رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الخوف؟ ما أدراك ما الخوف؟ على مدى عقود طويلة بعد الحرب العالمية الثانية ظل تعبير «سباق التسلح» يُقلق الجميع. كانت الشعوب أكبر المتضررين من نتائجه السلبية. ففي حال السباق المجرد تُستنزف الموارد بلا طائل. وفي حالة تفعيله حروبا تقليدية يعني الدمار والفقر والتخلف. وفي حالة تفجره حربا نووية يكون هلاك البشرية؛ ذلك الرعب الذي كانت تنعق به وسائل الإعلام، وخاصة خلال ما سمي بالحرب الباردة. لكن، وبمرور السنين، لم تحدث تلك الحرب النووية التي ما يزال الإعلام الغربي «يُخوِفُ» من قدومها بلا توقف.
لم تحدث الحرب المهلكة للأخضر واليابس، وإنما حدث هلاك من نوع آخر «بطيء». إنفاق لا متناه على التسلح، وحروب تقليدية لا تتوقف، وفقر متزايد ومعاناة متفاقمة، وتخلف حضاري إنساني على مستويات عدة، برغم كل ما يبدو من تقدم تكنولوجي، لدرجة تجعل من المنطق القول إن السباق الحقيقي كان وما يزال سباقا نحو التخلف.
العامل الأهم في «سباق التخلف» كان «صناعة الخوف» من القادم، بفزاعة سباق التسلح العبثي. فرغم نهاية الحرب الباردة المعلنة، لم يتوقف سباق التسلح. هذا ما يؤكده فريدريك وليام إنكدال في كتابه المهم «الهيمنة الكاملة: الديمقراطية الدكتاتورية في النظام العالمي الجديد»،(2022). بل هو يرى أن الحرب الباردة مستمرة بأشكال عدة. كما تؤكده الأرقام، فوفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بلغ الإنفاق العسكري العالمي في عام 2023، وحده، نحو 2.5 تريليون دولار. بينما يقدر حجم الإنفاق العسكري العالمي منذ الحرب الثانية بنحو 75 تريليون دولار. هذا يطرح سؤالا مهما، ماذا لو كان المقصود من البداية، فعلا، هو السباق نحو التخلف وليس نحو الهلاك النووي الشامل، ولماذا لا يكون سباق التخلف جزءا من خطط أعداء الإنسانية، لإسقاط النظم والحكومات، لصناعة حكومة عالمية، طرحها ساسة ومتنفذون كثيرون بينهم جاستن ترودو رئيس وزراء كندا السابق المتهم بتحويل كندا إلى «دولة خوف».
في بيئة الخوف تلك تتساقط يوما بعد يوم أجزاء من القناع الذي تتخفى وراءه النخب ممثلة في الشركات العالمية لتنصيب حكومتها الواحدة المبتغاة. يحدث ذلك من خلال سياسات وتصريحات كان أحدثها تصريح لأليكس كارب المدير التنفيذي لشركة «بالانتير» يزين فيه مزايا إنشاء نظام حكم «عالمي» يراقب البشر؛ أو «امبراطورية خوف»، ليس فقط من التسلح، بل من الفقر والجوع والوباء، والحياة ذاتها!
أكثر من جسد حالة الخوف العالمية تلك في ثقافتنا العربية كان العبقري ثروت أباظة بقصته القصيرة «شيء من الخوف»، 1960، التي صورت كيف يمكن أن يتحكم أصحاب القوة في الناس لدرجة الاستعباد في مجتمع ما، في أي مكان، وأي زمان. ومنحها تحويلها فليما سينمائيا (1969) تأثيرا مضاعفا نتيجة الإسقاطات السياسية والأداء الفني والموسيقي. لكن سباق التخلف مقرونا بالتطور التكنولوجي «الخبيث» أكد أن «شيء من الخوف» لم يكن حالة تخص مجتمعا واحدا بعينه، وزمانا بعينه، بل حالة عالمية مدروسة وممنهجة ومستمرة. ولم يكن أباظة استثناء في تناول تلك الفكرة.
فما أكثر الذين كتبوا عن استغلال الخوف وسيلة لتركيع الشعوب، عبر التاريخ، بداية من إيتيان دي لا بواسيه وماكيافيللي وهوبز الذين تحدثوا قبل نحو 5 قرون عن الخوف من الأذى الجسدي، وكونه وسيلة لإخضاع الناس لسلطة حاكمة. مرورا بأورويل وهكسلي و»هانا أرندت» الذين صوروا صناعة الخوف كـ»نظام» يسلب الإرادة. وصولا إلى مشيل فوكو الذي بلور أفكار من سبقوه في أن الخوف من الرقابة المستمرة يؤدي إلى الخضوع الذاتي.
