رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
"أمريكا أولاً"، "لن تحكمنا بروكسل"، "لن تتحول فرنسا إلى إمارة إسلامية"، "هولندا لنا" وغيرها من المفردات والشعارات الكثيرة رفعها وروجها أصحابها من التيارات اليمينية والشعبوية المتطرفة في خضم ما عصف بأوروبا من أزمات بدءا من الأزمة المالية العالمية 2008، ورويدا رويدا تخللت تلك المفردات أذهان الملايين من الغربيين حتى أوصلت بعضا من أصحابها في نهاية المطاف إلى الحكم بشكل منفرد، أو المشاركة فيه، أو التأثير على مجمل السياسات الداخلية والخارجية الغربية بشكل أو بآخر.
الأحزاب والتيارات اليمينية والشعبوية المتطرفة خفت نجمها على نحو كبير بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، مع مطلع التسعينيات بدأ نجمها يسطع عبر منحى بطيء للغاية، وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية أخذ نجمها في السطوع السريع لتشكل واقعا جديدا تزاحم وتنافس به التيارات السياسية الغربية اليمينية واليسارية الغربية العريقة بأجنحتها المعتدلة المتنوعة.
أفرز هذا الواقع الجديد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تصاعد شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا وتمكنه من انتزاع مقاعد من حزب ميركل في بعض الولايات الألمانية، حصد حركة خمس نجوم في إيطاليا المركز الثاني في الانتخابات البرلمانية السابقة، نفس الحال في هولندا 2017، وصول الأحزاب الشعبوية إلى الحكم في المجر، التصاعد الكبير لشعبية حركة اليمين في البرتغال ومن المتوقع انفرادهم بتشكيل الحكومة القادمة، التنامي الكبير لشعبية "ماري لوبان" في فرنسا ومن المرجح أيضا وصولها إلى رئاسة فرنسا في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ما حصدته التيارات الشعبوية من نتائج متقدمة للغاية، والواقع الغربي المتأثر بوجودها كالبريكست كأوضح مثال، الذي قاده تلك التيارات بقوة، ينبئ أن العقد القادم في الغرب سيكتسي بالشعبوية على نحو شبه تام.
أسباب صعود الشعبوية في أوروبا متعددة، أهمها: التوحش المفزع للرأسمالية الغربية الذي نجم عنه ارتفاع مطرد في نسب الفقر والبطالة، تفاقم أعداد اللاجئين والمهاجرين، لاسيما من العرب والمسلمين، والذي بدوره فجر هواجس بشأن الهوية.
فشل النخب السياسية التقليدية في معالجة الأزمة المالية وأزمة المهاجرين، بالإضافة إلى انقسامها وفسادها وخطابها السياسي التقليدي، تنامي "السوشيال ميديا" والتي من خلالها أصبح بمقدور التيارات اليمينية الترويج لأفكارها وشعاراتها بحرية وسهولة.
في خضم جملة هذه الأسباب، علاوة على تمكن التيارات اليمينية من استغلالها ببراعة، لاسيما اللعب على وتر الهوية الأوروبية وضياع الفرص الاقتصادية بسبب أزمة اللاجئين وحرية التجارة والاحتكارات لصالح النخب الاقتصادية؛ بات اليمين المتطرف يكتسب أرضية شعبية يوما بعد يوم حتى أصبح قاب قوسين أو أدنى من التفرد بالحكم في أوروبا جميعها.
جائحة كورونا بدورها أكسبت تلك التيارات المزيد من الشعبية بعد الفشل الرهيب للنخب الأوروبية الحاكمة والاتحاد الأوروبي على السواء من التصدي لها.
