رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إن الكثير من عمليات نقل التكنولوجيا وتسويقها لا تؤدي غالبا إلى أي نقل حقيقي للتكنولوجيا من الدول الصناعية إلى الدول العربية وخاصة في ضوء ضعف الأنظمة العلمية والتكنولوجية التي تقوم بالبحث والتطوير في الدول العربية وعجزها المتزايد عن تلبية حاجات القطاعات الإنتاجية مما يترتب عليه استيراد التكنولوجيا وبالتالي تعميق التبعية الاقتصادية والتكنولوجية.
وفي عملية نقل التكنولوجيا تلجأ الشركات المتعددة الجنسيات إلى إستراتيجية جديدة تقوم على تجزئة عملية استثمار نقل التكنولوجيا جديدة إلى مكوناتها الأساسية ووضع هذه المكونات في شكل خدمات ذات محتوى تكنولوجي وتقديم كل خدمة من هذه الخدمات على حدة بعقد منفصل، فمثلا تقدم عقود دراسات الجدوى ومسح الأسواق قبل الاستثمار منفصلة، ثم عقود الخدمات الهندسية المتمثلة في تصميم الوحدة الإنتاجية واختيار العقود والآلات تقدم بشكل منفصل ثم عقود وعمليات التشييد وإقامة الآلات، وفي النهاية تجئ سلسلة الخدمات والأداءات المرتبطة بعملية تشغيل الوحدة الإنتاجية من إدارة وتدريب وتسويق وصيانة وغير ذلك، ومن ثم عرفنا ما يسمى عقود نقل التكنولوجيا.. ومن هنا نكتشف أن الشركات المتعددة الجنسيات تلجأ إلى طرق متعددة تدور في محورين هما:
المحور الأول: جعل عقود الترخيص والنقل للتكنولوجيا نقطة انطلاق للسيطرة على نشاط المشروع المرخص له ومن ثم لاستمرار سيطرتها على الأصول التكنولوجية التي تفضلها، ويتم ذلك من خلال ما يسمى الممارسات المقيدة.
المحور الثاني: استخدام عقود النقل والترخيص من أجل تكوين تدفقات إضافية من السلع والخدمات، وهذا يكشف أن التكنولوجيا سلعة ذات طبيعة خاصة لا تباع لذاتها وإنما لخلق تدفقات مصاحبة من السلع والخدمات، ويتم ذلك في إطار من الشروط المقيدة والتي لا تسمح بالتنافس في مجالات التسويق أو في مجالات الإنتاج ذاتها..
حيث تعمل على عدم تمكين متلقي التكنولوجيا من اكتسابها بشكل أصيل ومن تطويعها ومن تطويرها.. ومن أهم سبل ذلك تقديم التكنولوجيا على شكل حزمة تؤلف مكوناتها كلها كلا واحدا لا يتجزأ سواء أكان ذلك بمقتضى شرط في عقد الترخيص أم من خلال دراسات الجدوى التي تسبق إبرام عقد الترخيص الذي يقوم بها غالبا بتوصيات محددة بشأن اختيار التكنولوجيا وما يتبعها من سلع وخدمات ضرورية يساعد عيها ضعف الموقف التكنولوجي والعلمي للمتلقي ومن ثم ضعف موقفه التفاوضي.
التكنولوجيا ومشكلات الوطن العربي:
لا يستطيع من يتعرض لمشكلات التكنولوجيا في الوطن العربي أن يغفل أهم المشكلات التي تتصدر قائمة مشكلات الوطن العربي في التكنولوجيا. وبعيدا عن تلك الفجوة الهائلة بني البلدان العربية والدول المتقدمة في التكنولوجيا. وبخلاف دور الشركات متعددة الجنسيات في السيطرة على عمليات نقل التكنولوجيا فإن أهم مشكلات الوطن العربي هي هجرة الفنيين المهرة – والتي تسمى بالهجرة العكسية – من البلدان العربية إلى البلدان المتقدمة.
تشير البيانات الصادرة عن مؤسسة العالم الوطنية بالولايات المتحدة الأميركية أنه في الفترة ما بين عام 1961 – 1975 كانت البلدان النامية، ومنها البلدان العربية بالطبع توفر لأميركا ما يقرب من 37% من مجموع المهاجرين المهرة.. أما الآن فقد أصبحت توفر ما يقرب من 80 % من مجموع هؤلاء المهاجرين وأيضا يفيد تقرير منظمة الصحة العالمية بأن سوريا وإيران تقدمان ما يقرب من 40 % من مجموع أطبائها إلى كندا، وبريطانيا، والولايات المتحدة..
