رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كثُر الحديث منذ أسابيع في العالم العربي عن مقال "عقيدة أوباما" الذي كتبهُ الصحفي الأمريكي جيفري جولدبيرغ عنوانًا لمادةٍ مطولة نشرها في مجلة The Atlantic، استخلصها من أكثر من حوار أجراه مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما. الظاهر أن الرئيس يحب إرسال رسائل تتعلق بالسياسة الخارجية، خاصةً مع العرب والمسلمين، من خلال حواراته مع هذا الصحفي. نذكر هذا لأن الرجل أجرى مع أوباما لقاءً آخر، في نفس المجلة، في مثل هذه الأيام منذ عامين كاملين، سيكون مفيدًا العودة إليه بسرعة لأن فيه عنصرًا هامًا يؤخذ بعين الاعتبار في دراسة مقاييس الرجل ومداخل تقويمه لمسائل السياسة الخارجية.
فعندما سأله جولدبيرغ عن رأيه فيما إذا كان يرى خطورةً أكبر في التطرف السني أو التطرف الشيعي، طرح أوباما وجهة نظر لا يمكن الهروب من دلالاتها الإستراتيجية الخطيرة على مستوى الرؤية السياسية وعلى مستوى القرارات العملية التي يمكن أن تُبنى عليها. ذلك أن الرجل تهرب من الإجابة المباشرة على السؤال، لكنه أجاب عليه بطريقة معبرةٍ جدًا قال فيها: "ما سأقوله هو أنك إذا نظرت إلى السلوكيات الإيرانية فستجد أنها إستراتيجية، ولا تأتي على شكل ردود الأفعال. إن لديهم رؤية متكاملة للعالم، وهم يدركون مصالحهم، ويستجيبون لمعادلة الأرباح والخسائر..إنهم دولة كبيرة وقوية ترى نفسها كلاعب مهم على المسرح العالمي".
التخطيط الإستراتيجي الحقيقي، البعيد عن ردود الأفعال، والمنبثق من المصالح، ومن امتلاك رؤيةٍ متكاملةٍ للعالم هو مدخل الفعل السياسي لمن يرى نفسه لاعبًا مهمًا على المسرح العالمي. لسببٍ ما، أعطانا الرئيس الأمريكي هذه (المحاضرة) بشكلٍ صريح، لكن مضمونها يبقى منسجمًا مع واقع العلاقات الدولية في عالم اليوم.
رغم التحديات، يحاول العرب منذ عامٍ مضى، بقيادةٍ سعودية، بناء منظومة سياسيةٍ إقليمية وعالمية تتمحور حول ذلك العنصر تحديدًا. والمفارقة، أنه بعد عام من اليوم، حين يكون العرب ماضين في مواجهة التحديات، سيكون أوباما خارج البيت الأبيض يستمتع بتقاعده كرئيسٍ سابق. الأهم في الموضوع، كما تشير كثيرٌ من المعطيات، أن رؤية أوباما الخاصة للسياسة الخارجية، أو ما تبرعَ جولدبيرغ بصياغته كـ(عقيدة)، ستكون بدورها شيئًا من الماضي، لا تتجاوز علاقة مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية به إلا كأرشيفٍ على أحد رفوف مكتبةٍ خاصة، تحوي متحفًا، تُبنى لكل رئيسٍ أمريكي بعد انتهاء ولايته (في الحقيقة، يعمل أوباما بحرص على تنفيذ الفكرة منذ زمن، وبتكلفة تتراوح بين 800 مليون إلى مليار دولار حسب مصادر حكومية، مقارنةً بـ300 مليون دولار، تكلفة متحف ومكتبة جورج بوش الابن) .
من هنا، وخروجًا من ملابسات اللحظة الراهنة، وانسجامًا مع دلالات ما هو (إستراتيجي) في التخطيط والرؤية، يُضحي طبيعيًا تركيز التفكير في عناصر أخرى تساعد العرب على التعامل مع أمريكا بعد أوباما.
