رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تأخذ الإضرابات النقابية والاحتجاجات الاجتماعية في تونس خلال هذه الفترة، شكل كرة الثلج، متدحرجة من قطاع إلى قطاع، ومن محافظة إلى محافظة، كما "الدوامة" التي لا تزيدها الريح إلا دورانا سريعا..
تلك هي الصورة اليوم في البلاد التي شهدت شرارة الثورات العربية..
فعلى الرغم من صعود حكومة "ائتلافية" جديدة بأربعة أحزاب، وانقضاء مائة يوم على انطلاق عملها، فإن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، لم تتزحزح قيد أنملة، الأمر الذي جعل المعطلين والعمال والنقابيين، يعودون إلى خيار الإضرابات والاعتصامات، بشكل ذكّر الجميع بفترة حكم "الترويكا" التي عرفت رقما قياسيا وغير مسبوق، بلغ 35 ألف إضراب في غضون سنتين..
ما يثير في هذه الإضرابات، أن الجزء الأكبر منها، يرتبط بالقطاعات التي توصف بــ "المركزية" .
الأدهى من ذلك وأمرّ، أن هذه الإضرابات، امتدت لتشمل عصب الحياة الاجتماعية للتونسيين، مثل التعليم والصحة والنقل والقضاء، بالإضافة إلى الكهرباء والغاز، وفي وقت سابق عمال النفايات المنزلية. .
خيارات محدودة..
الحكومة، وبعد أن وقعت مع اتحاد العمال، اتفاقية للزيادة في رواتب موظفي القطاع العام، تمتدّ على ثلاث سنوات، ممنّية النفس بهدنة اجتماعية نقابية، وجدت نفسها أمام حركة إضرابية واسعة، تداخل فيها النقابي بالسياسي، الذي بدأت رائحته تفوح في محافظات الجنوب التونسي (قفصة ـ قبلي ـ قابس)، وسط توقعات بأن تتسرب إلى مناطق أخرى، يشعر مواطنوها أن سيناريو الخصاصة والحرمان، واستمرار الفقر والتهميش، سيستمر معهم لسنوات قادمة، لذلك انتفضوا، مطالبين بالشغل لأبنائهم، وتحسين الظروف المادية لمعيشتهم، بعد أن أضنتهم الأسعار الملتهبة، وتآكلت قدرتهم الشرائية . .
لكن الحكومة، التي تقول إن هذه الإضرابات "مسيّسة"، وتستخدمها بعض الأطراف في عملية "ليّ ذراع" واضحة، تستهدف الضغط عليها وإرباكها، لجأت إلى الأسلوب العقابي من خلال الخصم من رواتب المضربين في القطاع الحكومي، تطبيقا للقوانين المعمول بها..
ويأتي الخيار الحكومي، الذي يجري نقده بشدّة من قبل المعارضة، أو جزء منها على الأقل، بعد بضعة أيام من تصريح الأمين العام لاتحاد الشغل، حسين العباسي لإحدى وسائل الإعلام، بأن "الوضع الاقتصادي يؤشر إلى انفجار اجتماعي وشيك وفوضى"، محذّرا من إمكانية "اندلاع ثورة ثانية" في تونس، الأمر الذي اعتبرته الحكومة، طورا جديدا من الضغط الذي يمارسه اتحاد العمال، لتمرير أجندة سياسية تقودها بعض الأطراف الراديكالية..
وتسببت تصريحات العباسي في موجة انتقادات من اتحاد المال والأعمال، الذي لوّح بالتحرك، ورفض مثل هذه "الرسائل الملغمة"، على حدّ تعبيره...
ويرى مراقبون، أن الحراك الاحتجاجي، وإن كان مشروعا دستوريا، ومبررا اجتماعيا، إلا أن بعض الأيادي السياسية والحزبية وظفته لصالحها، وهي تستخدمه كوقود في صراعها مع الحكومة الراهنة التي تصفها باليمين الليبرالي الهشّ..
ولا شكّ أن في مواقف اتحاد الشغل، لغة سياسية لا مشاحة فيها، وهذا أمر يناقش مع قيادة اتحاد العمال، وربما هو يخرج عن دائرة اهتمامه وساحة عمله التي هي نقابية بالأساس، لكن استخدام هذه الإضرابات ـ على تضخمها ـ للإجهاز على هذه المنظمة (الأكبر بين منظمات العمل التونسية)، سيجعل المعركة تتجه نحو مآلات أخرى، قد تزيد الوضع التونسي تأزما، ولن تتوقف كرة الثلج تلك، إلا بعد أن تأتي على الأخضر واليابس، في ظل وضع تونسي شديد الرخاوة، تزيده الحسابات المتعلقة بما بعد فترة حكم الرئيس الباجي قايد السبسي، صعوبة وتعقيدا، خصوصا وأن مؤشرات الإعداد لما بعد هذه المرحلة، بدأت تظهر في شكل أسماء وعناوين مرشحة للمرحلة المقبلة، ولا يدري المرء، ما إذا كان هذا الأمر يجري بترتيب مع الفاعلين السياسيين الرئيسيين في البلاد أم في غفلة منهم..
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6609
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6483
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3252
| 23 أكتوبر 2025