رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تشير التقارير الاستخباراتية العسكرية الأخيرة في إسرائيل إلى أن إعلامهم لم يعد يتناول ذكر الدولة السورية كدولة وإنما تسميتها بمناطق الحرب الأهلية في الشمال والجنوب، وذلك لأنهم باتوا يعتبرون أنها لم تعد دولة بالمعنى الاصطلاحي وإنما هي كيان من الكيانات في المشهد السوري، ويأتي هذا الخبر ليدل دلالة قاطعة على مدى تمدد المشروع الإيراني في سوريا، حيث غدت إيران هي الآمرة الناهية في البلاد وكدنا أن نقول، بل شرعنا في ذلك، أن سوريا اليوم قد خرجت من الذات السورية وحق تقرير مصير شعبها بنفسه الذي طالما تشدق به اللانظام ورئيسه وكذلك روسيا الشريك الكبير له في العدوان على الشعب وكذلك أمريكا التي تتفق تماما مع روسيا سراﹰ، بل وفي بعض المواقف علنا، لقبر أي حرية في بلادنا وللتمتع بالكثير من السرور والحبور لفقدان مئات الآلاف من شهدائنا البررة وجرحانا ومعتقلينا من الجنسين، والمشردين الذين فاق عددهم نصف الشعب السوري.
إذا إن مصالحهم في هذا التمتع إنما هي التسلية بالانتقام على يد أذنابهم الذين نصبوهم على الكراسي وكان لابد من دفع هذا العربون الدامي والذي سيبقى ما لم تحدث معجزة في المشهد تقهر الجميع، إلى ذلك لم تكتف إيران بالمتعة التي أجازتها لتهديم الدين والخلق، بل اتفقت - ومنذ زمن بعيد قريب وقديم جديد - على التمتع ببلاد أهل السنة والاستيلاء عليها وإذلال الناس، لأن دينهم الحقيقي يختلف كليا عن دين السنة، واهتبل أعداؤنا اليهود وأصدقاؤهم عبر التاريخ إلى يومنا هذا - وهو ما سيبقى ما بقيت المصالح والحقد على المسلمين – هذه الثغرة وبحجة الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 6+1 على أن يبسط لإيران النفوذ الإقليمي والهيمنة المنشودة لقاء بعض التنازلات الجوهرية، خصوصا ما يتعلق بإسرائيل، إذ إنه يجب ألا ننسى ما جاء في الاتفاق عدم التعرض لإسرائيل أبداً ولمدة عقدين أو ثلاثة من الزمن، وطبعا فإن هذه الحقبة مرشحة للتجديد، ولا عجب في ذلك إذا عرفنا أن الشيعة منطلقون أصلا وعلى أرجح الأقوال – من مؤسسة عبد الله بن سبأ اليهودي ومتشابهون عبر التاريخ ومازالوا بأكثر من 86 نقطة مع الماسونية الصهيونية اليهودية - ذكر منها الكاتب أحمد بن محمد البلوي 81 في كتابه أسرار الشيعة من ص 18، وعودا على بدء فلا يمكن أن نأخذ التصريحات السابقة لروحاني رئيس إيران بعظمة لسانه، أن التنازلات التي يمكن أن تقدمها إيران في الملف النووي ستقابلها تنازلات من الدول لإطلاق نفوذها الإقليمي في البلاد المجاورة، خصوصا سوريا كما أسلفنا.
ويبدو أنه ربما اتفق أن تعود اليمن إلى السعودية وسوريا إلى حضن إيران، لا سمح الله، والذي يدل على ذلك أن المسؤولين الإيرانيين هم الذين فاوضوا كتائب أحرار الشام في الزبداني – وإن لم تنجح المفاوضات، بمعنى أنهم لم يبقوا للسفاح الأسد من أمثالهم أي سيادة حتى قال في خطبته أواخر يوليو الماضي: ليست سوريا لمن يحمل جنسيتها وإنما للذي يدافع عنها! وقد اعترض بعض زعماء الشيعة والعلويين على مفاوضة إيران واعتبروها مساسا بالسيادة السورية، وعلى قول السفاح إذن فما قوله بمن يعين الثوار من غير السوريين.
ونحن لن ننسى أن نذكر القارئين أنه بمرور الذكرى الثانية لمجزرة الكيميائي التي داهمت الغوطة قتلا بلا دم دون أن يكترث المجتمع الدولي ويحاسب الجناة أبدا، إذ إنه أصبح لدى إيران وسوريا الضوء الأخضر من الصهاينة وأمريكا وروسيا والمليشيات الباطنية تبعا أن تبيد الأخضر واليابس لأجل أمن إسرائيل وإسرائيل نفسها تستغل الفوضى العربية وأن التقارير التي أذاعتها حملة ((نامة شام)) كما أكد مديرها فؤاد حمدان وكذلك مسؤول البحوث والاستشارات فيها ((شيار يوسف)) تشير إلى أن هناك أدلة وقرائن تدل على تورط الحرس الثوري الإيراني مع اللانظام السوري في مجزرة الغوطة التي ارتكبوها في 21 أغسطس 2013م، ولا غرابة فهم أشد تلونا من الحرباء ولا يتبعون إلا مصالحهم وليلصقوا جرائمهم بالثوار زورا وبهتانا.
