رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
شهدت الأسواق المالية العالمية من العام المنصرم والأسبوع الأول لهذا العام مستوى عاليا من التذبذب لم تشهد له مثيلا من حيث طول فترته الزمنية وحدة تقلباته.
وقد عكست هذه التقلبات الحادة حيرة المستثمرين والمحللين في معرفة مدى قوة الاقتصاد العالمي وتحديدا عند محاولة تقييمهم الوضع الاقتصادي في الصين. ففي حين تحتل الصين المرتبة الثانية عالميا في ترتيب الدول الأكبر من ناحية حجم الناتج المحلي، إلا أن مستوى الشفافية ومعايير الإفصاح في نشر المعلومات الدورية ما زال متدنيا إذا ما قورن بالإحصاءات الصادرة من دول شمال أمريكا والدول الأوروبية، مما يزيد من صعوبة قراءة الوضع الاقتصادي وتحديد مدى انعكاسه على اقتصاديات العالم.
ولنأخذ مثالا على ذلك، فقد توقع البنك الدولي في نهاية العام الماضي معدل نمو الناتج المحلي في الصين لهذا العام بــ 7.1%، وهو معدل نمو عال جدا إذا ما قورن بمعدلات النمو المتوقعة في الولايات المتحدة الأمريكية أو في بعض الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا، الا أن هذه التوقعات لم تنعكس إيجابيا على الأسواق المالية سواء في الصين أو الأسواق العالمية لأسباب عدة منها أن معدل هذا النمو يعتبر الأدنى منذ 25 عاما ويقل عن معدلات نمو الصين في العشر سنوات الأخيرة والتي وصلت إلى 12% سنويا في ذروتها الاقتصادية. كما أن بعض المحللين يعتقد أن نمو الناتج المحلي في الصين سيكون أقل من التقديرات الصادرة عن المسؤولين في الصين أو في البنك الدولي. ويعتمد المحللون في نشر تقاريرهم ذات النظرة السلبية إلى عوامل عدة منها تدني مؤشر الإنتاج الصناعي في الصين بحيث لا يدعم النظرة المتفائلة نسبيا لمستوى نمو الاقتصاد في الصين، ناهيك عن أن مستوى الطلب في الصين للمشتقات النفطية والغاز قد شهد تباطؤا واضحا في الأشهر الثلاثة الأخيرة، مما كرس الاعتقاد السائد أن الناتج المحلي في الصين لن ينمو فعليا بأكثر من 6% هذا العام وقد يتباطأ بشكل أكثر حدة في العام القادم إلى ما دون الــ 5%.
وإذا ما نظرنا إلى القرارات الاقتصادية الصادرة من الحكومة الصينية مؤخرا، نجد أن هدفها الأول هو تحفيز الاقتصاد المحلي على النمو، إلا أن نتائج هذه القرارات لم تصل إلى مبتغاها، بل على العكس تماما، فقد زادت في بعض الأحيان من حدة تقلبات الأسواق المالية داخليا وعالميا.
ومن هذه القرارات التقليدية محاولة الحكومة الصينية المتكررة تعويم عملتها المالية لتخفيض قيمتها مقابل العملات الأجنبية، على أمل زيادة جاذبية المنتجات الصينية وتحفيز قطاع التصدير، إلا أن ذلك لم يؤد إلا إلى التنافس مع دول آسيوية أخرى بعد أن اتبعت سياسة مالية مشابهة والدخول في حرب صرف العملات، مما أفقد الصين الانتفاع الكامل من تخفيض عملتها وزيادة الإنتاج المحلي والتصدير.
في المقابل، طالب البنك الدولي الحكومة الصينية اتخاذ قرارات أكثر جرأة وواقعية ومنها مثلا تحرير قطاعها المصرفي واتخاذ خطوات ملموسة لتحويل الاقتصاد من اقتصاد يعتمد أساسا على التصدير إلى اقتصاد يعتمد في نموه على زيادة معدل الاستهلاك المحلي للمنتجات الصينية والعالمية والاستفادة من القدرة الاستهلاكية الهائلة لدى الصين.
