رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

التصعيد النووى.. المآرب والتداعيات

في الثلاثين من أكتوبر الماضى عاد العالم من جديد لأجواء التصعيد النووى الذى قد سقط تقريبا من معادلات الصراع بين الكبار منذ أكثر من ثلاثة عقود، وذلك عندما أمر الرئيس ترامب البنتاجون بإجراء تجارب نووية على الفور رداً بحسب قوله للاختبارات النووية التى تجريها دول أخرى دون ذكر هذه الدول. وفى 15 نوفمبر الماضى، أعلنت واشنطن عن نجاحها فى اختبار القنبلة النووية من طراز B61-12 بدون رؤوس حربية؛ أى بحسب الإدارة الأمريكية اختبار غير نووى لأنه لم يحدث تفجير والقنبلة ذاتها خاملة، بل بغرض أساسى وهو اختبار قدرة المقاتلات من ذات الجيل الخامس، والطيارين على إسقاط القنابل النووية بنجاح، علاوة على إجراء اختبار مماثل فى 2024. ومع ذلك، فهذا الاختبار ليس بمعزل عن إعلان ترامب عودة التجارب النووية والتى وعد أنها ستكون قريبة دون تحديد لجدول زمنى محدد ومستوى هذه التجارب. عودة أمريكا للتجارب النووية بعد توقف دام نحو 30 عاماً إثر تحديداً معاهدات الحد من التسليح والتصعيد النووى مع روسيا والتى بدأت فى سبعينيات القرن الماضى، وتطورت بعد الحرب الباردة إلى معاهدة ستارت؛ ليس أمراً سهلاً إذ يعد انتهاكا خطيرا للنظام الدولى لمنع الانتشار النووى بمعاهداته المختلفة بما فى ذلك حظر التجارب النووية، وداخلياً سيواجه ترامب معارضة شديدة لإثنائه عن ذلك، ربما داخل إدارته ذاته لتداعيات ذلك شديدة الخطورة على العالم، وقد ألمح بعض من إدارته لإمكانية التراجع عن ذلك، كذلك ألمحت بعض الهيئات مثل وزارة الطاقة. ومن ثم، قد ارتأى كثيرون أن إعلان ترامب عن عودة التجارب لا تعدو كونها تكتيكا للضغط على روسيا والصين فى سياق سياسة الضغط الأقصى التى يفضلها ويجيدها ترامب، خاصة وأن إعلانه كان قبل اجتماعه المباشر مع الرئيس الصينى فى كوريا الجنوبية بعدة دقائق. والواقع أن قرار ترامب بعودة التجارب النووية يجب أن يُنظر إليها من اتجاهين أساسيين: الأول وهو التكتيكى بالقطع ومآربه الرئيسة، الضغط على روسيا لقبول صفقة ترامب لإنهاء الحرب الأوكرانية فى المقام الأول، إذ رغم ما تشمله من تنازلات كثيرة، فإن بوتين لا زال يرفضها بسبب بعض المطالب وأهمها الاعتراف بسيادة روسيا على المقطاعات الأربع الأوكرانية، وعدم مطالبة روسيا عن تعويضات عن الحرب. والحقيقة أن ترامب قد سئم بشدة من جميع أطراف الحرب (روسيا، أوكرانيا، أوروبا) وهو ما يتبدى من تصريحاتة المتكررة؛ إذ يرى أن بوتين قد خذله، وأوكرانيا وأوروبا تريد المزيد من الدعم الأمريكى للاستمرار فى الحرب وهو اكثر ما يكرهه ترامب. وعليه، أراد ترامب إفهام بوتين أن واشنطن على استعداد تام للتصعيد حتى ولو تطلب الأمر الخيار النووى، ومن الأفضل له قبول الصفقة العظيمة التى لن ينال مثلها مع أى إدارة أخرى، خاصة وأن ذلك قد تم قبل مقابلة الرئيس الصينى الذى يعتقد ترامب بأنه الوحيد القادر على الضغط على بوتين. والثانى، وهو الأهم والأخطر فى تقديرنا يكمن فى رسالة واضحة للصين فى المقام الأول، وروسيا بعدها، بأن التفوق النووى سيظل دائما لواشنطن. فى 2020، نشر البنتاجون تقريرا خطيرا أفاد فيه أن الصين تسعى بجدية إلى تحقيق التكافؤ النووى مع واشنطن، ليس هذا فحسب، بل تعمل على تطوير أسلحة نووية تكتيكة دفاعية وهجومية جديدة باستخدام الذكاء الاصطناعى بصورة سرية وعلانية، وفى 2025 اكدت تقارير استخباراتية على توسع فى الترسانة النووية للصين لما يقارب 500 رأس نووى. وهذا التطور الصينى ليس فقط ما دفع ترامب لعودة التجارب، بل ربما سيدفع واشنطن عاجلاً أم أجلاً إلى عملية توسع وتحديث شاملة خطيرة لترسانتها النووية؛ لأن الأمر لا يتعلق فقط بسباق التسليح النووى بل بالصراع الأكبر على الهيمنة الدولية المستمر بقوة بين القوتين تحت مسمى الحرب الباردة الثانية، لاسيما وأن الأمر لا يتعلق باستخدام السلاح النووى بصوره التقليدية واسعة النطاق التدميرية، بل بالتطور فى تقنيات السلاح النووى التكتيكى (الأقل تدميراً)، والردع النووى باستخدام الذكاء الأصطناعى الذى تتفوق فيه الصين نسبيا عن واشنطن. عودة التجارب النووية الأمريكية حتى مع إمكانية التراجع-وهذا متوقع- لن يمر دون مآرب شديدة الخطورة، ونذكر بعضها بايجاز: -التهديد الخطير للنظام الدولى لمنع الانتشار النووى والجهود الدولية المضنية المستمرة لمنع أسلحة الدمار الشامل بصورة عامة؛ لأن هذا النظام قد صمد طويلا بقوة وحجم النادى النووى عند 9 دول فقط بدفع ودعم قوى من القوى النووية الكبرى خاصة واشنطن. -يرتبط ارتباطا وثيقا بالسابق، إحياء الطموحات النووية البرازيل كمثال، وإشعال الطموح عند آخرين، ونذكر هنا تحديدا اليابان وألمانيا اللتان تفكران بجديدة فى امتلاك سلاح نووى. -التوسع فى التجارب النووية بل وتوسعها وتطويرها تحت ذريعة عودة إحياء الصراع النووى بقيادة واشنطن. -وأخيراً وهو الأخطر مطلقاً، فقدان رادع ومحفز التخفيض النووى لدى كل من الصين وروسيا؛ فتهديد أمريكا فقط بعودة التجارب تأخذه الدولتان بجدية بالغة، فروسيا عقب هذا التصريح أعلنت عن استعدادها إجراء تجارب نووية، ومؤخراً أعلنت عن البدء فى تصنيع غواصات نووية. مقابل ذلك، ستزيد تهديدات بكين إصراراً على تقوية وتحديث ترسانتها النووية (بلا أدنى شك).