وعلى سبيل المثال فما سر الغزل الآن الذي تسربه الأخبار من اقتراب زيارة محمود عباس الرئيس الفلسطيني إلى إيران، وما مصلحة الملالي فيها وهم الذين يريدون تحريرها من الشياطين.
لكن نذكر أيضا أن المجاهدين البواسل في القلمون استطاعوا أن يقتصوا من القيادي في حزب الله علي خضر اللوز الذي كان يحرض على قتل السنة في مدينة القصير التابعة لحمص ويدعي أنهم سوف يقتلون كل سني كلب وقتل معه عدد من حزب الله من هددوا فقبروا في الزبداني.
وقالوا إنهم سيهاجمون مكة لاسترجاع الكعبة من مغتصبيها، فلا شك أن تمدد المشروع الإيراني في المنطقة هو حنين مؤكد إلى التاريخ القديم الأسود المملوء حقدا على المسلمين والمقنع بالنفايات السياسية والمتواطئ دوما مع اليهود والنصارى ضد المسلمين، في حين نددت دار الإفتاء المصرية بهدم دير في سوريا ولم تتعرض لدوما وغيرها مما يشيب لها الولدان.
وهل ننسى من قبل الوزير الشيعي ابن العلقمي وكيف تسبب في قتل أكثر من مليون موحد في بغداد، وهل ننسى إرسال الإمبراطور ((شارلي)) رسالة إلى إسماعيل الصفوي للتحالف ضد العثمانيين وقول سفير النمسا آنذاك: ليس لكم حل في الطاعون العثماني إلى الجيوش الإيرانية. وهل ننسى ما فعلوا أثناء حصار السلطان سليمان القانوني في القرن العاشر الهجري ((فيينا))، حيث تمردوا على السنة وغدر الصفويون وتحالفوا مع الأوروبيين وقتلوا وحرقوا إلا أنهم هزموا في النهاية ولولاهم لكانت أوروبا كلها مسلمة تقرأ القرآن، فكيف ينسى الصليبيون جميل الصفويين.
إن حال اليوم كالبارحة وأول البارحة، حيث يقول المسؤولون الإيرانيون: لولا التعاون الإيراني مع أمريكا ما سقطت بغداد ولا كابول وكما قال العديد من قادة إيران وما يسمى حزب الله: لولانا لسقطت دمشق العاصمة السورية من زمان. ولا ريب أن الفرس واليهود والنصارى وأذنابهم قد أجمعوا على حرب الإسلام والعروبة من جديد، ولا نرى الجزء الأكبر من الحل إلا في التماسك والاتحاد وإنشاء قوة ردع عربية من السلاح النوعي الفعال مهما بذل من مال فيه وقبل ذلك تربية الشباب على العقيدة القتالية وبذل الجهد الضخم لضخ الإعلام في هذه المعركة الفاصلة التي خططوا لها أن تكون في هذه الظروف العصيبة وعندها ستبقى سوريا كما غيرها، هي هي، لا كما وصفها السفاح الأسد بتسميتها: سوريا المفيدة.. وستخيب، إن شاء الله، كل المشاريع المعادية، خصوصاً الإيرانية.
