رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الجديد أنهم يجلسون علناً مع "الشيطان الأكبر"

للمرة الأولى في أكثر من ثلاثة عقود، تجري إيران محادثات علنية مباشرة مع الولايات المتحدة التي تعتبرها خصمها الأكبر على الساحة الدولية، وتطلق عليها في أدبياتها السياسية والأيديولوجية لقب "الشيطان الأكبر".. إذ جرى خلال هذا الشهر لقاءان علنيان بين نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره الأمريكي وليام بيرنز في جنيف وفيينا، وبحضور ممثل عن الاتحاد الأوروبي وذلك في محاولة "لإزالة العقبات التي تعترض سبيل التوصل إلى اتفاق لحل أزمة الملف النووي الإيراني". منذ الثورة الخمينية عام 1979، بنى النظام الإيراني جزءا كبيرا من شرعيته في الداخل وبين مواليه في الإقليم على العداء للولايات المتحدة وسياساتها، ومن ثم القطيعة التامة معها، لذلك لا ينبغي أبداً التشكيك بوجود حالة من التنافر بين طهران وواشنطن وذلك منذ أن توقفت إيران عن تأدية دور الحارس للمصالح الأمريكية في منطقة الخليج بعد سقوط نظام الشاه.. فمنذ ذلك الحين تحولت إيران إلى منافس يسعى إلى الهيمنة الإقليمية وبما يتعارض في كثير من الأحيان مع جوهر المصالح الأمريكية، التي كانت وما تزال تقتضي منع أي قوة إقليمية كانت أو دولية من السيطرة على منطقة الخليج بثرواتها النفطية الهائلة وموقعها الجيوبولتيكي الهام. لكن التناقض مع واشنطن لم يخف يوماً رغبة إيرانية دفينة في التوصل إلى تفاهم معها تعترف بموجبه لنظام الجمهورية الإسلامية بما كانت تعترف به لنظام الشاه قبل الثورة من مكانة ونفوذ إقليمي، لا يتعارض بالضرورة مع جوهر المصالح الأمريكية بل قد يقوم بخدمتها. لذلك، ورغم كل الضجيج الأيديولوجي في الخطاب السياسي للنخبة الإيرانية، والاتهامات التي تكال إلى الخصوم سواء في الداخل أو الخارج بالتعامل مع واشنطن، إلا أن التواصل السري الأمريكي-الإيراني لم ينقطع حتى في أكثر المراحل تأزماً في العلاقات بين البلدين وفي أكثر الفترات "ثورية" في تاريخ الجمهورية الإسلامية. ففي الشهور الأولى لاندلاع الثورة في إيران، أرسل الرئيس جيمي كارتر، وكان بدأ يفقد الأمل في قدرة الشاه على مواجهة غضب الشارع والاستمرار في الحكم، بوزير العدل في إدارته رمزي كلارك للقاء آية الله الخميني في باريس وعرض عليه الاعتراف بحكومة الثورة واحترام الاتفاقات الثنائية بين طهران وواشنطن بما فيها عقود التسليح، وبالفعل جرى استئناف صادرات الأسلحة الأمريكية إلى إيران وذلك كبادرة حسن نية اتجاه حكومة الثورة. كما أفرجت أمريكا عن قطع غيار عسكرية أخرى مهمة جرى شحنها لإيران عن طريق مدريد. وحتى اقتحام سفارتها في طهران ظلت أمريكا تراهن على استعادة إيران عبر تأييدها لحكومة مهدي بازرجان أول رئيس وزراء إيراني في عهد الجمهورية، حيث جرى ترتيب اجتماع له في الجزائر مع مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر زبغينو بريجنسكي.. لكن اقتحام السفارة واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكان رهائن في طهران ثم طرد بازرجان في خضم الصراع بين مختلف قوى الثورة بدد كل آمال واشنطن باستعادة إيران. رغم ذلك، ومع اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية مالت إدارة الرئيس كارتر إلى تأييد إيران ضد العراق الذي كان في ذلك الوقت حليفاً لموسكو، بيد أن الفكرة لم تتطور بسبب أزمة الرهائن والخوف من ردود فعل الرأي العام في الولايات المتحدة، لكن إدارة الرئيس ريغن التي خلفت كارتر عادت إلى دراسة الفكرة بعد أن أطلقت طهران سراح الرهائن وردت واشنطن بالإفراج عن صفقة أسلحة جديدة لها، كما قام البنتاجون بتزويد إيران بصور التقطتها الأقمار الصناعية الأمريكية تبين مواقع وتحشدات القوات العراقية على خطوط المواجهة الرئيسة.. وبسبب الخشية من افتضاح العلاقات العسكرية مع طهران، أوكلت واشنطن ملف تسليح إيران إلى إسرائيل، لكن التحالفات تغيرت عندما بدأت كفة إيران ترجح خلال معارك عامي 1982-1983، فقام دونالد رامسفيلد مبعوثاً عن إدارة الرئيس ريغان بزيارة بغداد، ومهّد لعودة العلاقات بين البلدين في عام 1984، هذا في الوقت الذي ظلت فيه إسرائيل تزود إيران بالأسلحة الأمريكية حتى انكشف أمرها عام 1986.بعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية ووفاة الخميني، حاول الثنائي خامنئي- رفسنجاني تنشيط قنوات الاتصال مع الأمريكيين، لكن هؤلاء لم يعودوا مهتمين كثيراً باستعادة إيران بسبب انتهاء الحرب الباردة واعتماد سياسة الاحتواء المزدوج لكل من العراق وإيران، بيد أن هذا لم يمنع تجدد المحاولة مع الرئيس خاتمي الذي خاطب الشعب الأمريكي عبر قناة السي إن إن في آب 1998، في حين ردت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت بما يشبه اعتذارا عن قيام بلادها بدعم الانقلاب على حكومة رئيس الوزراء محمد مصدق عام 1953 وإعادة الشاه إلى الحكم. لكن هذه المحاولة لم تتطور بسبب اشتداد الخلاف بين النخب الإيرانية الحاكمة بشكل كاد يهدد موقع مرشد الجمهورية، الذي استخدم العداء لأمريكا سلاحاً في وجه خصومه الداعين إلى تقارب مع الغرب.استغلت إيران أحداث أيلول سبتمبر 2001 لتقدم نفسها لإدارة بوش الابن حليفاً في مواجهة "التطرف السني" الذي ضرب واشنطن ونيويورك، فسمحت للأمريكيين باستخدام أجوائها في غزو أفغانستان، لا بل قامت بنقل جنود أمريكيين على متن طائرات نقل خاصة بها إلى شمال أفغانستان.. لكن إدارة بوش خيبت أمل الإيرانيين عندما ردت لهم الجميل بضمهم إلى محور الشر إلى جانب العراق وكوريا الشمالية. لكن هذا لم يمنع طهران من تقديم المساعدة مجددا أثناء التحضير لغزو العراق، فجرى نقل الآلاف من ميليشيا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة باقر الحكيم فمهدوا للأمريكيين دخول بغداد قبل أن يعيثوا فيها فساداً.أخيراً، كان ملفتاً مقدار السرية التي أحاط بها المسؤولون الإيرانيون والأمريكيون اجتماعاتهم التي كانت تستضيفها سلطنة عمان منذ وصول الرئيس أوباما إلى الحكم عام 2009، وتكثفت في الشهور الأخيرة لتسفر عن التوصل إلى اتفاق جنيف النووي المؤقت في شهر نوفمبر الماضي.. إذ لم يعلم بهذه الاتصالات حتى أقرب حلفاء واشنطن بمن فيهم إسرائيل، أما الفرنسيون والروس فقد أصيبوا بما يشبه الصدمة عندما جرى الكشف عن حقيقة ومدة هذه الاتصالات، الآن وبعد أن تكشف كل ذلك يبدو أن الإيرانيين خاصة ما عادوا متحرجين من إجراء هذه اللقاءات في العلن، رغم أنهم مازالوا مستمرين في استخدام خطاب العداء لأمريكا أداة للحشد والتعبئة تقل الحاجة إليها أو تزيد حسب مقتضيات الحاجة والظرف.