333

| 24 نوفمبر 2025

الشرع والواقعية السياسية

منذ اليوم الأول لتوليه قيادة سوريا بعد الإطاحة بنظام الأسد، والرئيس أحمد الشرع يحطم رويدا رويدا جميع التصورات والتوقعات المحددة سلفاً عنه إثر خلفيته الأيديولوجية والسياسية. وبزيارته الأخيرة للبيت الأبيض ومقابلته للرئيس ترامب وما تبعها من تصريحات جوهرية-غير متوقعة، وصادمة للبعض- من قبيل عزم سوريا أن تصبح حليفا للولايات المتحدة، عدم نية سوريا الدخول فى حرب مع إسرائيل؛ قد حطم الشرع تماما جميع ما تعلق من تصورات وشكوك حول شخصيته وإيديولوجيته (تحوله السياسى فعلياً)، وسياسته. يعمل الشرع منذ اليوم الأول له فى الرئاسه على تحقيق عدة أهداف واضحة، من أهمها، إعادة إعمار وتوحيد سوريا، دمج سوريا فى المجتمع الدولى سياسيا واقتصادياً، إبعاد سوريا عن أية توترات خارجية وعدم فتح جبهة صراع مع الجيران تحديداً. وفى سياق ذلك، يتعمد الشرع أن يبرهن أنه رجل دولة، سياسى يرغب فى جعل سوريا دولة طبيعية فى النظامى الإقليمى والدولى، ليطوى صفحة دامت أكثر من نصف قرن من العزلة والتوترات والصراعات قضت على اليابس والأخضر فى سوريا. يعد محدد القيادة عاملاً حاسماً فى توجه الدولة السياسى على الصعيدين الداخلى والخارجى، حتى فى الدول الديمقراطية يلعب الرئيس-بصرف النظر عن صلاحياته الدستورية-دوراً مؤثراً خاصة فى السياسة الخارجية. وهذا الأمر هو العامل الحاسم فى تفسير توجه وسياسة سوريا منذ تولى الشرع، وثمة سؤالان رئيسيان فيما يتعلق بالشرع، أولهما هل الشرع تغير بالفعل-المشككين-؟ والثانى كيف تحول رأسا على عقب بتلك السرعة-المتعجبين-؟ إذ فى خضم الأخير، أحدث الشرع تحولاً راديكاليا غير مسبوق كونه أول رئيس من خلفية جهادية، وليس إسلاميا وسطيا، يعكف على التحالف الاستراتيجى مع الولايات المتحدة، العدو الأول للإسلام الجهادى. والحقيقة أن تحول أحمد الشرع يفتح بابا من تساؤلات جدلية أكبر، من بينها الجدل الأكبر فى واشنطن منذ أحداث 11 سبتمبر، وهو، هل جميع التيارات الإسلامية واحدة فكريا وسياسيا؟، وهل يمكن أن يتغير الإسلاميون أم يتبنون نهجاً جامدا؟ وغيره من الأسئلة. ولعل أحد أهم مفاتيح الحل يكمن فى تتبع مسيرة الشرع الجهادية، والواقع عند تتبع مسيرته كان الملاحظ فيه هو تحوله الفكرى والتنظيمى السريع، إذ الميل سريعا من أقصى التشدد إلى أقصى الاعتدال؛ وهو ما يبدو أنه كان فى حالة مراجعة فكرية مستمرة، لينتهى به الحال قبل رئاسة سوريا، بالانفصال عن القاعدة ثم جبهة النصرة بأفكارهما شديدة التطرف والعنف-المخالفة تماما لتعاليم الإسلام الحنيفة- لتشكيل هيئة تحرير الشام لأجل التخلص من نظام بشار الفاسد، والتى حكمت إدلب منذ 2017 تحت قيادته. ويرى الكثير من المختصيين فى الإسلام السياسى، أن حكم الشرع لإدلب قد مثلت نقطة التحول الحقيقية للشرع؛ إذ أدرك أن قيادة إقليم او دولة أمراً صعباً يختلف تماما عن العمل الجهادى وشعاراته شديدة الطوباوية، أو بعبارة أخرى استكشف الأمر الواقع على طبيعته بما يقتضى ذلك من واقعية أو برجماتية شديدة للتعاطى معه؛ وهو ما تبدى من تطبيق نظام إسلامى معتدل فى إدلب وفقا لمؤسسات مصغرة شاملة لإدارة الإقليم، حتى مسيحي أدلب قد سمح لهم بإقامة شعائرهم الدينية بحرية مع توافر قوات أمنية قوية لحماية الكنائس. إذن الشرع شخص يتميز بالقابلية على المراجعة الفكرية والسياسية المستمرة-وربما ذلك استثناء فى أوساط التيارات الجهادية، وتيارات الإسلام السياسى عموما- علاوة على ذلك، محملاً بتجربة حكم سياسى تعلم وأدرك فيها ما معنى الحكم السياسى وما معنى أن تكون رجل دولة مسؤولا. وجاء الشرع لحكم سوريا بتلك الخلفية؛ مع الاختلاف الشاشع جدا بين سوريا كدولة مركزية متعددة الطوائف، مدمرة اقتصاديا ومؤسسات غائبة، نصف شعبها مهجر، وبين محافظة إدلب. الشاهد فى الأمر، أن وضع سوريا هذا لابد أن يدفع الشرع-مع خلفيته- إلى نهج سياسة خاصة خارجية شديدة الواقعية؛ يخالف به جميع التوقعات والتصورات، وأمنيات الكثيرين العنترية أيضا. تحتاج سوريا إلى مليارات الدولارات لإعادة الإعمار، واستقرار لإعادة الإعمار وإعادة بناء المؤسسات ومنع النزعات الانفصالية وعودة المهجرين وتحقيق الوحدة الوطنية. ومن المستحيل تحقيق ذلك إلا عبر تمتين العلاقات مع القوى الغربية لرفع العقوبات وجلب الاستثمارات ودعم سوريا وقيادتها فى النظام الدولى. ولعل الأهم من ذلك، تجنب بشتى الطرق إشعال حرب مع إسرائيل فى وضع سوريا تعانى فيه من حالة شديدة البؤس. خلاصة القول، فى إطار الجدل المحتدم داخل الولايات حول الإسلاميين منذ 2001؛ دافع جانب من المفكرين عن إمكانية التعامل مع الإسلاميين؛ معللين ذلك بأن التيارات الإسلامية عندما تصل إلى السلطة تُجبر على الواقعية او البرجماتية السياسية، والتخلى عن الكثير من أفكارها الجامدة-غير الواقعية- لأنها قد اصطدمت بحقيقة الأمور على أرض الواقع، مستشهدين تحديدا بأردوغان فى تركيا الذي قدم نموذجاً للحكم حداثيا ذا مرجعية إسلامية.

555

| 18 نوفمبر 2025

ماذا يعكس انتصار ممداني؟

فوز زهران ممداني، المسلم الاشتراكي، بمنصب عمدة مدينة نيويورك لما لها من أهمية اقتصادية بالغة، يُعَد حدثاً فارقاً في تاريخ الولايات المتحدة بكل ما تحمله الجملة من معنى. تناولت مئات المقالات، خاصة الأمريكية، هذا الحدث من زوايا كثيرة للغاية، لكن يمكن القول إن العنوان العريض لهذا الحدث هو (بداية العصر أو الحقبة الجديدة لأمريكا) سياسياً، اجتماعياً، أيديولوجياً، حزبياً، فكرياً، إلخ. ينصب غالب التركيز في مفاجأة فوز ممداني على خلفيته الدينية لكونه مسلماً، أول مسلم يفوز بمنصب عمدة مدينة نيويورك. هناك مسلمون آخرون قد فازوا بذلك المنصب في ولايات أخرى، فممداني ليس استثناء من ذلك المنصب عامة، لكن الاستثناء أو المفاجأة المدوية أن يفوز مسلم بنيويورك لعدة اعتبارات منها احتكار المنصب لمرشحين ديمقراطيين عادة مدعومين من مليارديرات مسيحيين ويهود، والأغلبية السكانية المسيحية واليهودية للمدينة وولاية نيويورك عموماً. وقطعاً، فوز مسلم في تلك المدينة حدث فارق استثنائي، ويستحق التركيز بالفعل، إذ يعكس تداعي التحيز الديني أو الأيديولوجي الكامن في نفوس الأمريكيين منذ عقود، خاصة في مدينة ذات أغلبية غير مسلمة، صوّت فيها جزء من سكانها اليهود لممداني. والتركيز على خلفية ممداني الدينية قد همّش جانباً هاماً أيضاً، وهو أصول ممداني؛ فهو من أصول مهاجرة: أب أفريقي وأم هندية، وبالتالي ففوزه يعكس كذلك تداعي البعد العرقي الذي لا يقل حساسية داخل أمريكا عن البعد الديني، بل يتفوق عليه على خلفية تاريخ الفصل العنصري ورواسبه التي لا تزال كامنة. وحقيقة الأمر التي لم تلقَ الجانب الأهم من الاهتمام - خاصة في مدينة لها خصوصية مثل نيويورك - أن السبب الجوهري في انتصار ممداني قد تأتى من برنامجه الانتخابي شديد الاشتراكية؛ فممداني يمثل أقصى التيار الاشتراكي داخل الحزب الديمقراطي وهو أقلية. وهذا هو ما يعكس بداية الحقبة الجديدة لأمريكا، وكونه مسلماً من أصول مهاجرة يعزز التأكيد على ذلك. إذ أبهر برنامج ممداني الانتخابي ذاك الوعود البراقة من توفير وسائل مواصلات مجانية، وتخفيض إيجارات السكن، ورفع الضرائب على الأثرياء، وتوفير دور رعاية مجانية للأطفال.... وغيرها؛ الناخب في مدينة نيويورك، وتناسى أو تغاضى عن خلفية ممداني الفكرية والعرقية؛ إذ بكلمة أخرى، تفوق البعد الاقتصادي الاجتماعي على كافة الأبعاد الأخرى، والدليل القاطع أصوات بعض اليهود له رغم مواقفه تجاه القضية الفلسطينية وإسرائيل التي أثارت غضب اللوبي الصهيوني بشدة. إذن، لا يمثل فوز ممداني بداية هيمنة الاشتراكية وانهيار الرأسمالية في أمريكا، فهذا الادعاء المنتشر أمر مبالغ فيه بشدة؛ بل يعكس فوزه بداية لحقبة سياسة اقتصادية جديدة أبرز معالمها انهيار الرأسمالية المتطرفة أو المتوحشة التي تخلو من أبعاد واعتبارات إنسانية اجتماعية، مقابل ميل شعبي نحو رأسمالية معتدلة أو المزيج الرأسمالي الاشتراكي وهو المطبق في الدول الإسكندنافية. ومن ثم أيضًا، يؤشر فوز ممداني إلى بداية النهاية للنخب السياسية التقليدية المحتكرة للقرار، والمتحالفة مع أباطرة الرأسمالية حتى داخل الحزب الديمقراطي، مقابل جيل جديد من الشباب الرافض للرأسمالية المتطرفة. قصارى القول، انتصار ممداني يؤشر بالفعل إلى حقبة جديدة لأمريكا، حقبة الانسلاخ عن الرأسمالية المتوحشة، والانسلاخ عن التحيز الديني والعرقي، حقبة النخب الشبابية الجديدة، حقبة التجديد الفكري الشامل داخل الحزبين، خاصة الديمقراطي. وبالقطع ستواجه هذه الحقبة بحرب وتحديات شديدة الضراوة، خاصة من النخبة المالية المحتكرة، واللوبي الصهيوني، لكن فيما يبدو أن التداعيات القاسية للرأسمالية المتوحشة قد خلقت كراهية شديدة للنخب السياسية والسياسات التقليدية والأفكار والتحيزات المتجذرة لدى أغلب الأمريكيين.