وصل ترامب إلى البيت الأبيض عبر شعار "أمريكا أولاً" وأجندة شعبوية سياسية واضحة تكن العداء للأجانب والمهاجرين ودور أمريكا الواسع في العالم، جملة الأسباب التي أوصلت ترامب الشعبوي إلى البيت الأبيض تقريبا نفسها في أوروبا، فالقاعدة الشعبية العريضة لترامب أغلبها من البيض الإنجيليين الذين تفاقمت لديهم هواجس بشأن الهوية، ويعاني الكثير منهم لاسيما في الولايات التي يغلب عليها الطابع الريفي من وطأة الرأسمالية المتوحشة.
خسر ترامب الرئاسة الأمريكية، لكن ترك وراءه تيارا شعبويا واسعا البعض يطلق عليه "الترامبية"، لم ينشئه في واقع الأمر لكن عمقه عبر سياساته خلال أربع سنوات.
مظاهر هذه الترامبية بدأت مبكرا جدا في التشكيك الواسع لأنصاره في نتيجة الانتخابات الأمريكية، مرورا باقتحام مبنى الكونجرس وصولا لتنامي الأصوات الشعبية والحزبية المعارضة لمحاكمته للمرة الثانية في الكونجرس.
العقد القادم في الغرب سيكتسي بالشعبوية بما لا يدع مجالا للشك، لا سيما في خضم التداعيات الاقتصادية والسياسية التي ستتركها جائحة كورونا.
على الصعيد الأوروبي، ستغير تلك الشعبوية من المشهد الداخلي والخارجي لأوروبا على نحو شبه جذري، فإذا كانت الشعبوية اليد الطولى في البريكست، فليس من المستغرب أن نشهد إيطاكست، ويوناكست، ربما تفككك الاتحاد الأوروبي برمته كما يتوقع نفر هائل من الخبراء، الشعبوية أيضا ستشكل ضربة قاتلة للديمقراطية الليبرالية الراسخة في أوروبا عبر سياستها المعادية للأجانب والمهاجرين والأقليات ونظام السوق الحر، لاسيما أيضا وأن النخبة الأوروبية المعتدلة ستنحو جزئيا إلى سياسات شعبوية أو تتحالف معهم كما الحال في إيطاليا لكسب المزيد من الأرضية الشعبية.
أما على صعيد السياسة الخارجية ربما تقوم تلك التيارات بعزل دولها حتى عن جيرانها الأوروبيين، بل وفتح جراح قديمة تعود بأوروبا إلى أجواء مشحونة أشبه بعشرينيات القرن العشرين، وإن كانت بدأت بالفعل بسبب جائحة كورونا والتعاطي الأناني للدول الأوروبية الكبرى معها.
الوضع في أمريكا ربما يكون أصعب، الترامبية حقا أحد مظاهر انقسام الأمة الأمريكية الحاد. الحديث المتواتر الآن عن انقسامات حادة داخل الحزب الجمهوري، وعزم ترامب تأسيس حزب قومي جديد مستغلاً الكتلة التصويتية الرهيبة التي حصدها رغم خسارته.
رغم سعي بايدن إلى نقض عهد ترامب برمته، وهذا ما وضح من أوامره التنفيذية التي تخطت الأربعين خلال شهر محاولاً من خلال بعضها لملمة جراح الانقسام، إلا أن معاجلة هذا الانقسام أو بالأحرى استقطاب أنصار الترامبية يحتاج إلى معالجة جملة الأسباب التي ساهمت في تنامي الشعبوية بهذا الشكل المذهل، وهو أمر في غاية الصعوبة والتعقيد، لاسيما مع تحدي التنامي المطرد للمهاجرين والأقليات التي ساهمت على نحو كبير في وصول بايدن ذاته إلى الرئاسة، ناهيك عن صعوبة إيقاف الرأسمالية المتوحشة للشركات الأمريكية، والفساد المستشري بين النخب السياسية الأمريكية، واحتكار الإعلام من قبل اليمين.
الشعبوية في الغرب في تنامٍ مطرد خلال العقد القادم ستحول بدورها المشهد السياسي الغربي لاسيما ديمقراطيته وهيكله الليبرالي على نحو شبه جذري.
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
33
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونــه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
27
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
36
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
804
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025