رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا ريب أن الشباب في كل أمة ووطن هم عماد النهضة المنشودة وأساس البناء المكين، والشباب المتوثب المتدفق بعطائه بل ودمه هم الأمل الباقي الذي ينشده شداة الحرية ليبزغ من جديد شعاع النور من خلف الظلام والسديم وباختصار فإن نصوص الإسلام ركزت على قيمة الشباب ودورهم أيما تركيز وقال (غوتة) إنما يتوقف مصير كل أمة على شبانها.
ولكننا ونحن نعيش اليوم هذا المخاض العسير والابتلاء الممحص بين الحكام والشعوب والذي نجح إلى حد كبير في ثورتي تونس ومصر ونقل العدوى الخيرة إلى بلدان أخرى بامتداد كاسح لابد لنا أن نذكر بأمور من البصائر التي أكد عليها الإسلام واعتبرها من عوامل النجاح المهمة في الجهاد المدني والجهاد المسلح على حد سواء لإسقاط كل الأقنعة الواهية التي كان يبدو أنها تكون ستارا حديديا أمام الشعوب يمنعها من الجرأة وتجاوز الخوف، ولعل المشكلة في حياتنا اليوم ليست عدم التقدم للحرية والكرامة فقد بدأ هذا المشوار وعلى صفيح ساخن ولكن المشكلة أيضا تكمن في ندرة أهل البصائر والحكماء الذين هم الملاذ الأكبر الواقي من بعض التهورات أو المؤامرات التي تحبط عمل الشباب وتسرق ثورات الشعوب وفي التاريخ أكثر من دليل على ذلك ومن هنا نؤكد على ضرورة اقتران حماسة الشباب بحكمة أهل التجارب من الشيوخ الذين حلبوا الدهر أشطره، أما كان الشاعر العربي معروف الرصافي ينبه إلى ذلك بقوله:
وهدى التجارب في الشيوخ وإنما
أمل البلاد يكون في شبانها
وإن السياسة الحكيمة في ذلك لتظهر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لنعيم بن مسعود (إن الحرب خدعة) وقوله في في قصة الشاعر أبي عزة الجمحي الذي أراد خدعة الرسول فقاتل ضده مرة ثانية ونقض العهد (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) وأمر بضرب عنقه، وهذا ما فهمه عمر رضي الله عنه (لست بالخب ولا الخب يخدعني).
ولعلنا نشير إلى بعض المعالم والأفكار التي تظل مساعدة للشباب في نهضتهم وثورتهم على الظلم والطغيان على نور وبصيرة.
أولاً: لابد من الاستناد إلى الإيمان العميق بصدق المطلب فهو الأول الأول والركن الركين الذي لا يخون وهو بمثابة الماء والهواء والغذاء والدواء بل هو الشفاء كله ومن طلب المزيد فليقرأ كتاب إذا هبت ريح الإيمان للعلامة أبي الحسن الندوي رحمه الله ليرى مصداق ذلك، إن هذا الإيمان هو الذي يجعل صاحبه مخلصا في أدائه وهو أمر سماوي من الحق تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء..) "البينة".
وكذلك فهو بشرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى، وفي المثل العربي كن مخلصا في عملك تبلغ أقصى أملك ولا شك أن المرء يشعر بالراحة مع الإخلاص بينما تعتبر الحياة كلها بلا إخلاص نوعا من الوقاحة على حد ما عبر عنه امرسون بل كان أبلغ في التعبير منه الشاعر المعري:
ثوب الرياء يشف عما تحته
فإذا اكتسيت به فإنك عار
فلابد للثوار أن يحافظوا على هذه العملة النادرة الاخلاص كي ينجحوا ولا اعتبار لأي توجه ينصر أي سياسة أو شخص من دون الاخلاص إذ أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغى به وجهه.
ثانياً: الإرادة والحزم والعزم: فمن كانت له الإرادة كانت له القوة وسهلت عليه صعاب الأمور لأنه كما قال ابن عطاء الله السكندري في حكمه إن لله عبادا إذا ارادوا أراد أي أرادوا الهداية والثبات على الطاعة فأراد الله عونهم على ذلك، وكما قالوا من يصمم على الانتصار يقترب جدا من النصر وكما جاء في المثل العربي الإرادة نصف الطريق بل سر النجاح وأن التردد أكبر عقبة في طريقه وكما قال عباس محمود العقاد ما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال ويشحذه الضرب والنزال، إذ بالإرادة تصنع المعجزات ولا مستحيل امام العزيمة كما قال جون هيود، ويجب أن تكون هذه الإرادة عاقلة ومقدرة للأمور لا عشوائية هوجائية لأن كل إرادة لا تتغلب على العاطفة تنهار وتفشل، كما قالوا وعندها يأخذ الحزم والعزم دورهما كما قال عمرو بن يحيى:
الحزم قبل العزم فاحزم واعزم
وإذا استبان لك الصواب فصمم
وعندها تصل المبتغى مع المتابعة الدؤوبة دون كلل أو ملل، كما قال صالح عبدالقدوس:
وما لحق الحاجات مثل مثابر
ولا عاق منها النجح مثل توان
ولعلنا نلحظ أنه بالإرادة الحازمة استطاع الثوار في تونس ومصر أن يتقدموا.