549

| 10 نوفمبر 2025

اليمين المتطرف الأوروبي والسياسة الخارجية

كشفت انتخابات البرلمان الأوروبي 2024 وأيضا الانتخابات التشريعية في بعض العواصم الأوروبية النقاب عن هيمنة لليمين المتطرف الأصولي والشعبوي على أوروبا بحلول 2030 على أقصى تقدير، ولم يكن ذلك محل مفاجأة في ضوء الصعود الصاروخي لليمين المتطرف منذ 2015. وهيمنة اليمين المتطرف سيكون مردودها تحولا واسعا في السياسة الخارجية الأوروبية على مستوى الدول، والاتحاد الأوروبي، إذا استمر أصلاً. لا يمتلك اليمين المتطرف نهجاً متماسكاً في السياسة الخارجية، إذ إن سياسته الخارجية انعكاس لأفكاره الداخلية، كما أن هناك بعض التباينات بين حركات اليمين الأوروبي حول السياسة الخارجية والقضايا الكبرى. ثلاثة تغيرات كبرى مؤكدة في السياسة الخارجية الأوروبية في ظل هيمنة اليمين المتطرف، وتمثل أرضية مشتركة راسخة بين جميع حركاته واتجاهاته. أولاً- سياسة خارجية لا تعير أي اهتمام لمسألة القيم والمعايير، ولا يعني ذلك برجماتية بالضرورة، بل لا تستند مطلقاً على القيم والمبادئ الليبرالية الراسخة لأوروبا واتحادها التي تخالف أفكار ومبادئ اليمين المتطرف. وستبرز هذه السياسة بصورة جلية في قضية الهجرة وحقوق الإنسان على وجه الخصوص؛ بما يتضمن على سبيل المثال لا الحصر- اختفاء سياسة الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان خارجياً، التعاون مع دول شديدة الديكتاتورية دون قيود، سياسة خارجية انتقائية خاصة تجاه الدول الإسلامية والعربية (المصدرة للهجرة والتطرف وفقا للخطاب المزمن لليمين المتطرف)، وسياسة شديدة العنف تجاه المهاجرين مخالفة ليس فقط مبادئ الاتحاد، بل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما ظهر للعلن في الأعوام القليلة الماضية من المعاملة القاسية التي تصل إلى حد الضرب والحجز التعسفي والتنمر العنصري تجاه المهاجرين في الدول الأوروبية التي يهيمن عليها اليمين المتطرف مثل إيطاليا، والمجر، واليونان. ثانيا- سياسة خارجية اقتصادية معاملاتية والتي تتميز برفض الاندماج والانصياع لقواعد التجارة العالمية، والعولمة الاقتصادية، والحمائية المفرطة، والتركيز على الصفقات الثنائية. يجادل اليمين المتطرف أن الخراب الهائل الذي حل على أوروبا منبعه الأساسي هو النيوليبرالية الاقتصادية التي ضمن جملة أمور، أدت إلى مديونيات هائلة، جلب العمالة الخارجية الرخيصة التي سرقت الوظائف من السكان الأصليين، هيمنة المؤسسات المالية العالمية على سيادة واقتصاد الدولة، هروب الشركات الوطنية إلى الأسواق الآسيوية الناشئة. وعليه، فإن أبرز نتائج ذلك في ظل هيمنة اليمين هو المأزق الشديد الذي سيواجه السياسة الاقتصادية الأوروبية المشتركة تحت ظل الاتحاد، وهو أقوى ما يتمتع به الاتحاد كونه عملاقا اقتصاديا، قزما عسكريا، فاليمين المتطرف حتما سيدفع بالانسحاب من منطقة اليورو، دول الاتحاد اليمينية ستبحث بصورة منفردة عن تأمين مصالحها خاصة الطاقة كما هو حاصل الآن مع بعض الدول خاصة ألمانيا، على حساب قيم الاتحاد وسياسته الاقتصادية المشتركة. ثالثا- سياسة خارجية مناهضة للمؤسسات فوق الوطنية خاصة الاتحاد الأوروبي، إذ يكن اليمين برمته عداء شديدا لأي اندماج خارجي ينتقص من سيادة الدولة واستقلال قرارها، ويشمل العداء الاتحاد الأوروبي، فاليمين برمته يتبنى موقفا سلبيا من الاتحاد لكن بدرجات متفاوتة، في أدناها عدم التوسع أكثر من ذلك، وفي أقصاها- وهو الأغلب - الانسحاب من الاتحاد بصورة علنية. إذ بجانب سلب الاتحاد السيادة القومية، يصور اليمين أيضا الاتحاد بمنبع معظم كوارث أوروبا خاصة حدوده المفتوحة التي جلبت ملايين المهاجرين خاصة العرب والمسلمين المخالفين والمعادين للهوية الأوروبية. ومن هذا المنطلق، ستشهد أوروبا تحت سيطرة اليمين، توترات حادة داخل البيت الأوروبي، احتمالية كبيرة لانسحاب بعض الدول مثل المجر المرشح الأقوى، وربما هولندا وإيطاليا أسوة بإنجلترا، سباق تسلح منفرد، أي ضرب السياسة الدفاعية الأوروبية المشتركة- الضعيفة أساسا - في مقتل، وتحالفات ثنائية من القوى المعادية والمنافسة للاتحاد وعلى رأسها الصين وروسيا. قصارى القول، صعود اليمين المتطرف الهائل في أوروبا هو نتاج التمرد على القيم والمبادئ النيوليبرالية، أو بعبارة أخرى توحشها وتطرفها، فالقاعدة الشعبية لليمين المتطرف الآخذة في التوسع المرعب؛ ترى أن امتلاء أوروبا بملايين المهاجرين وتهديد الهوية الأوروبية، وفساد النخب السياسية، والأزمات الاقتصادية... وغيره، هو بسبب هذه المبادئ النيوليبرالية. وسياسات اليمين المتطرف الداخلية والخارجية هي صدى لتلك القاعدة، وبالتالي، فأوروبا في ظل الهيمنة المطلقة المرتقبة لليمين المتطرف ستفتح صفحة جديدة في سياستها الخارجية ترتكز على التشدد القومي، المناهضة العنيفة للقيم وحقوق الإنسان والعولمة والاقتصاد الحر والتحالفات والمؤسسات فوق القومية، وعلى الأرجح نتيجة لذلك انهيار الاتحاد الأوروبي في غضون عقدين.

567

| 03 نوفمبر 2025

حرب غزة.. القضية الفلسطينية وحدود التأثير

انقضت حرب غزة بعد أكثر من عامين، عانى فيها شعب غزة معاناة لا تحتمل، وشهدت فيها المنطقة حالة شديدة من الاضطراب وسط مواجهات عسكرية مباشرة للكيان على أكثر من جبهة كان أخطرها مع إيران. حرب غزة من القضايا شديدة الجدلية التي سيتوقف عندها التاريخ كثيراً بالنقد والتحليل ومحاولة إعادة الاستيعاب والتفسير للتداعيات، إذ حقاً لا يمكن تنميط التداعيات وحدود التأثير في اتجاه محدد إيجابي أو سلبي أو ما بين الاثنين، وذلك بعيداً عن التحيزات. لذا، نسعى في المقال إلى تسليط الضوء على حدود التأثير خاصة على المنطقة والقضية الفلسطينية بصورة تتوخى الواقع على قدر الإمكان. واقع جلى لا مناص منه أمام أشد المتحيزين واقع، أصبح مفروضاً في المنطقة لا يمكن الهروب منه صنعته إسرائيل، قد ترتب عليه إعادة رسم خريطة التوازن في المنطقة لصالح إسرائيل للأسف، هل أجهزت حرب غزة على روح أو فكرة مقاومة الكيان في المنطقة؟ مسألة جدلية عويصة تفاقمت إزاء مجموعة مشاهد متجسدة أفرزتها حرب غزة، ومنها: كسر محور المقاومة الرئيسي للكيان. ما يمكن قوله تحلياً للواقع أن حرب غزة قد أضعفت المقاومة المسلحة للكيان في المنطقة، لكن الذي لا يمكن إغفاله مطلقاً أن مقاومة الكيان ستظل باقية. وقائع إقليمية أخرى فرضت نفسها، من بينها استعادة الولايات المتحدة دورها الريادي نسبيا في المنطقة، بعد إهمال كبير منذ 2009. تفاعلت واشنطن بقوة منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى في كل مجرياته وتبعاته، إذ كانت حجز الزاوية في تأجيج المواقف، وإخمادها أيضا والتي أثمرت اتفاق إنهاء حرب غزة الذى طرحته إدارة ترامب. الشاهد في الأمر، أن أمن إسرائيل، وترتيب الأوضاع المعقدة بعد حرب غزة، بات يفرض على واشنطن إعادة تركيز أكبر في المنطقة حتى في ظل إدارة تميل نحو الانعزالية. وأخيراً فيما يتعلق بالمنطقة، إبراز تأثير الدبلوماسية والإعلام والاقتصاد كقوى تفوق في قدراتها وتأثيرها قدرة قوة السلاح والغطرسة، ولعل المثال الأبرز على ذلك دور دولة قطر وأدواتها، إذ استطاعت بتلك الأدوات، إحداث التأثير الأكبر في كشف جرائم الكيان، وإنهاء حرب غزة رغم غياب القدرة العسكرية الساحقة. وهذا بدوره قد أبرز لاعبين مؤثرين جددا في المنطقة، وإنهاء أسطورة التفوق العسكري. تأثير حرب غزة على القضية الفلسطينية يعد من أكثر المسائل الجدلية على الإطلاق، إذ يرتأى البعض وهم كثر أن الحرب قد أضرت ضرراً بالغا بالقضية وأعادتها إلى نقطة الصفر، بينما يرى آخرون وهم كثر أيضا أن الحرب قد أعادت إحياء القضية، وما بين هذا وذاك، نقول إنه لا شك في أن ما حدث في قطاع غزة من قتل وتدمير مروع لكن في مقابل هذا الثمن الرهيب، نجد مكاسب مذهلة للقضية، من أهمها في تقديرنا، هو بروز إجماع دولي واضح راسخ غير ملتبس-غير مسبوق- بحق الفلسطينيين المشروع في تأسيس دولة على الأراضي المحتلة وفقا لحل الدولتين. فقد تكتل كل حلفاء الكيان الموثوقين وعلى رأسهم بريطانيا ضده للمرة الأولى في التاريخ أمام محاولات العبث بالقضية أو حل الدولتين، وذلك كان من أهم الضغوط التي دفعت ترامب لإنهاء الحرب. حرب غزة باختصار قد كرست موقفا دوليا راسخا بتأسيس دولة فلسطينية، وسعت من هامش العزلة والكراهية الدولية للكيان، أنهت أسطورة إسرائيل الكبرى، وعلى نحو عام أوقفت التدهور في القضية إذ باتت أولوية رئيسية في أجندة المجتمع الدولي، مما يؤدى إلى حالة من الاستقرار الطويلة في الأراضي المحتلة على أقل تقدير.

