رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بعد سنوات، أعتقد أن المؤرخين سيطلقون على المرحلة التي نشهدها اليوم اسم "سنوات الاكتئاب"، ولا أعتقد أن أحدًا يمتلك معلومات دقيقة حيال المدى الذي من الممكن أن يمتد إليه جنون هذه المرحلة، أو موعد انتهائه. لكننا جميعًا نعلم أن المسلمين هم من يعانون من هذا الجنون وتبعاته.
إن العالم الإسلامي يعاني من حالة اكتئاب عارمة بفعل الأزمة الكبيرة التي يشهدها، والتي ألقت بظلالها القاتمة حتى على تركيا التي تعتبر من أكثر الدول الإسلامية استقرارًا في المنطقة، ما يعكس في الحقيقة حجم الأزمة وأبعادها. في الواقع، إن العالم الإسلامي يعيش في هذه المرحلة حروبًا طائفية كتلك التي جرت في أوروبا خلال العصور الوسطى، وأزماتٍ اقتصادية وانهيار اجتماعيّ كالذي شهدته الولايات المتحدة الأميركية عام 1930، وحروبا داخلية وحالة فوضى عارمة مماثلة لما شهده المعسكر الشرقي بعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي نهاية عام 1991.
تعيش جميع دول العالم الإسلامي باستثناء ماليزيا وإندونيسيا أزمات ومشاكل وحالات عدم استقرار، ولا نمتلك حتى الآن على الأقل إحصائيات دقيقة توضح لنا حجم التكلفة الاقتصادية التي تسببت بها تلك الأزمات متعددة الأبعاد، لكن مما لا شك فيه أن تلك الأزمات تركت تأثيرات عميقة على مختلف مجالات الحياة، حيث أن تلك التأثيرات شملت الاقتصاد والتركيبة السكانية للمنطقة والبنى التحتية والحضرية والحالة النفسية للسكان ومعتقداتهم وغيرها من الجوانب الحيوية. لقد شهدت هذه السنوات تغيراتٍ مهمة جدًا أثرت علينا جميعًا، لكننا لا نستطيع في هذه الآونة إدراكها بكل أبعادها.
انعكاس الجنون، مشاكل حادة
عندما يتعرض جسدنا لخدش أو نزيف أو كسر يسارع الجسم كله لإيجاد الحلول وإزالة المشكلة، وفي حالة وجود أزمة حادّة تهدد بقاء الجسد، نجد أن الدماغ لا يكترث بحل مشاكل فرعية كآلام الظهر أو الرأس وغيرها، بل يكثف جهوده وقدراته على معالجة المشاكل الحيوية.
إن العالم الإسلامي يعاني في الوقت الراهن من مشاكل حادة مثل الاقتتال والصراعات والنفي والتعذيب الجماعي والإرهاب والهجرة والانهيار الاقتصادي ... لذا فإننا لا نجد متسعًا من الوقت في ظل هذه الظروف للتحدث عن انعكاسات تلك الأحداث على عقيدتنا وحياتنا الفكرية والنفسية والاجتماعية، وإذا لم نمعن النظر في تبعات تلك الأحداث ولم نتحدث عن انعكاساتها فإن تجربتنا المريرة معها ستستمر لفترة أطول.
في الواقع، إن العالم الإسلامي شهد مرات عديدة عبر التاريخ حروبًا أهلية، لكني لا أعرف إن كان قد شهد حروبًا وحالة من الجنون كتلك التي نشهدها الآن، اليوم هنالك 7 دول تعاني من حرب فعلية، وأكثر من 10 دول تعاني من مشاكل الإرهاب والفوضى، فيما تهيمن حالة عدم الاستقرار والاضطراب على بقية الدول. لذا فإن حالة خيبة الأمل والحالة النفسية السيئة التي تهيمن على الشعوب المسلمة بسبب حالة الاقتتال وإفرازاته، هي التي ستدفع المؤرخين لاحقًا لتسمية هذا المرحلة بـ "سنوات الكتئاب". خاصة وأن المسلمين باتوا يقتلون بعضهم بعضًا بشكل وحشي بل وبمتعة وبتفاخر في ظل حرب عبثيّة لن تبقِي ولن تذر.
