رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بالنظر إلى عنوان المنتدى بعناية وتمعن، يتبين أن اللغة العربية في أزمة حقيقية، بل في مأزق كبير، من حيث الهجر والتداول، والهجوم والانتقاد، ومن قبل من؟ من قبل أبنائها وبني جلدتها، ومن يلبس ثوبها النقي الأصيل. فقد توالت الهجمات الشرسة على اللغة العربية، والطعن فيها، وانتقادها واتهامها بأنها لغة بالية قديمة، ليست عصرية، وغير قابلة للتطور، وغير مواكبة للحداثة، وغير صالحة للعلم، فهي ليست لغة العلم ولا العصر، ولا لغة التكنولوجيا والكمبيوتر والمعلومات، بل لغة المتخلفين غير المثقفين من بني البشر، فهي لغة متخلفة عن الركب الحضاري. ولذا، فهُجرت اللغة العربية من أهلها إلى لغة الأعاجم من الغربيين الأوروبيين والإنجليز والأمريكيين، فأصبح اهتمام الأسر العربية والمثقفين العرب ينصب على اللغة الإنجليزية، وإتقانها والتحدث بها والتواصل من خلالها، وكأنها اللغة الوحيدة في العالم، وعلى حساب اللغة الأصلية للمجتمعات العربية. فأصبحت المجتمعات العربية تتباهي بأبنائها الراطنين باللغة الإنجليزية، والمتحدثين بها على الملأ في المحافل المحلية والإقليمية والدولية، وهناك أمثلة كثيرة على مستوى الوطن قد يأتي ذكرها لاحقا إن اتسعت المساحة المتاحة.
ومن هنا جاء الشعور بالأزمة، ودق ناقوس الخطر، مما أدى إلى تأسيس "المنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية" وإخراجها من أزمتها، فتبنت دولة قطر مشكورة ممثلة في "مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع" قضية اللغة العربية بكل فخر واعتزاز وشعور بالانتماء الحقيقي لأمتها العربية، واعتبرتها قضيتها الأساسية باعتبارها قضية وجود وكيان وهوية، فاحتضنت المؤتمرات والندوات والمنتديات، وأقامتها على أرضها لبحث الأزمة، وتشخيصها، وتحديد أسبابها، والعمل على علاجها في نهاية المطاف من خلال اقتراح بعض الحلول الناجعة في ضوء أسباب المشكلة وانعكاساتها على الناشئة من أبناء الأمة عامة، والوطن بشكل خاص. وتأكيدا لذلك، وانطلاقا من هذا الشعور، جاءت المطالبة القطرية بضرورة وجود إرادة عربية رسمية ونخبوية وشعبية لحماية اللغة العربية من الضياع والتدهور، وذلك على لسان رئيس مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع سمو الشيخة موزا بنت ناصر في كلمتها الافتتاحية لمنتدى النهوض باللغة العربية تحت شعار "التنشئة اللغوية للطفل العربي: الواقع وآفاق المستقبل" والذي عقد في الدوحة في الفترة (من 20 -21 يناير 2016م). ولم تقتصر الكلمة الافتتاحية على هذه المطالبة، بل شملت بعض المحددات والأسباب التي أدت بالجمهور إلى هجر لغتهم وضعف الاهتمام العام بها من قبل الأطفال والشباب والأسر وأولياء الأمور والمسؤولين في الدول العربية عامة، وقطر بشكل خاص على مستوى القطاعين العام والخاص. واختتمت الكلمة بالإشارة إلى بعض أساليب العلاج مثل ضرورة الاهتمام بمناهج اللغة العربية وتبسيطها، متضمنة بعض الإشارات والأحاسيس الوطنية، والاعتزاز بالهوية العربية مثل "الأمم تتحصن بلغاتها، والعربية بالنسبة إلينا هي الهوية الواقعية، والعربية هي صوتنا الذي نحضر بحضوره ونغيب بغيابه". وتُعزز هذه العبارات والتوجهات والأحاسيس، بعبارات مماثلة نابعة