رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
دمج وزارة الثقافة والتراث ووزارة الرياضة والشباب لا يخدم مصالح قطر كقوة ناعمة
يجب تصحيح الصورة المغلوطة بقصد أو بدون قصد عن دولة قطر وعن هويتنا وتراثنا بعيداً عن معترك السياسة والاقتصاد
علام "سَيُلَّحِق" الوزير؟ على الفعاليات الرياضية أم الثقافية؟ على التمثيل الخارجي أم الحضور المحلي؟
أصدر سمو الأميرالمفدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الشاب الحكيم ذو النظرة الاستشرافية، خليفة أمير المجد حمد -حفظهما الله- مطلع هذا العام أمراً بتعديل مجلس الوزراء تضمن دمج عدد من الوزارات ذات الصِّلة في خطوة موفقة لترشيد الاستهلاك ونبذ الازدواجية من جهة وكردة فعل ذكية لتدهور أسعار النفط من جهة أخرى.
ولكني أود أن أبدي وجهة نظري المتواضعة من منطلق ميولي الثقافية واهتمامي بالتراث والمتاحف والحضارات الإنسانية وحرصي على صورة قطر وشعبها أمام العالم. كما أُدَّعِم وجهة نظري بتحليلي للانطباع المتأصل عند الكثير من الأجانب عنا من خلال حديثي معهم في أسفاري أو أثناء الدراسة أو عبر مشاهدة قنواتهم وبنتائج دراسة كلفنا بها في الفوج الأول للقيادات الصاعدة.
فأنا أجد أن دمج وزارة الثقافة والتراث ووزارة الرياضة والشباب لا يخدم مصالح قطر كقوة ناعمة ولا يعزز المكانة الدولية التي تبوأتها، حيث أصبحنا الشغل الشاغل للإعلام العالمي ومحط أنظار العالم أجمع بلا مبالغة. إن هاتين الوزارتين تحديداً هما الأهم للحكومة القطرية حاضراً، فجميعنا يعلم زخم الروزنامة الرياضية القطرية ويعي الحاجة لاستقلالها بوزارة مختصة. من الصعب ضم مسؤوليات ومهام هاتين الوزارتين الحيويتين اللتين تقع على عاتقهما مسؤوليات جِسَام من تمثيل الدولة في الفعاليات العالمية المستمرة طوال العام إلى تصحيح الصورة المغلوطة -بقصد أو بدون قصد- عن دولة قطر وعن هويتنا وتراثنا بعيداً عن معترك السياسة والاقتصاد.
وعلام "سَيُلَّحِق" الوزير؟ على الفعاليات الرياضية أم الثقافية؟ على التمثيل الخارجي أو الحضور المحلي؟ هل سينظر سعادته في أحوال المثقفين وهمومهم أم سيدرس قضايا الرياضيين المختلفة جملةً وتفصيلاً! فالثقافة شأن مستقل له خصوصياته الحساسة ولا يمكن توحيد أمورها مع الرياضة. ثم يُتهم الوزير ظلماً بالتقصير في الحضور أو بالتركيز على جانب وإهمال الآخر، يقول -سبحانه- "ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه" ولا أشكك في أداء سعادة الوزير صلاح بن غانم العلي، فهو -وإنجازاته تشهد- من خيرة الرجال، ولم يقصر ولم يهمل أي فئة تحت مظلة وزارته، ولكني أتكلم عن دمج الوزارتين بصورة عامة وعن صفة وزير الثقافة والرياضة وليس عن شخص سعادته الذي هو قدوة في المهنية.
في وجهة نظري لابد من استعادة وزارة الثقافة في الحكومة القطرية، ولكن بمسمى جديد ومضمون أعم وأشمل، ليصبح مسمى الوزارة "وزارة الثقافة والسياحة والتراث". أجد أن هيكل الوزارة يحتاج للتوسيع ليضم تحت مظلته كافة الجهات المعنية بتراث وحضارة وهوية الدولة، ولعل أبرز هذه الجهات: هيئة متاحف قطر وهيئة السياحة ومركز التراث والهوية وإدارة سوق واقف. فإن لم شمل هذه الجهات ذات الفحوى والسمات المشتركة سيحقق نفعاً جماً وسيمنع الازدواجية -أو التعددية- فيما يخص صورة وهوية دولة قطر والمواطن القطري كما وسيقي من اللَبس والدخائل على عناصر ومكونات تراثنا.
كان لي شرف الاختيار ضمن الفوج الأول بمركز قطر للقيادات، حيث قسمنا إلى مجموعات للعمل على المشروع النهائي. المشاريع كانت عبارة عن دراسة عدد من التحديات لرؤية قطر ٢٠٣٠ ووضع التوصيات المناسبة، وقد وقع على عاتق فريقي الذي انتخبني الإخوة والأخوات الأفاضل فيه لقيادته لإنجاز المشروع، دراسة تحدي "الحفاظ على الهوية القطرية والتقاليد". المهم أنه خلال الدراسة لاحظنا تعدد الجهات المعنية بالتراث والثقافة، طبعاً وزارة الثقافة والفنون والتراث كانت أبرزها ولكن في المقابل وجدنا أيضاً على مسرح الأحداث لاعبين كبارا آخرين منهم: هيئة متاحف قطر، هيئة السياحة، مركز قطر للتراث والهوية، سوق واقف، كتارا! فكان منهكاً لفريق العمل التوجه لكل من هذه المؤسسات على حدة والحصول على المواعيد وعمل مقابلة مع كل مسؤول وفي النهاية يكون الكلام مكرراً!.
