رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
وفي ما يتعلق بردود الفعل فمن ضمن المراسلات التي وصلتني بالإيميل كانت هذه الرسالة من أحد أحفاد ضيوف الشيخ قاسم الذين ذكرتهم في المقال وهذا نصها:
الشيخ عبدالرحمن آل محمود المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد أطلعت على مقالكم الرائع في جريدة الشرق القطرية والمنشور يوم الخميس بتاريخ 15 ديسمبر من عام 2011 بخصوص العظماء وحكمتهم الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني رحمه الله والملك عبدالعزيز رحمه الله.
فأنا ابن حفيد الامير عبدالله بن نادر الذي لجأ الى الشيخ العظيم قاسم آل ثاني طيب الله ثراه وتم ذكر اسمه في الخطابات بين الشيخ قاسم والملك عبدالعزيز رحمهم الله.
فاسمي نــادر بن تركي بن فراج بن عبدالله بن نادر الدوسري، والجدير بالذكر أن الظروف جمعت أيضا ابن حفيد الشيخ قاسم آل ثاني وحفيد عبدالله بن نادر رحمهم الله. جمعت ظروف الحياة وطلب العلم سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله ووالدي تركي بن فراج بن نادر رحمه الله أثناء الدراسة في كلية ساندهيرست البريطانية، وكانت بينهما المحبة والزمالة والاحترام المتبادل والعرفان الذي أورثه الأب للابن، فقد زرع والدي رحمه الله محبة آل ثاني في نفسي ومحبة سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله، ولقد تشرفت بأن حللت ضيفاً على سموه الكريم في عام 2002 وكان سموه قمة في التواضع ولمست المحبة من سموه، وكان يحفظه الله يروي ويتكلم عن الأيام التي جمعته بوالدي وكيف أنه افتقده كأخ عزيز له.
يجد سعادتكم في المرفق صورة الأمير عبدالله بن نادر وقصيدته في الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني.
أخيكم نادر بن تركي بن نادر
◄ قصيدة ابن نادر
قصيدة مدح وثناء وعرفان من الأمير عبدالله بن نادر رحمه الله في الشيخ العظيم قاسم بن محمد آل ثاني رحمه الله حاكم دولة قطر، وذلك عندما لجأ اليه واستجار به من الملك عبدالعزيز أثناء حروب توحيد المملكة ويتذكر عندما كان في ديرته (السليل):
أول جوابي طلبتي ذكر الله وأنا دخيله من عذاب النار
أنا دخيله من عذاب جـهنم وأسـأله الجـنة مـع الأبـرار
البارحه هيضتـني يـاماجــد ودمـوع عيني كنها المطار
مـن كلـمة ياليتها مـن جاهـل يـاليتهـا مـن واحـد عـيـّار
من طول غربتنا ندور عزنا لاحنا جماميل ولا دوار
الهون مايصبر عليه أمجرب لا عاد له عز ولا له كار
أتلا العهد بديارنا يوم علمنا حامينها من فشلة ودمار
تتوجد علينا كل يوم يزلها وحن سترها لاعسمت لشوار
سلامي عليهم عد ماهل بارق سلامي على شيبانهم وصغار
ياطول ماحنا شيوخ وسطها واليوم ننشد من الطروش أخبار
يـاما حـضرنا دونها من عجه قـول بـلا فـعـل عـلـيـنا عـار
ويـاما لطمنا وسطها من عايل نـشـق ونـرفـا والله الغفار
وياما حملنا من نوايب وسطها لامل خاطي واحد جضار
ننقل مع الحمل الكبير أوساطه ونصبر الى عاد الحمول كبار
وياما هجينا وسطها من جايع تفرح بنا ضيفانها والجار
وياما عبينا وسطها من كرامه تلقاء لها تالي النهار أقتار
وياما حضرنا وسطها من برزه شن بالخفاء منهن وشن بجهار
وياما طمرنا وسطها من زله أفوز بها ماهي علي أبعار
