رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. عبدالله العمادي

د. عـبــدالله العـمـادي

 

مساحة إعلانية

مقالات

0

د. عبدالله العمادي

عمدة نيويورك

06 نوفمبر 2025 , 03:45ص

ليس مطلوباً منا نحن المسلمين المبالغة في مسألة فوز زهران ممداني، المواطن الأمريكي الذي يجري في عروقه دم آسيوي وإفريقي، بل المطلوب تأمل الحدث من المنظور الذي يهمنا نحن العرب المسلمين. ذلك أن الحدث بادئ ذي بدء، أمريكي داخلي لكن ذو أبعاد دولية تسبب الصهاينة في ذلك. 

لكن لماذا فرح كثير من المسلمين، عربهم وعجمهم بفوز هذا المهاجر بعمادة مدينة نيويورك وكأنما فاز بمنصب رئاسة الولايات المتحدة؟ الأمر سهل يسير لا يحتاج لكثير تفسيرات وتفصيلات. لكن قبل ذلك، لا شيء في أن يفرح أحد في هذا العالم بفوز شخص مهاجر مكافح عصامي مثل ممداني، سواء الذي يفرح بالفوز كان مسلماً أم غير مسلم. ذلك أن الفطرة السليمة تقتضي من المرء أن يفرح لكل حق وعدل، في كل مكان وكل زمان. وما جرى في نيويورك نعتقد أنه نوع من العدل والحق الذي يفرح لهما كل صاحب فطرة سليمة. 

لن أكون مبالغاً إن قلت بأن ما جرى في الولايات المتحدة هو إحدى نتاجات طوفان الأقصى المبارك دون أدنى شك. هذا الطوفان الذي حرَّك العالم بأسره، وأيقظه من سباته العميق. طوفان لا أشك لحظة أنه أيقظ الوعي أو المزاج العام الأمريكي حتى أدرك بعد سنوات طويلة من غيبوبة قسرية لعبت الصهيونية دوراً فيها، أن الوقوف بلا وعي خلف كل ظلم وظالم، تحت تأثير الدعايات الصهيونية، ما هو إلا سقوط أخلاقي، وعواقبه كارثية ولو بعد حين من الدهر، طال أم قصر. وبالمثل أدرك هذا الوعي أو الضمير الجمعي الأمريكي الشاب، أن نبذ الظلم والوقوف مع المظلومين، هو عدالة وشهامة، وعواقبه مبشرة سارة، ولو بعد حين من الدهر، طال أم قصر.. 

 إذن هذا الوعي والإدراك، بالإضافة إلى قضايا أخرى داخلية خاصة بسكان مدينة نيويورك، تسببت كلها في فوز مرشح مسلم شاب متحمس للتغيير، بعمادة المدينة. هذا الشاب الذي لم يتردد أيضاً في الوقوف ضد العدوان والظلم الصهيوني على غزة وأهلها وبقية أهالي فلسطين منذ عقود سبعة ماضية. وهذا الوعي هو الذي أدى بشكل مؤثر إلى خسارة مرشح الصهاينة المدعوم من الرئيس الأمريكي نفسه، أو الأوليغارشية بشكل عام، على رغم أن نيويورك تعتبر ثاني أكبر تجمع لليهود في العالم !!

المزاج الأمريكي وهو يتغير

من يتابع النفسية الأمريكية أو المزاج الأمريكي بشكل عام، لاسيما الشاب منه، يدرك يقيناً بأن فوز ممداني بعمادة مدينة نيويورك هو حدث غير عادي، ليس بالولايات المتحدة فحسب، بل العالم كله، ليس لأنه مسلم أو ملون كما يصف الأمريكيون غيرهم من المهاجرين، بل لأنه عزَّزَ خسائر الصهيونية المتغلغلة في شرايين وأوردة هذه المدينة العريقة، مدينة الصهاينة إن صح التعبير، حيث المال والتجارة والسياسة كذلك. ذلك أن مدينة نيويورك هي أكبر مدينة في الولايات المتحدة، أو يمكن اعتبارها «إسرائيل» ثانية في الولايات المتحدة، على اعتبار نسبة الصهاينة القاطنين في هذه المدينة والتي تقدر بأكثر من مليوني يهودي. 

 فوز ممداني أفرح المسلمين وغيرهم ممن يعتبرون الصهيونية بلاءً على البشرية، حيث كانت له مواقف مشهودة ضمن سياق الوعي الشعبي المتصاعد بخطر الصهاينة في الولايات المتحدة، فوقف ضد العدوان الصهيوني على غزة، واعتبره إبادة جماعية، وبالتالي لابد من إعادة النظر في علاقات الولايات المتحدة بهذا الكيان، ما يُعد هذا في العقلية الأمريكية السياسية المسيطر عليها من قبل الصهاينة، أو اللوبي الصهيوني، تجاوزا واضحا لكل الخطوط الحمر، التي وضعها الصهاينة منذ عقود في هذا البلد، والذي يعتبره الصهاينة شريان حياة كيانهم الاحتلالي في فلسطين. 