633

| 21 أكتوبر 2025

دور قطر التاريخى فى إنهاء حرب غزة

مع دخول خطة وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، التى وافقت عليها حماس وإسرائيل بمشاركة الوسطاء الثلاثة (قطر، مصر، الولايات المتحدة)، كمرحلة أولى-أساسية-لإنهاء الحرب فى غزة؛ وبحضور معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، تسجل قطر فى تاريخها الذهبى الحافل انتصاراً دبلوماسياً فريداً. اضطلعت قطر بمسؤولية الوساطة فى إنهاء الحرب، كوسيط رئيسى-تقريبا وحيد- منذ الساعات الأولى للحرب، فى مفاوضات شديدة التعقيد والصعوبة والأبعاد، إذ ألقى على كاهله التوفيق بين إرادات متعارضة بشدة، وتقديم مقترحات مرضية لكافة الأطراف. وقد قبلت قطر هذا التحدى العسير، وتحملت ما لا يحتمله وسيط أبداً من عناء وضغوطات وإحباطات، وصولا لتعرض سيادة قطر لعدوان عسكري غاشم وغادر من جانب الكيان الصهيونى. وذلك انطلاقاً فى المقام الأول بمسؤولية قطر الأخلاقية والتاريخية بإنهاء حرب الإبادة فى غزة، وعودة القضية الفلسطينية إلى مسارها الصحيح بما يضمن الحقوق المشروعة للفلسطينيين، وإيماناً منها بخبرتها وقدرتها الكبيرة كوسيط حقق نجاحاً باهراً فى جميع الوساطات التى انخرط فيها والتى تقدر بالعشرات. وأخيراً من منطلق ثقة أطراف الصراع والقوى المنخرطة فى النزاع وعلى رأسها واشنطن، بأن لا بديل عن الوساطة القطرية التى تتميز بصفة فريدة نادرا ما يتحلى بها وسيط وهى القدرة على فتح جسور الحوار والتواصل مع الجميع مستندة على الحيادية التامة وتصفير المشكلات. إذ باعتراف الولايات المتحدة (إدارة بايدن ومن بعده ادارة الرئيس ترامب) وإسرائيل، وحماس، (قطر هى الوسيط الوحيد القادر على التواصل مع جميع الأطراف دون قيود، وإيصال أفكارنا للأطراف الأخرى وإقناعهم بها دون حتى الاتصال المباشر معهم، أكثر وسيط نثق بحياديته ورغبته الحقيقية فى إنهاء الصراع). ألقت دولة قطر منذ اليوم الأول بكل ثقلها كوسيط فى سعى حميم لإنهاء الحرب، ربما بصورة غير مسبوقة فى سوابق وساطاتها، متمسكة بمجموعة مرتكزات هى التى تم الموافقة عليها فى خطة وقف إطلاق النار: الوقف الشامل لحرب الإبادة على غزة، انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إدخال المساعدات والمواد الغذائية والطبية لغزة، التوصل لاتفاق شامل لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، خطة لإعمار وإدارة غزة فى اليوم الأول لإنهاء الحرب وعودة مفاوضات السلام على أساس حل الدولتين. وفى سبيل ذلك، انطلقت جهود الوساطة الشاملة لدولة قطر بحضور مكثف حيث شكلت غرفة عمليات واصلت الليل بالنهار لبذل الجهود الدبلوماسية من تقديم مبادرات ومقترحات عدة لطرفى الصراع، إلى جولات المسؤولين القطريين المكوكية الإقليمية والدولية فى مسعى للضغط والإقناع وحشد الجهود لإنهاء الحرب، التنديد الرسمى والإعلامى بوحشية عمليات الكيان فى غزة، لتكثيف الضغط الداخلى والدولى عليه لقبول المقترحات العادلة لإنهاء الحرب بصفته الجانب الأكثر عنداً الذى يحاول استثمار ورقة غزة لمآرب أخرى، ومشاركة فعالة فى جميع المؤتمرات والمحافل الدولية المتعلقة بإنهاء الحرب فى غزة. يضاف إلى كل ذلك، تصدر غزة أولوية خطاب سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني فى جميع المحافل الدولية خاصة اجتماعات الأمم المتحدة، لأجل تنبيه العالم بأكبر مأساة إنسانية فى القرن الحادى والعشرين، وحثهم على حشد الجهود لإنهاء الحرب. واقع الأمر، أن جهود قطر الجبارة لم تذهب سدى، فقد أثمرت الهدنة الأولى فى نوفمبر 2023، والتى على إثرها توقفت الحرب-لمدة قصيرة- لكن وطأتها عموما قد تقلصت، وتم إدخال المساعدات لغزة بصفة يومية، وتبادل مشترك للأسرى. ويمكن القول إن اتفاق الهدنة الثانى فى يناير 2025-والذى فشل للأسف-كان ثمار جهود قطرية جبارة شملت جولات مفاوضات سابقة عبر مكتب حماس فى قطر، وتفاهمات مع الشركاء خاصة الولايات المتحدة، ورغم فشله لكنه عد خريطة الطريق والمنطلق الرئيسى المأمول لإنهاء الحرب. بعد انتهاء حرب الـ 12 يوما بين إيران وإسرائيل، كشفت الأخيرة النقاب عن خطة واضحة لترحيل أهل غزة عبر حرب تجويع واحتلال عسكرى شامل. ولم يؤد ذلك إلى تثبيط معنويات قطر، إذ تكثفت جهودها بوتيرة مضاعفة فى ظل وضع أصبح أكثر تعقيدا بدعم خارجى واضح؛ وهو ما تجسد فى زيادة التنديد بما تفعله إسرائيل، تكثيف الضغوط على شركاء الخارج، تكثيف التعاون مع مصر، تقديم مقترحات جديدة لإنهاء الحرب. وواقع الأمر، أن جهود قطر فى الشهور الأخيرة تحديداً كانت المحرك الأساسى فى تشكيل جبهة رفض عالمى تقودها أوروبا، وتحديدا بريطانيا-فى مفارقة عجيبة-لرفض مخطط خطة تهجير أهل غزة الكارثى، وصولاً بخطة وقف إطلاق النار بدعم أمريكى مطلق التى من شبه المؤكد انها ستطوى صفحة حرب غزة. اعتبرت أطراف الحرب، والمنخرطون فيها خاصة واشنطن، أن قطر هى الوسيط الرئيسى لإنهاء الحرب منذ ساعاتها الأولى، ولا يعد ذلك انتقاصاً من جهود الوسطاء الآخرين خاصة مصر التى ساهمت مساهمة قوية فى إنهاء الحرب؛ لكن من خلال ما تم سرده عن جهود قطر الجبارة لإنهاء الحرب، يمكن القول بصوت عال إن الحاضر والتاريخ سينسب لدولة قطر وساطتها التاريخية الريادية فى إنهاء الحرب على غزة.

