رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم تنتظر الإدارة الأمريكية طويلا، لتعلن مجددا معارضتها لعودة العرب، وفي القلب منهم الفلسطينيون، إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد ينص على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة، وفق جدول زمني وذلك في ضوء قرار مجلس الجامعة العربية، في اجتماعه الطارئ الذي عقد يوم الخميس الماضي على مستوى وزراء الخارجية، بعد أن أخفق المجلس في تمرير مشروع القرار خلال الشهر الماضي، بسبب مناورات أو بالأحرى مؤامرات واشنطن والكيان الصهيوني، وشخصيا لا أملك قدرا كبيرا من التفاؤل بنجاح المحاولة الجديدة للتوجه إلى مجلس الأمن، رغم انضمام خمس دول ضمن أعضائه غير الدائمين يصنفون ضمن دائرة المؤيدين للقضية الفلسطينية، لأن المعضلة لم تعد في الحصول على تسعة أصوات لتمرير مشروع القرار العربي، وإنما تكمن بالأساس في الانقضاض الأمريكي عليه، عبر استخدام حق النقض "الفيتو" وهو السلاح الذي استخدمته حوالي 44 مرة خلال سنوات الصراع العربي الصهيوني،
ومع ذلك، لا أدعو إلى التوقف عن المحاولة ولكن لتكن الأخيرة، إذا ما انقضت واشنطن على مشروع القرار الجديد بالفيتو، فعندئذ سيبدو العرب والفلسطينيون في وضعية الحريص على الشرعية الدولية ولكنها لم تتمكن من الاستجابة لمطالبهم وهي بالأساس لم تخرج عن أطر ومحددات هذه الشرعية التي لا يمكن أن تبقي شعبا تحت الاحتلال كل هذه السنوات وهي ما يجردها من مصداقيتها التي تآكلت بالفعل على مدى يقترب من السبعة عقود منذ الإعلان عن الكيان الصهيوني في المنطقة العربية ولكن هل ثمة بدائل؟.
الرئيس محمود عباس – أبو مازن، كان واقعيا في مداخلته المهمة أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، فقد طرح خيارين، أولهما بلورة حل دولي، ولكنه استدرك قائلا: بالأحرى حل أمريكي، مبديا مراهنته على قدرات واشنطن إذا ما استيقظ ضميرها بإمكانية ممارسة الضغوط على حكومة الكيان، معيدا إلى الذاكرة موقف الرئيس ايزنهاور إبان العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، فعندما اقتنع بعدم موضوعية أهداف العدوان لسبب أو لآخر طلب من رئيس وزراء الكيان آنذاك بن جوريون بسحب قواته من سيناء، وفي اليوم التالي سأله ماذا كان قد استجاب للطلب، فنفى ذلك، فبادر بقوله له: سأنتظرك خلال ساعة تبلغني في نهايتها ببدء انسحاب القوات، وهو ما تم بالفعل، وإن كنت أعزي موقف إيزنهاور إلى أنه لم يشأ أن يدخل بلاده في حرب كونية جديدة، بعد تهديد الاتحاد السوفيتي الشهير للكيان باستخدام الصورايخ الطويلة المدى.
صحيح أن ثمة تحولات مهمة جرت في المشهد الدولي، فلم يعد هناك الاتحاد السوفيتي القوة المناوئة للولايات المتحدة، التي باتت القطب الأوحد في النظام العالمي القائم، رغم كل محاولات الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين لإبقاء موسكو، رقما مهما في المعادلة الدولية الراهنة، وبالتالي فإن المراهنة الفلسطينية - وللأسف العربية - على الدور الأمريكي، والتي أطلق شرارتها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، عندما روج لمقولة إن 99 في المائة من أوراق القضية في يد واشنطن، "لا تبدو مجدية أو مفيدة على المدى المنظور، إلا إذا وقع تغيير جوهري في أسس وجوهر التعاطي الأمريكي مع القضية الفلسطينية، الأمر يتطلب جهدا عربيا وإسلاميا استثنائيا لدفع النخب السياسية في الولايات المتحدة للاقتناع بالحقوق العربية والفلسطينية والتي لا تحظى باهتمام هذه النخب التي تربت سياسيا وإعلاميا على وفرة من الدعايات والأكاذيب الصهيونية، التي تستخدم كل الوسائل للوصول إلى المتلقي، بما في ذلك أسلحة المال والإعلام، وتشكيل قوى الضغط القادرة على اختراق مؤسسات صناعة القرار، وفقا لما يتيحه القانون الأمريكي، بينما العرب والفلسطينيون -رغم كثرتهم العددية في الولايات المتحدة وقدراتهم المالية بدولهم - لم يسعوا إلى ممارسة أي ضغوط أو القيام بتحركات جدية، باتجاه تغيير قناعات هذه النخب والتي تمتد من الكونجرس بمجلسيه، أو داخل البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو البنتاجون أو مراكز البحوث التي تمتلك تأثيرات واضحة في صياغة القرارات المهمة للإدارة ومؤسساتها، إضافة إلى رجال المال والإعلام والفن.