خليتنا كنار أمس الوضيحي مجنب شمنا جنوب والشمال يسار
ثمانية أيام على السير والسرا ومن عقبها كتن بنا المحدار
وردنا على (يبرين) لا سقى جاله قدها تضالع من الحفاء جمار
وردتها من عقلة الى عقلة ماني بمغلول جداه ثبار
العز لا من البحر حال دونه جيناه ماحنا حمايم دار
سرنا وسيرنا على كل ديرة وهوى النفس معها ودها تختار
اخترت أنا الشيخ المسمى (قاسم) سهيل اليماني ماغوى المختار
ياشـبه عــدّ بـينـات عـلايمه يفداه عـــدٍّ مـشربه قـطار
كم فرّقت يمناه ماله تِعمد ماعــلّقه في دفتره تجار
يا ما عطى من سابق مْعلومه ويا ما عطى من قرّح وأمهار
وأكرم سلاطين الدول في ديرته وبالعشر نزّل مركب الكفار
عليه حراراً بينـات فـتـوقـهـم عـدوا عـلى طلع المراجل كار
مثل الأسود اللي ربو وسط هيشه بمصقلات حدها جوار
عندي لهم البيضاء مع كل ساير ثناها بالصوت به خفا وجهار
صلاة ربي عد ما ناض بارق واعداد حجّاج رمو بجمار
انتهت رسالة الأخ نادر
◄ تبرع لمجاهدي ليبيا:
وجدت هذا الخبر الذي يتضمن تبرعاً لمجاهدي ليبيا في عام 1330هـ (1912م) حيث أرسل الشيخ قاسم إعانة لمجاهدي طرابلس الغرب الذين كانوا يحاربون الإيطاليين وذلك عن طريق وكيله في البحرين مقبل الذكير الذي أرسل الحوالة إلى الهلال الأحمر المصري فرأيت أن أتحف بها القارئ بمناسبة تسمية سمو الأمير المفدى أحد شوارع الدوحة باسم (المجاهد عمر المختار) وهذا نص الرسالة:
"بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة رئيس الهلال الأحمر المصري المكرم
سلام واحترام لمقامكم العالي، ثم تعرف جنابكم أنه قد وصلت من سمو الشيخ قاسم آل ثاني أمير قطر ورئيس عشائرها عشرون ألف روبية إعانة منه ومن جماعته أهالي قطر لمجاهدي طرابلس الغرب، وبتاريخه صدّرنا هذا المبلغ لرئيس اللجنة العليا سمو الأمير الجليل عمر طوسون باشا، بعضه مباشرة منا والبعض بواسطة أولادنا عن طريق البصرة، وخصصنا من هذا المبلغ ثلاثة آلاف روبية للهلال الأحمر،
وعرّفنا دولة الأمير المومى إليه بذلك. تجدون في باطن هذا حوالة على الأمير المذكور، الرجاء من سعادتكم استلامها وإفادتنا وإفادة الشيخ قاسم آل ثاني ليطمئن الخاطر. "
فإذا علمنا أن تاريخ هذه الرسالة هو قبل الحرب العالمية الأولى بسنتين والمال قليل في يد الناس لعرفنا قيمة هذا المبلغ. كما كان توصيل المال من بلد لآخر صعباً وكانت وسيلة النقل الوحيدة هي السفن أو الدواب. رحم الله الشيخ قاسم وغفر له وطرح البركة في ذريته. والله من وراء القصد. "عن الثمر الداني لعمر المختار "
الحمدلله، فقد أسعدني ما غمرني به إخوان أعزاء ممن أعرف وممن لا أعرف بإطرائهم للمقال الذي كتبته يوم الخميس الماضي 15/12/2011 م سواء مشافهة أو بالإنترنت.
ولعل هناك ملاحظتين لابد لي من تصحيحهما في المقال قبل أن استرسل:
أولاً: نص الرسالة التي كتبها الشيخ قاسم "أو جاسم كما تنطق في قطر" رداً على الملك عبدالعزيز منقول عن الأصل، وقد أخطأ المؤلف حين قال إن مدة بقاء الإمام عبدالرحمن وعائلته ثلاث سنوات والصحيح أنها ثلاثة أشهر فلزم التصحيح.
ثانياً: صورة الرسالة المرسلة من الشيخ عبدالله بن قاسم ذكر في الشرح أنها مرسلة للملك عبدالعزيز والصحيح انها مرسلة لوالده الإمام عبدالرحمن آل فيصل آل سعود.