2187

| 10 أكتوبر 2025

قطر والتغير المناخي.. الدور والمسؤولية

تتقدم قضية التغير المناخي ومحركها الأساسي الاحترار العالمي قائمة التهديدات الخطيرة على مستقبل البشرية، إذ في بعض المؤشرات العالمية تحل في المركز الأول متقدمة على انتشار السلاح النووي، بوصفها التهديد الوجودي الأول الحالي للبشرية. تواجه قضية التغير المناخي تحديات صعبة بالرغم من الجهود الدولية الجبارة الرامية إلى الحد من تداعياتها الخطيرة وتحقيق هدف الحفاظ على مستوى درجة الحرارة أقل من 2 درجة مئوية وفقًا لاتفاقية باريس للمناخ 2015، وهو ما يبدو أنه مستحيل بحسب الأمم المتحدة التي أطلقت تحذيرات من تجاوز مستوى (الغليان الحراري) خلال العامين الماضيين. ومرد ذلك في المقام الأول ضعف إرادة الدول الكبرى في التصدي الحازم للقضية، رغم كونها صاحبة النسبة الأكبر عالميًا من الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة. أفسح غياب دور قوي للدول الكبرى في التصدّي للقضية المجال للدول المتوسطة والصغيرة للعب دور أكبر في التصدّي للقضية، وتعد دول الخليج وعلى رأسها قطر من الدول التي باتت تضطلع بدور قيادي عالمي في قضية التغير المناخي، نابعاً في المقام الأول من الشعور بخطورة القضية وحتمية المسؤولية الأخلاقية والإنسانية في التصدّي، وفي المقام الثاني، الفرص الاستراتيجية الجمة الناجمة عن الدور الريادي العالمي في القضية. تعد قضية التغير المناخي من أهم شواغل قطر منذ تولى سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد مقاليد الحكم في 2013 إذ أسهمت قطر بفعالية في إبرام اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 وهي الاتفاقية العالمية الأهم حتى الآن في التصدي للتغير المناخي. وجاء اهتمام سمو الأمير انطلاقاً من الدور الإنساني والأخلاقي المتوجب تأديته لوقف تفاقم التداعيات الخطيرة للاحترار العالمي، بالرغم من أن قطر من أقل دول العالم المنتجة للغازات الدفيئة، والأقل خليجياً بسبب اعتمادها شبه التام على الغاز الطبيعي. ففي مناسبات ومؤتمرات عدة حول المناخ، خاصة داخل الأمم المتحدة، ندد سمو الأمير بعبارات واضحة بالتداعيات الخطيرة للتغير المناخي على العالم برمته، كما اعتبرها أخطر عائق للتنمية المستدامة، ومصدر رئيس لصراعات المستقبل. من أجل تعزيز المصداقية الإنسانية والأخلاقية القطرية فى مواجهة التغير المناخى، وتعزيز أيضا النموذج والسمعة للتصدى للتغير المناخى فى ظل تقاعس لافت للدول الكبرى؛ اتخذت قطر منذ 2020 خطوات واسعة شاملة ملفتة للانتباه، كان فى مقدمتها تأسيس وزارة البيئة وتغير المناخ فى 2021 بغرض مأسسة قضية البيئة على نطاق وطنى، ودعم بنية معرفية وإجرائية وابتكارية شاملة للتصدى للتغير المناخى وتطوير حلول مبتكرة وتعزيز الاعتماد على الطاقة النظيفة. وفى 2022، أنشأت قطر مركز (إرثنا لمستقبل مستدام) معنى بالدرجة الأولى ببحوث الطاقة البديلة ووسائل الكف عن الطاقة الملوثة. ويتأتى أيضا فى إطار تعزيز المصداقية، المنح والمساعدات القطرية المالية لجهود مكافحة التغير المناخى فى العالم التى تجاوزت الـ 200 مليون دولار بحلول 2025 خاصة فى الدول النامية والتى تشمل التشجير، والوعى البيئى، ودعم الطاقة النظيفة. تتقدم قطر بخطوات سريعة لتصبح خلال أعوام قليلة من الدول التى تحظى بريادة عالمية فى قضية التغير المناخى وذلك فى سياق الدبلوماسية المتخصصة لقطر، والواقع أن شواهد ذلك كثيرة، إذ باتت قطر مبادرا رئيسيا فى عقد الاجتماعات والورش والندوات المتعلقة بالتغير المناخى على المستويين الإقليمى والدولى، فخلال الفترة من 2022 حتى 2025 استضافت قطر بمبادرة وزارة البيئة ومركز إرثنا أكثر من خمسة اجتماعات وورش عمل لمناقشة وتعزيز سبل التصدى للتغير المناخى. وفى ذات الفترة أيضا، أطلقت قطر مبادرات عالمية عديدة تتعلق بالتغير المناخى من بينها مبادرة مراقبة البيئة البحرية بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للحد من التلوث البلاستيكى، ومبادرة حماية البيئة البحرية مع الأمم المتحدة لحماية الكائنات البحرية المهددة بالانقراض، وغيرها تتعلق بالتشجير والتنوع البيولوجى والطاقة البديلة. أحد المناحى العالمية فى ريادة التغير المناخى أمست ذات صلة وثيقة بحجم الاستثمار فى الطاقة البديلة، بحسب المؤشرات العالمية، تتجه قطر بحلول عام 2030 بان تصبح من أكبر المستثمرين عالميا فى الطاقة النظيفة أو البديلة بحجم استثمارات متوقع يناهز 200 مليار دولار أمريكى. تتفرد قطر بحجم استثمارات هائلة فى الطاقة الشمسية بغرض أولى رئيس زيادة إنتاج الكهرباء، ثم الحد من الانبعاثات الكربونية، ففى 2022 افتتحت قطر محطة الخرسعة للطاقة الشمسية، وتقوم بإنشاء اثنتين أخريين بغرض إنتاج أكثر من 10% من الكهرباء. ومع التقدم فى الطموح القطرى فى الطاقة البديلة، ستعزز قطر من مصداقيتها العالمية، ونفوذها، وارباحها أيضا باعتبار أن الطاقة البديلة أحد أهم استثمارات المستقبل.

705

| 06 أكتوبر 2025

اعتراف بريطانيا التاريخي بفلسطين

في خطوة تاريخية مفصلية في مسار القضية الفلسطينية، اعترفت كل من بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا بدولة فلسطين خلال اجتماعات الأمم المتحدة، ومن المتوقع أن تلحق بهم دول غربية أخرى عن قريب مثل البرتغال وبلجيكا. ومع الأهمية الشديدة لاعتراف تلك الدول الغربية الكبرى، يبقى الاعتراف البريطاني هو الأكثر أهمية وفعالية على الإطلاق من حيث التأثير على مسار القضية الفلسطينية على أرض الواقع. الاعتراف الغربي المتوالي بفلسطين غرضه الرئيس الترسيخ الأبدي لمسألة حل الدولتين بما يتضمن ذلك دولة فلسطينية على حدود الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها غزة، ووأد طموحات حكومة اليمين المتطرف التوسعية في إسرائيل بقيادة نتنياهو بما في ذلك خطة ترحيل سكان غزة، وقد جاء ذلك مدفوعاً بشعور تلك الكتلة الغربية بالخطر والتدهور الشديد في القضية الفلسطينية إثر ما يجري الآن في غزة من فظائع مروعة. ولعل ذلك مفهوم وأمر عظيم، لكن - وفقا لشديدي الواقعية أو شديدي التشاؤم - يبقى ذلك رمزياً إلى حد بعيد، فقبيل الاعتراف الغربي، كان عدد الدول المعترفة بفلسطين أكثر من 120 دولة بينهم قوى كبرى مثل روسيا والصين والهند، ماذا فعلت في مسار القضية عموما، وعلى صعيد حرب الإبادة في غزة خصوصاً. نجادل أن الوضع بعد اعتراف بريطانيا سيتغير بنسبة معقولة وبصورة تدريجية، أي سينفرط عصر الرمزية بشأن القضية تدريجيا وصولاً بفرض الأمر الواقع على المدى المتوسط. بريطانيا دولة عظمى عسكرية نووية، قوة اقتصادية عملاقة، تاريخ عريق، نفوذ سياسي جبار، وكل ذلك بطبيعة الحال يجعلها في مركز شديد التأثير بشأن القضية، أو تحديدا قوة ضاغطة رهيبة على إسرائيل. لكن لعل الأهم على الإطلاق، يكمن في قدرة بريطانيا بما تحمله من مكانة خاصة لدى واشنطن، وارتباطات تاريخية، ومصالح حيوية علانية وسرية؛ أن تؤثر على واشنطن بشأن القضية، وبالأخص الضغط على إسرائيل، فواشنطن هي الوحيدة القادرة على تحجيم إسرائيل. وعلى افتراض عجز بريطانيا عن الضغط على واشنطن وهو وارد في ظل قيادة منحازة تماما للرؤية والطموحات اليمينية الإسرائيلية؛ فاعتراف بريطانيا له دلالة وواقع مختلف، إذ أسقط الاعتراف واحدا من أهم الحصون التاريخية الغربية المؤثرة الداعمة دعماً مطلقاً لإسرائيل التي زرعتها بالأساس في المنطقة، إذ لم يتبق حصن غربي سوى واشنطن. إذ على رأي أحد الكتاب البريطانيين، أصبحت واشنطن وإسرائيل في مواجهة العالم كله بعد الاعتراف الأوروبي بفلسطين. ومن ثمَّ، سيشكل ذلك ضغطا وإحراجاً شديدا مزمنا لواشنطن، حيث فقدت أحد الدواعم المركزية المنحازة. بريطانيا قادرة بحكم نفوذها ووضعها المتفرد في أوروبا، على قيادة جبهة أوروبية موحدة - مستعدة في واقع الأمر - للضغط على إسرائيل بوسائل مختلفة، بدءاً من منع تصدير السلاح، مروراً بتقويض العلاقات الاقتصادية، وصولاً بالقطيعة الدبلوماسية التامة، فإسرائيل مهما بلغت من قوة واعتماد مفرط على واشنطن، نظن أنها لا تقوى على ضغط أوروبي منهجي قوي بقيادة بريطانيا، حيث مصالح وروابط شاملة مع أوروبا شديدة الحيوية. ملخص البيان، الاعتراف البريطاني تاريخي ومفصلي في مسار القضية الفلسطينية، نجزم أنه سيحرك المياه الراكدة، ويحجم طموحات إسرائيل عند خطوط محددة، ويكرس لاعتراف أبدي بحق قيام دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين. وفوق كل ذلك، تكمن أهميته في كسر الانحياز الغربي المزمن لإسرائيل.