من الاعتزاز باللغة والهوية ومدى ترابطهما ببعضهما البعض من التربوي القطري الأول الدكتور عبدالعزيز بن تركي السبيعي، وزير التربية والتعليم الأسبق في كلمته بالمنتدى باعتباره رئيس مجلس أمناء المنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية بإشاراته الداعمة بقوله "إن للتنشئة اللغوية للطفل دورا كبيرا، ومهما في ترسيخ الهوية، وإرساء الثقافة، وبسط اللسان في حقول المعرفة والعلم، والإسهام في العطاء والبناء، والتقدم الحضاري للأمة". وليس هذا فحسب، بل أظهر السبيعي أيضا إيمانه الراسخ بقوة اللغة العربية في مواجهة التحديات بقوله "إنه على الرغم من التحديات والعقبات التي تواجه تطور اللغة العربية، إلا أنها منطلقة في ركبها بإذن الله، وأنها باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مؤكدا أنه لا وجود لمن لا هوية له، ومن أراد الخلود فعليه الاعتزاز بلغة الضاد. وطالب رئيس مجلس أمناء المنظمة في نهاية كلمته بعدم اللحن في اللغة العربية، والزج باللهجات العامية، وإدخال الكلمات الأجنبية دون مبرر، (الشرق والراية، الخميس 21 يناير 2016). هذا ما ورد في كلمتي الافتتاح من رموز كبار في الدولة، ومعنيين باللغة العربية، وليسمع السامعون، والمتغنون باللغات الأعجمية اعتزازا وافتخارا وتباهيا وتظاهرا بالثقافة، وكأن الثقافة لا تستقيم إلا بالرطانة والتغني بلغة الأجنبي الغربي الإنجليزي، وكأنه لا ثقافة بدونها، ولا حضارة في غيابها، فالتحدث والتغني بلغة الغير ليست معياراً للثقافة، ولا دليلا على التقدم والرقي، فليس كل من تحدث الإنجليزية تقدم، وليس كل من لم يتحدث الإنجليزية تأخر. وكل من خاطب جمهوره وقومه ومواطنيه بلغة غير لغتهم تعالى عليهم. ولذا، فلتسمع تلك الفتاة القطرية التي أصرت على التحدث إلى جمهورها العربي الخليجي في ندوة محلية في قطر بالإنجليزية، ولتسمع تلك المسؤولة التي تصر في كل مناسبة إلا فيما ندر على التحدث إلى جمهورها العربي في غالبيته باللغة الإنجليزية، ولتسمع تلك المديرة التي ترفض قبول أي عضو لا يتحدث الإنجليزية في أي لجنة من لجان إدارتها أو قسمها الذي تديره، وليسمع ذلك المسؤول الكبير في مؤسسته الذي لا يحلو له الحديث إلا بلغة الغير، ولتسمع تلك الأم القطرية المرتدية لزيها الوطني التي تصر على أن تخاطب أبناءها وبناتها في الجمعيات والمجمعات التجارية باللغة الإنجليزية، ولتتذكر هذه الأم، وغيرها من الأمهات اللاتي لا يستقيم بهن الأمر إلا بالتفوه بكلمات إنجليزية للظهور بمظهر حضاري مزيف أمام الملأ أن "التنشئة اللغوية هي الهوية". وما ذلك إلا نتيجة طبيعية للانبهار بلغة الغير، والاعتزاز بها، وإنكار الأصل، لغة المجتمع، اللغة العربية .. لغة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وقومه وأمته، التي شرفها الله من أعلى سابع سماء إذ اختارها لغة سامية لكتابه العزيز "القرآن الكريم". فهل يعقل أن تستبدل لغتنا العربية، ولغة قرآننا الكريم، بلغة قوم آخرين لم تشرف ولم تكرم سماويا، ولماذا نحن العرب هم الذين يجب أن يتخلوا عن مبادئهم وقيمهم وهويتهم وثقافتهم من أجل مظهر حضاري، أو مطلب دنيوي زائل لا محالة، ولماذا لا نكون أقوياء بما فيه الكفاية، ونتمسك بقيمنا ومبادئنا وثقافتنا وهويتنا، شأننا في