1631

| 03 يوليو 2014

مقاربة أمريكية جديدة: العودة إلى موازين القوى

تقول إدارة الرئيس أوباما إنها تنهي هذا العام سحب قواتها القتالية من أفغانستان بغض النظر عما إذا وافقت الحكومة الأفغانية على توقيع اتفاق حول ترتيبات أمنية تنظم بقاء نحو تسعة آلاف من جنودها في هذا البلد حتى العام 2016 وذلك لأغراض تدريب قوات الأمن والجيش المحلية ولحماية السفارة الأمريكية في كابول. وكانت واشنطن قد أنهت في العام 2011 سحب قواتها من العراق دون التوقيع على اتفاقية أمنية مماثلة مع حكومة المالكي، وبذلك تكون إدارة الرئيس أوباما قد نفذت تعهداتها بطي صفحة التدخل العسكري المباشر التي أصبحت سمة ملازمة للسياسة الأمريكية في فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث بدأت بغزو بنما عام 1989 ثم حرب تحرير الكويت عام 1991 وتصاعدت في عهد إدارة الرئيس بوش الابن لتشمل غزو أفغانستان والعراق.أوباما يقول إن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً بشكل مباشر بعد الآن (بمعنى إنزال قوات أمريكية على الأرض) إلا إذا استدعت ذلك مصلحة أمريكية حيوية. وسيتم الاستيعاض عن هذه السياسة التي أرهقت أمريكا مالياً واستنزفتها معنويا وأزهقت أرواح الآلاف من جنودها بمقاربة مختلفة تقوم على إنشاء موازين قوى إقليمية في مناطق العالم المختلفة حيث تتكفل القوى الإقليمية المتصارعة بموازنة بعضها، ويقتصر الدور الأمريكي على إدارة هذه الموازين من خلال الدعم المادي والاستخباراتي وتقديم الأسلحة والتدريب للقوات الحليفة. وقد بدأ تطبيق هذه الإستراتيجية في سورية، ثم جرى توسيعها لتشمل الإقليم بأكمله.ففي سورية تقود الولايات المتحدة حرب استنزاف ضد جميع من تصنفهم أنهم خصوم عبر إنشاء ميزان قوى لا يسمح لطرف بالانتصار على الآخر، فهناك يجري استنزاف إيران وأدواتها وأذرعها، كما يجري استنزاف القاعدة وحلفائها. أما إقليميا، فمن خلال الانفتاح على إيران تحاول واشنطن أن تدمج طهران في ميزان القوى الإقليمي بدلا من الاستمرار في عزلها وإقصائها، فيتم احتواء النفوذ الإيراني الذي انفلت بعد إسقاط العراق وشكل ما يشبه قوس النفوذ الممتد من العراق إلى سورية إلى لبنان، عبر إنشاء معسكر مقابل يضم السعودية ومصر والأردن دون أن ننسى دور إسرائيل في هذا الصدد.في أوروبا نجحت الولايات المتحدة في استغلال قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم، كتعويض عن سقوط أوكرانيا مرة أخرى في أحضان الغرب، في إيقاظ مخاوف أوروبا التاريخية من السياسات الروسية، والقضاء من ثم على فرص التقارب الألماني-الروسي والتي كانت قائمة على معادلة التكامل بين موسكو وبرلين، حيث تقدم روسيا طاقة رخيصة ويدا عاملة ماهرة لألمانيا في مقابل تكنولوجيا متقدمة واستثمارات ألمانية كبيرة في روسيا. بسبب الأزمة الأوكرانية ضاعت فرص التفاهم الاستراتيجي الروسي-الألماني الذي طالما أخاف واشنطن، حيث بدأت ألمانيا تسعى لإيجاد بدائل عن الطاقة الروسية فيما راحت موسكو تسعى لإيجاد بدائل عن الأسواق الألمانية. هنا أيضاً بدأ يتشكل ميزان قوى تتمكن من خلاله واشنطن من احتواء روسيا وإنشاء حزام صد أوروبي يمتد من استونيا على بحر البلطيق وحتى أذربيجان في عمق القوقاز.أما في الشرق الأقصى الذي تعطيه إدارة أوباما أولوية على غيره من مناطق العالم نتيجة ضمه لأكبر اقتصادات العالم الناشئة وقواه النووية الرئيسة (روسيا-الصين وبالقرب منها كوريا الشمالية الهند والباكستان) فقد اعتمدت واشنطن سياسة ما يسمى التمحور حول آسيا (Pivot to Asia). ومنذ مجيء إدارة أوباما بدأ التركيز على منطقة الباسفيك انطلاقا من أن إدارة بوش الابن وفي غمرة انشغالها بحروب غير ذات معنى على ما يسمى الإرهاب في العالمين العربي والإسلامي، تركت فرصة للصين التي تشكل خطراً استراتيجيا على المصالح الأمريكية في الشرق الأقصى للصعود وبسرعة كبيرة. لكن واشنطن المتعبة من حروب استنزفتها في العالم الإسلامي لا تريد الانخراط في أي مواجهة جديدة مع خصم بحجم الصين، لذلك لجأت إلى استغلال مخاوف دول المنطقة من الصعود الصيني لإنشاء ميزان قوى هنا أيضا. وقد ساعدت بكين في تحقيق هذه الغاية بدل أن تحول دون ذلك.فتزايد الإنفاق العسكري الصيني بشكل غير مسبوق في السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تحولت الصين إلى ثاني أكبر إنفاق عسكري بعد الولايات المتحدة في العالم، فضلا عن فرضها لمنطقة عزل جوي تمتد إلى 300 كم داخل مياه بحر الصين الجنوبي، يضاف إليها نزاعاتها الحدودية مع جيرانها، كل ذلك أدى إلى توتير العلاقات الصينية مع اليابان والفلبين وفيتنام وكوريا الجنوبية وغيرها، فما كان من هذه الدول إلا أن بدأت تتكتل وتتقارب مع واشنطن في محاول لحماية نفسها من الصعود الصيني. وكما في أوروبا حيث تتجه الأمور إلى عملية احتواء روسيا، بدأت واشنطن تعمد إلى احتواء الصين في إقليمها عبر إنشاء تحالفات بين القوى الصغيرة المتوجسة، وعبر حث اليابان على زيادة إنفاقها العسكري ورفع وتيرة تصنيعها الحربي.بهذه الطريقة تكون إدارة أوباما في طريقها للعودة إلى العقيدة الإستراتيجية التي حكمت السياسة الأمريكية منذ مطلع القرن العشرين، حيث يجري إنشاء موازين قوى إقليمية تحتوي من خلالها الأطراف الإقليمية المختلفة بعضها بعضاً وعندما يحين الوقت تتدخل الولايات المتحدة بضربة قاضية للخصم، هذا ما حصل في الحرب العالمية الأولى، عندما تدخلت واشنطن بعد ثلاث سنوات من اندلاع القتال على المسرح الأوروبي لتفرض الاستسلام على ألمانيا بعد أن جرى إنهاك روسيا، وهو ما حصل أيضاً في الحرب العالمية الثانية حيث تدخلت أمريكا في مسرح الحرب الأوروبي في العام الأخير فقط عندما حصل إنزال النورماندي عام 1944 والذي على إثره جرى القضاء على ألمانيا ولكن بعد أن اُنهكت القوى الأوروبية. إدارة أوباما تحاول العودة إلى هذه السياسة وهي تنجح في ذلك بسبب مقاومتها إغراءات التدخل المباشر والضغوط الداخلية والخارجية التي تشجع عليه.