نُشر هذا المقال بتاريخ الخميس 27 محرم 1433 هـ / 22 ديسمبر 2011 م
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1659
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1113
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا». يؤصل ابن خلدون في تاريخه بهذه العبارة، قاعدة بالغة الأهمية في دراسة التاريخ، مفادها أن استدعاء صفحات الماضي والنظر في التاريخ، لا يكون بغرض التسلية بحكايات الغابرين، ولا للانحباس في حالة انبهار بصفحات مجد تليد، إنما هو أداة لتغيير الحاضر والتهيئة لتحديات المستقبل. لكن أمتنا قد دبّ فيها داء الهروب إلى التاريخ، نعم نحن نهرب من مواجهة واقعنا باستدعاء التاريخ وأمجاده والاكتفاء بذلك، فهي حيلة نفسية نواري بها عجزنا عن مسايرة الغرب الذي أخذ بأسباب القوة والتقدم بينما توقفنا نحن عند حدود الماضي، وأسعد بلادنا حظًا من قطعت بضع خطوات في مجالات محددة، دون أن تكون هناك نهضة شاملة تجعلها على قدم المساواة مع وحوش العالم. نحن نعاني فوضى التفاخر بالماضي، أصبح المجد السابق هو بضاعتنا في التعريف بأنفسنا، مع أن التفاخر بالتاريخ لن يدفع عجلة الاقتصاد، ولن يحل المشكلات والأزمات الاجتماعية، ولن يسهم في التطور التقني والتكنولوجي، ولن يجعل القوى العسكرية في مصاف القوى الكبرى. ما فائدة أن يتراشق أهل كل بلد من بلدان الأمة بسالف أمرها، هذا يتفاخر على هذا بأن له حضارة عمرها كذا ألف سنة، وهذا يتفاخر على ذاك بأن أجداده هم من اخترعوا كذا، وأصبحت كلمة «كنا، وكنا» ديباجة في خطاب الشعوب. أجدادكم فعلوا، فماذا فعلتم أنتم؟ كان هذا ماضيكم فأين حاضركم؟ ليست المشكلة في أن تعتزّ الأمم بتاريخها، فالتاريخ هو الذاكرة الجماعية والرصيد الرمزي الذي يمنح الشعوب هويتها ومعناها، لكن المعضلة الكبرى التي تعانيها أمتنا تكمن في أنّها حبست نفسها داخل الماضي، واكتفت بالنظر إلى تاريخها المجيد نظرة تمجيد وتقديس، دون أن تحوّل هذا التاريخ إلى مصدر للعبرة، أو إلى جسر يعينها على فهم واقعها ومواجهة تحديات عصرها والعبور بثقة نحو المستقبل. لقد علّمنا التاريخ ذاته أن الحضارة لا تُورّث، وأن المجد لا يُستعاد بالتغنّي به، بل بالعمل وفق السنن التي أقامته أول مرة: العلم، والعمل، والهوية، فأسلافنا لم يتقدموا لأنهم عاشوا على أمجاد من سبقهم، بل لأنهم واجهوا واقعهم بشجاعة، وأبدعوا حلولًا تناسب زمانهم، واستثمروا معارف الأمم الأخرى. إنّ أخطر ما تواجهه أمتنا اليوم هو تحويل الماضي إلى بديل عن الحاضر، وإلى مبرر للعجز بدل أن يكون دافعًا للنهوض. فالعالم من حولنا يتغيّر بسرعة هائلة، تُقاس فيها قوة الأمم بقدرتها على الابتكار، وعلى استيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية، بينما لا تزال كثير من مجتمعاتنا أسيرة النظر المجرد إلى الماضي انبهارًا واكتفاءً. التذكير بالماضي والأجداد العظام يفلح فحسب مع من يعتبر بذلك الماضي ويتخذ منه نبراسًا ويقتبس منه ما يضيء به الطريق نحو المستقبل المزهر، وهذا هو منهج القرآن الكريم، فهو يذكر بتاريخ الأمم السابقة التي هلكت رغم إغراقها في النعم وأوجه التقدم بسبب حيدتها عن طريق الله، يذكر بذلك من أجل الاتعاظ والاعتبار بأن القوة لابد وأن تُساس بالمنهج الإلهي. يذكرنا القرآن الكريم بالتاريخ المشرق والأجداد العظام حتى نسير سيرهم ونحذو حذوهم لا لنقف عند قول الشاعر: أولئك آبائي فجئني بمثلهم، إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ. فالله تعالى يقول في سورة الإسراء: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، وحولها يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: «تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح. فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي: يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة، تشبهوا بأبيكم، {إنه كان عبدا شكورا}. فالقرآن هنا لم يذكر سلالة نوح بأبيهم ليتفاخروا به ويقفوا عند هذا التفاخر، بل من أجل التشبه به في خصاله وأفعاله وقيامه بشكر المُنعم على ما أنعم به من النعم. النظر إلى التاريخ لا يصلح أن يكون مهجعًا للاستغراق في النوم، وإنما هو منطلق لأن نستلهم من الماضي لإصلاح الحاضر والعبور المتزن الآمن إلى مستقبل مزهر.
690
| 21 ديسمبر 2025