ثالثاً: الأمل والتفاؤل: فالإنسان البصير بطبيعة الحياة يدرك دائما أنه بعد الشتاء القارس لابد أن يأتي الربيع الجميل وان وراء الدجى فجرا يبتسم ويتبع الشاعر الطغرائي:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
ويتفاءل على الدوام لأنه يدرك أنه إذا أشعل شمعة خير له من أن يلعن الظلام أن بل لا ينسى وهو في المدلهمات توجيه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم (واعلم أن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا).
فالتفاؤل من الله، أما التشاؤم فيولد من دماغ الإنسان كما يقول الحكيم، ولا يغيب عنه إرشاد أبي الفتح البستي عن قضاء الله في الأمور:
ما بين غمضة عين وانتباهتها
يبدل الله من حال إلى حال
رابعاً: الثقة بالله والنفس.. فإن من يثق بوعود الله للعاملين رغم الابتلاء يقطع أشواطا كبيرة إلى مسافات الأهداف ووعد الله لا يتخلف وفي النهاية فإن العبد راجع إليه وهو لا يهتم بسخرية الآخرين، كما قال سفيان الثوري رحمه الله: من عرف نفسه لم يضره ما يقوله الناس فيه، بل يثق بنفسه المستقيمة، فالثقة بالنفس والتفاؤل معديان في الخير ويا نعم العدوى كما أشرنا بل ان الواثق بنفسه يقود الآخرين كما قال هوراس: إن الرجل العصامي محل إكبار الناس جميعا كما قال الطغرائي:
وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على أحد
وهو ما أكده شوقي:
كم واثق بالنفس نهاض بها
ساد البرية فيه وهو عصامي
خامساً: الشجاعة والتضحية: وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال لا تعطه مالك قال: أرأيت إن قاتلني قال: قاتله، قال أرأيت إن قتلني، قال فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته قال: هو في النار فكيف بالذي يضحي لأجل وطنه وشعبه وحريتهما، بل انه إن ضحى ولم يمت شهيدا وسأل الله الشهادة بلغه ثوابها وهكذا يجب أن نكون:
مشيناها خطا كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطا مشاها
تقضي البطولة ان نمد جسومنا
جسرا فقل لرفاقنا أن يعبروا
كما قال عمر أبو ريشة: فالشجاع المضحي لا يأبه بالموت حتى لو جاء في كفاح سلمي مدني فهو فرح بكلام ابن مسعود رضي الله عنه أشرف الموت موت الشهداء وان اول عناوين الفضيلة التضحية بالنفس، كما قال مدام دوستايل حيث إنه ثبت أنه لا يعيش الحب إلا بالتضحية كما أشار رابليه.
سادساً: التعاون والاتحاد: فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بعون المظلوم فنحن جميعا نجذف في قارب واحد كما قال زينون وكما قال دايل كارنيجي: عندما يعمل الاخوة معا تتحول الجبال إلى ذهب وفي المثل العربي لا يعجز القوم ما تعاونوا على ان يكون هذا التعاون على البر والتقوى وحسب خطاب الاسلام الإنساني فالمؤمن المؤمن كالبنيان المرصوص، ومع أن ذا القرنين قد آتاه الله من كل شيء سببا لكنه طلب الاعانة ممن طلبوا منه أن يقيم السد.. وإنما يكون هذا التعاون بالاتحاد لا بالتفرق فالجماعة رحمة والفرقة عذاب كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم وقد وعظ الحكيم أبناءه بالاتحاد وهو معن بن زائدة:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت أحادا
فيد الله مع الجماعة وكما قال حافظ إبراهيم:
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به
رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
وهذا ما فعله بنا الطغاة المستبدون الفرديون وعلى كل فالتعاون والاتحاد قانون الله ورسوله والطبيعة والواقع، فعسانا بمثل هذه المعالم نؤمل استمرار النجاح للشباب والثورة مع الأخذ بالحيطة والحذر.
عيد وكأس ومطر
اللحظات الجميلة في حياة الإنسان نادرة ولطيفة وسريعة، ولهذا فهي تُنقش في الذاكرة الإنسانية كونها مُتميّزة، وتُداعب الروح... اقرأ المزيد
147
| 26 ديسمبر 2025
معجم الدوحة للغة العربية وسام على صدر قطر
جميع العرب يعرفون مدى اهتمام دولة قطر منذ عقود بكل ما يعزز ثقافتها العربية الإسلامية وهي الدولة الفتية... اقرأ المزيد
102
| 26 ديسمبر 2025
سنة جديدة بقلب قديم!
