رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إن الذي يجري اليوم في سوريا من أحداث أليمة فاقت في وحشيتها كل تصور لأمر خطير يجب أن يعود بنا إلى مراجعة سريعة لتدارك ما يمكن تداركه في مسلسل الإجرام الأسدي السادي الذي لم يعد يعرف لأي إنسانية معنى، ومع ذلك يدعي كذباً وزوراً أنه يريد الإصلاح في البلاد، وأنى للمفسد أن يصلح؟ وهكذا نقول لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأن المدمن على القتل والترويع والتعذيب والذي يستخدم كل آليات الجيش والأمن والشبيحة لسحق الشعب بحجة الدفاع عن الوطن لا يمكن أن يكون مصلحاً بل يتصف بأدنى صفات الإنسانية، نعم إنه يدعي مقاومة المؤامرة التي نسجها في خياله، سواء كانت داخلية أو خارجية فإذا كان ذلك كذلك في نظره فلماذا تقدم هذه الإصلاحات الموهومة هدية لمن يوصفون بأنهم متآمرون على البلد وينفذون مخططات المشاريع الأجنبية في سوريا، كما يقولون؟!
إنه قد بات أمراً مسلماً أن الاعتداء على المتظاهرين بالقتل والتمثيل والجرح والتنكيل، ومعارضة كل حر واعتقال المفكرين والناشطين الذين يرفضون أن تخيط السلطة شفاههم شأن بربري لا يمكن أن يستمر السكوت عنه من أي جماعة في الوطن الغالي وكذلك من المجتمع الدولي الذي يتغنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، وإن الله في كتابه الحكيم يبين لنا أن من قتل النفس التي حرمها فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً وبين رسوله صلى الله عليه وسلم أن زوال الدنيا جميعاً أهون على الله من دم سفك بغير حق، ونبه فقهاء الإسلام إلى أنه لا يجوز قتل إنسان ولا جرحه رداً حتى على شتم حدث منه أو معارضة كالهتافات التي يطلقها المتظاهرون والمحتجون ضد من يظلم الشعب وإذ إننا نعرف أن الله قال: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) النساء 148.
فإنهم لا يعرفون إلا القتل وسوم أشد العذاب للمظلومين المنادين سلماً بالحرية والكرامة ولكن هؤلاء المتجبرين يدعون أنهم يقومون بواجبهم ضد عصابات مسلحة، ومع أن الشعب كل الشعب والمراقبين الإقليميين والدوليين باتوا يعرفون حق المعرفة هذا الافتراء الذي إنما نصب شبكة احتيال لاصطياد المنتفضين إلا أننا نؤكد ضرورة الدفاع عن النفس والعرض لدى أي اعتداء على أي منهما، بل وكذلك الممتلكات المالية فنحن لسنا محاربين حتى نستباح وإنما نحن محاربون ولابد من الذود بما يسمى قتال الصائل حيث الذي يدهمك في بيتك وقد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: "أرأيت إن دخل أحد في داري يعتدي ويريد أخذ مالي قال: لا تعطه مالك، قال أرأيت إن قاتلني قال: قاتله قال أرأيت إن قتلني قال فأنت شهيد قال: أرأيت إن قتلته قال هو في النار) وكذلك فعل عمر رضي الله عنه مع فتى دافع عن عرضه ورمى الفاحش بالسيف فأقره عمر بل قال: خذ سيفي إن شئت لتدافع عن عرضك، فلا يحق لأي معترض أن يقول: إن ثورتنا ليست سلمية بسبب ما يتخلل ذلك من أحداث لابد فيها من الدفاع عن النفس والعرض بل والمال، فمهما توافرت الاستطاعة للقيام بهذا الجهاد كان لابد من ممارستها لأنه بذلك يتم السلم الحقيقي إذ هو نوع قصاص من المعتدي ردعاً له وقد قالت العرب: القتل أنفى للقتل، وهكذا فإن الثورة السورية سلمية محضة في عمومها وفي خصوصها، ولا يستنكر أي رد لاعتداءات الهمجيين كالذي حدث في حمص وتلبسة والرستن وجسر الشغور وغيرها من بؤر الأحداث، ولن يسوغ أبداً أن يدير أحد خده الأيسر للمعتدي الظالم بعد أن صفعه على خده الأيمن، وإن الإهانات المعنوية والمادية التي ذاقها الشعب في حي الرمل الجنوبي، وخاصة الفلسطينيين في اللاذقية كانت وصمة عار أضيفت إلى سجل هؤلاء القتلة السفاحين، وكذلك فإن إجهاض 142 امرأة في خان شيخون بمحافظة أدلب وانقطاع لبن الرضاع عن كثيرات من النساء، وكل ذلك من الترويع المريع يبرر ما قد يفعله بعض الأحرار للدفاع عن النفس والعرض والمال وكما قلت فهو محقق للسلم من حيث المآل وليس رافعاً له بحال ولقد كان الأجدر بمن يتحذلق ويتشدق بادعاءات العصابات المسلحة أن يعلنها بصراحة لا تقبل الشك أنه لا عصابة مسلحة في سوريا إلا عصابة النظام من جيش وأمن وشبيحة مجرمين، أليس ما رأيناه ونراه من انشقاقات شريفة مثلا داخل الجيش اعتراضاً على ذبح الشعب المسالم دليلاً ساطعاً على أن الراعي الأسدي هو الذئب المسلط على الغنم وهو الفرد الذي لا ند له كما يقولون ويدعون بل كتبوا على اللوحات والجدران لا إله إلا بشار الأسد!
