رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بمناسبة مباركتنا جميعا لدولة قطر حكومة وشعبا باليوم الوطني الذي شارك في احتفالاته كل من يحب وطنه ويشعر بضرورة الانتماء إليه والدفاع عنه، فإننا نبارك لجميع الدول العربية والإسلامية إحياء ذكرى أيامها الوطنية القائمة على أساس الدين والحرية والحق والعدل، ولعل من عظيم الفائدة أن نذكر بعضنا بعضا بوجوب معرفة أمجادنا الوطنية والمعنى الصحيح لها ونؤكد على قضية أهمية الوطن للناس ومن الذي يعتبر وطنيا بحق ومن الذي يوضع في خانة الأدعياء والمتاجرين باسم الوطن دون صدق وإذا سرنا على نهج الألى في الشعار والتطبيق، فإننا نرى كيف أن الوطنية الصادقة قولا وعملا وحالا، إنما تعنى المحبة الحقيقية للوطن والقيام بواجباته وحقوقه التي تجلب له المصالح النافعة وتدرأ عنه المفاسد الضارة، دون استناد إلى عصبية قبلية ولا إقليمية عنصرية تختزل المعنى في مظلة منغلقة لا تنفتح على شعبها والناس ضمن ضوابط الدين والأخلاق والمروءة، إن مثل هذه الوطنية هي التي تعتبر أساس بناء التقدم وأعمدة الرقي حقا فإذا ما انحرفت عن ذلك بتقديس الوطن على حساب المبادئ والثوابت، أو حصرته بالجغرافيا الأرضية فقط أو جعلته مذهبا فكريا حصاديا لماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها فقد جاوزت الحد ودخلت في عالم الأوهام على حساب الحقائق لأنها ستكون وطنية حزبية لا نفع للناس منها استراتيجيا، حيث إن الوطنية الحقة هي التي تكون ينبوع العمل والتضحية لجميع الناس لا كلمات رنانة في وعاء صغير ولذلك يشير القرآن الكريم بصراحة إلى هذا المعنى (... وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، "الحجرات: 13".
فقد جعل الناس إخوة في الإنسانية للتعارف والتعاون وبما لا يناقض الأسس المتواضع عليها بشريا، ومن هنا كانت أهمية الأوطان الخاصة والعامة في الإسلام فقال الشاعر:
وكلما ذكر اسم الله في بلد
عددت أرجاءه من لب أوطاني
وجاء التأكيد بطلب الرحمة لجميع الناس ما لم يحاربونا ويظلمونا، ففي الحديث الذي خرجه الطبراني وقال عنه الهيثمي رجاله رجال الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الصحابة على الرحمة فقالوا: كلنا رحيم فقال: ليس برحمة أحدكم صاحبه إنما برحمة سائر الناس، وكيف لا وقد أرسله الله رحمة للعالمين جميعا وهكذا فكما أن المسلم يعتبر أن جنسيته هي عقيدته التي هي وقود الوطن، فكذلك يعتبر أن الدنيا كلها وطنه لنشر الخير العام وقد أخذ المثل الانجليزي بهذه القاعدة فقال الأوطان ليس لها مكان، ومع هذا فإن أهمية الوطن الأم الذي يعتبر مسقط رأس الإنسان وارتباطه به مسألة فطرية متجذرة في كل نفس وكيف لا والوطن مستقرها فبه تحيا وبه تسود وهو بيئتها لعبادته ومعاشه، بل هي من أجل نعم الله عليها ومن هنا وجبت محبة الوطن ونقل الناس الحديث الذي اشتهر على الألسنة (حب الوطن من الإيمان) لكن قال علماء الحديث ومنهم العلامة محمد بن طولون الصالحي "تـ 953" هـ، في كتابه الشذرة في الأحاديث المشتهرة "ص 246": لم أقف عليه حديثا ومعناه صحيح، أقول: نعم إذ لما اشتاق الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة قال فيما خرجه الترمذي صحيحا عن ابن عباس رقم "3083" (ما أطيبك من بلد وما أحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)، وقال لأصيل الهذلي عندما جاء من مكة إلى المدينة حسبك لا تخرلي دع القلوب تقر. ومن يعرف قيمة الوطن كالذي يخرج أو يخرج منه، ولذلك قرن الله بين حب الوطن والحياة وبين الإخراج منه فهو قتل للحياة (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعله إلا قليل منهم)، "النساء: 66"، وكذلك لما اتخذ الرسول المدينة وطنا لهجرته أصبح يحن إليها ويدعو لها (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) كما في فتح الباري "6/87".
