رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم تشهد ثورة من ثورات الربيع العربيّ حالةً من الاصطفاف الإقليمي كما شهدتها الحالة السوريّة. ويعود السبب في ذلك إلى أنّ سورية تشكّل بيضة القبان في توازناتٍ إقليميّة دقيقة، فأيّ طرفٍ يستميلها يكون قد غيّر ميزان القوى الإقليمي لمصلحته بشدّة.. أما دولياً فإن الأمر يبدو مختلفاً بعض الشيء، إذ لا تشكّل سورية حالة مهمّة بذاتها بالنسبة إلى القوى الكبرى في النظام الدولي، وتحديدًا روسيا والولايات المتّحدة، إلا بمقدار ما يتم تجييرها كأداة للضغط على الطرف الآخر للحصول على مكاسب في قضايا أكثر جوهرية.
إن غياب هذه الرؤية يدفع إلى التبسيط أحياناً في تفسير الموقف الروسيّ من الأزمة السوريّة بوجود عقود سلاح بين الطرفين أو اهتمام الروس بالقاعدة البحريّة في طرطوس، فهذه الأسباب أضعف من أن تفسر السياسة الروسية المتشدّدة في دعم النظام السوري، فعقود السلاح الروسيّة مع سورية تكاد قيمتها لا تذكر، أمّا قاعدة طرطوس فهي صغيرة جدًّا ولا تستطيع استيعاب السفن الروسيّة الكبيرة، فضلاً عن ذلك، فقد استأثرت طرطوس باهتمام روسيا فقط عندما هددت أوكرانيا عام 2008 بعدم تجديد العقد الذي يسمح لأسطول البحر الأسود الروسيّ باستخدام القاعدة البحريّة في سيفاستبول، والذي كان مقرّرًا أن تنتهي مدّته عام 2017، أما الآن وبعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وأصبحت سيفا ستبول جزءاً من الأراضي الروسية، لم يعد هناك ما يبرر اعتبار طرطوس ذات قيمة بالنسبة إلى موسكو.
في العموم، تعتقد روسيا أنّ إدارة الرئيس أوباما قامت بخداعها عندما أعربت عن رغبتها في انطلاقةٍ جديدة في العلاقات بين البلدين، وهو الانطباع الذي تركه لقاء وزيرة الخارجية الأمريكيّة هيلاري كلينتون مع نظيرها الروسيّ سيرجي لافروف في موسكو عام 2009 عندما أمسك الطرفان "بزرّ كهربائي"، وضغطا عليه سويّة للإعراب عن رغبتهما المتبادلة في تجاوز التوتّر الذي ساد في حقبة الرئيس بوش الابن.. وقد حصلت واشنطن إثر ذلك على موافقة روسيّة لتوفير ممرٍّ لإيصال الإمدادات إلى القوّات الأطلسيّة في أفغانستان بدلًا من خطوط الإمداد الباكستانيّة التي أصبحت أقلّ أمنًا نتيجة الهجمات المتكرّرة عليها، من جهة أخرى، ساندت روسيا قرارًا في مجلس الأمن يقضي بفرض عقوباتٍ إضافيّة على طهران بخصوص برنامجها النووي وذلك في صيف عام 2010، كانت موسكو تأمل من وراء هذا التعاون الحصول على تنازلاتٍ أمريكيّة مرتبطة بنشر الدرع الصاروخيّة على تخوم روسيا في وسط أوروبا وشرقها، بدلًا من ذلك، استمرّت الولايات المتّحدة في إقامة هذه الدرع التي تعتقد روسيا أنّ هدفها الأساسيّ هو شلّ قدرات الردع الإستراتيجية التي تملكها، بل قامت واشنطن بنشر رادار متقدّم مرتبط بالدرع في تركيا في عام 2011.
وعلى الرغم من أنّ واشنطن كانت قد تخلّت منذ وقت طويل عن خططها الرامية لضمّ جورجيا وأوكرانيا إلى حلف الأطلسي، فإن روسيا تعتقد أنّ إدماج جميع دول أوروبا الشرقيّة ودول البلطيق الثلاث - التي كانت يومًا جزءًا من الاتحاد السوفييتي - أمنيًّا في الناتو واقتصاديًّا في الاتّحاد الأوروبيّ هي استمرار لجهدٍ أمريكيّ متواصل لمحاصرة موسكو.
ومع أنّ الرئيس بوتين تمكّن خلال ولايته الثانية (2004-2008) من استغلال انشغال واشنطن بالشرق الأوسط لاستعادة نفوذ روسيا في بعض مناطق القوقاز وآسيا الوسطى، فهو يطمح خلال ولايته الرئاسية الحالية التي بدأت في مايو 2012 إلى تحقيق مزيد من المكاسب عبر إنشاء الاتّحاد الأوراسي، وذلك قبل أن تتعافى واشنطن من آثار حربَي العراق وأفغانستان وتعود للتركيز على أوراسيا، وهو الأمر المتوقّع حصوله العام القادم.
