رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
انتهت الأسبوع الماضي الامتحانات النهائية للفصل الدراسي خريف 2018، ونبارك لطلبتنا وطالباتنا ممن حالفهم الحظ في اجتياز الامتحانات بنجاح، وتأهلهم إلى المرحلة التالية، كما نتمنى على الذين لم يُحالفهم الحظ، أن يتمعّنوا في الأسباب التي أدّت إلى تأخرهم. وبهذه المناسبة، وحرصاً منا على أن يقتنص أبناؤنا وبناتُنا الفرصة، لتحقيق آمالهم في الدراسة، وبالتالي خدمة الوطن، وبعد تجربتنا لأكثر من خمسة وعشرين عاماً في التدريس الجامعي تولدت لدينا بعض الأفكار والرؤى حول ملابسات التعليم الجامعي وظروفه، نوجزها في التالي:
عدم تأهيل طالب الثانوية تأهيلاً واضحاً ودقيقاً، كي يُدرك متطلبات المرحلة الجامعية! إذ نجد الطالب لا يُقدّر قيمة الوقت، فهل لا يحضر في موعد المحاضرة، وقد يصل متأخراً لأكثر من خمسين دقيقة، وهو أمر مخالف لنظم التعليم، كما أنه يفوّت على نفسه فرصة الحصول على المعلومات من الأستاذ، فيما يتعلق بالتوجيهات الأكاديمية، أو ما يخص المادة التي يدرسها، ويدخل ضمن التأهيل (Orientation ) طريقة مخاطبة الطالب لأستاذه، إذ لاحظنا – من خلال التجربة – أن خطاب الطالب فوقي، ولكأن الأستاذ يعمل لديه! كما أن بعض الطلبة يرفعون أصواتهم عالياً، عندما يحاولون طلب شيء من الأستاذ، وأغلبهم لا يعي القوانين المُنظمة للدراسة الأكاديمية، ولا يقرأ (توصيف المقرر) الذي هو بمثابة عقد إلزامي بين الطالب والأستاذ.
عدم مراعاة الوقت، كأن لا يحضر الطالب إلى الامتحان في موعده، دون سبب، ويطلب من الأستاذ عمل امتحان خاص به، وهذا يُربك جدول الأستاذ، ويجعله يتأخر في التزاماته تجاه الجامعة أو الكلية. ويلجأ بعض الطلبة، من المتعثرين، إلى الطلب من الأستاذ إعادة الامتحان، وهذا لا يجوز، لأنه يفتح الباب أمام كل الطلبة من الذين لم يحققوا درجات عالية أن يطلبوا إعادة الامتحان، وهذا له علاقة بتعود الطالب – في أيام قبل الدراسة الجامعية – وعدم إلمامه بقوانين ولوائح الجامعة أو الكلية، وينطبق الشيء ذاته على مواعيد تسليم الواجبات أو التكليفات، إذ أن تأخُرَ طالبين عن تسليم الواجبات أو التكليفات يُلجئ الأستاذ إلى عدم رفع الدرجات على (البلاك بورد)، وبالتالي يدخل في إلحاحات الطلبة المتكررة لمعرفة درجاتهم، أما أهم المخالفات في هذا الخصوص، فهو عدم حضور الطالب للامتحان النهائي، وعدم اتصاله بالأستاذ، الأمر الذي يتسبب في إرباك جدول الأستاذ، وعدم إيفائه بدقة تسليم النتائج للإدارة. لذا، يتوجب على جهات التعليم في المرحلة الجامعية، تنظيم ورش عمل، حول مراعاة الوقت، وكيفية الاستفادة من تجارب الأساتذة، في حفظ الوقت، وحُسن استغلاله لمصلحة الطلبة. بحيث لا يُربك الأستاذ بطلبات الطلبة المتعددة، ما يمكن أن يؤثر على سير الرحلة الأكاديمية.
عدم مذاكرة بعض الطلبة كليةً، حيث وجدنا في الامتحان النهائي من أجاب إجابة 100% في الامتحان، ونال كل الدرجة، في الوقت الذي سجّل البعض أقل من 5 درجات من مجموع 30 درجة! وأيضاً حصل 8 طلاب على درجة (A) بينما حصل 4 طلاب على درجة (F). وهذا مؤشر على أن الأسئلة ليست بتلك الصعوبة، بقدر ما تحتاج إلى تركيز بعض الطلبة. ومع تقديرنا لظروف الطالب اجتماعياً ووظيفياً، إلا أن تخصيص وقتٍ كافٍ للمذاكرة أمر مهم لنجاح عملية التعليم، فإذا ما اجتمعت عادةُ عدم المذاكرة، مع الغياب المتكرر، مع عدم تركيز الطالب في الفصل، فإن المشكلة تتفاقم، وتساهم في تعثّر الطالب دراسياً.