أكبر الأضرار التي تم توجيهها للإسلام
انظروا إلى عشرات الآلاف من المسلمين الذين قضوا تحت سياط التعذيب والجوع في السجون السورية، إن الوحشية التي قتل بها أولئك البشر تظهر حالة الجنون التي تعيشها منطقتنا. إضافة إلى ذلك، ألا تعتقدون أن قيامنا بتسجيل أسماء أولئك الضحايا وتناولهم من قبلنا على أنهم زمرة من المعطيات الإحصائية ثم أرشفة صورهم وأشرطة الفيديو المتعلقة بهم يعبر عن مضمونٍ ووضعٍ غير طبيعي؟ إني أجزم بالقول إن الشخص الذي عدّ ضحايا التعذيب وكتب على أجسادها الأرقام لا يمتلك شخصية سليمة من الناحية النفسية والعقلية.
كما أعتقد أن ما يفعله تنظيم داعش، يعتبر مثالاً لسنوات الجنون التي نشهدها، إن الفظائع التي ارتكبت على يد تنظيم داعش سببت أضرارًا للمسلمين لم يستطع أعداؤهم أن يتسببوا بها حتى في أعتى المعارك، إن هذه العقلية التي تقطع الرؤوس أمام عدسات آلات التصوير، وتتعمد إحراق الناس وتصويرهم وهم يحترقون، سببت دمارًا لصورة الإسلام السمحة التي تحض على التسامح والسلام.
حالة الجنون تضرب الجماعات في تركيا
أعتقد أننا نشهد في تركيا أحداثًا لم يسبق لنا أن شهدناها في هذا البلد. حيث أن الأفعال التي تقوم بها جماعة فتح الله غولن، جعلت الكثيرين يشعرون بالصدمة والحزن، وبالرغم من أن تلك الأحداث لم تفرز تأثيرات حادّة ضمن المجتمع، إلا أنها اعتبرت سابقة تتسم بالغرابة، سيما بعد أن رأينا وشهدنا قيام أفراد هذه الجماعة التي تأسست على يد أشخاصٍ متدينين، بالتنصت سرًا علينا، وانتهاك حرمة حياتنا الخاصة وتسجيلها، فضلًا عن عمليات التجسس والسرقة والتهديد والابتزاز، مما لا شك فيه أن ما يجري لا يمكن تصنيفه على أنه أحداث طبيعية.
بالإضافة إلى ذلك، فإني لا أعتقد أن الأشخاص الذين استخدموا العنف والإرهاب في أحداث "غزي بارك" و"كوباني" في تركيا، يمتلكون شخصيات مستقرة على الصعيد النفسي. ولا أستطيع القول إن مناصري منظمة "بي كا كا" الإرهابية الذين قتلوا المواطن التركي "ياسين بورو" (17 عامًا)، بوحشيّة لم يستطع حتى تنظيم داعش الوصول إليها، وإن الأشخاص الذين أحرقوا سيارات التبرع بالدم وسيارات الإسعاف والمستشفيات وسط العاصمة التركية أنقرة، يمتلكون بنية سيكولوجية سليمة ومتّزنة.
نحن بحاجة لفريق ولفعل شيء ما
إن ما نشهده في الوقت الراهن ليس أحداثًا طبيعية. لقد قمنا بفترات مختلفة بذمّ وإقصاء بعضنا بعضًا، وتراشقنا اتهامات الخيانة، وحولنا بعض الأصدقاء لأعداء حقيقيين. ليس طبيعيًا أبدًا ما اقترفناه من أفعال جعلتنا أقطابًا ومعسكرات متباعدة إلى أقصى حد، نستقوي من خلالها على بعضنا بعضًا، وليس طبيعيًا أبدًا أن نقوم بتدمير مبادئنا وقيمنا التي كرّسنا حياتنا من أجل إحيائها وديمومة بقائها. أعتقد أننا عندما ننظر إلى السنوات الراهنة برزانة ورباطة جأشٍ في المستقبل، سنرى بشكل أفضل وسنفهم الأسباب التي جعلتنا على هذا النحو.
لكن، على أحد ما في هذه المرحلة الخطيرة، أن يدعو إلى التفكير بحسّ سليم وإلى التروي والهدوء والسكينة والصبر وتمالك النفس عند الغضب. نحن في العالم الإسلامي بحاجة لفكرة ولحركة تطوعيّة تتسم بالحكمة، تدفع عنّا الجنون الذي يخيم على منطقتنا، وتحتضننا جميعًا وتهدئ من روعنا وتعيد تأهيلنا، لكي نتمكن من العودة إلى ركب الحضارة الذي فاتنا وابتعد كثيرًا عنّا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2367
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2259
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025