وبالعودة إلى تقلبات الأسواق العالمية الحادة في العام المنصرم وبداية هذا العام، لا تمثل السوق الصينية العامل الوحيد لتفسير السلوك المتذبذب للأسواق العالمية رغم أهميته وتأثيره المباشر، فهناك عوامل أخرى ما زالت تساهم هي الأخرى في انقسام الآراء بين من يجد أن الأسواق العالمية مقبلة على تقلبات أكثر حدة من السابق وتخوفهم من أن يؤدي ذلك إلى الدخول في ركود عالمي، وبين من يعتقد أن تراجع الأسواق المالية قد اقترب من القاع وأن هناك فرصا استثمارية يمكن الاستفادة منها. من هذه العوامل، الانقسام ما بين مؤيد ومعارض في رفع معدلات الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية هذا العام. فبعد أن رفع مجلس الاحتياط الفيدرالي في شهر ديسمبر الماضي معدل الاقتراض بنسبة ربع نقطة مئوية للمرة الأولى منذ تسع سنوات، كانت معظم التوقعات تشير إلى أن مجلس الاحتياط الفيدرالي سوف يقوم برفع الفائدة على الاقتراض بنسبة ربع نقطة مئوية إضافية في كل من شهر مارس وشهر يونيو وشهر ديسمبر من هذا العام. وقد جاءت هذه التوقعات تماشيا مع النتائج الاقتصادية الإيجابية الأخيرة الصادرة من الولايات المتحدة الأمريكية ومنها مثلا نمو الناتج المحلي السنوي في حوالي 2.5%، وتدني معدل البطالة إلى 5%، وتعافي القطاع العقاري إلى مستوى ما قبل الأزمة المالية في صيف عام 2007م، وانخفاض أسعار الغاز والمشتقات النفطية بأكثر من 70% عن أعلى مستوياتها في العام 2014م مما أسهم بطريقة مباشرة في تقليل تكاليف الإنتاج والتنقل. غير أن بعض المحللين قرأ تراجع الأسواق العالمية والأمريكية تحديدا إلى ما يقارب 20% من أعلى مستوى لها، إلى رغبة المستثمرين في تأني مجلس الاحتياط الفيدرالي في سياسته المالية وعدم التسرع في رفع معدل الفائدة في شهر مارس القادم، مستشهدين في ذلك على هشاشة الاقتصاد العالمي والبعد عن مستوى التضخم الداخلي المستهدف (2%)، وعدم نمو معدل أجور الموظفين في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن زيادة الطلب العالمي على العملة الأمريكية إن استمر لفترات طويلة سوف يساهم في تباطؤ معدل صادرات الشركات الأمريكية لهذا العام وسيكون لذلك انعكاسات سلبية على الناتج المحلي الأمريكي مستقبلا.
ورغم أن المستثمرين كانوا يأملون في بداية جيدة لهذا العام، مدعومة بما تم نشره مؤخرا من نتائج إيجابية تدل على تعافي الاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن هذه النتائج لم تكن كافية لطمأنة صناديق التحوط والاستثمار.. وكان ما شهدناه من تهاوي الأسواق العالمية بما في ذلك الأسواق المالية الخليجية، والأسواق والأمريكية والتي سجلت تاريخيا أسوأ بداية أول أسبوع تداول من العام، قد سبب حالة من الذعر والتخارج المتسارع من الأسواق محت على أثرها الارتفاع اللافت في الربع الأخير من العام السابق وأعادت إلى الأذهان التقلبات الحادة التي شهدتها الأسواق العالمية في شهر أغسطس من العام السابق. وقد لا يختلف اثنان في أن البداية السلبية لهذا العام لم تكن متوقعة حتى عند أكثر المستثمرين والمحللين تشاؤما، فهي ورغم هشاشة الاقتصاد العالمي وضبابية الرؤية لا تعكس بالضرورة النتائج المتوقعة لأرباح الشركات القيادية العالمية والتي سيبدأ الإفصاح عنها تواليا في الأسبوع القادم.
فهل سوف تكون النتائج إيجابية بما يكفي إلى تهدئة الأسواق المالية العالمية أم أنها ستكون دون التوقعات وتؤدي بالتالي لهبوط الأسواق العالمية إلى مستويات متدنية جديدة.