1024

| 05 يونيو 2014

إيران تسقط "التقية" دفاعاً عن مشروعها الإقليمي

أثارت تصريحات الفريق يحيى رحيم صفوي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار العسكري للمرشد الإيراني، في أصفهان بمناسبة الذكرى السنوية لاسترجاع إيران منطقة شلمجة ومدينة خرمشهر "المحمرة" من سيطرة الجيش العراقي عام 1983، اهتماماً كبيراً في أوساط المتابعين للشأن الإيراني. صفوي قال إن حدود بلاده "الغربية لا تقف عند شلمجة - على الحدود العراقية غربي الأهواز- بل تصل إلى جنوب لبنان". وأضاف: "هذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط"، في إشارة إلى حدود الإمبراطوريتين الأخمينية والساسانية الفارسيتين قبل الإسلام. وبغض النظر عن المناسبة التي صدرت خلالها هذه التصريحات، فإنها تعبر في حقيقة الأمر عن تفكير ورؤية صانع القرار الإيراني، خاصة وأن صفوي يعتبر من أركان النظام وأحد أهم الاستراتيجيين فيه. كما أنها تعبر من جهة أخرى عن حلم تاريخي مازال يراود الإيرانيين بغض النظر عن نظام الحكم القائم في بلادهم. فما تسعى إليه الجمهورية التي تصف نفسها بالإسلامية لا يختلف بالمطلق عما كان يسعى إليه النظام الشاهنشاهي وأن تباين الإطار الأيديولوجي الذي اعتمده كل منهما –القومية الفارسية في عهد الشاه وخليط من الشيعية السياسية مع قليل من القومية الفارسية في عهد الجمهورية. ففي عهد الأسرة البهلوية التي بدأ حكمها عام 1921 حاولت إيران استغلال فرصة انهيار عدوها التاريخي - الدولة العثمانية – مع نهاية الحرب العالمية الأولى، لإعادة تشكيل المنطقة لصالحها من خلال الهيمنة على العراق، الذي ظل لقرون ساحة صراع عثمانية - فارسية. لكنها فشلت في ذلك بعد أن سارعت القوى الغربية المنتصرة في الحرب إلى تقاسم تركة الرجل المريض، وكان العراق ومنطقة الخليج من نصيب بريطانيا، ولم تلبث إيران نفسها أن وقعت تحت هيمنة البريطانيين الذين سيطروا على مقدرات البلاد وقرراها من خلال شركة النفط الانجلو-إيرانية. بالمثل، لم يؤد انهيار الهيمنة الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية على المنطقة إلى تعزيز فرص إيران، خاصة وأن الدولتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، اقتسمتا النفوذ في المنطقة بما يتناسب ومصالحهما خلال الحرب البادرة، فضلاً عن أن الدول العربية المستقلة حديثاً كانت قد شكلت الجامعة العربية كإطار سياسي وأمني عربي، تحول في الفترة الناصرية، مع قيادة مصر للعالم العربي، إلى مركز ثقل إقليمي كان من الصعب تجاوزه. هذه العوائق دفعت إيران إلى اتباع طرق صبورة ومعقدة وغير مباشرة لبناء النفوذ، توسلت فيها وسائل القوة الناعمة، كاختراق المجتمعات المجاورة والتبشير المذهبي. فخلال القرن التاسع عشر نجحت طهران في اختراق شيعة جنوب العراق، وفي القرن التالي، تمكنت من اختراق شيعة لبنان وزيدية اليمن وعلويي سورية. ونتيجة ضعفها البنيوي ووجود عوائق خارجية كبيرة تحول دون تحقيق غاياتها في الهيمنة الإقليمية، وضع الشاه إستراتيجية للتعامل مع الخليج والهلال الخصيب، شملت في مرحلتها الأولى تعزيز القوة الإيرانية في الخليج العربي تحت مزاعم محاربة التغلغل الشيوعي وملء الفراغ الناجم عن انسحاب بريطانيا من شرق السويس. وفي مرحلتها الثانية عملت طهران على تحييد العراق واحتوائه من خلال اتفاقية الجزائر لعام 1975، وتعزيز العلاقات مع إسرائيل ونظامي حافظ الأسد في سورية وأنور السادات في مصر. وباستثناء تغير العلاقة مع مصر وإسرائيل، سارت الثورة الإيرانية على ذات النهج. أما في لبنان فقد استثمرت طهران في بناء حزب الله كذراع عسكري انحصر نشاطه في تحقيق مصالحها وتحويلها إلى جزء فاعل في ميزان القوى العربي - الإسرائيلي. إلا أن إيران لم تنجح مع ذلك في حجز مقعد لها على طاولة تشكيل النظام الإقليمي ورسم مستقبل المنطقة بعد انتهاء الحرب البادرة، بسبب سياسة الاحتواء المزدوج التي فرضت عليها مع العراق من قبل واشنطن. إذ وجدت إيران نفسها مستبعدة من اتفاق الطائف اللبناني ومن عملية السلام التي أطلقها مؤتمر مدريد، فلجأت إلى وسائل العنف لتأكيد وجودها والحيلولة دون تهميش دورها، فاستهدفت بعملياتها السرية السعودية ومصر، كما جهدت لتخريب مفاوضات السلام مع إسرائيل، عبر استخدام حزب الله والفصائل الفلسطينية المعترضة على النهج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. لكن كل ذلك لم يجد بفك العزلة عنها وإشراكها في عملية صياغة نظام ما بعد الحرب الباردة إقليمياً إلى أن لاحت الفرصة مجدداً بعد سبتمبر 2001.تعد إيران أبرز المستفيدين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة. فقد قامت واشنطن على أثرها بإزالة اثنين من ألد خصوم إيران الإقليميين، في الشرق حيث أطاحت إدارة بوش الابن بحكم طالبان وفي الغرب قامت بغزو العراق وتحطيم آلته العسكرية، التي طالما شكلت التهديد الاستراتيجي الأبرز لإيران والعقبة التي تحول دون توسع نفوذها الإقليمي غربا. ورغم أن إيران كانت في وضع جيواستراتيجي ضعيف عموماً، الا أنها شهدت حالة صعود في قوتها مستفيدة من الغزو الأميركي للعراق عام 2003. فقد أدى الاحتلال إلى تفكيك الدولة وحل الجيش الذي هزمها سابقاً، وخلق من ثَمَّ فراغ سلطة لم يستطع الأمريكيون ملأه نتيجة عدم وجود قوات كافية لهم على الأرض، فيما كان الإيرانيون مهيأين أكثر للاستفادة من هذا الوضع نتيجة استعداداتهم أثناء التحضير للغزو، فقاموا بدعم قوى وتيارات عراقية معارضة كانوا استضافوها لزعزعة حكم صدام حسين، سرعان ما تحولت إلى ميليشيات قوية بعد عام 2003 حيث جرى تمويلها وتسليحها. وفي الوقت الذي انشغل فيه الأمريكيون بمواجهة "سنة العراق" الذين قاوموهم باعتبارهم محتلين، تحركت القوى والميليشيات الشيعية لملآ الفراغ، واتضح ذلك جلياً مع اندلاع الحرب الأهلية بعد تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء في فبراير 2006. وعندما قررت الولايات المتحدة البدء بالانسحاب نتيجة ضغوط شعبية وبتأثير الأزمة المالية، كانت القوى السياسية الشيعية وجلها يتلقى دعمه من إيران قد أمسكت بمفاصل السلطة في العراق. وهكذا تمكنت إيران ليس فقط من تحييد العراق بل حتى والسيطرة عليه عبر أدواتها، معتبرة ما جرى نصرا على المستوى الاستراتيجي بعد أن كان العراق هزمها مع نهاية حرب الثماني سنوات. وهكذا ارتسمت معالم قوس النفوذ الإيراني الممتد من مناطق غرب أفغانستان ذات الغالبية الشيعية إلى شواطئ المتوسط، والمعركة التي تخوضها إيران اليوم على امتداد الهلال الخصيب هي معركة تكريس وترسيخ قوس النفوذ هذا، الأمر الذي أخذ المسؤولون الإيرانيون يتحدثون عنه مؤخراً دون مواربة، "فالتقية" كانت تلزم أيام الضعف، أما الآن فلم تعد إيران بحاجة إليها.

