رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بعد السيل الجرار من المقالات التحليلية التي تناولت المشهد السوري بمختلف أبعاده ورؤاه المتعددة والمعقدة، وبعد بحور الأحاديث الإذاعية والفضائية المتلفزة حول هذا الموضوع ومن شخصيات مشهود لها بالعلم والتجربة والخبرة والدراسة والتمكن أصبح الكثيرون في العالم يذهبون إلى أنه من غير المعقول ولا المقبول ولا المنطقي بحال من الأحوال أن يستمر هذا اللانظام السوري في وحشيته الاستثنائية ضد الشعب على هذا النحو. فلا تزال كل يوم تدمي القلوب المشاهد التي تدق قلوبنا قبل أنظارنا والتي تتركز - وبشكل سافر- على الأسواق والمدارس والمشافي وأماكن تجمع المدنيين - كما حدث - يوم الإثنين الماضي في قصف حي الشعار الكبير في حلب بصاروخ على السوق الذي يشغله الناس وفي ساعة الذروة- مما أوقع 32 شهيدا وعشرات الجرحى وما يحدث في الغوطة الشرقية خصوصا ودرعا لا يزال مؤذيا جدا خصوصا للأطفال الذين قضوا هناك كما قضى من كان قبلهم منذ خمس سنوات تقريبا. ولذلك وجدنا الكلام - الذي أصبح للاستهلاك ليس إلا – من محققة أممية تقول: إن العدالة ستلاحق بشار الأسد حتى لو بقي في السلطة. ومن أخرى تقول: إن الأسد سوف يلاقي المصير نفسه الذي حل بـ"ميلوسوفيتش". وثالثة تصرح أنه على أوروبا العمل لإنشاء محكمة دولية خاصة بالجرائم في سوريا. إن كل هذا - إضافة لما صرح ولا يزال به الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أن الأسد فقد شرعيته ويجب أن يرحل وهو ما تلقفه وزير خارجيته عنه ومئات التأكيدات اللفظية خصوصا ممن يسمون أنفسهم أصدقاء سوريا أي الشعب السوري – كلها باتت لا تسمن ولا تغني من جوع، وبات التحليل الذي يركن إليه الكثيرون ونحن منهم. أنه من المستحيل - لو كان الأمر طبيعيا – أن يمر المشهد هكذا ولقرابة خمس سنوات من الموت والدمار لولا أن ثمة مؤامرة كبيرة دبرت منذ نشوب الثورة السورية ونحن نرى أن زعيمتها إسرائيل الصهيونية التي لها ألف وجه ووجه في التعاطي مع أحداث سوريا وأن من مصلحتها أن يستمر القتل والسجن والتشريد والتهجير إلى ما لا نهاية حتى تتحقق أهدافها المرسومة والتي تعرفها أمريكا وروسيا وإيران بحذافيرها ولذلك فإنهم يعملون على تنفيذها دون أي حساب للوم أخلاقي أو قيمي وهم متفقون تماما مع مجلس الأمن والأمم المتحدة على إخراج هذه المسرحية بهذا الشكل دون تحفظ لأنه إذا انهارت جبهات مصر وسورية والعراق فستبقى الصهيونية طليقة ليس في فلسطين فحسب بل في العالم جميعه كأفعى يجري سمها في كل مكان ولا تنس معي كيف زار وزير الدفاع الصهيوني العام الماضي أوباما مرتين وثناه عن تزويد المعارضة السورية بأي شكل من السلاح النوعي ضد الأسد وشبيحته والداعمين له من المليشيات الشيعية من كل أطراف الدنيا -وهذا إن كان صحيحا - وقد تأكدت هذه المناظر المقززة أكثر وأكثر بعد الاتفاق النووي مع إيران. ونحن نسأل – في هذا الغضون – لو كانت هذه الحرب تدور في إسرائيل ويتضرر بها حتى لو كان القليل من الصهاينة – هل تستمر إلا أقل القليل من الوقت؟ ومهما كانت الأسباب الجيوسياسية والعقبات والعقد المتشابكة! لكن الحقيقة أنه ليس هناك أي تفاهم دولي – وهذا بإرادتهم وعن سابق إصرار – لأي حل في البلاد طالما أن أكثر ضحاياهم من العرب والمسلمين السنة ونذكر هنا بقول الله تعالى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ......) البقرة: 120. ولماذا يهرع هذه الأيام "نتنياهو" نفسه وهو رئيس وزراء الصهاينة للسفر إلى روسيا لمقابلة "بوتين" ويتحدث فيما رشح من أخبار عن تجنب أي مواجهة عسكرية مع روسيا في سوريا وعن أمور أخرى سرية هي المقصودة وهي التي تنبئ بأن هذا الثلاثي إسرائيل وروسيا وأمريكا هي الجهات المرابطة تماما وراء هذا التدخل وأن إيران تجري في خدمة هؤلاء الأسياد ليس إلا. وأنها إذ لم تحرز أي تقدم ملموس ضد الثورة بل كان العكس هو الصحيح. كان لابد لروسيا أن تتدخل كمحتل اعتاد الاحتلال قديما - كما هو معروف - وحديثا عندما قضم بعض "جورجيا" وجزيرة "القرم" وأحدث المشكلة "الأوكرانية". وهي الآن بعد العزلة شبه الدولية ضدها كان لابد من التآمر المسبق مع الصهاينة وإيران وأمريكا لتنفيذ هذه المهمة ليعود لها ذكرها في حلبة الصراع السياسي والعسكري وطبخت المسرحية التي لم يغب عن معرفتها حتى الطفل الصغير إذ تراجعت أمريكا ظاهريا – بينما هو الموقف الحقيقي لها – تجاه السفاح الأسد الذي أعطوه الضوء الأخضر منذ بداية الأحداث أن يحقق لهم ما يصبون إليه وهم بدورهم يحققون له تمنياته بالسلطة وأنه كأداة وصنيعة لابد أن يبذل كل الجهود المطلوبة. لذلك تراه يرمي ويقصف ويفعل ما بداله دون حسيب أو رقيب وكأنه الآمر الناهي والكل يدعي أنه متشبث بالحكم. وماذا علينا أن نفعل!. وروسيا التي أوفدت منذ مطلع الثورة سفيرها في لبنان إلى حسن نصر الله وتحادثوا في المبادئ والمآلات تجد نفسها الآن وبعد انهزام شريكها وحليفها وحليف الغرب لابد أن تتدخل لإنقاذه ففي إنقاذه إنقاذ لإسرائيل التي تصر عليه والتي قال" بوتين" أثناء زيارته الأخيرة لها: إن علاقتنا مع اليهود علاقات لن يستطيع أحد أن يقطعها"! ولكن أسود سوريا قد بدأوا التحضير وأهدوا بوتن يوم الإثنين الماضي بداية قصف السفارة الروسية في دمشق بقذائف الهاون إضافة إلى قتل جنديين روسيين في الساحل. وإن بوتن لن يستطيع – حتى على المدى البعيد – من أجل إنقاذ الأسد أن يحقق ما يصبو إليه وسوف يقول _ إن شاء الله _ كما قال "جورباتشوف" في هزيمة الروس في أفغانستان:-"إن تدخلنا في أفغانستان لم يكن خطأ بل كان خطيئة"! فعلى علماء الإسلام – خصوصا في روسيا والبلاد الإسلامية- أن يحضوا كل مسلم للوقوف ضد هذا الاحتلال الروسي المجرم البغيض فقد غدا الأمر أوضح من الشمس في رابعة النهار. وذلك قبل أن يقتل مئات الآلاف على أيدي الروس ويعيدون ذكرى مأساة حماة 1982حين قال خبراؤهم لحافظ الأسد. إذا قتل منكم واحد فاقتلوا ألفا منهم! إن العلويين أنفسهم أصبحوا يكرهون الأسد ويلقبونه دوما بالأهبل الذي دمرهم فهل تستطيع روسيا أن تنقذه لإنشاء سوريا المفيدة مهما أسست الآن من مطارات وأرسلت أسلحة نوعية هي على حد تعبير وزير الخارجية السوري "وليد المعلّم": ستقلب الطاولة! ولكن سينقلب السحر على الساحر حتى لو شاركت إسرائيل فعليا روسيا كما نقل الخبراء. وإنه من الأفضل بألف مرة لأوروبا – لو صدقت – أن توقف الحرب السورية وتحل أزمة الشعب – بدل أن يندب الأكثرون فيها حظهم من المهاجرين وسيبقى أبطالنا في سوريا يرددون: إن المتفائل يجعل الصعاب فرصا تغتنم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1659
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1113
