رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في الظرف السوري المأساوي الذي أمسى يتفاقم يوما بعد يوم منذ بداية الثورة المجيدة حتى أصاب الكثيرين نوع من اليأس والإحباط فكادوا يعتبرون أو اعتبروا- على الأصح – أن العالم قاطبة متآمر عليهم وعلى بلادهم بدءا بإسرائيل الصهيونية التي هي مربط الفرس في كل ما حدث ويحدث في سوريا خصوصا - كونها متاخمة حدودياً لها وضمان أمنها أوجب الواجباب - وفي البلاد العربية التي تحركت فيها الثورات عموما إلى روسيا وإيران وأذنابهم المتوحشين ولكنه لما غزت روسيا سورية اليوم سواء أكان ذلك فجأة أو عن تخطيط مسبق مدروس – وهو ما نرجحه – نهضت روح التحرك والتحرق تدب من جديد في أوصال الشعب السوري ومخيمات المهجرين وكتائب القتال في الداخل. إذ إن الاحتلال الإيراني لأرض عربية كسورية – العضو في الجامعة العربية- أشعل إلى حد ما جذوة حب الوطن والذود عن حِماه لدى الكثيرين حتى أثبتوا كذب إيران وسفرائها وسياسييها الذين زعموا أنها تعين فقط في الجانب الاستشاري واللوجستي النظام السوري دون أن تشارك في القتال إلى جانبه. ولكن الجنازات التي ظهرت على الشاشات في الإعلام الإيراني لعشرات الجنرالات الذين قتلوا في حلب وريفها وريف حمص وريف حماة خصوصا "مورك" وكذلك في إدلب وريفها والساحل، وزد إليهم الأعداد الكبيرة التي استطاع الثوار أن يلقنوها دروسا لن تنساه مما يسمى "حزب الله" قيادات وجنودا.. كل ذلك أوضح للبشر جميعا أنه لا فرق بين الاحتلال الأسدي لبلاد الشام والاحتلال الإيراني. وإن كان الاحتلال البوتيني الروسي- ربما- كان أشرسها حيث بدأ يجرب دوره بعد انهيار اللانظام وشركائه. في سوريا – وإن كان إلى اليوم قد أدى إلى يقظة جديدة فإنه لم يحقق شيئا جوهريا يذكر في المكاسب اللهم إلا إزهاق أرواح المدنيين التي تشكو إلى ربها والمخلصين الوطنيين الشرفاء، هذا العدو المجرم الذي – كما قال رئيسه "مد يديف": إننا نحارب في سوريا من أجل مصالحنا لا من أجل حماية الأسد، ولكنه في تصريح آخر أول أمس يقول: إننا مع الحكم الشرعي للأسد في سوريا! إن كل ذلك قد أوقد نيران الحماسة والهبّة الوطنية من جديد في سورية، وذكّر الشعب أن بوتن ونتنياهو إنما هما وجهان لعملة واحدة ولابد من مواجهتهما بكل ما يقتضيه الدين والخلق والوطنية التي لولاها لما بقي وطن في أرض. ولذلك – وأيا كانت السيناريوهات الروسية وتكتيكات محور الشر الرباعي الذي ينظمه طيف واحد من الإجرام والعداء للإنسانية. فإن التذكير بتفعيل الجانب الوطني لدى كل فرد من الشعب ذكرا أو أنثى قد بات ضروريا جدا هذه الأيام لأنه كما يقول الإمام الشافعي – رحمه الله -: ماحك جلدك مثل ظفرك فتولّ أنت جميع أمرك. وإن هذا لممكن تماما. حتى لو منع الأشرار عنا السلاح المتطور. فما غنمه الثوار من اللانظام وشركائه يعتبر عدة قوية تشجّع – كثيرا – إلى اغتنام أكبر من المحتلين الجدد. والحرب إنما تعتبر حربا بالثبات على الأرض. وهو ما حدث في أفغانستان سابقا حتى هزمت الاتحاد السوفيتي – على فقرها – وجعلته يجر أذيال الخيبة. ويخطئ من يظن أن الدين الإسلامي لم يعد بمقدوره أن يؤدي دورا رياديا في الصراع. بل العكس هو الصحيح. وكما قال مولانا(فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) النساء: 19.