1082

| 29 مايو 2014

في دوافع الموقف الروسي من الأزمة السورية

لم تشهد ثورة من ثورات الربيع العربيّ حالةً من الاصطفاف الإقليمي كما شهدتها الحالة السوريّة. ويعود السبب في ذلك إلى أنّ سورية تشكّل بيضة القبان في توازناتٍ إقليميّة دقيقة، فأيّ طرفٍ يستميلها يكون قد غيّر ميزان القوى الإقليمي لمصلحته بشدّة.. أما دولياً فإن الأمر يبدو مختلفاً بعض الشيء، إذ لا تشكّل سورية حالة مهمّة بذاتها بالنسبة إلى القوى الكبرى في النظام الدولي، وتحديدًا روسيا والولايات المتّحدة، إلا بمقدار ما يتم تجييرها كأداة للضغط على الطرف الآخر للحصول على مكاسب في قضايا أكثر جوهرية.إن غياب هذه الرؤية يدفع إلى التبسيط أحياناً في تفسير الموقف الروسيّ من الأزمة السوريّة بوجود عقود سلاح بين الطرفين أو اهتمام الروس بالقاعدة البحريّة في طرطوس، فهذه الأسباب أضعف من أن تفسر السياسة الروسية المتشدّدة في دعم النظام السوري، فعقود السلاح الروسيّة مع سورية تكاد قيمتها لا تذكر، أمّا قاعدة طرطوس فهي صغيرة جدًّا ولا تستطيع استيعاب السفن الروسيّة الكبيرة، فضلاً عن ذلك، فقد استأثرت طرطوس باهتمام روسيا فقط عندما هددت أوكرانيا عام 2008 بعدم تجديد العقد الذي يسمح لأسطول البحر الأسود الروسيّ باستخدام القاعدة البحريّة في سيفاستبول، والذي كان مقرّرًا أن تنتهي مدّته عام 2017، أما الآن وبعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وأصبحت سيفا ستبول جزءاً من الأراضي الروسية، لم يعد هناك ما يبرر اعتبار طرطوس ذات قيمة بالنسبة إلى موسكو. في العموم، تعتقد روسيا أنّ إدارة الرئيس أوباما قامت بخداعها عندما أعربت عن رغبتها في انطلاقةٍ جديدة في العلاقات بين البلدين، وهو الانطباع الذي تركه لقاء وزيرة الخارجية الأمريكيّة هيلاري كلينتون مع نظيرها الروسيّ سيرجي لافروف في موسكو عام 2009 عندما أمسك الطرفان "بزرّ كهربائي"، وضغطا عليه سويّة للإعراب عن رغبتهما المتبادلة في تجاوز التوتّر الذي ساد في حقبة الرئيس بوش الابن.. وقد حصلت واشنطن إثر ذلك على موافقة روسيّة لتوفير ممرٍّ لإيصال الإمدادات إلى القوّات الأطلسيّة في أفغانستان بدلًا من خطوط الإمداد الباكستانيّة التي أصبحت أقلّ أمنًا نتيجة الهجمات المتكرّرة عليها، من جهة أخرى، ساندت روسيا قرارًا في مجلس الأمن يقضي بفرض عقوباتٍ إضافيّة على طهران بخصوص برنامجها النووي وذلك في صيف عام 2010، كانت موسكو تأمل من وراء هذا التعاون الحصول على تنازلاتٍ أمريكيّة مرتبطة بنشر الدرع الصاروخيّة على تخوم روسيا في وسط أوروبا وشرقها، بدلًا من ذلك، استمرّت الولايات المتّحدة في إقامة هذه الدرع التي تعتقد روسيا أنّ هدفها الأساسيّ هو شلّ قدرات الردع الإستراتيجية التي تملكها، بل قامت واشنطن بنشر رادار متقدّم مرتبط بالدرع في تركيا في عام 2011. وعلى الرغم من أنّ واشنطن كانت قد تخلّت منذ وقت طويل عن خططها الرامية لضمّ جورجيا وأوكرانيا إلى حلف الأطلسي، فإن روسيا تعتقد أنّ إدماج جميع دول أوروبا الشرقيّة ودول البلطيق الثلاث - التي كانت يومًا جزءًا من الاتحاد السوفييتي - أمنيًّا في الناتو واقتصاديًّا في الاتّحاد الأوروبيّ هي استمرار لجهدٍ أمريكيّ متواصل لمحاصرة موسكو. ومع أنّ الرئيس بوتين تمكّن خلال ولايته الثانية (2004-2008) من استغلال انشغال واشنطن بالشرق