رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المواقع والمدونات مثلت بديلاً للمؤسسات السياسية وأشكال العمل المدني محاولات لتشويه صورة المدونين وتفريغ نشاطاتهم من مضمونها الإصلاحي الحقيقي
هل يستطيع التدوين ادخالنا عصر الانوار العربي؟!
في التاريخ لحظات زمنية، تتقرر فيها المواجهة بين الأطراف المتباينة تلك التي تتمسك بالتراث وتلابيبه وتعتقد جازمة بان الفلاح والنجاح في اتباع سدنة الهيكل وأفكارهم شبرا بشبر وذراعا بذراع! وبين أولئك الذين يسعون من التحرر من الماضي وشخوصه، وهم غالبا ما يكون قلة لكن كتب لها أن تصنع التاريخ وتغيير الواقع والى الأبد؟! اليوم من بدء الأزمان، في عالم العربان بدأت تتشكل ملامح التغيير وان كانت بطيئة وحذرة، تراها في قلة من الصحف وان كانت متواضعة وفي بعض وسائل الإعلام، لكنها في المنتديات والمواقع الالكترونية نشيطة وفاعلة بقدر الإمكان، تحاول توصيل ارائها وأفكارها ومواجهة المتزمتين والمتشددين والتكفيريين والأيدلوجيين والمنتفعين وأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية بكل ما أوتيت من قوة وحجج وبرهان.
يخطىء من يظن أن الحرية أتت في دول العالم المتقدمة وبالتحديد في أوروبا على طبق من فضة، أو بين ليلة وضحاها عن طريق رغبة ملك أو أمير أو قائد رباني ملهم، أو حاكم "المستبد العادل" كم هو خطاب (الواهمون) (العدل لا يجتمع مع الاستبداد)؟! كان كل من يتجرأ على التفكير والتعبير والكتابة بطريقة مختلفة لا توافق أهواء السلطة الدينية الكنسية والسلطة السياسية الملكية الاقطاعية يرسل إلى المحرقة ويعتبر مهرطقا خارجا عن ملة القوم. لقد عاش كبار الفلاسفة والمفكرين والمثقفين خارج أوطانهم منفيين وهاربين من بلد أوروبي إلى آخر، وكانت كتبهم ومؤلفاتهم ورسائلهم تنشر بأسماء مزيفة ومستعارة حتى وبدون أسماء خوفاً من مقصلة الرقابة والجواسيس والملاحقة والقتل.
كانت الإيمان والعمل على بزوغ فجر جديد مغاير يملأ السمع والأبصار والأفئدة لتلك العصبة المؤمنة من القوم وهو ما بدد ساعات الظلمة ودشن عصر الأنوار والتنوير، وهي تذكرني بمقولة رائعة كانت شعار فيلم روبن هود (Robin Hood)، بطولة رسل كرو (Russell Crowe)، الذي لا يزال يعرض في دور السينما في بريطانيا وبالتحديد في مدينتة نوتنجهام (Nottingham) وقد زرت المدينة في الأسبوع الماضي، وهي تقول (ثابر وثابر من جديد حتى يتحول الحملان اسودا)، ومن ابرز هؤلاء النفر يأتي فولتير ورسائله المشهورة، الرسائل التي أرست أسس النضال من أجل الحريات الثقافية والدينية والسياسية، النضال من أجل العقل والفكر والتعبير، ومن أجل حقوق الإنسان بغض النظر عن لونه وعرقه ومعتقداته. فولتير صاحب المقولة الرائدة: "قد اختلف معك في الرأي لكني على استعداد لأن أموت دفاعاً عن رأيك"، احد الكبار الذين خاضوا المعارك الكبرى، ووقفوا في وجه التعصب والتزمت، وهي التي أطلق عليها "الوحش الضّاري"، ليدافع عن أسرة "كالاس" البروتستانتيّة إذ تعرّضت إلى الاضطهاد والتّنكيل بسبب انتمائها المذهبيّ من قبل الغالبية الكاثوليك.