729

| 30 سبتمبر 2025

شنغهاي والقيادة الصينية لدول الجنوب

منذ تولى الرئيس شي جين بينج قيادة الصين في 2013، نال اهتمام الصين بما يسمى الجنوب العالمي أو دول الجنوب، وهي مرادف لدول العالم الثالث المصطلح القديم الذي عفى عليه الزمن، ومرادف أيضا-عند البعض والصين- للدول المعارضة للهيمنة الغربية الأحادية، وليس بالضرورة في عداء صريح مع الغرب. فمنذ توليه، لا يخلو تقريبا أي خطاب خارجي للرئيس شخصيا أو كبار المسؤولين عن دول الجنوب ودورها المركزي في النظام الدولي الجديد. تعمل الصين منذ تولى بينج على تكريس دورها القيادي في العالم بصورة صريحة ومباشرة إذ لا تخفي ذلك، وفي أوقات تعلن ضمنيا عن رغبتها في الهيمنة المنفردة، وفي الأغلب تعلن عن سعيها لتأسيس نظام دولي متعدد الأقطاب. وفي كلتاً الحالتين، فدول الجنوب هي القاطرة التي تعول عليها الصين لترسيخ هيمنتها الدولية. أو كسر الهيمنة الغربية لترسيخ التعددية، أو حتى تقاسم القيادة مع واشنطن في إطار نظام ثنائي القطبية، وهو أمر ضروري في كل الحالات وتعمل عليه الصين والشواهد لا حصر لها. المنطلق الرئيس للخطاب الصيني الموجه لدول الجنوب يتمحور حول الدور الفعال للجنوب في إطار إصلاح الحوكمة الدولية، والتي بدورها تنطلق من أساس (دمقرطة العلاقات الدولية)، مما يعني إصلاح النظام الدولي القائم ومؤسساته وقواعده بحيث تكون أكثر عدلاً وإنصافاً- لا تحابي مصالح الغرب فقط- وأن يكون لدول الجنوب دور فيه خاصة في مؤسساته الرئيسة متساو مع القوى الغربية. والصين لا تغازل دول الجنوب خطابياً فقط، بل الأهم هو ما تقوم به على أرض الواقع، وهنا الشواهد والأدلة لا حصر لها، من المشاركة في مشاريع بنية تحتية تقدر بالمليارات عبر مبادرة الحزام والطريق، ومساعدات تنموية ومنح مليارية سنويا، ومساعدات خاصة بالتعليم والطاقة النظيفة، إلى مساندة مرشحي دول الجنوب لتولي مناصب رفيعة وقيادية في الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية، وتقديم مساعدات مالية وفنية للمنظمات الإقليمية، وأخيراً، دعم دول الجنوب للانضمام للمنظمات الدولية الجديدة المناهضة للغرب وعلى رأسها البريكس. والحقيقة أن ما قامت به الصين من جهود جبارة لدول الجنوب صنفها بصورة شبه رسمية كزعيم دول الجنوب، وهي بذلك- وفقا لانصار الجرامشية الجديدة- قد مهدت الطريق لتقبل دول الجنوب لهيمنتها الدولية بصورة طوعية. وهذا في ظل أمرين في غاية الأهمية، أولهما تراجع قوة الغرب بقيادة واشنطن في النظام الدولي، والثاني هو التنامي المطرد لقوة كثير من دول الجنوب، حيث تضم دول باتت مصنفة كقوى متوسطة في النظام الدولي مثل جنوب أفريقيا والبرازيل. حازت قمة شنغهاي الأخيرة القمة الخامسة والعشرين في الصين على اهتمام واسع لم تحظى به قمم منظمة التعاون شنغهاي في السابق، في افتتاحيات صحف عالمية كبرى مثل النيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وصفت القمة بأنها قمة نهاية الهيمنة الغربية، وقمة إعلان النظام العالمي الجديد بقيادة الصين وغيرها من العناوين ذات المعنى. وتلك الأوصاف لم تأت من الأهداف الطموحة المعلنة المتوخاة من القمة، بل من التهافت الواسع للمشاركة في القمة، إذ للمرة الأولى يشارك في القمة نحو عشرين زعيماً بعضهم من دول لم تكن تولي اهتماما كبيرا بشنغهاي بقدر اهتمامها بفعاليات أخرى خاصة البريكس. ولعل كانت المفاجأة الكبرى التي أعلن عنها الرئيس بوتين في كلمته هي عشرات طلبات الالتحاق التي قدمتها الدول للانضمام للمنظمة بصفة رسمية. إن تهافت المشاركة بجانب عشرات طلبات الالتحاق هي جميعها تقريبا من دول الجنوب، أو المصنفة ذلك، والأغرب هو أن منظمة شنغهاي ليست ذات أهداف عالمية أسوة بالبريكس أو الحزام والطريق، بل إقليمية المشاركة والأغراض بالأساس. ويعكس ذلك بصورة لا تخطئها العين الكثير من المؤشرات الحاسمة: -إقرار دول الجنوب بالقيادة الصينية المفيدة لهم. -سعي دول الجنوب للاستفادة من أية تنظيمات تقودها الصين. - إقرار دول الجنوب بالنظام الدولي الجديد الذي على الأقل لم تعد الهيمنة الغربية فيه مطلقة. -رغبة دول الجنوب القوية في الوقت عينه في التحرر من الهيمنة الغربية المطلقة التي باتت أكثر وطأة على العالم. في البيان الأخير، جاءت قمة شنغهاي الأخيرة لتقر نظاما دوليا جديدا، معسكر ناشئ قوي من دول الجنوب بقيادة الصين، ومعكسر غربي يتداعى من داخله قبل تحديه من الخارج. والواقع أن الصين عبر تكتل الجنوب في طريقها إلى قيادة دولية راسخة أو حتى هيمنة مطلقة في المستقبل، لكنها هيمنة مختلفة عن باقي صور الهيمنة على مدار التاريخ، هيمنة ذكية جعلت العالم يتقبلها أو يوافق عليها طوعاً.