الأوسط لاستعادة نفوذ روسيا في بعض مناطق القوقاز وآسيا الوسطى، فهو يطمح خلال ولايته الرئاسية الحالية التي بدأت في مايو 2012 إلى تحقيق مزيد من المكاسب عبر إنشاء الاتّحاد الأوراسي، وذلك قبل أن تتعافى واشنطن من آثار حربَي العراق وأفغانستان وتعود للتركيز على أوراسيا، وهو الأمر المتوقّع حصوله العام القادم. وعندما بدأت الأزمة السوريّة كانت موسكو منشغلة بقضايا داخليّة وخارجيّة ليس من ضمنها سورية. داخليًّا، كانت الاستعدادات تجري على قدمٍ وساق لإعادة بوتين إلى الكرملين. وقد أدّى الدعم الأمريكيّ المادّي والمعنوي للمعارضة الروسيّة التي تعاظم نفوذها مع اتّهاماتٍ لبوتين بالإشراف على تزوير الانتخابات البرلمانيّة في نوفمبر 2011 ثمّ انتقلت لتستهدف عودته إلى الرئاسة، إلى اعتقاد روسيّ أنّ واشنطن تسعى لنقل رياح التغيير العربيّ إلى موسكو. من جهةٍ ثانية، أثار الاستغلال الأمريكيّ لقرارات مجلس الأمن بخصوص ليبيا (1970 و1973) وتحوير هدفها من حماية المدنيّين إلى إطاحة القذّافي استياءً شديدًا في موسكو التي شعرت بالغبن، بعد أن خسرت عقود تسليح بمليارات الدولارات مع نظام القذّافي. ارتياب موسكو من دعم أمريكا تيّارات الإسلام السياسي في العالم العربيّ وعدم ممانعة وصولها إلى السلطة، وضعها أيضًا في موقع الخائف من تصاعد هذا المدّ في أقاليمها الإسلاميّة، وهي التي لم تنس بعد تجاربها في أفغانستان والشّيشان. فضلًا عن ذلك، تتوجّس روسيا من تنامي النفوذ التركيّ في العالم العربيّ بفعل النجاح الاقتصاديّ والسياسي الذي حقّقه النموذج الإسلاميّ لحزب العدالة والتنمية، وباعتبار أنّ تركيا هي وريث الدولة العثمانيّة، وخصم روسيا التاريخي مع ملاحظة ما لها من نفوذٍ وامتدادات في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلاميّة، لا بدّ أنّ ذلك أثّر في الحسابات الروسيّة. وقد ساهم النظام السوريّ في تغذية مخاوف روسيا من تعاظم النفوذ التركيّ من جهة وارتباطه بتيّاراتٍ دينيّة من جهةٍ أخرى، عبر تصوير الاحتجاجات على أنّها حركة إسلاميّة سنّية تسعى إلى إطاحته وإحلال نظامٍ قريب من أنقرة في دمشق. لذلك قرّرت موسكو أن تلعب لعبة الإسلام الشيعيّ الذي تقوده إيران في مواجهة الإسلام السنّي الذي تمثّله تركيا، انطلاقًا من أنّ سقوط الأوّل الذي تمثّل سورية أهمّ أركانه يعني تحوّلًا إستراتيجيًّا لغير مصلحتها في منطقة الشرق الأوسط. في السياق نفسه، تعتقد موسكو أن سقوط النظام السوري في دائرة النفوذ التركي يعني فتح خطوط الطاقة (الغاز تحديداً) من الخليج إلى أوروبا عبر سورية وتركيا، ما يعني انعتاق تركيا وأوروبا من الابتزاز الطاقوي الروسي، وهو ما يعني تحولاً إستراتيجيا لغير مصلحة روسيا التي لم يبق لها من مظاهر النفوذ والتأثير في العالم إلا حق الفيتو في مجلس الأمن واحتياطاتها الكبيرة من النفط والغاز. لهذه الأسباب ذات الطابع الجيوستراتيجي أمّنت موسكو شبكة حماية دولية للنظام السوريّ، لأن سقوطه يعني إضعافًا لها ولإيران التي غدت تشكّل جزءًا أساسيًّا من إستراتيجية الكرملين لمواجهة الدور التركيّ الصاعد وسياسات واشنطن الرامية إلى محاصرته. وفي انتظار نضج الموقف الأمريكيّ لإبرام صفقة إستراتيجية مع موسكو في عموم الصراع الدائر في الشرق الأوسط وأوراسيا، فإنّ روسيا ستبقى على الأرجح متمسّكة بموقفها.