عصر الأنوار كما يشير إلى ذلك د. صادق محمد نعيمي في كتابه (الإسلام وعصر التنوير)، محاولة للإجابة عن السؤال: من أين يأتي النور الذي يعرف المرء به الخير من الشرّ ويرشده إلي الصواب والأخلاق؟ فقد كان الفكر التقليدي المتراكم من العصور الوسطى والمدعوم من الملكيات الحاكمة ومن الطبقتين المميّزتين (النبلاء ورجال الدين) يرى أنّ ما يأتي من تعاليم ثيولوجية عقائدية مذهبية هي مصدر النور الذي يهدي الإنسان في هذه الحياة، في حين أنّ اتجاها فكريا نابعا خصوصا من أبناء الطبقة البرجوازية الناشئة، بدأ في بثّ آراء ترى أنّ العقل هو الأساس الذي ينبغي للمرء أن يتبعه لمعرفة الخير من الشرّ، ولتحديد مفهوم الأخلاق. كان التيّار الأوّل هو الغالب، بحكم أنّه يستمدّ قوّته من السلطتين الزمنية الحاكمة والروحية الدينية، بسبب توافق مصلحتهما مع هذا الرأي الذي يرى في الثيولوجية المصدر الوحيد للأخلاق، ولمعرفة الحسن من السيّئ. وكان التيّار التنويريّ، كما سوف يطلق عليه لاحقا، يبحث عن رؤى جديدة للكون وللعالم وللدين وللأخلاق يحاول أن يجد له طريقا وسط هذه السلطة الطاغية لعادات وتقاليد أنتجتها الثقافة الموروثة وجعلت من موافقتها أو من مخالفتها معيارا للصواب والخطأ. كان لكلّ من التيارين منتجه من آداب وفنون، يسعى الاتّجاه الأوّل لتكريس الوضع القائم من قبل أصحاب السلطتين السياسية والدينية، والثاني يأمل في إيجاد عالم بديل للخروج من عادات وتقاليد بالية ارتكس فيها الغرب بسبب تحالف الإقطاع مع الكنيسة الكاثوليكية، ولتحرير النفس الأوروبية من أزمة الضمير على حد تعبير بول أزار، أزمة ناشئة عن التعارض بين الموروث والجديد بين رؤى قروسطية للحياة وللأخلاق وللكون وللدين وللإنسان، وبين تطلّع لاحترام العقل ومعطياته. بدأ التيار الأخير ضعيفا مضطهدا لأنّ ثمّة أصحاب مصالح يوظفون الموروث والتقاليد لاستمرارية مصالحهم، لكنّه كان في كلّ يوم يكتسب اتباعا جددا راغبين في أن ينفضوا عن أنفسهم وعن عقولهم غبار التقاليد الجاثمة على أرواحهم. وكانت أسلحتهم تتمثل في الحوار والكتابة والتعبير الحر ونشر وطباعة المقالات والصحف واصدار وتأليف الكتب. وكل ذلك أصبح متوافرا اليوم من خلال كبسة زر تسمح بالدخول إلى عالم المدونات والمنتديات الالكترونية.
الدول العربية ليست استثناء في التاريخ، فكما نجح التنوير في أوروبا وفي الولايات المتحدة وفي دول اسيوية وافريقية وأمريكا اللاتينية، سينجح وسيحقق انجازاته الحضارية من خلال المؤمنين بالتغيير في العالم العربي، اليوم هناك مواجهة مفتوحة على الانترنت المواقع الاجتماعية والمدونات الشخصية مع القيم والمعتقدات والأفكار والتصورات التي ولدت وترعرعت في عقول الإنسان الذي يعيش في العالم العربي بلا هدى وكتاب منير. المواقع الاجتماعية والمدونات كما بينت رسالة الماجستير للباحثة فاطمة الزهراء مثلت بديلاً للمؤسسات السياسية وأشكال العمل المدني التي فقدت فاعليتها، حيث طرحت نفسها كبديل فاعل في المجتمع يؤثر فيه ويتأثر به، حتى اكتسبت مصداقية عالية وحصلت على ثقة الجمهور، وباتت تنظم الحملات وتتابع حالات الحراك السياسي وتثير الأحداث التي لا تحظى باهتمام إعلامي كافٍ لتلفت الرأي العام إليها. لقد ازداد في الأيام الأخيرة عدد المدونين الذين تم القبض عليهم لمجرد التعبير عن رأيهم، والدعاوى الكثيرة المرفوعة ضدهم، وتعمد بعض المثقفين التقليل من المدونات وإطلاق أحكام عامة عليهم دون تحديد. كما قام الإعلام الحكومي في تشويه صورة المدونين وتفريغ نشاطاتهم من مضمونها الإصلاحي الحقيقي. ولم يكن في الحسبان أن تنجرف محطة الجزيرة مع الموجة وهي التي تعاونت مع موقع "ويكيليكس" في نشر الوثائق السرية الأمريكية ويقارب عددها أربعمائة ألف وثيقة تلتها ربع مليون وثيقة في التسريبات الأخيرة، وتقوم باتهام موقع إخباري قطري باختراق موقع الجزيرة، والحصول على وثائق رسمية ونشرها في الموقع، وذلك بالتعاون مع جهة مجهولة. مما يدل على استمرار سياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا الداخلية. وماذا عن شعار حريات النشر وضمان حق المعرفة والميثاق الصحفي، كما ان مركز الدوحة لحرية الإعلام ظل يتفرج من بعيد وكأن القضية لا تعنيه إطلاقا’ وهل ممكن الاعتقاد في عصر الفضاء المفتوح والعولمة انه يمكن منع الرأي العام والمؤسسات المدنية من المعرفة والمحاسبة والمساءلة؟!
من أجمل الكلمات التي جعلها جفارا (Che Guevara) شعارا له (أنا لست محررا، والمحررون لا وجود لهم، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها)!
Aljaberzoon@gmail.com
Aljaberzoon.blogspot.com
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4302
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2064
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1788
| 04 ديسمبر 2025