ذلك شأن الأمم الأخرى، كاليابانيين، والصينيين، والكوريين، والألمان، والفرنسيين، وحتى الإيرانيين وغيرهم من الشعوب والأمم الحرة المعتزة بلغتها وثقافتها وهويتها. فالعيب فينا، والخلل فينا، ولا يمكن إصلاحه إلا من خلالنا، وبإرادتنا الذاتية وبشكل فردي أولا، وليس جماعيا، وذلك لأن مسؤولية الجميع مسؤولية لا أحد، أما مسؤولية الفرد فهي مسؤولية الكل. وتأسيسا لما ورد في كلمة الشيخة موزا بنت ناصر، فالحاجة ماسة لإرادة وطنية قبل أن تكون عربية، فهي وطنية أولا، تتسع رقعة انتشارها فيما بعد شيئا فشيئا لتصبح إرادة عربية رسمية نخبوية شعبية. ولنبدأ بالوطن، بقطر، فمعظم مؤسسات الدولة العامة والخاصة للأسف لا تدعم جهود النهوض باللغة العربية في متطلباتها وشروطها وتركيبتها الداخلية، ومواصلتها مع الآخرين، ولغة التواصل فيما بين المنتسبين للمؤسسة الواحدة، فلنأخذ جامعة قطر على سبيل المثال، وعلى المستوى الرسمي ناهيك عن المستوى الشخصي لمنتسبي الجامعة، فالجامعة في غالبيتها رطانة في رطانة، ولحن في لحن، وكلمات إنجليزية بمبرر وبغير مبرر، فتتعثر الرطانة أحيانا، وينكسر اللحن أحيانا أخرى نتيجة لمحاولة المسايرة ممن تعجز ألسنتهم عن الرطانة واللحن باللغة الإنجليزية، فالاجتماعات في معظمها تدار بغير اللغة العربية، ومعظم المؤتمرات تغلب عليها اللغة الإنجليزية، ورش العمل، والندوات العلمية والثقافية تقدم باللغة الإنجليزية، والمراسلات والمخاطبات تتم في معظمها باللغة الإنجليزية، والكثير من المقررات الدراسية تدرس باللغة الإنجليزية، ومقررات الدراسات العليا، ووفقا لتوجهات وسياسات جامعية عامة تطرح وتدرس باللغة الإنجليزية، وشروط القبول محكومة بنتائج اختبارات اللغة الإنجليزية، مما يشكل هاجسا كبيرا للطلبة قبل دخولهم الجامعة، وبفترة ليست بالقصيرة، مما يدفعهم إلى التوجه نحو اتقان اللغة الإنجليزية، واجتياز اختباراتها، ويدفعون ذلك من وقتهم وجهدهم، ويصرفهم عن الاهتمام بلغتهم وقراءاتهم الذاتية بلغتهم العربية، أوليس في هذا انصرافاً وغفلة عن الاهتمام باللغة العربية؟ وماذا بقي في الجامعة للغة العربية، ففي الواقع لم يبقى شيء، وحتى أسماء الطلبة في كشوف الغياب والدرجات تصدر باللغة الإنجليزية، وموجودة على نظام البنر باللغة الإنجليزية، فأين العربية في مؤسستنا الوطنية؟ وكيف يمكن لهذه المؤسسة، ومن في حكمها من مؤسسات الدولة في ظل هذه الاتجاهات والسياسات والقناعات أن تدعم توجهات وجهود النهوض باللغة العربية، وحمايتها من الضياع. سؤال يحتاج إلى إجابة شافية وافية. وعلى فكرة، فالأمر لا يقتصر على جامعة قطر، كما وردت الإشارة آنفا، بل يتعداها ليشمل مؤسسات أخرى في الدولة مقتنعة تمام الاقتناع بهذا التوجه والاتجاه، ولديها نفس القناعات. ولذا، فنقول ونصر مرة أخرى وثانية وثالثة على أن الحاجة ماسة إلى إرادة وطنية في المقام الأول، قبل أن تكون عربية، والله من وراء القصد.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كلية التربية – جامعة قطر
al-saai@qu.edu.qa
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4326
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2160
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
1944
| 10 ديسمبر 2025