1650

| 22 مايو 2014

رغم كل الضجيج.. تركيا أكثر أهمية و أرجح وزناً من إيران و مصر مجتمعتين

احتدم الصراع على مستقبل المنطقة العربية خلال السنوات الثلاث الأخيرة في ظل فراغ القوة الذي خلفه الانكفاء الأمريكي عنها، وبلغ الصراع أشده في الدول التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربي وعليها، وامتد ليشمل كبيرها (مصر) وصغيرها (تونس وليبيا) وما بينهما (سوريا والعراق واليمن)، لا بل لم يبقَ أحد بمنأى عن التجاذبات بما فيها الدول التي تعد فاعلاً أساسياً في المشهد الإقليمي والطامحة إلى لعب دور مهيمن فيه، كما حدث أخيراً في الانتخابات المحلية التركية، حيث اُستنفرت جهود محلية وإقليمية ودولية لوضع نهاية لحكم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وحزبه، بعد أن ربط هذا الأخير مستقبله بنتيجة الانتخابات، ومن خلال ذلك تغيير المشهد الإقليمي. هذا الصراع ينذر بصعود قوى إقليمية كبرى وانحدار أخرى، وتتركز معظم التحليلات حول مثلث تركيا، مصر وإيران، لتعكس تماماً وضع المعسكرات الثلاث التي انقسمت إليها المنطقة في ظل ثورات الربيع العربي، وهي المحور الداعم للتغيير ومحور مقاومة التغيير، ومحور الممانعة لكل شيء.فكيف تبدو التقديرات حول أي من هذه المعسكرات ستكون الغلبة في هذا الصراع الكبير، وذلك من خلال استعراض فرص واحتمالات صعود وانحدار القوى الثلاث الكبرى فيها (مصر وإيران وتركيا) بناء على مقومات القوة التي تملكها.إذا بدأنا بمصر، نجد وفق كل المعطيات المتوافرة، أنه يكاد يكون من المستحيل لها أن تتبوأ دوراً إقليميا كبيراً في ظل ظروفها الراهنة، لقد حصلت مصر على هذه الفرصة مرتين خلال القرنين الماضيين، الأولى في النصف الأول من القرن التاسع عشر، لكن هذه المحاولة فشلت لأن طموحات محمد علي باشا فاقت بكثير إمكانات مصر وقدراتها من جهة، ولأن المقاومة الغربية لمشروعه كانت كبيرة من جهة ثانية. أما الفرصة الثانية فقد سنحت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لكن مصر لم تتمكن من الاستفادة منها أيضاً لأسباب كثيرة منها، ظروف الحرب الباردة والصراع مع إسرائيل، وفشل النخب الحاكمة المصرية في وضع رؤية سياسية واقتصادية متكاملة تجعل من مصر قاطرة تحديث وتصنيع وتنمية لعموم المنطقة. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، تقلص دور مصر الإقليمي إلى حده الأدنى نتيجة طغيان ترتيبات خلافة الرئيس الأسبق حسني مبارك على ما عداها من أولويات أمنية وتنموية وإستراتيجية. لكن مصر كادت أن تحظى بفرصة ثالثة لو مضت مسيرة التحول الديمقراطي التي أطلقتها ثورة 25 يناير في طريقها رغم العثرات، لكن العسكر قضوا على هذه الفرصة. وفق المعطيات الراهنة تبدو فرص مصر في تأدية دور قيادي في المنطقة أقل من أي وقت مضى، فعدد سكانها يتجاوز 90 مليون نسمة، وناتجها الإجمالي القومي لا يتجاوز 270 مليار دولار بحسب أرقام صندوق النقد الدولي لعام 2013، ما يضعها في المرتبة 41 عالمياً بعد الفلبين وتشيلي ونيجيريا، وتقترب من اليونان التي تصغرها مساحة وسكاناً 10 مرات وتعاني فوق ذلك من أزمة اقتصادية طاحنة. وفي ظل حال عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها مصر حالياً، وما نتج عنها من أضرار طالت قطاعات اقتصادية عديدة، فضلا عن ارتفاع معدلات الأمية، والبطالة، والفقر وهيمنة الجيش على الاقتصاد الوطني وتوزيع ريعه كجوائز ترضية على ضباطه العاملين والمتقاعدين، كل ذلك يجعل من الصعب تصور تحول مصر إلى دولة إقليمية كبرى، لا بل الأرجح أنها ستتحول إلى عبء كبير على عاتق حلفاءها، قبل أن تقع في نهاية المطاف في دوائر نفوذ إقليمية ودولية أخرى. إيران هي الأخرى- رغم كل الضجيج الذي تمارسه – ليست مهيئة للعب دور قوة إقليمية مهيمنة، كما كان الأمر يبدو عليه قبل ثورات الربيع العربي، حتى في ظل تقارب مع الولايات المتحدة، وذلك لأسباب بنيوية منها أن الناتج الإجمالي القومي لإيران ذات الثمانين مليون - بحسب إحصاء 2013 - لا يتجاوز 350 مليار دولار ما