رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم يكن من المستغرب على الإطلاق السيطرة السريعة جدا لطالبان على كابول ثم العودة لحكم أفغانستان منذ إعلان بايدن الانسحاب المبكر الكامل غير المشروط من أفغانستان، بل يمكن الجزم أيضا أن الولايات المتحدة كانت على يقين تماما بعودة طالبان السريعة للحكم وصعوبة صمود الجيش الأفغاني الذي صرفت عليه المليارات أمام طالبان القوية جدا على الأرض والمسيطرة على مناطق أفغانية كثيرة إبان وجود القوات الأمريكية.
إذن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل عودة طالبان لحكم أفغانستان يعني عودة أفغانستان لما قبل 2001؟. أي عودة لتطبيق متطرف للغاية للحكم الإسلامي بعيدا تماما عن تعاليم الإسلام الوسطية السمحة أرجع أفغانستان إلى ما قبل العصور الوسطى، ودعم وإيواء للتنظيمات المسلحة وخاصة القاعدة، وأخيرا حروب داخلية طاحنة بين الفصائل الإسلامية.
منذ سيطرتها على كابول، أطلق قادة طالبان وخاصة متحدثها الرسمي "ظبى الله مجاهد" جملة تصريحات تطمينية مؤداها وجود تغير جذري في فكر وأسلوب طالبان في حكم وإدارة البلاد. إذ من التصريحات الهامة في هذا الصدد هو العمل على مشاركة جميع الفصائل الأفغانية في إدارة البلاد وعدم انفراد طالبان بالسلطة، السماح للمرأة بالمشاركة في الحياة السياسية والسماح بتعليم المرأة وتخفيف القيود المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية.
فمن منظورنا أن تلك التصريحات تعمدت بها طالبان تهدئة مخاوف المجتمع الدولي حتى تستكمل سيطرتها على حكم أفغانستان بهدوء وتلقى بعض الدعم الدولي، ولم تكن موجها للشعب الأفغاني.
وللتذكرة أيضا لم تفِ طالبان بأية وعود قطعتها على نفسها أثناء مفاوضاتها مع الولايات المتحدة من أجل الانسحاب. والأهم من ذلك، تعتبر طالبان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان انتصارا للحركة.
إذن، لا نتوقع مع الهيمنة التامة لطالبان على السلطة حدوث تغير جذري في إدارتها للحكم، لا سيما حدوث أي تغير في مسألة الحكم الإسلامي المتشدد للغاية لأن قادة الحركة وأنصارها لا يزالون يحملون الفكر المتشدد ويطبقونه في المناطق التي تخضع لسيطرتهم.
وبناء على ذلك أيضا، فإن استمرار طالبان في دعم وإيواء الحركات الجهادية الكثيرة جدا العاملة في أفغانستان وخاصة تنظيم القاعدة أمر مؤكد بلا أدنى مجال للشك. على الرغم من الوعود التي قطعتها طالبان على نفسها بعدم السماح باستخدام أفغانستان لشن هجمات مسلحة خاصة من قبل القاعدة، وكذلك تعهدها بعدم السماح بتحويل أفغانستان لمراكز تدريب وإيواء للتنظيمات الجهادية. وفي تلك المسألة على وجه الخصوص، يمكن القول إنه بخلاف الدعم المتوقع لطالبان لتلك التنظيمات الجهادية هنالك واقع آخر أن تلك التنظيمات وخاصة القاعدة قوية ومسيطرة جدا على الأرض أو في مناطق أفغانية كثيرة ولها أتباع بالمئات. وبالتالي، ستواجه طالبان صعوبة بالغة للغاية في السيطرة على تلك التنظيمات.
يبقى في هذا الصدد الإشكالية الكبرى المدمرة لأفغانستان وشعبها تماما، وهي ربما العودة المخيفة للحروب الأهلية الداخلية في أفغانستان تحت حكم طالبان. إذ يمكن القول إن سيطرة تامة قوية لطالبان على حكم أفغانستان لا يعنى حكم مستقر لها ولأفغانستان. فقادة طالبان أنفسهم بينهم انقسامات حول أسلوب وإدارة البلاد تحت الحكم الإسلامي. كما أن طالبان لديها خصوم كثيرون أقوياء على الأرض من بينها حركات جهادية وأمراء حرب إلى جانب خصومها من الأقليات العرقية الأخرى كالطاجيك والأوزبك. بل والأخطر من ذلك أيضا، أن بين الحركات الجهادية العاملة في أفغانستان انقسامات وخلافات حادة ورواسب عدائية قديمة تنذر بصراعات مسلحة طاحنة بينهما. ويجدر الإشارة أيضا أن التناحر والصراع بين الحركات الجهادية المتشددة سمة ثابتة لتلك الحركات والشاهد على ذلك الصراع بين القاعدة وداعش والنصرة في سوريا.
وبناء على ذلك، لن يكن بمقدور طالبان الحيلولة دون حروب داخلية طاحنة في أفغانستان فحسب، بل أيضا ستكون الحركة شريكاً رئيسياً في هذه الحروب، بحيث لن تتحول أفغانستان إلى دولة فاشلة بالمعنى المتعارف عليه في العلوم السياسية، بل إلى "اللا دولة" على الإطلاق وساحة لحروب داخلية طاحنة غير معلوم مستقبلها.
يبقى أخيرا الإشارة إلى أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سيحول أفغانستان إلى ساحة لصراعات إقليمية، مما يضيف من عوامل عدم الاستقرار إلى مستقبل أفغانستان. إذ من المتوقع أن تستخدم باكستان أفغانستان عبر حلفائها من التنظيمات الجهادية وخاصة شبكة حقاني لمهاجمة الهند. ومن ناحية أخرى، فالصين على وجه الخصوص تخشى مع عودة طالبان أن تتحول المناطق الحدودية الأفغانية المجاورة لها إلى قاعدة لمهاجمة الصين وضرب مصالحها على خلفية قضية اضطهاد الإيغور. ولدى روسيا مخاوف أيضا من عودة طالبان للحكم وتتركز من دعم طالبان للتنظيمات الجهادية المناوئة لروسيا في آسيا الوسطى.
وفي الختام أن أفغانستان تحت حكم طالبان فأتوقع أن تعود إلى ما قبل 2001 يضاف إلى ذلك عامل البعد الإقليمي ومحاولة سيطرة القوى الكبرى المجاورة لأفغانستان عليها مما يزيد من عوامل عدم الاستقرار لمستقبل أفغانستان. أما بخصوص الولايات المتحدة، فلا نتوقع أية ردود فعل على ما سيؤول إليه الوضع المستقبلي في أفغانستان لأنها تركت أفغانستان ومتيقنة تماما لهذا المستقبل للتفرغ لأولوياتها القصوى وهي إضعاف الصعود الصيني.
الدوحة مركز عالمي لدعم جهود مكافحة الفساد
جاءت استضافة الدوحة لأعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، بحضور... اقرأ المزيد
36
| 16 ديسمبر 2025
القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات
مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام... اقرأ المزيد
36
| 16 ديسمبر 2025
الفجوة الصامتة بين التعليم والمستقبل
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا قائمًا على نموذج قديم، جوهره الحفظ واسترجاع المعلومة، لا فهمها... اقرأ المزيد
39
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1236
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025