رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كل امرئٍ في الحياة الدنيا، هو خاضعٌ منساقٌ لقدر الله تعالى وقضائه، عاجز أمامه لا يملك معه خِيرة ولا حيلة، ولا ريب أنه إذا نزل وحل، أصابه لا محالة، قال شوقي رحمه الله:
لا يملك الإنسان من أحواله ما تملك الأقدارُ مهما قدّرا
وقال آخر:
ما للرجال مع القضاء محالةٌ ذهب القضاءُ بحيلة الأقوامِ
فالأقدار كالسهام المصوبة نحو أهدافها، غير أنها مسددةٌ مقوّمة لا تخطئ غرضها، ولا تفوته، ولا تحيد عنه بحال، بما تحمل من سراء وضراء، فيهما النعماء والبأساء، سواءٌ في ذلك المؤمن والكافر، بيد أنّ المؤمن يوجب عليه الإيمان، كركن من أركانه، أن يكون مؤمناً بقدر الله، أي موقناً أنه من عنده سبحانه وتعالى وبتقديره، بحالتيه المتضادتين خيره وشره، ولاسيَّما في حالة شره، أي في حالة الأقدار المؤلمة المزعجة، وكل ما لا يرضاه ولا يحبذه الإنسان، إذ في ذلك الأهمية الشديدة الأكيدة، التي لابد منها ليتحقق الإيمان الصحيح الكامل بقدر الله تعالى، بتمام اليقين والتسليم والخضوع له فيما قدّر، ولو خالف أمنيات ورغبات النفس، حتى لا يكون حال المؤمن كحال الذين جاء وصفهم في القرآن في سياق الذم والتوبيخ، ممن انحرفوا في اعتقادهم بالقدر، قال جل وعلا مخبراً عنهم:(وإنْ تصبهم حسنةٌ يقولوا هذه من عند الله وإنْ تصبهم سيئةٌ يقولوا هذه من عندك قل كلٌ من عند الله فمالِ هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً)، قوله تعالى: (من عندك) أي من عند رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم بين سبحانه للإنسان في الآية التالية، أن كل ما يصيبه من شرٍ يسوؤه من القدر، يكون سببه من عند الإنسانِ نفسِه، نتيجة ذنبٍ اقترفه فعوقب عليه، أو واجب مفروضٍ قصّر فيه، قال جل ثناؤه:(ما أصابك من حسنةٍ فمن الله وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك)، وقال أيضاً جل شأنه:(وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).
وهذه بشرى من رحمة الله تعالى ورأفته وفضله بعباده، أنه سبحانه يعفو عن كثير خطأ خلقه، وأنه كما قال:(وإنّ ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإنّ ربك لشديد العقاب)، إذ لو الأمر غير ذلك، لكان الحال مثلما يصف القرآن (ولو يؤاخذ اللهُ الناسَ بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكنْ يؤخرهم إلى أجلٍ مسمّى فإذا جاء أجلهم فإن اللهَ كان بعباده بصيرا)، إلى غير آية تُلمح إلى هذا المعنى.
ذلك هو السبب الرئيسي والأساسي للبلاء، قال تعالى:(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناسِ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجون)، وتأمل قوله تعالى:(بعض الذي عملوا) أي شيءٌ قليلٌ وليس الكل، ومراد الله من البلاء، كما بينته الآية السابقة: (لعلهم يرجعون)، يرجعون عن ذنوبهم وعصيانهم، ثم يتوبون وينوبون إلى الله، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قول بليغٌ في ذلك، قال:(ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة)، وأقول: رحمة الله على مَن إذا نزل به بلاءٌ، رجع إلى نفسه، فبحث فيها وفتّش ليحاسبها، فإن كان مذنباً مقصراً، تاب وأناب، وإن كان على خيرٍ حمد وشكر.
لكنّ الأقدار بنوعيها خيرها وشرها، وما ينشره ويطويه كل نوعٍ منهما، ويجلبه للإنسان من أحاسيس ومشاعر وأحوال، متباينة متناقضة، من أفراحٍ وأتراح، ومسرّاتٍ ومضرّات، وما دار من سَعد ونحس، بيد الأقدار، لا يكونان كذلك إلا من حيث نظرة الإنسان لما يصيبه منهما، وانطلاقاً من حكمه العقلي عليهما، الذي لا يكون في الغالب، إلا حكماً ناقصاً قاصراً، لكونه لا يصدر عن رؤية وافية ضافية، يكتنفها الإيمان، وتحفّها الحكمة من كافة جوانبها، فيأتي الحكم من ثَمَّ صادقاً منطبقاً على الحقيقة، بعد أن يكون قد نَفِذ إلى كُنْه حكمة ما أصابه من قدر، فإن ما يظنه الإنسان شراً، ربما هو ليس بشر، وما يحسبه خيراً له، قد يكون هو الشر بعينه،(وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌّ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، يتجلى هذا تمام الجلاء في أمر المؤمن كما سنأتي بالحديث عنه. وفي هذا يقول الشاعر:
تجري الأمور على حُكمِ القضاء وفي طيِّ الحوادثِ محبوبٌ ومكروهُ
وربما سرّني ما كنتُ أحذرُه وربما ساءني ما كنت أرجوه
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3354
| 04 نوفمبر 2025
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2580
| 30 أكتوبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2097
| 03 نوفمبر 2025