يجعلها في المرتبة الثانية والثلاثين على مستوى العالم، حيث تسبقها دول صغيرة مثل فنزويلا وكولومبيا وتايلاند وحتى الإمارات العربية المتحدة على التوالي. وقد فقدت إيران خلال سنوات المواجهة مع الغرب والاستنزاف في مغامرات على مستوى الإقليم إمكانية التحول إلى قوة اقتصادية إقليمية كبرى على غرار تركيا، مثلاً. فضلا عن ذلك، تقع إيران من الناحية الجيوسياسية على أطراف المنطقة، بخلاف تركيا مثلاً الأقرب إلى المركز، وتبدو محاطة ببيئة غير صديقة، فهي أن حاولت التوجه سعيا وراء النفوذ إلى آسيا الوسطى مثلا سوف تكون روسيا لها بالمرصاد، أما شرقاً فهناك أفغانستان التي لا يوجد فيها ما يغري، فيما لا تشكل باكستان صديقاً يمكن الركون إليه، لذلك تجد إيران نفسها منجذبة دائما نحو الغرب، لكن هنا أيضاً تصطدم بالعرب المختلفين عنها بالقومية واللغة والمذهب والمصالح، والمستعدين دائماً لصد نفوذها، خاصة بعد موقفها من الأزمة السورية، وقد أبدوا كل الاستعداد لذلك في السنوات الثلاثة الأخيرة.صحيح أن إيران تبدو إقليميا الأكثر نشاطاً وحيوية، إلا أن هذا النشاط يشكل في العمق نقطة ضعف إيران الأبرز، فهذا الدور لا يشتت قوتها ويستنزف مواردها فحسب بل يضعها في صدام مع معظم قوى الإقليم، العرب والأتراك والباكستانيين، فضلا عن الغرب الذي لا ينظر بارتياح إلى الدور الإيراني، كل هذا يجعل إيران دائما في وضع دفاعي. من هنا تبدو إيران مدركة لحدود قوتها، ويمكن ملاحظة ذلك في التناقض الظاهر بين خطابها وسلوكها. ففي الوقت الذي كانت فيه تصريحات المسؤولين الإيرانيين خاصة في عهد أحمدي نجاد تعد العالم لسيناريو قيام الساعة، كانت تصرفاتهم في السياسية الخارجية محسوبة بدقة فائقة. وكانت سياستها الإقليمية تقوم دائماً على استخدام أطراف ثالثة مثل حزب الله والحوثيين، وإرسال مستشارين ومعونات ودعم عسكري إلى مختلف أنحاء المنطقة لبناء نفوذ لها هنا وهناك، لكنها كانت حذرة جدا في استخدام قوتها بشكل مباشر. فإيران تفضل دائما القتال من وراء ستار – أي حروب الوكالة – بدلا من الانخراط في مواجهات مباشرة مفتوحة حتى مع أطراف أضعف منها.نأتي أخيراً إلى تركيا التي يبلغ عدد سكانها نحوا من 70 مليون نسمة فيما يفوق ناتجها الإجمالي القومي 830 مليار دولار وهي تشكل بذلك الاقتصاد رقم 17 في العالم وتحافظ منذ عقد على معدل نمو سنوي يتراوح بين 5-6 بالمائة، وتجاوز أحيانا 8 بالمائة، ولديها نظام سياسي مستقر وقاعدة صناعية متطورة وقوة بشرية متعلمة. فوق ذلك تحتفظ تركيا بعلاقات قوية مع الغرب وهي لذلك لا تحتاج إلى تخصيص أي مقدرات لمواجهة أعباء التصدي له كما إيران. ولدى الحكومة التركية خطة طموحة للتحول إلى الاقتصاد العاشر في العالم بحلول عام 2023 - عندما تحتفل بالذكرى المئوية لإعلان الجمهورية التركية، ما يعني أنها ستتجاوز في هذه الحالة كل من كوريا الجنوبية والمكسيك وإسبانيا وأستراليا وكندا.ويمثل الاقتصاد التركي بوضعه الحالي ضعفي الاقتصاد الإيراني وثلاثة أضعاف الاقتصاد المصري وأكثر من مجموع الاقتصاديين معاً، فوق ذلك تملك تركيا القاعدة الصناعية الأكثر تطورا في المنطقة وعموم العالم الإسلامي. ويشكل جيشها ثاني أكبر جيوش حلف الناتو بعد الولايات المتحدة. أما من الناحية الجيوبوليتيكة، فإن تركيا تتموضع بين أوروبا والشرق الأوسط وروسيا، ما يجعلها تتحكم بأقصر الطرق البرية والبحرية بين هذه المناطق الثلاث. نقطة ضعف تركيا الأساسية هي افتقارها إلى موارد الطاقة لكن هذه المشكلة يمكن التغلب عليها إذا تغيرت التحالفات السياسية في المنطقة خاصة تلك المرتبطة بالصراع على سوريا، أو إذا بدأ استثمار احتياطات الغاز الكبيرة في شرق المتوسط. وإذا تحررت تركيا من الابتزاز الروسي والإيراني في مجال إمدادات الطاقة فسوف تتلاشى كل القيود التي تمنعها من تبوؤ مكانتها كقطب إقليمي أكبر في المنطقة.من هذا المنطلق وبناء على هذه المعطيات يتضح لنا لماذا يجب أن نستمر في التركيز على تطوير علاقة تحالفية وثيقة مع تركيا حتى لو خسرنا مصر وعادتنا إيران.