يمكن الإشارة، بدايةً، إلى حقيقةٍ تتمثل في أن اختزال مداخل وقنوات العلاقة بين الطرفين في الجهات الرسمية والحكومية يصبح أحيانًا جزءًا من المشكلة. ذلك أن أي علاقةٍ صحية بين جماعتين حضاريتين ضخمتين بهذا الحجم والتأثير يجب أن تكون مبنيةً في جانبٍ أساسي منها على جهد ونشاط المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز الدراسات والأبحاث والمؤسسات التعليمية. أما الاقتصار على القنوات الرسمية لبناء العلاقة المذكورة فإنه سيُغيّب بالضرورة المرونة والحيوية المطلوبة لمثل هذه العمليات الحضارية. وسيؤدي في كثير من الأحيان إلى طرق مسدودة، أو إلى مآزق آنية مزعجة في حال حصول أحداث كبرى، كما جرى مثلًا بعد هجمات سبتمبر المعروفة.
من الضرورة بمكان، ثانيًا، التأكيد على انتقال العلاقة بين الطرفين إلى درجةٍ أعلى من الندية، تقوم على الإدراك المتجدد لقوة وحجم الأوراق التي يملكها الطرف العربي، والخليجي بشكلٍ رئيس، في خضم عملية (التدافُع) التي تحكمُ مجال العلاقات الدولية. أما العامل الرئيس في الموضوع فيكمن في ظهور (الإرادة السياسية) لاستعمال تلك الأوراق، وفي التعبير عن تلك الإرادة عمليًا، وليس التلويح بها نظريًا فقط. وإذ نُدرك، كعرب، كل الحقائق المتعلقة بقوة أمريكا ودورها المحوري والقيادي في العالم، ونتعامل مع تلك الحقائق بعقلانيةٍ وموضوعية. لكننا ندرك أيضًا، بشكلٍ متزايد، أن ثمة ساحات ومداخل للتعامل الندي المذكور هي من صُلب طبيعة النظام الدولي، وفي مجال العلاقات مع أمريكا تحديدًا. المفارقةُ أن أمريكا نفسها تعرف هذه الحقيقة بكل وضوح، وتبني سياساتها الخارجية بناءً عليها. لهذا، يُصبح ساذجًا التفكيرُ بوجود تناقض بين إدراك دور أمريكا في العالم والإقرار به من جانب، وبين البحث على الدوام عن سياسات خلاقة ومُبتكرة تُمارسها الدول الأخرى للتعامل مع ذلك الواقع بما يُحقق مصالحها، من جانبٍ آخر.
وأخيرًا، من الواضح أن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية أدركت، منذ بدء (عاصفة الحزم)، أن العاصفة المذكورة لا تتعلق باليمن فقط، بل بالمنطقة بأسرها. وأنها عاصفةٌ تهدف لإحداث نقلةٍ في العلاقة معها من كونها مجرد (إدارة) قائمة على الرؤية الأمريكية النمطية، لتصبح علاقة نديةً قائمةً على وجود (الإرادة): المرادف الأقرب لـ(حزمٍ) أحدث اختراقات في السياسات العربية غير مسبوقة، ولم تكن أمريكا، بحكومتها ومراكز دراساتها وأبحاثها، تتوقعُ حصولها. هكذا هي أمريكا، وهذه هي (واقعيتُها). يفرض (الواقع) نفسه عليها، فتركض لاستيعابه ومحاولة فهمه. وهو ما ستؤكده مؤسسة السياسة الخارجية بشكلٍ يختلف جذريًا عن رؤية رئيسٍ يحاول أن يترك لنفسه ذكرًا في التاريخ آخرَ أيامه في البيت الأبيض.
في هذا الإطار، يأتي استمرار الحزم المذكور، بكل مساراته، خاصة في سوريا الآن، ليصبح أهم عاملٍ في إقناع تلك المؤسسة، المتشككة في رؤية أوباما وقراراته أصلًا، بضرورة بناء علاقةٍ إستراتيجية جديدة مع المنطقة، بواقعية، وبعيدًا عن أوهام المجد الشخصي على جدار الذكريات.
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
129
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
198
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
303
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4176
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1746
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1605
| 02 ديسمبر 2025