رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لقد سنحت لي الفرصة عندما كنت مديراً عاماً لوكالة الأناضول للأنباء، لزيارة الدول الناطقة باللغة العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك للتعريف بالمزايا التي تقدمها نشرة اللغة العربية، التي تبثها الوكالة، لقد طرح علي مراراً وتكراراً وفي العديد من البلدان التي زرتها، سؤال "عمّا إذا كانت تركيا هي جزء من مشروع عثماني جديد أم لا؟"، فيما كان يدعي آخرون مع كل حفل افتتاح لأحد مكاتبنا الجديدة في الشرق الأوسط، بأن تركيا تقوم بالتأسيس لحلم عثماني جديد.
لقد تلقيت العديد من الرسائل، عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، لاستخدامي كلمة "الحجاز"، في إحدى مقالاتي التي نشرت في الأسابيع الأخيرة، حيث ادعى البعض أن استخدامي لتلك الكلمة (أي الحجاز)، ينم عن وجود أهداف إمبريالية، ووجود رغبة في اتجاه إعادة استعمار المنطقة، وبناء إمبراطورية عثمانية، كما لم تخل بعض الرسائل التي تلقيتها، من عبارات قاسية وشتائم.
"الإمبريالية العثمانية والخيانة العربية"
إن إدعاءات من قبيل "العثمانية الجديدة"، و"التوسعية"، و"عودة الاستعمار"، تعتبر من المصطلحات الأكثر شيوعاً بين أولئك الذين يريدون خلق وتحفيز وجود تيار معارض لتركيا في العالم العربي، وفي الضفة المقابلة تماماً، نرى وجود تيار يدّعي وقوف العرب إلى جانب الإنكليز في الحرب العالمية الأولى، وقيامهم بغدر الأتراك وطعنهم من الخلف، وخيانتهم للدولة.
إن تلك الإدعاءات، الموجودة داخل المجتمعين (العربي والتركي)، لا تجذب السواد الأعظم من أفراد المجتمع، إلا أن المناهج التعليمية في البلاد التي تدور في فلك الغرب وتقع تحت دائرة نفوذه، تفرد مساحات واسعة لمثل تلك الإدعاءات، وأعتقد أن الأشخاص الذين يعملون على ترويج مثل هذه الإدعاءات، لا يمتلكون أفكاراً جيدة تجاه العالم الإسلامي، كما أعتقد بأن الأشخاص الذين يعملون على إنتاج مثل هذه الإدعاءات، وإشاعتها داخل أفراد المجتمع، هم الأشخاص الذين لا يمتلكون وعياً تجاه مفهوم الأمة، ولا يدركون أهمية هذا المفهوم.
كان يطرح علي السؤال التالي بشكل مستمر "ما هو الهدف من بث وكالة الأناضول أخباراً باللغة العربية؟"، وكنت أجيب على ذلك السؤال دوماً بالقول: "إن هدفنا من بدء بث أخبار باللغة العربية اعتباراً من 2011، هو نفس الهدف الذي دفع "وكالة فرانس برس" عام 1969، و"رويترز" عام 1980 على إطلاق بث باللغة العربية"، أعتقد أنه من اللافت جداً قيام البعض بتوجيه مثل هذا السؤال لي، في الوقت الذي لا يجدون ضيراً في قيام وكالات غربية، ببث أخبارها باللغة العربية، وافتتاح مكاتب لها في كل زاوية من زوايا الشرق الأوسط، ولا ينبسون ببنت شفة، تجاه تلك الوكالات، ولا يصفونها بأنها جزء من مشروع استعماري، يهدف لاستعمار المنطقة. لقد أثار تكرر طرح هذا السؤال فضولي، فقمت بالتقصي عن الأشخاص الذين يكررون طرح هذا السؤال على مسامعي، وتبين لي أن معظمهم صحافيون، سبق وأن عملوا في وكالة "فرانس برس" و"رويترز"، بصراحة لم أكن مندهشاً أبداً..
عالم إسلامي أسير لإعلام الوكالات الغربية
دعونا لا ننسى، أن التبادل الإخباري بين تركيا والعالم العربي، كان يتم من خلال وكالات غربية، إلى أن بدأت وكالة الأناضول للأنباء بث أخبارها باللغة العربية، لقد بقيت وسائل الإعلام التركية الراغبة بالحصول على أخبارٍ حول العالم العربي، ووسائل الإعلام العربية الراغبة بالحصول على أخبار عن تركيا، أسيرة للأخبار التي تنقلها وكالات الأنباء الغربية، قرابة قرن من الزمن.. لم تكن الأخبار المهمة في البلدان العربية وتركيا – بما في ذلك تصريحات رؤساء الدول التي تحمل في طياتها رسائل هامّة - تترجم إلى لغات مختلفة.
بل وهنالك ما هو أخطر مما سبق، حيث كانت الوكالات الغربية، تشكل شبكة التواصل في مجال الأخبار بين الدول العربية نفسها، وعليه، فنحن لا نعرف مقدار الأخبار الملفقة، والكاذبة، والتي وقع فيها أخطاءٌ في الترجمة، خلال تلك الفترة، ولعل إدعاءاتٍ من قبيل "الإمبريالية العثمانية" و"الخيانة العربية"، التي أثارت مشاعر العداء بين شعوبنا، قد انتشرت في منطقتنا بهذه الطريقة. أما الآن، فلم نعد أسرى لدى البلدان الغربية، حيث تقوم وكالة الأناضول بترجمة جميع الأخبار المهمة في المنطقة العربية، إلى اللغات التركية والعربية والإنكليزية والفرنسية، كذلك الأخبار الخاصة بالتطورات في تركيا، تترجم إلى 8 لغات، بما في ذلك اللغة العربية، وهذا يعني طبعاً، كسر احتكار الوكالات الغربية لتلك الأخبار، فعل أزعجت كل تلك التطورات أحدهم يا ترى؟.