ماذا لو جاء باحث أجنبي ليكتب عن تراث قطر، خصوصاً مع سطوع نجمها كقوة ناعمة ومنارة لاستضافة أحداث عالمية كبرى، إلى أين سيتوجه وكم من الوقت سيلزمه لينجز بحثاً منطقياً عن هويتنا وتراثنا! وماذا لو أقيم حدث عالمي يخص التراث فلمن ستوجه الدعوة؟ وعلى سبيل المثال لو ستشارك وزارة -ولتكن الاقتصاد- في معرض تجاري وأرادوا أخذ بعض الكتيبات عن قطر لإهدائها للمشاركين الأجانب، فمن أين سيحصلون على المطبوعات التثقيفية؟ من مركز التراث أو وزارة الثقافة ولا هيئة المتاحف أو... والمؤسف ومن أوجه الهدر التي يمكن تفاديها - سواء هدر الجهد أو المال أو الوقت- أن لكل من هذه الجهات مطبوعات تصدر عنها، تعددت أشكالها ومضمونها واحد.
وأثناء عملنا بالمشروع صادف أيضاً أن طرح مركز قطر للتراث والهوية ورشة حول الرواية الشعبية، ومن الطرائف أن إحدى إدارات وزارة الثقافة طرحت بعدها بأسابيع قليلة نفس الورشة تماماً، ولكنها على ما أذكر تحت مسمى "ندوة الرواية الشعبية"! ثم -مثلا- إذا طالعنا كتيبا عن المأكولات الشعبية القطرية فسنجد حتماً اختلافاً في المسميات وعناصر أخرى في إصدار كل مؤسسة لأن فرق العمل مختلفة.
إذاً ضم هذه الجهات في وزارة مستقلة "وزارة الثقافة والسياحة والتراث" بات ضرورياً لما في ذلك من ترشيد للموارد وتضافر للجهود لتوحيد الرؤية والأهداف والرسالة وصورتنا في المحافل العالمية المختلفة، فدولة قطر تحت المجهر لبروزها كقوة ناعمة وكوجهة سياحية مما يستدعي انتقاء الصورة التي نُصَدِرها عنا والحرص على تكوين انطباع إيجابي عند من يزورنا، فهناك الكثير من الأفكار المغلوطة عن ثقافتنا وعن المرأة القطرية ومكانتها.
ويمكن ضم هذه الجهات في شكل إدارات مستقلة تتمتع بصلاحيات عمل كبيرة، بهدف تشجيع الابتكار وكسر البيروقراطية وهو أمر محبذ في مجال الثقافة والفنون، ويمكن حتى أن يكون لكل إدارة شعارها تحت الشعار الرئيسي للوزارة وتحت الإدارة اللامركزية العليا للوزارة التي في النهاية ستضمن توحيد المضمون والصورة الكبيرة وإن اختلف الشكل من إدارة لأخرى، وهنا تجدر الإشارة إلى حسن اختيار وزير ويفضل وزيرة من الجيل الحديث الداعم لمثل هذا المنهج، وتَكُون عالية الثقافة والتأهيل لتبرز بشخصيتها الجوانب المشرفة لهويتنا وما وصلت له المرأة القطرية من علم وانفتاح على العالم، مع حفاظها على تقاليدها التي تفخر بها والتي لم ولن تكون عائقاً لتطورها. وتتمتع بحس فني يؤهلها للتحاور في هذا المجال، وملمة بثقافات الشعوب واهتماماتهم لتخاطبهم عن تراثنا باللغة الأقرب إلى قلوبهم، وتَكُون مهتمة بالمشاركة بل مبادرة لعمل معارض وندوات تتحدث فيها وتبرز من خلالها تقاليدنا العريقة وثقافتنا المستنيرة، والله الموفق.
زيتونتي ماتت.. وبقيت أنا !
الهوينا كان يمشي، هنا فوق رمشي، اقتلوه بهدوءٍ، وأنا أهديه نعشي...... صدق القائل ومِنَ الحُبِ ما قَتل، هذا... اقرأ المزيد
219
| 31 أكتوبر 2025
بيد الوالدين تُرسم ملامح الغد
تُعتبر الأسرة الخلية الأولى في المجتمع وأحد أهم العوامل المؤثرة في بناء شخصية الطفل، حيث تُسهم في تكوين... اقرأ المزيد
210
| 31 أكتوبر 2025
الخطأ في تشخيص حالات التوحد (ASD)
ظهرت للأسف من قبل أخصائيين غير مدربين على كفاءة وضمير مهني التجارة بمسمى العلاج وعدم الإدراك والفهم والوعي... اقرأ المزيد
162
| 31 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6654
| 27 أكتوبر 2025
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2739
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2307
| 30 أكتوبر 2025