وإن الناس بدافع هذا الدين وفطرته وبالدافع الوطني – ما دام صادقا – لدى النصارى وأطياف الشعب الأخرى. وبتناسي أي حقد لطرف على طرف واعتبار أن الصفحات القديمة من الرواسب تُطوى ولا تُروى – فإن الجميع سوف يقتربون من أهدافهم – ويتمسكون بالنصوص والتوجيهات التي تجعل حب الوطن لديهم هو ينبوع التضحية – حياله. وإنه كما يقول – لا كوردير: عندما يكون الوطن في خطر فكل أبنائه جنود. أي بمعنى أن الوطنية تعمل ولا تتكلم فقط، كما هي حالة السفاح الأسد الذي يتكلم في خطاباته عن الوطن وهو نفسه الذي احتله والإيرانيون والروس الأمريكان والصهاينة بدءا وختما. ولا ندري إن كان سيأتي محتل آخر من المريخ! وهذا تماما ما عبر عنه أمير البيان العربي شكيب أرسلان بقوله: يفكر الوطني بالأجيال القادمة لا بالانتخابات القادمة التي هي مربط الفرس لدى كل خائن وعميل ومزوّر وحاقد على الشعوب بينما ترى في الجانب الآخر أن الوطنيين الصادقين هم الذين يُحيون الوطن بدمائهم الزكية، ولا يميتونه بدموع التماسيح، ولعل هؤلاء هم عدتنا القوية، وهم الذين يعتبرون أن الخبز في الوطن خير من بسكويت الأجانب كما يقال، وكما قال شوقي:
وللأوطان في دم كل حر يدٌ سلفت ودَيْن مستحق
قالها أثناء الاحتلال الفرنسي لسوريا ونحن نقولها اليوم كذلك للاحتلال الروسي، وخير للمرء أن يموت في سبيل فكرته من أن يُعَمَّر طول الدهر خائنا لوطنه جبانا عن نصرته، كما يقال، ولكن ماذا نؤمل ممن جعلوا اليهود أئمتهم في الإجرام والصليبيين شركاءهم في المجازر والروس والصينيين طلائعهم في الشر والهيمنة على الضعاف. ومناوئة الأحرار ليل نهار، هذا بالسلاح وذاك بماله، والباطنيون من الشيعة الروافض هم عملتهم الرائجة بل خُدّامهم الأمناء لتنفيذ مآربهم في عصر ما يسمى نصرا للأقليات والاعتماد على أعداء الإسلام كهؤلاء الذين مزقوا كل وحدة في الأمة وكانوا – ومازالوا- مع الأعداء ضد أهل الوطن. ويكفي أن التشابه بينهم وبين اليهود ليس له عد ولا حصر!. ولهذا فإننا نهيب بجميع أطياف الشعب السوري والشعوب العربية الحرة والإسلامية المخلصة وكل ذوي الضمير الحي أن يكونوا مع الشعب السوري المظلوم لا مع الظالم السفاح الذي يزعم أنه طلب من روسيا أن تدافع عنه وتسحق الإرهاب وقد استجابت!. وكأن هذا القائل ومن هو مثله لا يعرفون أن الحق خلاف ذلك ولكنهم يخادعون دينهم وعقلهم " كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ "الكهف: 5. ومن هنا: فإننا نؤكد ضرورة الجهاد ضد هذا الغازي الخاسر حتى لا يغضب الله علينا ولا نعد من جملة الجبناء الرعاديد. كما قال الكاظمي:
ومن لم يكن من دون أوطانه حمى فذاك جبان بل أخسُّ وأحقر
فلا وألف لا للهجرة من سوريا وتركها لهؤلاء الخنازير يسكنونها ويغيرون ديموغرافيتها. ولعمر الحق إن هذا من غير ضرورة ملجئة لهو من أكبر الكبائر. ولا للخلافات التي تفرق الصفوف ولا توحدها أبدا. وقد قالت العرب حتى قبل الإسلام: "المحن تذهب بالإحن". فتعاونوا يا ثوارنا ودعوا الخصومات جانبا فيكفينا ما جاء به اللانظام بأمر الصهاينة والعالَم الشرير بمن هم ضدكم ويحرسون بالطيران الروسي الذي يغطي هجوماتهم ضدكم. فكونوا من أهل الشرع والعقل والحكمة. وحذار أن تُقطِّعكم الأهواء فيفرح العدو بذلك ويستحوذ على البلاد والعباد- لا سمح الله -. وكما قال علي الجارم:
عزيز على الأوطان أنَّ شجاعةً تُمزِّقها الشحناء في غير طائل
فهل أنتم فاعلون أيها العظماء؟
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
801
| 16 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
657