إن أهم الخسائر المترتبة على هذه الهجرة تتلخص فيما يلى:
- الآثار السلبية على برنامج الإنتاج المحلي بمختلف مستوياته نتيجة نقص العقول العلمية التي هي ضمان الأساس لأحداث استمرارية عملية الإنتاج.
-تسبب هجرة الأيدي العاملة تزايد أعباء موازنات البلدان نتيجة الحجم المنفق منه على البرامج لإعداد وتأهيل العقول الفنية التي هاجرت والتي في طريقها إلى الهجرة.
- العائد السيئ على معظم السكان حيث تزداد عملية التدريب صعوبة نتيجة هجرة الكوادر الفنية.
- عدم الاستفادة من التيارات العلمية المعاصرة لعدم توافر الخبراء المواطنين الذين هم حلقة الوصل بين هذه التيارات وبلادهم.
- صعوبة تحقيق تصميمات محلية لصعوبة إجراء عمليات الفك والتكييف التكنولوجيين نتيجة هجرة العقول القادرة على استيعاب ذلك.
وبالتالي فقد ترتب على هذه الهجرة انخفاض معدلات التنمية وزيادة معدلات تخلفها وزيادة الفارق الزمني من أجل اللحاق بالبلدان المتقدمة، وقد قرر هذا الفارق الزمني بنحو 80 عاما.
كذلك تأمين المناخ المناسب للشركات متعددة الجنسيات ودولها الأم لمزيد من استنزاف ثروات البلدان العربية..
والمشكلة الثانية وهي اعتماد الدول العربية على مكاتب وهيئات استشارية أجنبية في عمليات الخدمات الاستشارية للبناء التكنولوجي، وهذه الهيئات تستنفذ موارد مالية ضخمة وقد تأتي باستشارات غر متفقة مع الواقع القومي للبلد محل التنفيذ..
والمشكلة الثالثة عدم وجود تكامل صناعي عربي وذلك من أجل إقامة مشاركة تنموية تكنولوجية، وهذا التكامل الصناعي يحتاج إلى قرار سياسي عربي يجعل من الصناعة درعا واقية للاقتصاد العربي.
والمشكلة الرابعة: أن المسؤولين في الدول العربية يعتبرون العمل في العلوم الأساسية والمجالات الأخرى القابلة للتطبيق نوعا من أنواع الترف.. وكذلك عدم امتلاك سياسة معلنة وواضحة للعمل والتكنولوجيا وهذا بسبب المستوى المنخفض وضيق الفكر لدى البيروقراطية والتي يسيطر عليها مجموعة من الناس يهتمون كثيرا بالتعليم والعلم وينظرون إلى العلم باعتباره خدمة من الخدمات في البنية الإدارية.
الوطن العربي ومستقبل التكنولوجيا:
إن التكنولوجيا باعتبارها تطبيقا للعلم سوف تظل حجر الزاوية لأي تقدم صناعي أو اقتصادي في الوطن العربي.. ومن يملك التقدم العلمي يملك قرار نفسه بل ويملي شروطه على من يعوزهم العلم والتقديم.. ولذلك فإن المستقبل التكنولوجيا في الوطن العربي الذي يستطيع أن يجعل الصناعة درعا واقية للاقتصاد – كما سبق ذكره – وخط مواجهة صلبا ضد أي من الأزمات الاقتصادية المتتالية سواء أكانت مرهونة بالقرار السياسي العربي ذات صفة محلية أو دولية.. وكذلك دراسة قضية التكنولوجيا للمنطقة العربية وتطبيقا وبناء صرح عربي للتكنولوجيا قائم على نماذج عربية.. والاهم من ذلك قضية استثمار العقول العربية والمهارات داخل الوطن العربي وخارجة.
والسؤال الذي يتعين طرحه دائما: كيف يواجه العرب تحديات التكنولوجيا مع استمرار هجرة الخبراء إلى الخارج..؟ إن المطلوب حاليا هو استثمار العقول العربية والخبرات والمهارات داخل الوطن العربي وخارجه.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4335
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2208
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2139
| 10 ديسمبر 2025