711

| 21 سبتمبر 2025

استهداف الدوحة.. الخطأ الإستراتيجى الفادح

مثل الهجوم الإسرائيلى على أعضاء المكتب السياسى لحركة حماس فى الدوحة، حدثاً صادماً غير متوقع على الإطلاق، إلى الدرجة التى جعلت الكثير يعتقد بأنه كان بعلم وتنسيق مع الحكومة القطرية، وهذا قطعاً يخالف تماماً المنطق والحقيقة، وسيتم دحضه فى المقال. الهجوم الإسرائيلى الغاشم على قطر انتهاك صارخ لسيادة دولة عضو فى الأمم المتحدة، دولة مسالمة، ومن ثم، فهو جريمة عدوان متكاملة وفقا للقانون الدولى ومبادىء الأمم المتحدة. ليس من المتصور على الإطلاق أن تتواطأ دولة على انتهاك سيادتها وقتل مواطنيها تحت أية ظرف من الظروف، لاسيما وأن القيادة القطرية تتسم بحكمة وحصافة بالغة. فالتداعيات الوخيمة الناجمة عن تواطؤ الدولة ضد سيادتها ومواطنيها، تفوق بأضعاف مضاعفة أية مكاسب أخرى حتى ولو كانت استراتيجية. وحقيقة الأمر، أن وجود مكتب لحركة حماس فى الدوحة، لا تتداخل فيه أية اعتبارات استراتيجية كبرى لقطر، فهو لخدمة القضية الفلسطينية، وتسهيل التفاوض والمباحثات بين الأطراف. بل والأدهى من ذلك هو ما جاء على لسان رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثانى، بقوله الصريح المباشر عقب الهجوم “بأن مكتب الحركة قد أنشىء بطلب أمريكى إسرائيلى للتفاوض” كما قال ما مفاده أن جميع مسارات التفاوض والاتفاقات منذ 2014 وحتى المفاوضات الجارية لإنهاء الحرب فى غزة، تتم بوساطة قطرية بالتواصل مع المكتب أو أعضائه. إذن، ما يمكن قوله، أن انتقال المكتب من الدوحة إلى أية عاصمة أخرى، لن يشكل خسارة استراتيجية لقطر، بل هو خسارة استراتيجية لوسيط نزيه متمرس لديه قنوات مفتوحة مع الجميع. الهجوم على قطر تم بعلم أمريكا، وربما بدون رضاء أمريكى تام، بسبب الجنوح الإسرائيلى الماجن، ففى جميع الأحوال، فهو خطأ استراتيجى شديد الفداحة، وتتجلى هذه الفداحة فى صور وزوايا متعددة لا يمكن استيعابها جميعها فى المقال، سنكتفى بذكر أهمها: - تآكل الثقة الخليجية فى الولايات المتحدة والشراكة المتميزة الوثيقة معها. بطبيعة الحال لن يؤدى الهجوم إلى انهيار الشراكة الخليجية الأمريكية على الفور، والتى لا تنحصر فى الجانب الأمنى فقط بل أضحت شراكة استراتيجية شاملة. لكنها بالتأكيد ستدفع دول الخليج إلى إعادة تقييم هذه الشراكة على نحو جدى وعميق بحيث تتضمن-ضمن أمور أخرى- البحث عن شركاء أمنيين آخرين. فالهجوم سابقة خطيرة وخطأ لا يغتفر من شريك أمنى مفترض أنه مضطلع كلية بحماية أمن الخليج، ولعل قادة دول الخليج باتوا على قناعة تامة أن الجنوح الإسرائيلى بقيادة اليمين المتطرف، قد خرج عن السيطرة التامة حتى السيطرة الأمريكية، مما يزيد قناعتهم أيضا بان الشراكة الأمنية مع واشنطن باتت على المحك. وواقع الأمر أن تآكل الشراكة الأمريكية مع الخليج، ستكون أضراره بالغة على واشنطن فى إطار المتغيرات والتحديات الواسعة التى يمر بها العالم عموما وواشنطن خصوصاً. فالخليج بات من أكبر الداعمين للاقتصاد الأمريكى وهو ما تجلى فى الصفقات التريليونية التى أبرمت خلال زيارة ترامب الأخيرة للخليج، والخليج الضامن الرئيس لتمديد الوجود الأمريكى فى المنطقة الذى يساهم فى الحفاظ على الهيمنة العالمية لواشنطن، الخليج يمثل مرتكزا رئيسيا فى تحالفات واشنطن الدولية لموازنة الصين وتحالفاتها المتنامية والتى برزت بقوة فى قمة شنغهاى الأخيرة، الخليج أكبر داعم لواشنطن فى محاربة الإرهاب، وأخيراً الخليج صمام الأمان للاستقرار فى المنطقة. لذا، ليس من قبيل المبالغة القول إن الهجوم خطأ استراتيجى فادح، ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد تنبهت لذلك سريعا إذ ابدت اسفها العميق وانتقدت الضربة فى سابقة نادرة. - الهجوم على الدوحة قد عكس بصورة جلية نوايا إسرائيل بقيادة اليمين المتطرف، وهو ليس فقط احجامها التام عن التسوية فى غزة، بل أيضا نوايا توسعية وخطط لإشعال بؤر جديدة للتوتر فى المنطقة. إذ فيما يبدو أن الاصرار ليس فقط على خطة الترحيل الكارثية للغزاويين من خلال وأد أية فرص للتسوية، بل الشروع فى مخطط إسرائيل الكبرى غير القابل للتحقيق عبر ضرب عرض الحائط بالهجوم على قطر الذى لم يخطر على خلد أية محلل، فالرسالة واضحة سنقدم على عمل أى شىء ونضحى بكل الوسطاء والشركاء. والنتيجة الكارثية على إسرائيل قبل الجميع، الإغراق فى مستنقع من التصعيد العسكرى، تدمير مخططات التطبيع التى كانت تسير بوتيرة سريعة نسبياً، تآكل صورتها وشرعيتها الدولية بصورة خطيرة، وهو ما تجلى مؤخرا فى اعتراف 142 دولة فى الأمم المتحدة بإسرائيل من بينهم شركاؤها التقلديون مثل ألمانيا وانجلترا. فى النهاية، منذ ما يقرب من عقد، والكتاب والسياسيون الأمريكيون المحذرون من مغبة الانحياز الأمريكى المطلق لإسرائيل فى تزايد مطرد. إذ باتوا يصفون إسرائيل بـ «العبء” الخطير على واشنطن، الذى ضمن جملة أمور، يشتت ويبدد تركيزها وجهودها الاساسية عن قضاياها الاستراتيجية خاصة مواجهة الصين، وتساهم فى تشوية صورة وسمعة واشنطن عالميا، وتساهم فى تقويض الشراكة المتميزة مع الحلفاء. وهجوم الدوحة خير شاهد على ذلك.

699

| 16 سبتمبر 2025

حرب غزة وكسر الصنم

عندما بدأت حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، بشر عدد لا يستهان به من المراقبين بنظام دولى جديد على أنقاض هذه الحرب، وأي متخصص أو دارس للعلوم السياسية يعرف أن ذلك مبالغة كبيرة، إذ إن الحرب الأوكرانية وهي أخطر وأكبر حرب تقليدية بعد الحرب العالمية الثانية، لم تؤد إلى تأسيس نظام دولي جديد. فالأخير ينشأ عادة على أنقاض حرب عالمية كبرى أو انتقال جذري للقيادة في النظام الدولي حتى بدون حرب كبرى كما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وتأسيس نظام أحادي بقيادة واشنطن. والواقع أن ما يجب قوله إن الحرب الأوكرانية كانت كاشفة لطور أو معالم هذا النظام الدولي الجديد غير محدد المعالم بدقة بعد لكن على الأرجح نظام دولي متعدد الأقطاب، والحرب في غزة قد عمقت هذا الانكشاف. إذ من خلال مجمل ما حدث في العالم بما في ذلك مواقف الدول المتعددة من الحرب وعلى الأخص تجاه إسرائيل، يتضح بجلاء عمق هذا الانكشاف. تطل علينا حرب الإبادة على غزة بمفاجآت مذهلة يوما بعد يوم تحطم في أجزاء كبيرة من تابوه أو صنم الدعم والتعاطف العالمي الواسع لإسرائيل. وكانت البداية الموقف العالمي الشعبي من إسرائيل وبالأخص، وهي من المفارقات المحزنة في قلب العالم الغربي بما في ذلك الولايات المتحدة. فحرب الإبادة اشعلت انتفاضات مليونية في كل العواصم الأوروبية وكندا واستراليا كان آخرها مظاهرة مليونية في استراليا لإيقاف حرب التجويع، وتمرد طلابي لم يحدث منذ حرب فيتنام في الولايات المتحدة. ودلالات ذلك متعددة شديدة العمق، ومنها الفكاك الشعبي من النيوليبرالية الأنانية المتطرفة بالتوازي مع تنامي التوجهات الأخرى اليسارية والإنسانية والخضر، ودلالة ذلك يكمن في ضعف الهيمنة الغربية بصورة عامة ونموذجها النيوليبرالي في العالم بصورة خاصة. وأيضا قوة وسطوة الإعلام في التأثير وهنا نذكر الدور الرائد لقناة الجزيرة الواسعة الانتشار في الغرب في نقل الحرب ومآسيها المخزية الكارثية منذ أول يوم لحظة بلحظة، ودلالة ذلك أيضا هو تعدد وانتشار القوة في العالم إذ لم تعد محصورة في القوة العسكرية والاقتصادية فقط، فالإعلام بحد ذاته قوة رهيبة، وهذا يعد إشارة بالغة على عالم متعدد الأقطاب والقوى في مرحلة الانطلاق أو الإعلان رسميا. وعلى المستوى الرسمي، تسببت الحرب في تنامي كتلة عالمية من دول كانت تعد صديقة لإسرائيل والغرب، ضد إسرائيل، فجنوب أفريقيا المصنفة كحليف للغرب قادت المبادرة في رفع قضية ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، بدعم علني وضمنى من عشرات الدول. ودول أخرى قلصت من علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل، وأخرى انخرطت في صدامات دبلوماسية قوية معها. ودلالة كل ذلك، هو نمط التعددية الذي بات سائدا في العالم، أي الخروج من كنف الهيمنة الغربية بل وتحديها. إذ يمكن القول إن حرب غزة كانت المتنفس لهذه الدول للتعبير عن نهج جديد في سياستها قائم على الاستقلالية مدعوماً أو مدفوعاً بتغير حاد في المزاج والسياسات الداخلية. رغم أهمية الدلالات السابقة فإنها لا تقارن بالمفاجأة الأخطر على الإطلاق المحطمة فعليا وعمليا للصنم الإسرائيلي، والكاشفة بجلاء ليس فقط بالتعددية بل بالتهاوي الخطير للهيمنة الغربية، وهي التحول الجذري للمواقف الأوروبية تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية. في مشهد غريب تحولت كثير من الدول الأوروبية التي كانت داعما مطلقا لإسرائيل بين ليلة وضحاها إلى أكبر ناقد لإسرائيل، ففي 2024 اعترفت حوالي 5 دول أوروبية بفلسطين مخالفة للعرف السابق الذي تأسس على ألا اعتراف بدون تسوية كاملة، وفي الشهر الماضي أعلنت كل من فرنسا وأستراليا وإنجلترا عزمها الاعتراف بفلسطين. هذا بخلاف الخلافات الدبلوماسية والحرب الكلامية المستعرة بين إسرائيل ومعظم الدول الأوروبية، ومنع تصدير السلاح لإسرائيل وغيره. والشاهد في ذلك، هو عمق التحول الجذري في النظام الدولي القائم الآن، فالاعتراف الأوروبي قد جاء ضمن جملة أمور، ليؤكد ضمنيا على التعددية وتسارع الدول الأوروبية على احتلال موقع متميز في هذه التعددية، وتعميق استقلالها عن واشنطن، والالتفات إلى مصالحها الخاصة دون النظر إلى تداعيات ذلك على تصدع النظام الغربي. خلاصة القول، حطمت حرب الإبادة في غزة فعليا الصنم الإسرائيلي الذي ظل راسخا لعقود خاصة في العالم الغربي، والحقيقة أن تحطيم هذا الصنم أحد البواعث القوية الكاشفة للنظام الدولي الجديد الذي فيما يبدو سيتم الإعلان عنه رسمياً عن قريب.