وتظل «أرندت» أكثر من عبر عن الحالة التي جسدها معنى «شيء من الخوف» بقولها إنه (في بعض المجتمعات يصبح «الخوف هو الهواء» الذي يتنفسه الجميع، عندما يتحول التخويف من مجرد وسيلة قمع إلى جوهر للنظام ككل)! وهذا ما تناوله بنيامين باربر في كتابه «امبراطورية الخوف: الحرب والإرهاب والديمقراطية»، قائلا إن الإمبراطورية الأمريكية تقوم على الخوف، تحت غطاء الديمقراطية.
هنا لا يمكن إغفال أفكار نعوم تشومسكي الذي قدم أمثلة عملية على استخدام الإعلام في «صناعة الإذعان» والخوف فيما تسمى الدول الديمقراطية الليبرالية. ولعلنا نلحظ التطبيق العملي لملاحظات تشومسكي في حالة الإغراق اليومي عبر وسائل التواصل التقليدية والحديثة من معلومات تزرع الخوف في قلوب الجميع من «القادم»، وتؤدي إلى ما سماه ستيفين هوكينج «نهاية التفكير النقدي» والاستسلام للأمر الواقع، وسماه آخرون «الغباء المجتمعي». ومن هؤلاء المفكر البريطاني جون ريس المناهض للحرب وسباق التسلح وله دراسة بعنوان «عصر الغباء الجماعي».
لكن السؤال الآن: هل هذا «القادم» المخيف أمر حتمي، أم أن تجاربنا مع التخويف «الزائف» الممارس علينا منذ عقود طويلة يفترض أن يجعلنا أقل خوفا وقلقا؟
قديما قال دي لابواسييه في كتابه «العبودية المختارة»،(1576)، لا يحتاج الأمر إلا إلى التوقف عن الخوف.. أن نقول «لا». وحديثا يقول تيموثي سنايدر في كتابه «عن الطغيان»، 2021، إن الطغيان يُصنع ببطء عبر تنازلات يتبرع بها الناس نتيجة الكسل السياسي أو الطاعة الصامتة، ويضيف أن مقاومة الخوف تبدأ بأفعال صغيرة. والتجارب تؤكد ذلك. فالخوف قد ينكسر بمواقف غير متوقعة. فكما كان ظهور ضعف أحد أفراد عصابة «عتريس» في «شيء من الخوف» مؤذنا بانهيار نظامه تدريجيا، يمكن أن يكون حدث مثل فوز زهران ممداني بعمودية نيويورك عاملا مساعدا على زوال سلطة الدولة العميقة التي تزرع الرعب في العالم، وتجعل «شيء من الخوف» حالة عالمية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
إعلامي وباحث سياسي
ماجستير العلوم السياسية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13686
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1803
| 21 نوفمبر 2025
شهدت الجولات العشر الأولى من الدوري أداءً تحكيميًا مميزًا من حكامنا الوطنيين، الذين أثبتوا أنهم نموذج للحياد والاحترافية على أرض الملعب. لم يقتصر دورهم على مجرد تطبيق قوانين اللعبة، بل تجاوز ذلك ليكونوا عناصر أساسية في سير المباريات بسلاسة وانضباط. منذ اللحظة الأولى لأي مباراة، يظهر حكامنا الوطنيون حضورًا ذكيًا في ضبط إيقاع اللعب، مما يضمن تكافؤ الفرص بين الفرق واحترام الروح الرياضية. من أبرز السمات التي تميز أدائهم القدرة على اتخاذ القرارات الدقيقة في الوقت المناسب. سواء في احتساب الأخطاء أو التعامل مع الحالات الجدلية، يظل حكامنا الوطنيون متوازنين وموضوعيين، بعيدًا عن تأثير الضغط الجماهيري أو الانفعال اللحظي. هذا الاتزان يعكس فهمهم العميق لقوانين كرة القدم وقدرتهم على تطبيقها بمرونة دون التسبب في توقف اللعب أو توتر اللاعبين. كما يتميز حكامنا الوطنيون بقدرتهم على التواصل الفعّال مع اللاعبين، مستخدمين لغة جسدهم وصوتهم لضبط الأجواء، دون اللجوء إلى العقوبات القاسية إلا عند الضرورة. هذا الأسلوب يعزز الاحترام المتبادل بينهم وبين الفرق، ويقلل من التوتر داخل الملعب، مما يجعل المباريات أكثر جاذبية ومتابعة للجمهور. على الصعيد الفني، يظهر حكامنا الوطنيون قدرة عالية على قراءة مجريات اللعب مسبقًا، مما يسمح لهم بالوصول إلى أفضل المواقع على أرض الملعب لاتخاذ القرارات الصحيحة بسرعة. هذه المرونة والملاحظة الدقيقة تجعل المباريات أكثر انتظامًا، وتمنح اللاعبين شعورًا بالعدالة في كل لحظة من اللعب. كلمة أخيرة: لقد أثبت حكّامُنا الوطنيون، من خلال أدائهم المتميّز في إدارة المباريات، أنهم عناصرُ أساسيةٌ في ضمان نزاهة اللعبة ورفع مستوى المنافسة، ليكونوا مثالًا يُحتذى به على الصعيدين المحلي والدولي.
1248
| 25 نوفمبر 2025