وقال ابن حجر في الفتح "3/621"إن حب الوطن والحنين إليه مشروع. أقول: لأنه من المعروف أن هذا مركوز في جبلة المرء والذي لا يحبه أو ينفر منه غير سوي الطبع والشرع ومع هذا فلو تعارض أمر العقيدة مع الوطن قدمت العقيدة كما هاجر رسول الله والصحابة وتركوا مادياتهم في مكة وانتقلوا إلى حيث حفظ الدين والقيم ففتح الله عليهم بعد ذلك مكة وربحوا الدنيا والآخرة ورجعت إليهم ممتلكاتهم، وهكذا أحب الرسول وطنه كما أحب إبراهيم مكة ودعا لها بالأمن والرزق والمرء لا يدعو إلا لشيء يحبه، ولعل من تمام ذلك أن يقوم بحقوق وواجبات الوطن وأن يستشعر المسؤولية نحوه فيحفظ جواره والقرابة فيه ويعمره بكل ما أمر الله ليحقق معنى الاستخلاف عن الله في الأرض ويذود عنه من هجوم الأعداء والمحتلين، ويسكنه سويداء قلبه غير مغال ولامتماد على نحو ما قال الشاعر:
لو مثلوا لي موطني وثنا
لهممت أعبد ذلك الوثنا
فالوطن حيث تسمو الحياة الحقيقية ويكرم الإنسان وينال حقوقه وإلا فقس ذلك على ما قال علي رضي الله عنه: الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة، وكم من ناس كالذين نراهم يهربون من أوطانهم ويموت منهم الكثير غرقا في البحار أو يكون مصير الآخرين السجن مرة والتشرد والعناء أخرى بسبب الظروف الاقتصادية وظلم أكثر الحكام.
إن الغريب معذب أبدا
إن قر لم ينعم وإن ظعنا
أو آخرين من المثقفين حرموا حتى من الكلام والرأي الآخر ففقدوا الحرية أغلى القيم بعد العقيدة.
كيف يا سادتي يغني المغني
بعدما خيطوا له شفتيه
فلابد من شعور الإنسان بانتمائه الحقيقي لوطن يحترم الجميع وبعد ذلك لو حدثت هنات وهنات وأخطاء محتملة فنقول:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنوا علي كرام
فالوطن هو الأم والدم اللذان لا يحيا إنسان إلا بهما والمواطن الحق الصالح هو الذي يعمل أكثر مما يتكلم والرجل المصلح الوطني المخلص كما يقول شكيب أرسلان هو الذي يفكر ويعمل لحاضر ومستقبل الأجيال، أما السياسي –أي بالمصطلح المعاصر: فهو الذي لا يفكر إلا بالانتخابات حفاظا على مصلحته الخاصة ورئاسته أقول: وقد ضرب لنا تاريخنا العظيم أروع الأمثلة في المواطن الوطني القائد كرسولنا العظيم وصحابته المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان في السلم والحرب ولعل المقام يقتضي أن نذكر أن من أعظم مؤسسي دولة قطر الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني رحمه الله فقد كان مجلسه عامرا بالعلماء والأدباء وكان سليل علم وسياسة وخطيبا وشاعرا وقاضيا وفارسا وتاجرا ومحسنا فوق كونه حاكما وكان ضد الامتيازات الأجنبية ومصلحا يحقن الدماء، حيث منع حملة عسكرية عثمانية على نجد بتشاور مع السلطان وكان يقدم التاريخ الهجري نحسبه والله حسيبه صالحا سائلين الله أن يبقى حديث الخلف عن السلف.
وكل عام وأنتم بخير.
العقل التبريري - قراءة أخلاقية بمنظور إسلامي
العقل التبريري آفة من آفات القلوب قبل أن يكون خللا في التفكير؛ لأنه يعطل فريضة المحاسبة، ويصادم مقصد... اقرأ المزيد
27
| 21 ديسمبر 2025
الموضوع القديم الجديد
لقد أيقنت بعض الدول المتقدمة والسريعة النمو ضرورة المحافظة على نسبة وتناسب القوى البشرية والمتمثلة بالأخص بعدد مواطنيها... اقرأ المزيد
33
| 21 ديسمبر 2025
قطر والوسطاء متمسكون بوقف حرب غزة.... وإسرائيل تصعّد وتهدد بانهيار الهدنة!!
حذر رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن في منتدى الدوحة مطلع شهر ديسمبر، وبعد اجتماعه... اقرأ المزيد
39
| 21 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
945
| 18 ديسمبر 2025
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
906
| 16 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
690
| 15 ديسمبر 2025