عدم اهتمام بعض الطلبة بالتكليفات، داخل أو خارج الفصل، ومن واقع التجربة، وجدنا أن أكثر من 75% من الطلبة الذين تُطلب منهم بحوث خارج الفصل، يقومون بالاستعانة بالغير في وضعها، حتى إذا ما دعاهم الأستاذ لشرح ما تقدموا به، نجدهم يتعثرون، أو يتهربون من ذلك، أو نجدهم يغيبون وقت عرض بحوثهم، وهذه إشكالية واضحة، لابد وأن توضع لها الحلول، لأن الأستاذ يكتشف مستوى الطالب خلال الأسبوعين الأولين، ويلاحظ المفردات والصياغات التي يستخدمها. وترتبط بهذا الموضوع، قضية القطع واللزق (Cut and Paste)، التي نلاحظها في بعض تكليفات الطلبة خارج الفصل، فعلى سبيل المثال وجدنا في تقرير لإحدى الطالبات عن زيارة لمعرض الكتاب الأخير في الدوحة، أنها دخلت على موقع المعرض، وسحبت المادة بأسرها من الموقع وطبعتها وقدمتها إلى الأستاذ، حتى دونما مراعاة لتغيير صيغ المستقبل أو الماضي في العبارات، وتعتقد هذه الطالبة أنها سوف «تخدع» الأستاذ، كي يُعطيها درجة عالية، ويغيب عن بال هذه الطالبة أن الأستاذ يدخل إلى موقع المعرض، ويتابعه أولاً بأول. لهذا، فإن توجيه الطلبة والطالبات في أول أيام الدراسة، خلال عملية التأهيل (Orientation) إلى أهمية مراعاة ذلك، وكتابة التقارير الخاصة بهم، حسبما شاهدوه في المعرض، من الأمور التي تُجنّبهم الإحراجات مع الأستاذ ومع الطلبة.
طلب رفع الدرجات.. درجَ بعض الطلبة على الطلب من الأستاذ رفع درجاتهم، دونما مبرر، فقط لأن هؤلاء الطلبة لم يحرزوا النتيجة التي ترفع معدلاتهم، ولكأن الأستاذ يفتح «دكاناً» لمنح الدرجات. كما أن العديد من الطلبة لا يرضى بما حققه أثناء دراسته، ونغمة الاحتجاج والعتب تطغى على تعاملهم مع الأستاذ. فالطاب الذي يحقق (A) يُشغل الأستاذ – وقت وضع الدرجات – بأن يمنحه (A+)، والطالب الذي يحقق (C)، يطلب من الأستاذ رفع درجته إلى (B)، وهكذا، وهذا نابع من عدم تقييم الطالب لذاته، أو أنه سوف «يكسر قلب» الأستاذ، ويقوم بتغيير درجته! وهذا، مستحيل، لأنه مخالف للقوانين الأكاديمية، ولابد لنا هنا أيضاً من ربط هذا الموضوع بموضوع التأهيل (Orientation)، الذي يجب أن يساعد الطالب في تفهم ظروف الدراسة الجامعية.
عدم اهتمام بعض الطلبة بالساعات المكتبية التي يحددها الأستاذ، والتي هي من حق الطالب، فنجد الزيارات للاستاذ في الأسبوع الأخير من الدراسة، وهذا يسبب تراكم الأسئلة على الطالب، وعدم وجود حلول لها، ومن المفيد للطالب، الذي لا يستوعب، خلال شرح الأستاذ، أن يأتي للأستاذ – خلال الساعات المكتبية – ويشرح له الموقف، والذي يحصل أن بعض الطلبة يغيبون عن المحاضرات، قد يوزع الأستاذ فيها بعض المذكرات الهامة، ويأتي هذا البعض إلى الحصة التالية، ولا يسأل زملاءه عما تم شرحه في الحصة السابقة، علماً أن جميع مواد المقرر مرفوعة على الـ (Black board)، ويسهل على الطالب الوصول إليها، إن حضور الطالب، وأخذه للملاحظات، خلال الفصل، أو خلال الساعات المكتبية، أمر مهم لتسهيل استيعابه للمادة، وجعله مستعداً لمواجهة الامتحان.
بعض الطلبة يُشعرك بأنه ما زال في المرحلة الثانوية، أو أنه في « العزبة»، يحضر متى شاء، ويخرج متى شاء، وهذا يشيع مناخ الفوضى وعدم احترام المدرس، ولقد واجهنا مثل هذه المواقف من بعض الطلبة، من الذين يخرجون بلا استئذان، ولا يعودون إلى الفصل، مكتفين بأنهم وقعّوا على كشف الحضور.
وبعد، فهذه بعض التجارب، التي بالطبع عاصرها العديد من الزملاء الأساتذة، والتي لا شك تحتاج إلى حلول وعلاجات لبعض المشكلات التي تواجه التعليم الجامعي لدينا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
11304
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1719
| 21 نوفمبر 2025