أي إنسانية ترجى من مثل هؤلاء حتى يرجى منهم الإصلاح، الذي يتباهون به وهو مازال حبراً على ورق، حكومة عادل سفر التي لا تملك من أمرها شيئاً، بل لم يجرؤ أي وزير فيها على أن يعترض على هذا القمع الخطير الذي روع الجميع وأطار النوم عنهم في شهر الإحسان والتسامح والسلام، إن مثل هؤلاء الفرديين المستبدين في حكمهم لم يعرفوا أبداً ما أهاب به أبو العلاء المعري بالكرام العظام أن يكونوا غيريين لا أنانيين.
ولو أني حبيت الخلد فرداً
لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا نزلت عليّ ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
لقد نجحت العصابة الأسدية في توزيع الظلم على السوريين في جميع المدن والقرى والأحياء داخلياً وفي كل مكان فيه سوري خارجياً، ولابد لجميع أطياف شعبنا أن ينال حقه وحريته في المشاركة السياسية لإصلاح البلاد وليس بهذا الإصلاح الحربي الذي يقوم به هؤلاء الفراعنة ليحرقوا الأخضر واليابس ومع ذلك فهم ملاك البلاد والعباد ولا ندري من أين لهم هذه المليارات من عرق الشعب المسكين وما له الذي يقتل به صباح مساء، أما آن لهؤلاء أن يستلهموا بعض الفكر الإنساني حتى من مفكرين أجانب مثل فينس الذي يقول: على الإنسان ألا يكتفي بأن يعتز بنفسه بل عليه أن يستشعر كما له الإنساني بحيث يخجل من الاتيان بالعمل القبيح، أو كقول فوفالس وهو ينصح العلماء أن يتعاملوا بالإنسانية، لا كما نرى حتى بعض علماء الدين وبعد كل هذه المذابح والمجازر المروعة التي لا يمكن لإنسان فيه إحساس إلا أن يتأثر ويتألم بسببها وينكر على فاعليها، يدعو مثل هؤلاء للرئيس بالخير والبركة وطول العمر ويقفون ببابه دعاة للفتنة كما فسرها حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، يقول فوفالس: لا يمكن لأي إنسان أن يصبح عالماً بمعنى الكلمة من غير أن يصير قبل ذلك إنساناً بمعنى الكلمة، فيا وعاظ السلاطين احذروا يوماً تشخص فيه الأبصار، وايم الله إن الذي يجري من مسلسل الدم والدمار والعار على يد النظام السوري الفاشل الذي لم يستطع بعد خمسة شهور أن يقمع أهل الحق الأحرار ولا أن يقنع من حوله والبعيدين بحجته التي هي أوهى من خيط العنكبوت، كل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن الإنسانية بعيدة عن هذه العصابة بعد الأرض عن السماء وأن سوريا قلب الأمة والعروبة النابض لن تتوقع من السفاح الإصلاح وهو فاقد للشرعية لأنه قاتل ولا يتمتع بأي أخلاق سياسية والشعب لايريد أن يحكمه إلا إنسان من الرجال.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
888
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
723
| 18 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
681
| 15 ديسمبر 2025