567

| 09 سبتمبر 2025

نسبية حقوق الإنسان

لعل الكثيرين حتى المتخصصين منهم لم يسمعوا عن مسألة نسبية حقوق الإنسان، إذ نادرا ما تشير الكتابات المتعلقة بحقوق الإنسان عن النسبية. وتعد الصين على رأس الدول المحدودة التي تشدد عادة خاصة في خطاباتها تجاه دول الجنوب على مسألة نسبية حقوق الإنسان. ويشير مفهوم نسبية حقوق الإنسان خاصة الذي تروجه الصين وهو التعريف الأنسب، أن لكل مجتمع في العالم خصوصية ثقافية واجتماعية وتاريخية معينة قد نتج عنها قيم ومبادئ محددة وخاصة أيضا لحقوق الإنسان، والديمقراطية كذلك. وبالتالي، فمسألة النموذج الغربي لحقوق الإنسان الذي يجب فرضه تحت ادعاء (النموذج العالمي الوحيد المثالي لحقوق الإنسان)، مسألة مرفوضة غير موضوعية بالضرورة. هل النموذج الغربي لحقوق الإنسان هو المثالي حقا، وهل التشبث بالنسبية هو تملص من الحقوق الأساسية للإنسان، وذريعة للاستبداد بمختلف أشكاله؟ في خضم موجة التراجع الديمقراطي القوية التي تشهدها الديمقراطيات الغربية العريقة، خلصت الكثير جدا من الدراسات التي استفاضت في تلك الظاهرة المفاجأة والخطيرة إلى أن النموذج الليبرالي الغربي لم يطبق يوما ما بصورة مثالية أو كاملة في أية ديمقراطية غربية، وكان مدعاة ذلك ضمن جملة أمور عديدة الخصوصية والخلفية الخاصة لكل دولة غربية وحتى التابعة للمعسكر الغربي مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية. إذ وجدت مثلا أن الحقوق الكاملة للمرأة، أو بالأحرى المساواة التامة مع الرجل في جميع الحقوق عملا بالنسوية مجرد خرافة ولم تطبقها حتى النماذج التي اقتربت من المثالية مثل الدول الإسكندنافية. إن ظاهرة التراجع الديمقراطي في الغرب قد فتحت الباب على مصراعيه لدراسات متعمقة أكثر جدية وشمولية للديمقراطية وحقوق الإنسان، سبرت أغوار الظاهرة في مهدها وأبعادها المختلفة وفي كل الثقافات بصورة غير مسبوقة. ونال مثالية النموذج الغربي نصيبا وافرا من النقد والتحليل، وكان نتاج ذلك خلاصات مدهشة، إذ لم يتبين خرافة مثالية أو استعلاء النموذج الغربي فحسب، بل إن الحضارات العريقة وعلى رأسها الحضارة الإسلامية والآسيوية بكل تنويعاتها لديها قيم ومبادئ متأصلة لحقوق الإنسان سابقة بقرون للحضارة الغربية، وأكثر سمواً وعقلانية عنها. إذ على سبيل المثال، تروج الصين في خضم النسبية لقيم ومفاهيم لحقوق إنسان نابعة من الثقافة الكونفوشوسية تضمن في جوهرها حقوق إنسان أساسية موضوعية ترمى فى المحصلة الأخيرة إلى سعادة الإنسان والمجتمع ورفاهيته. إذ تروج الصين أن حقوق الإنسان الحقيقة تبدأ بالتنمية والرفاهية كأولوية مطلقة للدولة، إذ بدون تحقيق ذلك لن تتحقق الحقوق الفردية بمفهوها الغربي، بل سيسقط المجتمع في حالة من البؤس وعدم الاستقرار والفوضى، فأين إذن حقوق الإنسان في مجتمع مثل ذلك؟! إن التشبث بخصوصية حقوق الإنسان، أي ضمنيا نسبية حقوق الإنسان، لا يعد ذريعة للتملص من الحقوق الأساسية للإنسان والاستبداد. وهنا الحديث ليس على الدول الاستبدادية بالأساس، بل على الدول التي حققت معجزات اقتصادية ومستويات قياسية في رفاهية شعوبها في ظل تمسكها بقيمها الخاصة للديمقراطية وحقوق الإنسان. ولعل أبرز مثال على الإطلاق هي دول مجلس التعاون الخليجي، والتي وفقا للمؤشرات الغربية ذاتها لديها سجلات عالية في حقوق الإنسان تفوق دولا غربية، بل والأغرب من ذلك تكاد تكون مستويات الجريمة والفساد منعدمة. تطبق دول الخليج نموذجا خاصا للحكم وحقوق الإنسان وهو نموذج الحكم الرشيد الذي أصبح نموذجا عالميا ملهما، مستمدا من قيم الإسلام الحنيفة، والخصوصية الثقافية والاجتماعية لدول الخليج. ويتبدى سمو هذا النموذج على النموذج الغربي- الذي ليس سيئا في مجمله- فيما يتعلق بحقوق الإنسان في مجموعة أولوياته ومفاهيمه الخاصة، والتي من أهمها، أسبقية رفاهية المجتمع وعدالة التوزيع فى الثروة على كل شيء، أسبقية استقرار المجتمع على الفوضى من خلال الإفراط في التركيز على الحقوق الفردية التي لا تنتهى عملا بالنموذج الغربي مثل حقوق الشواذ والمتحولين جنسيا، ضمان وصيانة حقوق المرأة كاملة لكن في إطار الحفاظ على الأسرة والحقوق الأساسية للرجل، أي كبح مظاهر النسوية المتطرفة الداعية إلى حرية الإجهاض المطلقة، والتحكم التام للمرأة في أموال وثروات زوجها، بل أولوية توليها مناصب ووظائف حصرية للرجال مخالفة للفطرة الطبيعية، وهو ما بات يلقى معارضة شديدة في الغرب نفسه. خلاصة القول، نسبية حقوق الإنسان هي الأصل لحقوق الإنسان، فمسألة عالمية حقوق الإنسان والمرادف لها كما يصور لعقود هو النموذج الغربي هي مجرد خرافة محضة الغرض منها الاستعلاء والتدخل في شؤون الدول، وأكبر دليل على ذلك، هو التذمر أو التمرد المتنامي في الغرب على النموذج النيوليبرالي ذاته، والذي أدى إلى حدوث اختلالات مجتمعية رهيبة وفارق شاسع بين الطبقات وأزمة هوية، وفوضى خطيرة من خلال الإفراط والتحديث اليومي لحقوق الإنسان الذي بلغ حد الجنون بتأسيس جمعيات خاصة لحماية (أظافر القطط)، ومن شواهد ذلك الخطيرة صعود شعبية اليمين المتطرف المناهض للديمقراطية إلى مستويات صاروخية.

684

| 02 سبتمبر 2025

alsharq
شاطئ الوكرة

في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...

4014

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
في رحيل الشيخ محمد بن علي العقلا

فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...

1728

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
عصا موسى التي معك

في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه...

1569

| 02 ديسمبر 2025

alsharq
الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...

1410

| 06 ديسمبر 2025

alsharq
أهلاً بالجميع في دَوْحةِ الجميع

ساعات قليلة تفصلنا عن لحظة الانطلاق المنتظرة لبطولة...

1185

| 01 ديسمبر 2025

alsharq
مباراة لا تقبل القسمة على اثنين

تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...

1158

| 04 ديسمبر 2025

alsharq
ثلاث مواجهات من العيار الثقيل

مواجهات مثيرة تنطلق اليوم ضمن منافسات كأس العرب،...

1149

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
«أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي»

-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...

1056

| 07 ديسمبر 2025

alsharq
الدوحة.. عاصمة الرياضة العربية تكتب تاريخاً جديداً

لم تعد الدوحة مجرد مدينة عربية عادية، بل...

882

| 03 ديسمبر 2025

alsharq
درس صغير جعلني أفضل

أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...

651

| 05 ديسمبر 2025

alsharq
خطابات التغيّر المناخي واستهداف الثروات

تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...

606

| 04 ديسمبر 2025

549

| 01 ديسمبر 2025

أخبار محلية