لم يعد مشهد الاحتجاجات والحراك الشبابي مفاجئًا لنا وللمراقبين في عالمٍ يتغير بسرعة مذهلة، وحيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية... اقرأ المزيد
228
| 22 أكتوبر 2025
جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد... اقرأ المزيد
96
| 22 أكتوبر 2025
في آخر مشاهد حياته، ظهر صحفي الجزيرة صالح الجعفراوي في مقطع مصور تداولته وسائل التواصل الاجتماعي، ممددا على... اقرأ المزيد
150
| 22 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
4785
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3474
| 21 أكتوبر 2025
المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء. فالتعليم يمنح الإطار، بينما التدريب يملأ هذا الإطار بالحياة والفاعلية. في الجامعات تحديدًا، ما زال كثير من الطلاب يتخرجون وهم يحملون شهادات مليئة بالمعرفة النظرية، لكنهم يفتقدون إلى الأدوات التي تمكنهم من دخول سوق العمل بثقة. هنا تكمن الفجوة بين التعليم والتدريب. فبدلاً من أن يُترك الخريج يبحث عن برامج تدريبية بعد التخرج، من الأجدى أن يُغذّى التعليم الجامعي بجرعات تدريبية ممنهجة، وأن يُطرح مسار فرعي بعنوان «إعداد المدرب» ليخرّج طلابًا قادرين على التعلم وتدريب الآخرين معًا. تجارب ناجحة: - ألمانيا: اعتمدت نظام التعليم المزدوج، حيث يقضي الطالب جزءًا من وقته في الجامعة وجزءًا آخر في بيئة العمل والنتيجة سوق عمل كفؤ، ونسب بطالة في أدنى مستوياتها. - كوريا الجنوبية: فرضت التدريب الإلزامي المرتبط بالصناعة، فصار الخريج ملمًا بالنظرية والتطبيق معًا، وكانت النتيجة نهضة صناعية وتقنية عالمية. -كندا: طورت نموذج التعليم التعاوني (Co-op) الذي يدمج الطالب في بيئة العمل خلال سنوات دراسته. هذا أسهم في تخريج طلاب أصحاب خبرة عملية، ووفّر على الدولة تكاليف إعادة التأهيل بعد التخرج. انعكاسات التعليم بلا تدريب: 1. اقتصاديًا: غياب التدريب يزيد الإنفاق الحكومي على إعادة التأهيل. أما إدماج التدريب، فيسرّع اندماج الخريج في السوق ويضاعف الإنتاجية. 2. مهنيًا: الطالب المتدرب يتخرج بخبرة عملية وشبكة علاقات مهنية، ما يمنحه ثقة أكبر وفرصًا أوسع. 3. اجتماعيًا: حين يتقن الشباب المهارات العملية، تقل مستويات الإحباط، ويتحولون من باحثين عن وظيفة إلى صانعين للفرص. حلول عملية مقترحة لقطر: 1. دمج التدريب ضمن المناهج الجامعية: أن تُخصص كل جامعة قطرية 30% من الساعات الدراسية لتطبيقات عملية ميدانية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص واعتماد التدريب كمتطلب تخرج إلزامي لا يقل عن 200 ساعة. 2. إنشاء مجلس وطني للتكامل بين التعليم والتدريب: يضم وزارتي التعليم والعمل وممثلي الجامعات والقطاع الخاص، ليضع سياسات تربط بين الاحتياج الفعلي في السوق ومخرجات التعليم. 3. تفعيل مراكز تدريب جامعية داخلية: تُدار بالشراكة مع مراكز تدريب وطنية، لتوفير بيئات تدريبية تحاكي الواقع العملي. 4. تحفيز القطاع الخاص على التدريب الميداني. منح حوافز ضريبية أو أولوية في المناقصات للشركات التي توفر فرص تدريب جامعي مستدامة. الخلاصة التعليم بلا تدريب يظل معرفة ناقصة، عاجزة عن حمل الأجيال نحو المستقبل. إنّ إدماج التدريب في التعليم الجامعي، وإيجاد تخصصات فرعية في إعداد المدربين، سيضاعف قيمة التعليم ويحوّله إلى أداة لإطلاق الطاقات لا لتخزين المعلومات. فحين يتحول كل متعلم إلى مُمارس، وكل خريج إلى مدرب، سنشهد تحولًا حقيقيًا في جودة رأس المال البشري في قطر، بما يواكب رؤيتها الوطنية ويقودها نحو تنمية مستدامة.
2865
| 16 أكتوبر 2025