هذه العملية الليبرالية، وجود أنواع من الخلق يختار منها الفرد أن يكون إنسانا أو وسيطا هجينا أو غير ذلك. وهذا تحت مسميات ما بعد الإنسانية، التفوق البشري، التفرد، الذكاء الاصطناعي. وهنا يتحدث «علماء آخر الزمان» عن روبوتات نانوية ستربط دماغ الإنسان وعقله بالخدمات السحابية، مثل سحابة جوجل، (Google cloud)، خلال السنوات القادمة، في سيناريو يشبه أحداث فيلم «ماتركس»، حيث يتحول الدماغ فعليا إلى كمبيوتر بتحميل المعلومات عليه مباشرة واستخدامها بمساعدة ما سيتم زرعه فيه من رقائق إلكترونية. وبذلك يتم ربط الإنسان بالخدمات السحابية ودمجه مع الآلة، لخلق الإنسان الهجين! وقد بدأوا ببث فيديوهات تصور الخلق من بدايته إلى ما يرتبون أن تكون نهايته من وجهة نظرهم، والتي يسود عندها الشذوذ، ثم السايبورج أو الإنسان الهجين، حيث يعتقدون أنهم سيحققون بذلك الخلود.

وهذا من المفاهيم التي مهد لها «أنبياء العصر» أو «شياطين العولمة»، كما سبق شرحه، ومنهم في هذه الحالة ليو شتراوس، الذي يلقبونه بالفيلسوف، إذ يقول في إحدى محاضراته في العام 1960، مستشهدا بالماركسية، وكأنه يستشهد بالقرآن أو الإنجيل: إذا كان تقسيم العمل في الماركسية يقوم على الاختلاف بين الرجل والمرأة، فلتحقيق «المساواة الماركسية» يجب التخلص من تلك الثنائية وتذويب الفارق بين الرجل والمرأة، (التمهيد والتقنين للشذوذ والجنس الوسيط)، وذلك تحت شعار تحقيق المساواة بين الجانبين، أي أنه يريد أن يلغي النوعين لتحقيق المساواة بينهما،، تماما كمن يذهب للطبيب للعلاج فيقول له إن أفضل علاج له هو أن يلغيه من الوجود، الموت!

 ** اتجاه «ما بعد الإنسانية» وللغرابة بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي في مؤلفات الخيال العلمي، بحسب باحثين غربيين وعرب بينهم د. عادل خميس الزهراني، في دراسته الوافية «مابعد الإنسان، ومابعد الإنسانوية» 2020. لكن الغريب أن هذا الاتجاه بدأ مع بداية الألفية يكتسب شعبية في جميع أنحاء العالم، وقبل كل شيء في الغرب حيث نشأ. أو لنقل ينتشر في غفلة من الجماهير المغيبة كما ذكرت سابقا تحت وطأة «تسونامي الأكاذيب»، وهدم الإنسان بكل أنواع الإهلاك من مخدرات وخمور وانحلال أخلاقي عام. وأنصار هذا الاتجاه يبتلعونه بحماس مخدوعين بفكرة ضرورة تتبع مسار التقدم و التكنولوجيا الحديثة إلى نهايتها. في رأيهم، أن تعزيز التكنولوجيا يقود البشرية إلى حالة يكون فيها البشر أكثر كمالا من الجنس البشري. وهذا ما يعمل أعداء الإنسانية لتحقيقه من خلال تعديل جميع أجزاء جسم الإنسان عن طريق استبدالها بالمرفقات المصنعة التي لا يمكن تمييزها من أجزاء الجسم والأعضاء الداخلية. وهذا يشمل المحاكاة التكنولوجية للوعي أو تسجيل مختلف مستقبلات الوعي، ورسم خرائط الدماغ، إذ تظهر أحدث الاكتشافات في بنية الجين الوراثي قدرة الكائنات على تصحيح نوعيته باستمرار، بحيث تكون خالية من الأمراض والعيوب لتحقق، في النهاية، الخلود الجسدي.

** وهنا يوضح دوجين، صاحب ما يسمى «النظرية االرابعة» للعلاقات الدولية رفضه لـ «ما بعد الإنسانية» ويقول إنها ليست مجرد هواية لغريبي الأطوار، أو المتعصبين للتقدم التكنولوجي. ولكنها نتيجة للقرون القليلة الماضية التي جرى خلالها التلاعب بكل الثوابت والمسائل الفطرية تحت وهم الحداثة والتحديث، وتحرير البشر من كل القيود، حتى بات لدينا دين، أو بالأحرى ما يشبه الدين تم تقديمه إلى أوروبا والعالم من خلال ما يسمى التنوير، وهو ما تناولناه أيضا سابقا. ويضيف دوجين في تصريحات حديثة: «وصلنا الآن إلى المرحلة النهائية. في الغرب لم يعد يوجد، لا دين ولا تسلسلات منطقية، ولا أسر عادية، ولا دولة بالمعنى الكامل للكلمة. وقد تم تجاوز كل الحدود تماما. الآن كل ما تبقى هو خطوة واحدة أخيرة: التغلب على حدود الجنس البشري نفسه. ما بعد الإنسانية ليس المنتج الجانبي الغريب للتطور التكنولوجي بل هو النهاية المستهدفة للعصر الحديث. «الإنسان الخرافي» والهجائن والمسوخ والوهم، هي منتجات تلك الحضارة الحديثة، وبطبيعة الحال، فإن الغالبية العظمى من البشرية ليست على استعداد للتحول إلى الإنسان الخرافي أو المسخ. ولكن لا أحد يسأل غالبية البشر. فالتاريخ تصنعه وتكتبه النخب. الجماهير ليست مستعدة لقبول أي شيء من ذلك هم فقط جرى تحضيرهم، ولا أحد ينتبه.»

مساحة إعلانية