رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مازلنا مع تفاصيل عملية هدم الدولة العثمانية حاملة لواء آخر «خلافة» إسلامية، والتي أَعتبرُ أنها زالت فعليا بزوال السلطان عبد الحميد الثاني وليس بإعلان زوالها في 3 مارس 1924. فهي لم تكن مسؤولة فعليا عن أي قرارات بعد عزل السلطان في 27 أبريل 1909، مثلما لم تكن مسؤولة عن كثير من قراراتها وتصرفاتها حتى قبل عزله. وإنما كانت عصابة الدولة العميقة الموجهة من الخارج التي استولت عليها هي المتصرفة في كل شيء بما في ذلك قرار إلغاء الخلافة ذاتها.
وقد استعرضنا كيف تحكمت الدول الكبرى في تلك العملية، التي سُمي الجزء الأخير منها «مرحلة الأفول» وامتدت بين عامي 1828 و1908. وستبين التفاصيل أن جريمة الهدم كلها دبرها وحركها أحفاد ابن سبأ من الماسونيين ويهود الدونمة الذين ادعوا الإسلام كذبا بعد قدومهم المشوب بالتآمر من الأندلس إلى أراضي الإمبراطورية العثمانية. وكان سلاحهم الأمضى في تلك المرحلة هو التشويه الفكري لتغيير مفاهيم العقل الجمعي في قلب الخلافة أو لنقل في رأس الخلافة أي في عقر دراها وبالتحديد في اسطنبول. فبعدما نشروا الشعوذة والتخلف لحقب طويلة، جاءوا بما سموه العلاج، «التحديث» الذي سيكون «حصان طروادة» الذي سيهدمون به الخلافة. وهنا لم تأت الضربة القاتلة من الأطراف بل جاءت في القلب، وبقطع الرأس.
كانت مكائد الدول الغربية، ومن يحركها، لهدم الخلافة تقوم على تذويبها وتفكيك بنيانها من الداخل ببطء، كما يفعلون مع بعض «أشباه» الدول الآن، قبل أن يوجهوا الضربة القاضية لما تبقى منها في حرب كبرى ستكون هي الحرب العالمية الأولى. فكيف تم ذلك؟ مع تطبيق ما سُمي تنظيمات أو إصلاحات تزايدت أعداد المندسين القادمين من الأندلس في طبقات الدولة، وتكونت منهم وحولهم حركات وجماعات عدة تسترت بعباءة الإصلاح والتحديث، ومنح لهم بعض السلاطين الحماية والتشجيع بأمل المساهمة في تطور الإمبراطورية، غافلين عن أنهم سيكونون عناصر الهدم المتخفين في حصان طروادة (الإصلاح). وحتى عندما سيستفيق السلطان مراد الثالث، استفاقة مفاجئة، عام 1579، إلى خطر اليهود ويقرر الإطاحة برؤوسهم، سيتراجع بشكل غريب، مقابل مبلغ كبير من الذهب تم تقديمه للسلطانة الأم، (اليهود في الإمبراطورية العثمانية ص 31)، خلال فترة ما عرف بـ «سلطنات الحريم».
فقد كوّن هؤلاء العديد من الحركات السرية التخريبية التي كان من أخطرها «العثمانيون الجدد» (1856)، والتي سميت لاحقا «الاتحاد والترقي»، وكانت تستلهم فكرها ونظامها من الحركات التي أسسها اليهود والماسون في أوروبا وخاصة فرنسا وإيطاليا. وفي هذا يقول ديفيد فرومكين صاحب كتاب «سلام ما بعده سلام» الذي يفيض تشفيا في سقوط الخلافة (لقد كان الانتساب إلى منظمة سرية من الأنشطة الشائعة في الإمبراطورية العثمانية... ص40)، وزاد نشاطها في عهد السلطان عبد الحميد. ولأن الأمور لا تأتي صدفة ولا فجأة فإن تيار الهدم المتستر بعباءة التحديث، سيستفيد بالطبع من الشيء الذي تآمروا لتحريمه على الأتراك لقرون، ألا وهو الطباعة والصحافة. وسيكون سلاح المتمردين السريين الأمضى هو الصحف التي تمرس أعوانهم فيها لنحو ثلاثة قرون بعدما سُمح لغير المسلمين فقط بإنشاء المطابع أواخر القرن 15، كما تقدم. حينئذ ستظهر التيارات الفكرية المسمومة من خلال تلك الصحف. وسيقود تلك الأفكار العناصر التركية المتغربة التي تعلمت في المدارس الأوروبية إضافة إلى الغربيين الفعليين سواء من المندسين أو «المستشرقين» ومنهم الكاتب الاسكتلندي تشارلز مكفرلين الذي صاغ تعبير تركيا الفتاة، لوصف حركات الشباب «المتغرب» التي نادت بالإصلاح، لكن سفينة إصلاحاتهم كانت دفتها لا تتجه إلا نحو الغرق، حتى أن أول صحف تهتم بالشأن العثماني الداخلي أسسها فرنسيون في السنوات الأخيرة من القرن 18 ولترويج الدعاية الأوروبية. ثم جاءت أول صحيفة رسمية كاملة باللغة التركية عام 1831 وكان عنوانها «تقويم وقايعي»، بحسب دراسة «التطور التاريخي للصحافة التركية» لمحمد الرميزان.
ومرة أخرى نجد في كتابات ديفيد فرومكين عن «نهاية الدولة العثمانية وتشكيل الشرق الأوسط الجديد» اعترافات عدة بأن اليهود والماسون هم من وقفوا وراء هدم الدولة العثمانية كونها كانت تمثل الخلافة الإسلامية. وهو يُضمّن كتابه «سلام ما بعده سلام» رسائل من جيرارد لاوثر السفير الإنجليزي لدى اسطنبول آنذاك يصف فيها جمعية الاتحاد والترقي بأنها «اللجنة اليهودية للاتحاد والتقدم» وبأنها تمثل مؤامرة يهودية ماسونية دولية لاتينية في إشارة إلى فرنسا التي كانت الجمعية تستوحي شعاراتها من ثورتها التي تؤكد مصادر تاريخية، منها كتاب «كنيس الشيطان..التاريخ السرى لسيطرة اليهود على العالم»، أن من صاغوها هم كتاب من يهود أوروبا، وأنهم هم أيضا من كانوا وراء ثورة روسيا البلشفية. هنا وبتتبع الخط التاريخي نرى أن الذين كانوا وراء، تشويه النصرانية، والإسلام على السواء، وكانوا وراء تمويل الحملات الصليبية، كما سبق ذكره، نضجت خططهم بداية القرن العشرين لتصبح حربا عالمية على الإسلام فجاؤوا يمتطون ظهور الأوروبيين ليهدموا الخلافة في الحرب العالمية الأولى، بعدما أشعلوا «ثورة قومية» انتهت بانقلاب ضد السلطان عبدالحميد، مهدوا له بإفساد العقل الجمعي العربي المسلم، لندخل منذئذ عصر القوميات والتشرذم والسباق نحو الهاوية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إعلامي وباحث سياسي
ماجستير العلوم السياسية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3405
| 04 نوفمبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2580
| 30 أكتوبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2106
| 03 نوفمبر 2025