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا». يؤصل ابن خلدون في تاريخه بهذه العبارة، قاعدة بالغة الأهمية في دراسة التاريخ، مفادها أن استدعاء صفحات الماضي والنظر في التاريخ، لا يكون بغرض التسلية بحكايات الغابرين، ولا للانحباس في حالة انبهار بصفحات مجد تليد، إنما هو أداة لتغيير الحاضر والتهيئة لتحديات المستقبل. لكن أمتنا قد دبّ فيها داء الهروب إلى التاريخ، نعم نحن نهرب من مواجهة واقعنا باستدعاء التاريخ وأمجاده والاكتفاء بذلك، فهي حيلة نفسية نواري بها عجزنا عن مسايرة الغرب الذي أخذ بأسباب القوة والتقدم بينما توقفنا نحن عند حدود الماضي، وأسعد بلادنا حظًا من قطعت بضع خطوات في مجالات محددة، دون أن تكون هناك نهضة شاملة تجعلها على قدم المساواة مع وحوش العالم. نحن نعاني فوضى التفاخر بالماضي، أصبح المجد السابق هو بضاعتنا في التعريف بأنفسنا، مع أن التفاخر بالتاريخ لن يدفع عجلة الاقتصاد، ولن يحل المشكلات والأزمات الاجتماعية، ولن يسهم في التطور التقني والتكنولوجي، ولن يجعل القوى العسكرية في مصاف القوى الكبرى. ما فائدة أن يتراشق أهل كل بلد من بلدان الأمة بسالف أمرها، هذا يتفاخر على هذا بأن له حضارة عمرها كذا ألف سنة، وهذا يتفاخر على ذاك بأن أجداده هم من اخترعوا كذا، وأصبحت كلمة «كنا، وكنا» ديباجة في خطاب الشعوب. أجدادكم فعلوا، فماذا فعلتم أنتم؟ كان هذا ماضيكم فأين حاضركم؟ ليست المشكلة في أن تعتزّ الأمم بتاريخها، فالتاريخ هو الذاكرة الجماعية والرصيد الرمزي الذي يمنح الشعوب هويتها ومعناها، لكن المعضلة الكبرى التي تعانيها أمتنا تكمن في أنّها حبست نفسها داخل الماضي، واكتفت بالنظر إلى تاريخها المجيد نظرة تمجيد وتقديس، دون أن تحوّل هذا التاريخ إلى مصدر للعبرة، أو إلى جسر يعينها على فهم واقعها ومواجهة تحديات عصرها والعبور بثقة نحو المستقبل. لقد علّمنا التاريخ ذاته أن الحضارة لا تُورّث، وأن المجد لا يُستعاد بالتغنّي به، بل بالعمل وفق السنن التي أقامته أول مرة: العلم، والعمل، والهوية، فأسلافنا لم يتقدموا لأنهم عاشوا على أمجاد من سبقهم، بل لأنهم واجهوا واقعهم بشجاعة، وأبدعوا حلولًا تناسب زمانهم، واستثمروا معارف الأمم الأخرى. إنّ أخطر ما تواجهه أمتنا اليوم هو تحويل الماضي إلى بديل عن الحاضر، وإلى مبرر للعجز بدل أن يكون دافعًا للنهوض. فالعالم من حولنا يتغيّر بسرعة هائلة، تُقاس فيها قوة الأمم بقدرتها على الابتكار، وعلى استيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية، بينما لا تزال كثير من مجتمعاتنا أسيرة النظر المجرد إلى الماضي انبهارًا واكتفاءً. التذكير بالماضي والأجداد العظام يفلح فحسب مع من يعتبر بذلك الماضي ويتخذ منه نبراسًا ويقتبس منه ما يضيء به الطريق نحو المستقبل المزهر، وهذا هو منهج القرآن الكريم، فهو يذكر بتاريخ الأمم السابقة التي هلكت رغم إغراقها في النعم وأوجه التقدم بسبب حيدتها عن طريق الله، يذكر بذلك من أجل الاتعاظ والاعتبار بأن القوة لابد وأن تُساس بالمنهج الإلهي. يذكرنا القرآن الكريم بالتاريخ المشرق والأجداد العظام حتى نسير سيرهم ونحذو حذوهم لا لنقف عند قول الشاعر: أولئك آبائي فجئني بمثلهم، إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ. فالله تعالى يقول في سورة الإسراء: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، وحولها يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: «تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح. فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي: يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة، تشبهوا بأبيكم، {إنه كان عبدا شكورا}. فالقرآن هنا لم يذكر سلالة نوح بأبيهم ليتفاخروا به ويقفوا عند هذا التفاخر، بل من أجل التشبه به في خصاله وأفعاله وقيامه بشكر المُنعم على ما أنعم به من النعم. النظر إلى التاريخ لا يصلح أن يكون مهجعًا للاستغراق في النوم، وإنما هو منطلق لأن نستلهم من الماضي لإصلاح الحاضر والعبور المتزن الآمن إلى مستقبل مزهر.
690
| 21 ديسمبر 2025