 لم يتردد ممداني في جعل الوقوف في وجه العدوان الصهيوني على غزة، جزءاً من برنامج حملته الانتخابية في عـقر دار الصهاينة بالولايات المتحدة، حتى توقع كثيرون سقوطه بكل سهولة أمام مرشح صاحب خبرة مدعوم من الأيباك والأوليغارشية، أو أصحاب المال المتنفذين في عالم السياسة. 

اللوبي الصهيوني أو الأيباك أنفق مئات الملايين من الدولارات على حملات تشويه وتشهير ضد ممداني، وتخويف الأمريكيين منه عبر استحضار مشاهد قديمة ضمن حملات الإسلاموفوبيا، واستثارة عواطف الناس ضد كل ما هو مُنتمٍ للإسلام أو المهاجرين، حتى دخل المسؤولون في حملات التشويه تلك، بل أيضاً في حملات تخويف الصهاينة من التصويت لهذا المسلم !! 

كل ذلك ساعد في لفت أنظار العالم إلى ممداني، بل وكنوع من تجسيد كراهية نسبة كبيرة من الأمريكيين البيض في نيويورك، وغيرهم من المهاجرين لبرامج الحكومة، واستشعارهم خطر الصهيونية، بدأ الناس بالالتفات إلى هذا المرشح المسلم، الذي يعدهم بكل أمانة وصدق بمدينة أكثر نظافة، وأكثر تنمية، وأكثر أمناً، وأكثر قدرة على إدارة نفسها وتقديم خدماتها، وتوفير حياة ومستقبل أفضل، مقابل مرشح جمهوري عجوز وضع «إسرائيل» على رأس قائمة أولوياته قبل أمريكا، ما جعل الناس تتيقن أن لا خلاص لهم من هيمنة الصهاينة إلا عبر تغيير فاعل، وليكن ابتداء بمنصب عمدة المدينة، ثم لاحقاً بقية المدن بولاية نيويورك، وصولاً إلى منصب الحاكم، وربما رئاسة الدولة في المستقبل القريب.. 

جدار الخوف وهو يتحطم 

هكذا إذن تسير الأمور في الولايات المتحدة من بعد أحداث السابع من أكتوبر، والذي أدى إلى تفاعل قطاع عريض من الشعب الأمريكي مع ما يحدث في غزة من إبادة وإجرام وعدوان لا مثيل له. وأدى بالكثيرين، لاسيما الشباب من الجنسين، إلى التحدث بصوت مسموع ضد القمع الصهيوني المسيطر على المال والسياسة والإعلام والفكر والثقافة، بل كل مناحي الحياة الأمريكية، إلى درجة القول بأن الوعي الشعبي المتصاعد، حَطَّم جدار الخوف من التعبير ضد الصهيونية ومن يقف وراءها أو يستفيد منها. 

لا يهمنا كثيراً كشعوب مسلمة، ما سيقدمه زهران ممداني للنيويوركيين من خدمات وعدهم بها، بقدر ما يهمنا أنه أحدث شرخاً في جدار الصهيونية بالولايات المتحدة، والذي نأمل أن يتكرر في مدن ومواقع أخرى. ذلك أن هذا الفكر أثَّر وما زال يؤثر علينا نحن المسلمين ربما أكثر من غيرنا، حتى أمسينا نسعى إلى كل وسيلة ممكنة للتخلص منه، بل ونفرح لأي هزيمة أو انتكاسة له في أي مكان وأي زمان. 

هذا الشرخ الذي أصاب جدار الصهاينة في نيويورك، أشبه بتلك التي تحدث للسدود الكبيرة القديمة، التي تتأثر تحت ضغط المياه خلفها، فتتوسع الشروخ تدريجياً لتؤدي إلى ثغرات هنا وهناك تتسع مع الزمن حتى ينفجر ويتحطم السد كله.. 

هذا الذي سيعمل اللوبي على تفاديه وإصلاحه بالسرعة الممكنة بعد هزيمة انتخابات نيويورك.. 

لكن أحسبُ أن الوعي الشعبي الشاب المتصاعد يتحرك بسرعة تزيد ولا تنقص، ما يجعل من مهمة اللوبي الصهيوني أكثر صعوبة ومشقة، وهو ما ينذر بكارثة حقيقية بإذن الله على هذا الفكر المتطرف، الذي صار يتلقى الضربة تلو الأخرى منذ بدء طوفان الأقصى، والذي بات يستشرف كثيرون مستقبله وأنه إلى التقهقر أقرب، بل ربما الفناء والزوال، كغيره من الأفكار والمذاهب البالية الفاسدة. والله يمهل الظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).

مساحة إعلانية