1662

| 08 مايو 2014

ليس بالنووي وحده تتحدد علاقات العرب بإيران

منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، انصرف معظم التركيز في علاقة المجتمع الدولي بإيران على القضايا المرتبطة ببرنامج هذه الأخيرة النووي، وما إذا كانت استخداماته مدنية أم عسكرية. ورغم أن بعض الأطراف الإقليمية، خاصة منها دول الخليج العربية، كانت تشكو باستمرار من وجود مشاكل أخرى مع إيران مثل تدخلاتها في الشؤون الداخلية لهذه الدول ومحاولة زعزعة الاستقرار في بعضها، إلا أن الموضوع النووي ظل مع ذلك المحدد الأساسي في علاقة إيران بدول المنطقة والعالم. الآن ومع ظهور مؤشرات قوية على قرب التوصل إلى اتفاق بين القوى الكبرى (5+1) وايران لحل أزمة الملف النووي، قد يتضح للجميع أن وضع هذا الملف في صدارة الاهتمام الإقليمي والدولي لأكثر من عشر سنوات لم يكن في الأصل إلا ذرا للرماد في العيون، وانه ومنذ الكشف عن وجود هذه البرنامج أواخر العام 2003، جرى التركيز على الوسيلة على حساب الغاية، وهي تحول إيران إلى قوة إقليمية مهيمنة في عموم منطقة الخليج والشرق الأوسط. تعد إيران - إلى جانب الصين وروسيا - أكثر المستفيدين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضد الولايات المتحدة، إذ قامت واشنطن على أثرها بإزالة اثنين من ألد خصوم إيران الإقليميين، في الشرق حيث أطاحت إدارة بوش الابن بحكم طالبان، وفي الغرب قامت بغزو العراق وتحطيم آلته العسكرية، التي طالما شكلت التهديد الأمني الإقليمي الأبرز لإيران منذ ما قبل سقوط حكم الشاه عام 1979. خلال العقد التالي انصرفت إيران بدأب لبناء مقومات قوة إقليمية مهيمنة مستفيدة من الارتفاع الكبير في أسعار النفط ومن بيئة جيوبولتيكية تغيرت لصالحها بشدة بفعل التدخل العسكري الأمريكي المباشر، فتحول العراق تدريجيا من خصم إلى منطقة نفوذ مع وصول حلفاء طهران من الأحزاب والتيارات السياسية و الدينية إلى السلطة وسيطرتها على مقدرات الدولة العراقية. بالمثل استفادت ايران من ظروف العزلة الإقليمية والدولية التي فرضت على النظام السوري عقب اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، لزيادة تأثيرها و نفوذها في دمشق بتحولها إلى داعم رئيس لنظام بشار الأسد. كما استغلت إيران العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وعلى غزة مطلع العام 2009 لتجعل من نفسها قائدا لمحور المقاومة في المنطقة، و لاعباً لا غنى عنه في ميزان الصراع العربي-الإسرائيلي. مع مجيء إدارة أوباما إلى الحكم كانت طهران تعد نفسها للحصاد الأكبر – أي ربط مناطق النفوذ التي بنتها بجد خلال العقد الماضي في المنطقة الممتدة من هيرات غرب أفغانستان، حيث تقطن قبائل شيعية قريبة الى ايران، و حتى ساحل المتوسط في بيروت و غزة، مرورا ببغداد و دمشق. جاء أوباما على خلفية أزمة اقتصادية و مالية طاحنة، كان لا بد من احتواء تداعياتها من خلال لملمة القوة الأمريكية المبعثرة في أرجاء العالم الإسلامي، والتي شكلت النزف الاقتصادي و المالي الاكبر في جسد العملاق الأمريكي. تضرعت طهران أملا بفوز أوباما الذي كان وعد بسحب القوات الأمريكية من العراق بنهاية عام 2011، و من أفغانستان بحلول منتصف عام 2014. شكلت هذه الوعود طلائع الانكفاء الأمريكي في المنطقة، و كانت إيران تتحرق شوقاً لملأ الفراغ. لكن الربيع العربي حل مبكرا مطلع العام 2011 و لما يكن الأمريكيون قد انهوا انسحابهم بعد، ولم تكن إيران قد انتهت بعد من تنفيذ مشروعها، فانقلبت حساباتها رأسا على عقب. صحيح أن الربيع ضرب خصوم إيران (نظام مبارك و القذافي مثلا) لكنه ضرب حلفاءها أيضا (في سورية و انتقلت بعض آثاره إلى العراق). وهكذا وفي الوقت الذي كانت تنسحب فيه القوات الأمريكية من العراق، و تتسلم إيران مواقعها، بالمعنى السياسي، كانت قواعد النفوذ الإيراني في سوريا تتآكل و تنهار. و ما كان بدا و كأنه لحظة إعلان قيام الامبراطورية، تحول إلى كابوس يمكن أن تضيع بسببه استثمارات عقد من التخطيط والتفكير والعمل. وبالتوازي مع ترنح النفوذ الإيراني في سورية، وانفلات الوضع الأمني في العراق الذي يحكمه حلفاء طهران، بدأت العقوبات الاقتصادية الأشد التي تفرض في التاريخ على أي دولة، تشل الاقتصاد الإيراني. هنا فقط بدأ الملف النووي - الذي برز كوسيلة لجعل إيران دولة إقليمية مهيمنة - يتحول إلى عبء يمكن أن يهدد ليس فقط مشروع إيران الإقليمي، بل نظام ولاية الفقيه نفسه. وفي هذه اللحظة التي بلغت فيها الضغوط الاقتصادية و السياسية مداها، حصل التحول في تفكير مرشد الثورة و النخبة الحاكمة المحيطة به، فكان قرار التخلص من رموز التيار القومي المتشدد الذي مثله احمدي نجاد و تياره الشوفيني والمجيء برئيس "واقعي" لإنقاذ ليس المشروع فقط بل النظام نفسه، أما الثمن فهو التخلي عن الأداة التي تحولت من مصدر قوة إلى نقطة ضعف قاتلة، البرنامج النووي. خلال الجولة القادمة من المفاوضات يتوقع أن تعلن إيران تخليها عن معظم خططها النووية، ووضع منشآتها تحت الرقابة الدولية، والاكتفاء بجائرة رمزية تحفظ بها ماء الوجه، وهو استمرار التخصيب بنسبة 3.5 (ثلاثة و نصف) بالمائة التي تحتاجها لأغراض طبية، كل ذلك سيكون في مقابل رفع العقوبات وتطبيع العلاقات مع واشنطن و اعتراف بنظامها وربما ببعض نفوذ لها في المنطقة. بالنسبة لدول الخليج العربية، لن يغير تخلي طهران عن برنامجها النووي الكثير، فهذا البرنامج أعد أصلا ليتم التفاوض عليه وتلقي ثمن التخلي عنه بعد استنزاف الغرض منه ". من المهم ان يبدأ الحديث ومن الآن عن الحد من إنتاج واستخدام الأسلحة التقليدية التي تشكل الخطر الأكبر على المنطقة، وما يجب ان يقلق دول الخليج فعلا هو أن تتمكن إيران من تطبيع علاقاتها مع الغرب ورفع العقوبات الاقتصادية في حين تستمر فيه في تعظيم قدراتها العسكرية التقليدية. أن تغيرا حقيقا في علاقة إيران بالمنطقة لن ينتج عن تخلي ايران عن برنامجها النووي، بل سيكون فقط عندما تقبل ايران ان تكون دولة طبيعية في المنطقة، و ان تتوقف عن التطلع إلى ماوراء حدودها للعب دور مهيمن على حساب الجيران و محاولة التدخل في شؤونهم و فرض رؤيتها عليهم. فقط التغيير في الرؤية و السياسة هو ما يسمح بالتقارب و ليس التخلي عن أدوات للهيمنة و استبدالها بأخرى.

866

| 20 نوفمبر 2013

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4092

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1734

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1587

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1410

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1260

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1185

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1158

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

888

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

651

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

606

| 04 ديسمبر 2025

555

| 01 ديسمبر 2025

أخبار محلية