إن مجلس الأمن لا يمثل نهاية المطاف بالنسبة للقضية الفلسطينية، التي لم يحسن التعامل معها، من فرط هيمنة واشنطن على مساراته إلى الدرجة التي يرى البعض أنه بات منذ سنوات خاصة منذ السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الفائت، أشبه بالذراع الدولية لسياستها الخارجية، فمن خلاله تحقق أهدافها وهو ما تجلى في استصدار قرار منه يبيح شرعية الغزو الأمريكي للعراق في 2003 على سبيل المثال لا الحصر، فضلا عن ذلك، فإن ثمة بعدا أخطر في المسألة عبر عنه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية في كلمته أمام الاجتماع الوزاري الطارئ، عندما لفت إلى أن المشكلة لا تكمن في أن يصدر مجلس الأمن قرارا جديدا لصالح الفلسطينيين فحسب، ولكن في القدرة على فرض تنفيذه، فكم من القرارات التي أصدرها -وبعضها لو طبق في حينه لتغيرت مسارات القضية الفلسطينية لم تدخل أبداً خانة التنفيذ، فالكيان الصهيوني، مدعوما بقوة من الولايات المتحدة ، كان – وما زال - يقف بالمرصاد دون ترجمتها على الأرض، وأظن أن قرارات الشرعية الدولية بالنسبة للقضية الفلسطينية لم تختبر على صعيد الواقع، وهي إشكالية أخرى في النظام الدولي، والذي يقدر على تطبيق قراراته بالنسبة لمختلف القضايا والأزمات، لكنه يعجز تماما عن قراراته التي تتعارض مع رغبة الكيان وأهداف مشروعه الاستعماري والاستيطاني، وهو ما ينبغي أن يركز التحرك العربي المرتقب في المرحلة الحالية والذي بدأ أمس من قبل أمين عام الجامعة العربية بزيارة بروكسل للالتقاء بقيادات الاتحاد والبرلمان الأوروبي، لإقناعهم بحشد جهودهم وراء مشروع القرار العربي الجديد لمجلس الأمن، مستغلا في ذلك حالة الحراك الإيجابي التي تجلت مؤخرا في اعتراف بعض الحكومات والبرلمانات الأوروبية بدولة فلسطين، بيد أن الأمر ما زال يستوجب مواجهة دبلوماسية مع الإدارة الأمريكية، من خلال التوظيف الصحيح لربط مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بمدى نجاحها في تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وهو أمر أقرته منذ الرئيس السابق جورج بوش من خلال الإعلان عن حل الدولتين، وفي تقديري أن ثمة أوراق ضغط يمتلكها الطرف العربي، يمكن التلويح بها لو أحسنوا استخدامها ووحدوا مواقفهم تجاهها، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو إستراتيجيا، وهي معروفة لصناع القرار والنخب السياسية، غير أنها في حاجة إلى إيقاظ وتفعيل والتوافق بشأنها.