لسنا بحاجة إلى سنة جديدة بقدر حاجتنا إلى سنة «مستعملة»، سنة من ذاك الزمن الجميل، حين كانت القيم... اقرأ المزيد
72
| 26 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1722
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1119
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا». يؤصل ابن خلدون في تاريخه بهذه العبارة، قاعدة بالغة الأهمية في دراسة التاريخ، مفادها أن استدعاء صفحات الماضي والنظر في التاريخ، لا يكون بغرض التسلية بحكايات الغابرين، ولا للانحباس في حالة انبهار بصفحات مجد تليد، إنما هو أداة لتغيير الحاضر والتهيئة لتحديات المستقبل. لكن أمتنا قد دبّ فيها داء الهروب إلى التاريخ، نعم نحن نهرب من مواجهة واقعنا باستدعاء التاريخ وأمجاده والاكتفاء بذلك، فهي حيلة نفسية نواري بها عجزنا عن مسايرة الغرب الذي أخذ بأسباب القوة والتقدم بينما توقفنا نحن عند حدود الماضي، وأسعد بلادنا حظًا من قطعت بضع خطوات في مجالات محددة، دون أن تكون هناك نهضة شاملة تجعلها على قدم المساواة مع وحوش العالم. نحن نعاني فوضى التفاخر بالماضي، أصبح المجد السابق هو بضاعتنا في التعريف بأنفسنا، مع أن التفاخر بالتاريخ لن يدفع عجلة الاقتصاد، ولن يحل المشكلات والأزمات الاجتماعية، ولن يسهم في التطور التقني والتكنولوجي، ولن يجعل القوى العسكرية في مصاف القوى الكبرى. ما فائدة أن يتراشق أهل كل بلد من بلدان الأمة بسالف أمرها، هذا يتفاخر على هذا بأن له حضارة عمرها كذا ألف سنة، وهذا يتفاخر على ذاك بأن أجداده هم من اخترعوا كذا، وأصبحت كلمة «كنا، وكنا» ديباجة في خطاب الشعوب. أجدادكم فعلوا، فماذا فعلتم أنتم؟ كان هذا ماضيكم فأين حاضركم؟ ليست المشكلة في أن تعتزّ الأمم بتاريخها، فالتاريخ هو الذاكرة الجماعية والرصيد الرمزي الذي يمنح الشعوب هويتها ومعناها، لكن المعضلة الكبرى التي تعانيها أمتنا تكمن في أنّها حبست نفسها داخل الماضي، واكتفت بالنظر إلى تاريخها المجيد نظرة تمجيد وتقديس، دون أن تحوّل هذا التاريخ إلى مصدر للعبرة، أو إلى جسر يعينها على فهم واقعها ومواجهة تحديات عصرها والعبور بثقة نحو المستقبل. لقد علّمنا التاريخ ذاته أن الحضارة لا تُورّث، وأن المجد لا يُستعاد بالتغنّي به، بل بالعمل وفق السنن التي أقامته أول مرة: العلم، والعمل، والهوية، فأسلافنا لم يتقدموا لأنهم عاشوا على أمجاد من سبقهم، بل لأنهم واجهوا واقعهم بشجاعة، وأبدعوا حلولًا تناسب زمانهم، واستثمروا معارف الأمم الأخرى. إنّ أخطر ما تواجهه أمتنا اليوم هو تحويل الماضي إلى بديل عن الحاضر، وإلى مبرر للعجز بدل أن يكون دافعًا للنهوض. فالعالم من حولنا يتغيّر بسرعة هائلة، تُقاس فيها قوة الأمم بقدرتها على الابتكار، وعلى استيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية، بينما لا تزال كثير من مجتمعاتنا أسيرة النظر المجرد إلى الماضي انبهارًا واكتفاءً. التذكير بالماضي والأجداد العظام يفلح فحسب مع من يعتبر بذلك الماضي ويتخذ منه نبراسًا ويقتبس منه ما يضيء به الطريق نحو المستقبل المزهر، وهذا هو منهج القرآن الكريم، فهو يذكر بتاريخ الأمم السابقة التي هلكت رغم إغراقها في النعم وأوجه التقدم بسبب حيدتها عن طريق الله، يذكر بذلك من أجل الاتعاظ والاعتبار بأن القوة لابد وأن تُساس بالمنهج الإلهي. يذكرنا القرآن الكريم بالتاريخ المشرق والأجداد العظام حتى نسير سيرهم ونحذو حذوهم لا لنقف عند قول الشاعر: أولئك آبائي فجئني بمثلهم، إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ. فالله تعالى يقول في سورة الإسراء: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، وحولها يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: «تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح. فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي: يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة، تشبهوا بأبيكم، {إنه كان عبدا شكورا}. فالقرآن هنا لم يذكر سلالة نوح بأبيهم ليتفاخروا به ويقفوا عند هذا التفاخر، بل من أجل التشبه به في خصاله وأفعاله وقيامه بشكر المُنعم على ما أنعم به من النعم. النظر إلى التاريخ لا يصلح أن يكون مهجعًا للاستغراق في النوم، وإنما هو منطلق لأن نستلهم من الماضي لإصلاح الحاضر والعبور المتزن الآمن إلى مستقبل مزهر.
690
| 21 ديسمبر 2025