رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يعجب المواطن العربي من تكرار الغرب تعبير" حقوق الإنسان " كثيرا خصوصا في هذه الآونة التي تشهد دعوات من دول شتى تطالب بعض الحكومات والأنظمة العربية باحترام حقوق الإنسان وحقوق مواطنيها، في حين أنه لو أمعنا النظر قليلا في شؤون تلك الدول لرأينا العجب العجاب.. فهي تتشدق فقط بحقوق الإنسان ولكنها لا تعمل بها، ورأينا كم من المواطنين المسلمين يعانون الأمرين في دول الغرب، أو دولة أوروبية ترفض بناء المساجد للأقليات المسلمة بها رغم أنهم يحملون جنسيتها ومن حقهم ممارسة شعائرهم الدينية. ولا يعلم هؤلاء أن الإسلام أقر حماية واحترام حقوق الإنسان وقدسها منذ أربعة عشر قرناً أي قبل هؤلاء الذين يصدعون أدمغتنا بها ليل نهار. وتلك الحقوق أصيلة في الإسلام لا تقبل حذفاً ولا تعديلاً ولا نسخاً ولا تعطيلاً، لأنها حقوق ملزمة شرعها الخالق سبحانه وتعالى. وهذا بعكس ما جاء به الغرب من حقوق، فحقوق الإنسان في الإسلام ليس من حق بشر أن يعطلها أو يتعدى عليها، ولا تسقط حصانتها الذاتية لا بإرادة الفرد تنازلاً عنها ولا بإرادة المجتمع ممثلاً فيما يقيمه من مؤسسات أياً كانت طبيعتها وكيفما كانت السلطات التي تخولها. ومن خصائص حقوق الإنسان في الإسلام أنها ربانية، فكل حق منصوص عليه في القرآن أو السنة مصدره من عنده سبحانه، وبالتالي فهو منزه عن الزيغ والضلال. وتتميز هذه الحقوق بالثبات والحياد، وهي منزهة عن أي تحيز أو تمييز عرقي وعن الهوى، وتتميز بالشمول لكونها تضم كل مصالح الإنسان العاجلة والآجلة، ومحمية بتشريعات تربوية ووقائية. ثم الأهم أنها حقوق صالحة لكل زمان ومكان لاستجاباتها لحاجات الإنسان الحقوقية الفطرية، ووضعها حلولا لأغلب مشاكله. أما فكرة حقوق الإنسان التي نسمع عنها الآن، فهي حديثة العهد في الغرب، وقد ظهرت جزئياً بشكل رسمي لديهم في القرن الثالث عشر الميلادي، الموافق للقرن السابع الهجري، أي بعد نزول الإسلام بسبعة قرون، وذلك نتيجة ثورات طبقية وشعبية في أوروبا، ثم في القرن الثامن عشر في أمريكا لمقاومة التميز الطبقي أو التسلط السياسي أو الظلم الاجتماعي. ويعلم الغرب وأولئك ممن يتشدقون بأفضليته علينا بأنه سباق على العرب والمسلمين في كل مناحي الحياة من علم وتشريع وتطور وحضارة حتى في حقوق الإنسان، إن للشريعة الإسلامية فضل السبق على كافة المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق الإنسان. فقد ركز الإسلام على تلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان كما أسلفنا. ويعلم هؤلاء أيضاً أن ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية اللاحقة ومن قبلها ميثاق الأمم المتحدة ما هو إلا ترديد لبعض ما تضمنته الشريعة الإسلامية. وتتميز حقوق الإنسان في الإسلام بأنها أعمق وأشمل من تلك البنود التي جاءت في الوثائق الوضعية، لأن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هما مصدر حقوق الإنسان في الإسلام، بما يضمن جميع أنواع الحقوق التي تكرم الله بها على خلقه. والميزة هنا هي السمو بعكس مصدر حقوق الإنسان في القوانين والمواثيق الدولية التي تأتي نتيجة الفكر البشري، مما يعني محدودية هذه الحقوق لأن البشر يخطئون أكثر مما يصيبون، ويتأثرون بطبيعتهم البشرية بما فيها من ضعف وقصور وعجز عن إدراك الأمور. ثم إن حقوق الإنسان في القوانين الوضعية تفتقر للضمانات اللازمة لحمايتها من الانتهاك. كما أن مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948 لم تحدد الوسائل والضمانات لمنع أي اعتداء على حقوق الإنسان. ويكتب للإسلام خاصة في مجال حقوق الإنسان أنه اعتمد على أمرين أساسيين وهما إقامة الحدود الشرعية وتحقيق العدالة المطلقة التي أمر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم وحثا عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. في حين أن الحماية الدولية لحقوق الإنسان في الغرب نجدها