رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم فلامرزي

 كاتِـبٌ وَإِعْـلاميٌّ قَـطَـرِيٌّ

مساحة إعلانية

مقالات

816

إبراهيم فلامرزي

قضيةُ الطلاقِ منْ زاويةٍ أخرى

16 يناير 2017 , 01:59ص

الحقيقةُ التي لا يرغبُ كثيرونَ في معرفتِها، هي أنَّ مجتمعَـنا شهدَ نهضةً عظيمةً في التعليمِ والاقتصادِ والعمرانِ والـمَدَنيةِ، لكنه لم يَخْـطُ حضارياً خطواتٍ تتناسبُ معها. وأقصدُ بحضاريٌّ أنَّ أنماطَ التفكيرِ السائدةِ اجتماعياً لم تتبدَّلْ كثيراً عَـمَّا كانتْ عليه في النصفِ الثاني من القرنِ العشرين. فقد تعلَّمَ الذكورُ والإناثُ تعليماً عالياً رفيعاً، وأسهمتِ الـمرأةُ في العملِ العامِّ، وتعدَّدَتْ منابرُ التعبيرِ، لكننا وقفنا عندَ الاكتفاءِ بالتفاعلِ الظاهريِّ مع التغيُّراتِ، وعزلنا أنفسَنا عنِ التفاعلِ الحقيقيِّ الذي يُغَـيِّرُ أنماطَ تفكيرِنا ونظرتِنا إلى الحياةِ. فنحنُ نبحثُ لأبنائِنا عن زوجاتٍ فيهنَّ كمالٌ مُطْلَـقٌ، ونقبلُ لبناتِنا أزواجاً نرى فيهم نفسَ الكمالِ، والـمصيبةُ أنَّ هذا الكمالَ يقومُ على رؤيتِنا الأخلاقيةِ وتقييمِنا الاقتصاديِّ فقط، وليس على جوانبَ تتعلقُ بالاستعدادِ النفسيِّ والعقليِّ لبناءِ الأسرةِ، أو على التوافقِ بينَ الشابينِ، الذكر والأنثى. وتتعاظمُ الـمصيبةُ عندما نظنُّ أنَّ قدراتِنا على التمحيصِ لا يمكنُ أنْ يعتورَها خَـلَلٌ، فنتخذُ القرارَ بالنيابةِ عنهم، وإنْ كنا أحياناً نُشركُهُم فيه كنوعٍ من عدمِ استعدادِنا لتَحَـمُّلِ الـمسؤوليةِ عنه. وأيضاً، نقومُ أحياناً بالخضوعِ لإرادةِ أبنائنا من الجنسينِ في اختيارِ الشريكِ رغم علمِنا بأنه خَيارٌ خاطئٌ. ومن جانبٍ آخرَ، نلاحظُ أنَّ السُّكونَ الحضاريَّ اجتماعياً، يساعدُ في تفاقُمِ سلبياتِ القضيةِ، حينَ يتحدثُ كثيرونَ عن البنتِ التي ليس لها إلا بيت زوجِها في نهايةِ الـمَطافِ، مهما بلغَتْ من مستوًى تعليميٍّ أو وظيفيٍّ. وعنِ الشابِّ الذي لا يُصلِحُ حالَهُ إلا الزواجُ، وكأنَّ انحرافاتِهِ السلوكيةَ أمرٌ طبيعيٌّ، لأنَّ كلَّ الرجالِ يمرونَ بمرحلةٍ سلوكيةٍ منحرفةٍ. وسواها من مقولاتٍ تجدُ آذاناً مُصغيةً لها، وعقولاً قابلةً لتَبَـنِّيْها. مما يدفعُنا للبحثِ عن وسائلَ للتأثيرِ في أنماطِ التفكيرِ السائدةِ لنُسْهِمَ حقاً في إيجادِ حلولٍ، بدلاً من الانشغالِ في الجدالِ السقيمِ عن الأسبابِ.

انتقلَ الطلاقُ، في مجتمعِنا، من كونِـهِ مشكلةً فرديةً يُعاني منها عددٌ محدودٌ منَ الناسِ، ليصبحَ قضيةً عامةً تؤثرُ سلباً بصورٍ متعددةٍ على الـمجتمعِ كلِّهِ، وتأخذَ مكانَها إلى جانبِ قضايا اجتماعيةٍ أخرى كالعنوسةِ، وعزوفِ الشبابِ عن الزواجِ، وما ينتجُ عنها منْ تأثيراتٍ على القِـيَمِ والأخلاقِ والسلوكِ. والـمُستغرَبُ في الـمعالجةِ الإعلاميةِ لها أنَّ معظمَنا يُرددونَ الأفكارَ السقيمةَ التي يستمدونَها من الـمُعالجاتِ الركيكةِ في الأفلامِ والدراما العربيةِ، وقلَّما نجدُ قراءاتٍ سليمةً أو دراساتٍ مُحْكَـمَةً يمكنُها الإسهامَ في إيجادِ حلولٍ لها. فمثلاً، نلاحظُ في الطَّرحِ الإعلاميِّ أنَّهُ يقومُ على الحديثِ عن الـمرأةِ التي خرجتْ من بيتِها للتعليمِ والعملِ فأهملَتْ بيتها وزوجَها، مما يجعلُنا ننظرُ إلى التعليمِ بسلبيةٍ، وإلى دورِ الـمرأةِ في الـمجتمعِ والدولةِ بدونيةٍ واستهانةٍ. أو يتحدثُ عن الرجلِ الـماجنِ الذي لا يُبالي بزوجتِـهِ وأبنائِـهِ، مما يُشْـعِرُنا بأنَّ الـمجتمعَ خالٍ من الـمشاعرِ الإنسانيةِ النبيلةِ. أو عنِ الفروقِ في الـمستوى الـماديِّ والاجتماعيِّ بين الزوجينِ، فتترسخُ في نفوسِـنا رؤيةٌ طبقيةٌ لا إنسانية. في حينِ أنَّ ذلك، كُلَّهُ، قدْ يكونُ من أسبابِ الطلاقِ في حالاتٍ قليلةٍ، لكنه ليس كذلك في معظمِ الحالاتِ.

كلمةٌ أخيرةٌ:

القضايا الاجتماعيةَ ليستْ كمياتٍ فيزيائيةً تسري عليها نفسُ القوانينِ في كلِّ الحالاتِ، وإنما تُقاسُ بمعاييرَ نفسيةٍ وأخلاقيةٍ تختلفُ منْ شخصٍ لآخرَ.

مساحة إعلانية