السطر الأخير:
أنت يا الله، من يفك ضفائر وجعنا
ويعيد العافية لصيرورتنا
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
المسيرات اليوم تملأ السماء، تحلّق بأجنحةٍ معدنيةٍ تلمع تحت وهج الشمس، تُقاد من بعيدٍ بإشاراتٍ باردةٍ لا تعرف الرحمة. تطير ولا تفكر، تضرب ولا تتردد، تعود أحيانًا أو ربما تنتحر. لا فرحَ بالنصر، ولا ندمَ على الدم. طائراتٌ بلا طيارٍ، ولكنها تذكّرنا بالبشر الذين يسيرون على الأرض بلا وعيٍ ولا بوصلة. لقد صار في الأرض مسيَّراتٌ أخرى، لكنها من لحمٍ ودم، تُدار من وراء الشاشات، وعبر المنصات، حيث تُضغط أزرار العقول وتُعاد برمجتها بصمتٍ وخُبث. كلاهما – الآلة والإنسان – مُسيَّر، غير أن الثانية أخطر، لأنها تغتال العقل قبل الجسد، وتُطفئ الوعي قبل الحياة، وتستهدف الصغير قبل الكبير، لأنه الهدف الأغلى عندها. تحوّل الإنسان المعاصر شيئًا فشيئًا إلى طائرةٍ بشريةٍ بلا طيار، يُقاد من برجٍ افتراضي لا يُرى، اسمه “الخوارزميات”، تُرسل إليه الأوامر في هيئة إشعاراتٍ على هاتفه أو جهازه الذي يعمل عليه، فيغيّر مساره كما تُغيّر الطائرة اتجاهها عند تلقّي الإشارة. يغضب حين يُؤمر، ويُصفّق حين يُطلب منه التصفيق، ويتحدث بلسان غيره وهو يظن أنه صوته. صار نصفه آليًّا ونصفه الآخر بشريًّا، مزيجًا من لحمٍ وإشارة، من شعورٍ مُبرمجٍ وسلوكٍ مُوجَّه. المسيرة حين تُطلِق قذيفتها أو تصطدم تُحدث دمارًا يُرى بالعين، أمّا المسيرة البشرية فحين تُطلِق كلمتها تُحدث دمارًا لا يُرى، ينفجر في القيم والمبادئ، ويترك رمادًا في النفوس، وشظايا في العقول، وركامًا من الفوضى الأخلاقية. إنها تخترق جدران البيوت وتهدم أنفاق الخصوصية، وتصنع من النشء جنودًا افتراضيين بلا أجر، يحملون رايات التدمير وهم يظنون أنهم يصنعون المجد. المسيرة المعدنية تحتاج إلى طاقةٍ لتطير، أمّا المسيرة البشرية فتحتاج فقط إلى “جهلٍ ناعمٍ” يجعل أفئدتها هواءً. ويُخيَّل للمرء أن العالم بأسره قد صار غرفةَ تحكّمٍ واحدة، تُدار بمنهجٍ وفكرٍ وخطة، وأننا جميعًا طائراتٌ صغيرة تدور في مساراتٍ مرسومة، لا تملك حرية رفرفة جناحٍ واحدةٍ خارج هذه الحدود. من يملك الإعلام يملك السماء، ومن يملك البيانات يملك العقول، ومن يملك كليهما، هنا يكمن الخطرُ كلُّه. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: كيف نحمي أبناءنا ومجتمعاتنا من أن يصبحوا مسيَّراتٍ بشريةً أخرى؟ كيف نُعيد إليهم جهاز الملاحة الداخلي الذي خُطِف من أيديهم؟ الجواب يبدأ من التربية الواعية التي تُعلّم الطفل أن يسأل قبل أن يُصدّق، وأن يتحقّق قبل أن ينقل، وأن يفكّر قبل أن يحكم. نحتاج إلى مؤسساتٍ وهيئاتٍ تُنمّي مهارة التفكير النقدي، وإعلامٍ يُحرّر لا يُبرمج، وأُسَرٍ تُعلّم أبناءها التمييز بين الصوت الحقيقي وضجيج التقليد، وبين المنابر الحرة والخُطب المصنوعة. فالوعي لا يُوهَب، بل يُصنَع بالتجربة والتأمل والسؤال. ثم تأتي القدوة الحيّة، فالمجتمع لا يتغيّر بالمواعظ فقط، بل بالنماذج. حين يرى الجيل من يفكّر بحرية، ويتحدث بمسؤولية، ويرفض الانقياد الأعمى، سيتعلم أن الحرية ليست في كسر القيود، بل في معرفة من صنعها ولماذا. وأخيرًا، علينا أن نُعلّم أبناءنا أن التحكم في النفس أعظم من التحكم في آلة. فشخصٌ واحد قد يصنع مئات الآلات، ولكن آلاف الآلات لا تصنع إنسانًا واحدًا. ليست كل حربٍ تُخاض بالسلاح، فبعضها تُخاض بالعقول. والمنتصر الحقيقي هو من يبقى ممسكًا بجهاز تحكمه الداخلي، مستقلًّا لا يتأثر بالموجِّهات والمُشوِّشات. إن إنقاذ الجيل لا يكون بإغلاق السماء، بل بتنوير العقول. فحين يتعلم الإنسان كيف يطير بوعيه، لن يستطيع أحد أن يُسيّره بعد اليوم أو يُسقطه.
2856
| 28 أكتوبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2487
| 30 أكتوبر 2025
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
2061
| 04 نوفمبر 2025