مجرد محاولات لم تصل إلى حد التنفيذ، لأنها تقوم على محاولة الاتفاق على أساس عام معترف به بين الدول جميعاً، ثم وضع جزاءات ملزمة تدين الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان. والأخطر هنا، إن كل ما صدر عن الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات بخصوص حقوق الإنسان يحمل طابع التوصيات ولا يعدو كونه حبراً على ورق يتلاعب به واضعوه حسبما تمليه عليهم الأهواء والشهوات، بدليل ما تشهده الأراضي الفلسطينية من انتهاكات واعتداءات إسرائيلية أمام بصر وسمع العالم أجمع من دون حتى التدخل اللغوي لإدانتها رغم أن حقق الإنسان تفرض على العالم أجمع التدخل الفعلي لوقف تلك الاعتداءات التي تودي بحياة مئات الفلسطينيين واللبنانيين ناهيك عن سرقة أراضي الغير. وقد وضع الإسلام مبادئ وأسسا عامة قابلة للتطوير حسب الزمان والمكان من طرف المجتهدين المؤهلين، ودعا إلى مبدأين أساسيين في الحياة السياسية، وهما مبدأي الشورى والبيعة. وهناك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام، وهذا يمنح المسلمين الإحساس بالمسؤولية الفردية والاجتماعية مع تكريس مبدأ التضامن والتكافل باعتبارهما وسيلة لحفظ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما حض الإسلام على محاربة الفساد الاقتصادي من خلال اجتناب المعاملات المحرمة كالربا والاحتكار. وهذا من شأنه تحقيق العدالة الاجتماعية بإشاعة العدل في الأرض وتقليص الفوارق الطبقية. كما كرس الإسلام حق التملك، هذا الحق الذي تفاوت فهمه لدى الغرب، فالرأسمالية أطلقت حرية التملك إلى أبعد الحدود وجردته من كل قيد حتى استبد الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال بمقدرات الأمم والشعوب واستنزفت خيرات البلاد وطبقات الفقراء والعمال. بينما تمادت الشيوعية في الإفراط والغلو وألغت الملكية الفردية وفرضت ملكية الدولة الكاملة، واستولت على جميع وسائل الإنتاج، وأصبح العمال مجرد آلات للعمل. ونأتي لأهم الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان، وهو حق الحياة، وهو الحق الأول للإنسان، وبه تبدأ سائر الحقوق. ويعتبر حق الحياة مكفولاً بالشريعة لكل إنسان، ويجب على سائر الأفراد أولاً والمجتمع ثانياً والدولة ثالثاً حماية هذا الحق من كل اعتداء، مع وجوب تأمين الوسائل اللازمة لتأمينه من الغذاء والدواء والأمن من الانحراف. وينبني على ذلك أحكام مثل تحريم قتل الإنسان وسد الذرائع المؤدية للقتل وتحريم الانتحار وتحريم قتل الجنين. أما ثاني تلك الحقوق هي حق الكرامة وتتعلق بالحقوق التي تحفظ للإنسان كرامته التي وهبه الله إياها، فمن تلك الحقوق النهي عن سب المسلم والتنابز بالألقاب وتحريم الغيبة وتحريم السخرية من الإنسان وتحريم التجسس على المسلمين وكشف عوراتهم وتحريم ظن السوء بالمسلم. ونختتم بالقول إن حقوق الإنسان ليست هبة إنسانية من إنسان لآخر أو من دول لأخرى، وإنما هي هبة ربانية للبشر، وقد كفل الإسلام تلك الحقوق كما أسلفنا عبر القرآن الكريم والأحاديث النبوية التي أمرتنا بالتعاون والعمل والكف عن أذية البشر، هذا بعكس الغرب الذي يدعي أنه يدعم حقوق الإنسان ثم نراه يؤيد فئة دون الأخرى ويصل الغبن مداه بأن يسلح طائفة ضد الأخرى ويتوقف عن مساندة الضعيف بل يقف مع القوي ومثالنا المعمم هنا هو ما يعانيه الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي وأخيرا انضم إليهم مسلمو ميانمار الذين يتعرضون للاضطهاد من الحكومة هناك ولا حياة لمن تنادي.
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
87
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
177
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
225
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4134
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1740
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1593
| 02 ديسمبر 2025