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة المنال، ويظنون أن تحصيلها لا يكمن سوى في تحقيق طموحاتهم ومضامين خططهم، لكن السعادة ربما تأتيك على هيئة لا تنتظرها، قد تأتي فجأة وأنت في لحظة من الغفلة، فتكون قريبة منك أشد القرب، كما لو كانت تلتف حولك وتحيط بك من كل جانب. كثيرًا ما تختبئ السعادة في تلك التفاصيل التي لا تكترث بها، في تلك اللحظات التي تمر سريعة وكأنها حلم. ربما مر عليك تلك الليلة التي تلوت فيها القرآن، فتوقف قلبك عند آية بعينها، فانبعثت من أعماقك مشاعر جديدة، فسالت دموعك على وجنتيك، أو ربما كانت تلك الدمعة الثمينة قد سكبتها في إناء ركعة بجوف الليل، فسرت فيك طمأنينة وسكينة ورقة لم تعهدها، لا تعدل بها شيئًا من لذات الدنيا، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وربما مر عليك يوم، كنت تقلب منزلك رأسًا على عقب بحثًا عن شيء مفقود، وبينما أنت في حال من اليأس، تتذكر موضعه، أو يظهر لك في موضع لم تتوقعه كأنه يهدئ من روعك قائلًا: «هأنذا»، فتبتسم وتبتسم وتتسع ابتسامتك، ألم تكن هذه اللحظة الرائعة موعدًا لك مع السعادة؟ وذلك الفقير الذي يعاني من ضيق اليد، ربما قضى ليلته مهمومًا يفكر كيف يدبر قوتًا أو شيئًا من أمور المعاش لأهله، وبينما يخرج مجترًا همومه، يكتشف في جيب سترته القديمة ورقات نقدية قد نسيها منذ العام الماضي، فيتحول ذلك الفقر إلى لحظة من الفرح، ألم يكن هذا الرجل على موعد مع السعادة؟ حدثني أحدهم وكان حديث عهدٍ بالزواج أن صديقًا طرق بابه يطلب منه بعض المال، وهو لا يملك في جيبه غير مبلغ زهيد بالكاد يكفيه، لكنه يأبى أن يرد سائله، ويؤثره على نفسه رغم الخصاصة، ثم في نفس اليوم تزوره خالة له جاءت من سفر على غير موعد، لتبارك له وتهنئه، فأعطته مبلغًا من المال، فإذا به يراه نفس المبلغ الذي بذله إلى صديقه بالتمام والكمال لم ينقص منه قرش، فتجلى أمامه ذلك الوعد الإلهي بالعوض، ألم يكن ذلك الرجل على موعد مع السعادة؟ وذاك الذي كان على وشك أن يسقط في يد أعدائه وقد أشهروا أسلحتهم في وجهه، وبينما كان الخنجر يوشك أن يغرس في صدره، إذا به يستفيق فجأة من حلم مزعج، ويكتشف أنه كان مجرد كابوس، فيحمد الله على نجاته باليقظة من ذلك الهلع، ألم يكن وقت نجاته من ذلك الكابوس على موعد مع السعادة؟ وماذا عن تلك اللحظة التي أخذت فيها بيد عجوز هرم، تمشي بصعوبة وتبدو ملامحها تحمل سنوات من التجاعيد، لتسير بها إلى الجهة الأخرى من الطريق؟ ثم ترى تلك الدعوات التي تتدفق منها، والتي تظل تشعرك بالدفء والسعادة، وكأن دعاءها درعٌ لك، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وكم هي السعادة حقيقية عندما يتمكن من الإصلاح بين زوجين كانا على شفير الفراق، فيكون سببًا في حماية ذلك البيت من الخراب؟ أو عندما يغمره الضحك على فكاهة بريئة تكاد تطيح به على ظهره من شدة السعادة؟ ألا يجد السعادة في تلك اللحظة الصغيرة عندما يقابل طفلة مبتسمة في الشارع، تملأ قلبه بالفرح بلا سبب آخر سوى ابتسامتها الطفولية؟ أليست كل هذه المشاهد مواعيد للمرء مع السعادة؟ السعادة تكمن في كل زاوية، في لمحة صغيرة، في حديث عابر، في ابتسامة، في دعوة، في لحظة طمأنينة، في إنجاز بسيط. نحن الذين نغفل عنها لأننا نبحث عنها في مكان بعيد، ولو أننا فهمنا أن السعادة ليست في ما نمتلكه من أشياء، بل في قدرتنا على الرضا، لتغيرت حياتنا. ليتنا ندرك أن السعادة ليست حلمًا بعيدًا أو حلمًا محجوزًا لمن يسعى للوصول إلى شيء معين، بل هي لحظات متجددة متغيرة متناوبة في كل يوم. السعادة موجودة في القلوب الراضية، وفي الأرواح الطاهرة، وفي الأبصار التي تلتقط جمال الحياة حتى في أصغر تفاصيلها، وما علينا سوى أن نرصد واقعنا بعين القناعة والتفاؤل، نتخلى قليلًا عن النظارة السوداء، فندرك أن مواعيد السعادة لا تنتهي.
642
| 14 ديسمبر 2025