تدابير الله كلها خير
يقول الله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله... اقرأ المزيد
0
| 19 ديسمبر 2025
أثرٌ لا يُرى.. لكنه يبقى
أحياناً تمر في أيامنا مواقف صغيرة لا نعيرها اهتماماً كبيراً، لكنها تترك في داخلنا أسئلة لا تختفي بسهولة،... اقرأ المزيد
3
| 19 ديسمبر 2025
شعار يستحق الثناء
يعد شعار اليوم الوطني لدولة قطر للعام 2025م – شعارًا مميزًا يتوافق مع تطلعات ورؤى وطننا الحبيب قطر،... اقرأ المزيد
3
| 19 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
795
| 16 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
657
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة المنال، ويظنون أن تحصيلها لا يكمن سوى في تحقيق طموحاتهم ومضامين خططهم، لكن السعادة ربما تأتيك على هيئة لا تنتظرها، قد تأتي فجأة وأنت في لحظة من الغفلة، فتكون قريبة منك أشد القرب، كما لو كانت تلتف حولك وتحيط بك من كل جانب. كثيرًا ما تختبئ السعادة في تلك التفاصيل التي لا تكترث بها، في تلك اللحظات التي تمر سريعة وكأنها حلم. ربما مر عليك تلك الليلة التي تلوت فيها القرآن، فتوقف قلبك عند آية بعينها، فانبعثت من أعماقك مشاعر جديدة، فسالت دموعك على وجنتيك، أو ربما كانت تلك الدمعة الثمينة قد سكبتها في إناء ركعة بجوف الليل، فسرت فيك طمأنينة وسكينة ورقة لم تعهدها، لا تعدل بها شيئًا من لذات الدنيا، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وربما مر عليك يوم، كنت تقلب منزلك رأسًا على عقب بحثًا عن شيء مفقود، وبينما أنت في حال من اليأس، تتذكر موضعه، أو يظهر لك في موضع لم تتوقعه كأنه يهدئ من روعك قائلًا: «هأنذا»، فتبتسم وتبتسم وتتسع ابتسامتك، ألم تكن هذه اللحظة الرائعة موعدًا لك مع السعادة؟ وذلك الفقير الذي يعاني من ضيق اليد، ربما قضى ليلته مهمومًا يفكر كيف يدبر قوتًا أو شيئًا من أمور المعاش لأهله، وبينما يخرج مجترًا همومه، يكتشف في جيب سترته القديمة ورقات نقدية قد نسيها منذ العام الماضي، فيتحول ذلك الفقر إلى لحظة من الفرح، ألم يكن هذا الرجل على موعد مع السعادة؟ حدثني أحدهم وكان حديث عهدٍ بالزواج أن صديقًا طرق بابه يطلب منه بعض المال، وهو لا يملك في جيبه غير مبلغ زهيد بالكاد يكفيه، لكنه يأبى أن يرد سائله، ويؤثره على نفسه رغم الخصاصة، ثم في نفس اليوم تزوره خالة له جاءت من سفر على غير موعد، لتبارك له وتهنئه، فأعطته مبلغًا من المال، فإذا به يراه نفس المبلغ الذي بذله إلى صديقه بالتمام والكمال لم ينقص منه قرش، فتجلى أمامه ذلك الوعد الإلهي بالعوض، ألم يكن ذلك الرجل على موعد مع السعادة؟ وذاك الذي كان على وشك أن يسقط في يد أعدائه وقد أشهروا أسلحتهم في وجهه، وبينما كان الخنجر يوشك أن يغرس في صدره، إذا به يستفيق فجأة من حلم مزعج، ويكتشف أنه كان مجرد كابوس، فيحمد الله على نجاته باليقظة من ذلك الهلع، ألم يكن وقت نجاته من ذلك الكابوس على موعد مع السعادة؟ وماذا عن تلك اللحظة التي أخذت فيها بيد عجوز هرم، تمشي بصعوبة وتبدو ملامحها تحمل سنوات من التجاعيد، لتسير بها إلى الجهة الأخرى من الطريق؟ ثم ترى تلك الدعوات التي تتدفق منها، والتي تظل تشعرك بالدفء والسعادة، وكأن دعاءها درعٌ لك، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وكم هي السعادة حقيقية عندما يتمكن من الإصلاح بين زوجين كانا على شفير الفراق، فيكون سببًا في حماية ذلك البيت من الخراب؟ أو عندما يغمره الضحك على فكاهة بريئة تكاد تطيح به على ظهره من شدة السعادة؟ ألا يجد السعادة في تلك اللحظة الصغيرة عندما يقابل طفلة مبتسمة في الشارع، تملأ قلبه بالفرح بلا سبب آخر سوى ابتسامتها الطفولية؟ أليست كل هذه المشاهد مواعيد للمرء مع السعادة؟ السعادة تكمن في كل زاوية، في لمحة صغيرة، في حديث عابر، في ابتسامة، في دعوة، في لحظة طمأنينة، في إنجاز بسيط. نحن الذين نغفل عنها لأننا نبحث عنها في مكان بعيد، ولو أننا فهمنا أن السعادة ليست في ما نمتلكه من أشياء، بل في قدرتنا على الرضا، لتغيرت حياتنا. ليتنا ندرك أن السعادة ليست حلمًا بعيدًا أو حلمًا محجوزًا لمن يسعى للوصول إلى شيء معين، بل هي لحظات متجددة متغيرة متناوبة في كل يوم. السعادة موجودة في القلوب الراضية، وفي الأرواح الطاهرة، وفي الأبصار التي تلتقط جمال الحياة حتى في أصغر تفاصيلها، وما علينا سوى أن نرصد واقعنا بعين القناعة والتفاؤل، نتخلى قليلًا عن النظارة السوداء، فندرك أن مواعيد السعادة لا تنتهي.
642
| 14 ديسمبر 2025