وعندما بدأت الأزمة السوريّة كانت موسكو منشغلة بقضايا داخليّة وخارجيّة ليس من ضمنها سورية. داخليًّا، كانت الاستعدادات تجري على قدمٍ وساق لإعادة بوتين إلى الكرملين.
وقد أدّى الدعم الأمريكيّ المادّي والمعنوي للمعارضة الروسيّة التي تعاظم نفوذها مع اتّهاماتٍ لبوتين بالإشراف على تزوير الانتخابات البرلمانيّة في نوفمبر 2011 ثمّ انتقلت لتستهدف عودته إلى الرئاسة، إلى اعتقاد روسيّ أنّ واشنطن تسعى لنقل رياح التغيير العربيّ إلى موسكو.
من جهةٍ ثانية، أثار الاستغلال الأمريكيّ لقرارات مجلس الأمن بخصوص ليبيا (1970 و1973) وتحوير هدفها من حماية المدنيّين إلى إطاحة القذّافي استياءً شديدًا في موسكو التي شعرت بالغبن، بعد أن خسرت عقود تسليح بمليارات الدولارات مع نظام القذّافي.
ارتياب موسكو من دعم أمريكا تيّارات الإسلام السياسي في العالم العربيّ وعدم ممانعة وصولها إلى السلطة، وضعها أيضًا في موقع الخائف من تصاعد هذا المدّ في أقاليمها الإسلاميّة، وهي التي لم تنس بعد تجاربها في أفغانستان والشّيشان. فضلًا عن ذلك، تتوجّس روسيا من تنامي النفوذ التركيّ في العالم العربيّ بفعل النجاح الاقتصاديّ والسياسي الذي حقّقه النموذج الإسلاميّ لحزب العدالة والتنمية، وباعتبار أنّ تركيا هي وريث الدولة العثمانيّة، وخصم روسيا التاريخي مع ملاحظة ما لها من نفوذٍ وامتدادات في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلاميّة، لا بدّ أنّ ذلك أثّر في الحسابات الروسيّة.
وقد ساهم النظام السوريّ في تغذية مخاوف روسيا من تعاظم النفوذ التركيّ من جهة وارتباطه بتيّاراتٍ دينيّة من جهةٍ أخرى، عبر تصوير الاحتجاجات على أنّها حركة إسلاميّة سنّية تسعى إلى إطاحته وإحلال نظامٍ قريب من أنقرة في دمشق.
لذلك قرّرت موسكو أن تلعب لعبة الإسلام الشيعيّ الذي تقوده إيران في مواجهة الإسلام السنّي الذي تمثّله تركيا، انطلاقًا من أنّ سقوط الأوّل الذي تمثّل سورية أهمّ أركانه يعني تحوّلًا إستراتيجيًّا لغير مصلحتها في منطقة الشرق الأوسط.
في السياق نفسه، تعتقد موسكو أن سقوط النظام السوري في دائرة النفوذ التركي يعني فتح خطوط الطاقة (الغاز تحديداً) من الخليج إلى أوروبا عبر سورية وتركيا، ما يعني انعتاق تركيا وأوروبا من الابتزاز الطاقوي الروسي، وهو ما يعني تحولاً إستراتيجيا لغير مصلحة روسيا التي لم يبق لها من مظاهر النفوذ والتأثير في العالم إلا حق الفيتو في مجلس الأمن واحتياطاتها الكبيرة من النفط والغاز.
لهذه الأسباب ذات الطابع الجيوستراتيجي أمّنت موسكو شبكة حماية دولية للنظام السوريّ، لأن سقوطه يعني إضعافًا لها ولإيران التي غدت تشكّل جزءًا أساسيًّا من إستراتيجية الكرملين لمواجهة الدور التركيّ الصاعد وسياسات واشنطن الرامية إلى محاصرته.
وفي انتظار نضج الموقف الأمريكيّ لإبرام صفقة إستراتيجية مع موسكو في عموم الصراع الدائر في الشرق الأوسط وأوراسيا، فإنّ روسيا ستبقى على الأرجح متمسّكة بموقفها.
النهايات السوداء!
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي... اقرأ المزيد
288
| 12 ديسمبر 2025
عام على رحيل الأسد وانتصار الشعب
كان منتدى الدوحة المنعقد يومي 6 و7 ديسمبر الجاري فرصة متاحة للرئيس أحمد الشرع حتى يستخلص العبر من... اقرأ المزيد
96
| 12 ديسمبر 2025
نسيج الإنسان في مدارس قطر
اسمي موناليزا… نعم، أعرف ماذا تفكّرون الآن! مثل اللوحة الإيطالية الشهيرة تمامًا، لكن بيننا فرق بسيط: هي تجلس... اقرأ المزيد
156
| 12 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4356
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2304
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2256
| 10 ديسمبر 2025