لماذا لا يكون هنالك مشكلة عندما يفعلها الإنكليز أو الفرنسيون؟
لم تطفُ تلك المشاكل على السطح، قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، حيث كانت تركيا تولي وجهها صوب الغرب بشكل كامل، وكانت تمتلك علاقات محدودة جداً مع الدول العربية، وهنا أتساءل عمّا إذا طرحت مثل تلك الانتقادات والتساؤلات في المنطقة العربية، خلال تلك الفترة، وفيما إذا انتقد أولئك الصحافيون كلا من بريطانيا، التي أقامت علاقات سياسية واقتصادية مع مصر، وفرنسا، التي أقامت علاقات مماثلة مع تونس والمغرب، أو اتهموا تلك البلدان بالسعي لـ "إعادة حقبة الاستعمار"؟ إن بدء الصحافة الغربية بكتابة مقالات تحذر فيها من عودة تركيا إلى امتلاك قوة تماثل قوة "للدولة العثمانية"، وقادرة على السيطرة على المنطقة، جاء بالتوازي مع تغيير رجب طيب أردوغان لقواعد العمل السياسي والدبلوماسي في تركيا، وشروعه في إقامة علاقات قوية ومتينة مع جميع الدول العربية، وقد تناقلت بعض الصحف العربية تلك المقالات، وروجت لها.
أما اليوم، فلا نجد في تركيا قط، كتابا تربويا يعتبر أن "العرب أقدموا على خيانة العثمانيين"، بل بالعكس تماماً من ذلك، يتم تشجيع النشر باللغة العربية في تركيا، كذلك تشجيع المحال التجارية والشركات، على كتابة لوحاتها التجارية باللغتين التركية والعربية.
إن رفع يافطة "العثمانية الجديدة" يتم لتحقيق هدفين محددين، هما، تشويه صورة الدولة العثمانية وتاريخها في المنطقة، ومنع تعزيز العلاقات بين تركيا والدول العربية، وهكذا، تضمن بعض الأطراف استمرار بقاء حالة التشرذم التي تعتري العالم الإسلامي، بعد انهيار الوحدة الإسلامية قبل قرن من الزمن.
عندما يمكن قيام "اتحاد أوروبي" ولا يمكن قيام "وحدة في الشرق الأوسط"
لقد تمكن الغربيون، من تأسيس "اتحاد أوروبي"، ونسيان حربين ثقيلتين جاءتا على الأخضر واليابس، خلال 50 عامٍ فقط، وتسببتا بقتل الملايين من الناس، ورغم أن جميع الدول الأعضاء في الاتحاد، هي دول مسيحية، إلا أن أحداً لم ينتقد ذلك الاتحاد ولم يفسره على أنه "وحدة للأمة المسيحية"، و"عودة تجسّد روح الحروب الصليبية"، لكن عندما يتعلق الموضوع بالبلدان المسلمة، ترى العالم كله يقف متأهّباً، ويبذل كل ما في وسعه من أجل إجهاض أي جهودٍ تبذل في اتجاه عمل مشترك قد يقوم بين البلدان الإسلامية، أو منع تبلور أي رغبة في اتجاه بناء وحدة ضمن منطقة الشرق الأوسط.
لم يكن لديَّ أي نية سيئة، عندما أطلقت مشروع بث الأخبار باللغة العربية في وكالة الأناضول للأنباء، أو عندما استخدمت وصف "الحجاز" للإشارة إلى الأماكن المقدسة بالنسبة لجميع المسلمين، بل لم أكن أعلم حتى أن تلك الكلمة قد تزعج البعض، وقد علمت ذلك للمرة الأولى، من خلال الرسائل التي وصلتني على حسابي، في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر".
على العالم الإسلامي التخلص من المحظورات والممنوعات، والادعاءات الكاذبة، وعلينا تذكر أن "الهُوّة الحضارية" التي تفصلنا عن الحضارة الغربية، تقارب ال 100 عام، حيث حققوا تقدّماً فيما تأخّرنا، ولم تشهد بلدانهم منذ الحرب العالمية الثانية حروباً، ولا إرهاباً، ولا فوضى، فيما زالت تشهد بلداننا معاناةً أليمة، وسيلا من الدموع، ونزيفا غير منقطع من دماء الإخوة منذ مائة عام. متى سنقول "كفى" لكل ما يحدث، ومتى سنبدأ بالعمل من أجل إيجاد حلول لكل المشاكل العظيمة التي تواجهنا؟..
الأبعاد العميقة.. بواقعية!
من أصعب ما نواجه هذه الأيام الاعتراف بالإشكاليات، حيث ندرك الصعوبات ونتجاهل الحلول لها. ونستيقن الأوضاع غير المرغوبة... اقرأ المزيد
147
| 09 ديسمبر 2025
نقلة جديدة في مسيرة الشراكة القطرية السعودية
شكلت زيارة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى المملكة العربية السعودية،... اقرأ المزيد
75
| 09 ديسمبر 2025
عالم مائع.. مع سبق التخريب والتصهيُن!
أكثر ما يخيف في متابعة الشأن الدولي المعاصر هي حالة الغفلة العجيبة التي يعيشها الناس شرقا وغربا عما... اقرأ المزيد
102
| 09 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4227
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1866
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1770
| 04 ديسمبر 2025