رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جمال أنعم

جمال أنعم

مساحة إعلانية

مقالات

2540

جمال أنعم

بين الوهم والحقيقة

27 أبريل 2016 , 02:40ص

العبد يبحث عن ذنبه لا عن حقه ونحن أحرار لم نتهيأ لصنع لحظتنا الفارقة كانت أدوات الفعل والتأثير والقوة خارج مسارنا الثوري ولم نكن نملك غير أحلامنا وغضبنا النبيل، كانت قوى التغيير تصارع على صعيد تحسين المسار الديمقراطي والتعددي لضمان أكبر قدر من نزاهة الانتخابات.

وكان هذا المسار أبعد ما يكون عن الدولة وعن التغيير الحقيقي إذ أحال صالح فيه الانتخابات إلى مجرد كرنفال احتفالي مديد ضد الديمقراطية.

كانت ثورة الشباب الشعبية السلمية غضبا مطالبا بالتغيير ضمن أفق محكوم بأدوات السلطة والنظام وخاضع لسيطرة الدولة التي تم وضعها خلال عقود في مواجهة المجتمع.

ما حدث مثل انفجارا أكبر من كل القوى الحزبية التقليدية التي رسمت وجودها على قدر مخاوفها من الحكم والحاكم، وبالتالي صعب استيعاب هذا الغضب ووجدت هذه القوى نفسها منجرفة مع تيار الثورة الفتية الهابّة بقوة وجموح بالغ، وأسوأ ما قامت به أنها خافت الذهاب معه إلى مداه الأبعد في التغيير فخانته في منتصف الزهو وقايضت به مقابل كل هذا الخراب نحن فقط نراجع لكي لا نتراجع ولكي نصوب الحركة والاندفاعات التالية، نحن لا نلتمس تبريرات بل نواجه أنفسنا ونراجع خطواتنا بحثا عن مواقع الزلل وعن المتروك من الأسباب وعما فات نباهتنا وخذل وثبتنا الكبرى واندفاعاتنا الظافرة،

ما حدث كان تصعيدا لغضب جمهور سرعان ما وجد نفسه تائها بين نخب منقسمة وأحلام كبيرة بالتغيير وواقع لم تزل فيه الضرورات أكبر من طاقة الحلم وهو ما أدخلنا مرحلة من اليأس والارتكاس سمحت بإعادة أكثر مسوخنا الشائهة إلى الواجهة.

بين الأمل الكذوب واليأس الصادق أختار اليأس الخلاق -المحرض على النقيض من القول والفعل-

كم هو مرهقٌ ادعاء الصحة في واقعٍ موبوء مسكون بالأدواء. نتملق أسقامه وضعفه ونربت على عاهاته بتأدب ووقار. بين خديعة الواقع وخديعة الذات تلازم وثيق. ويستمر الواقع المخادع بقدر استمرار مخادعة الذات. أناوش اليأس فاصلًا بين يأسٍ ويأس. بين يأسٍ حقيقي صادق وصل ذروته من خيارات وإتجاهات ووجهات ووجوه. بحيث يتم إغلاق باب التعاطي معها وإجتراح بدائل مغايرة. ويأسٍ آخر مزعوم يلتبس فيه الشك باليقين. وتختلط المشاعر والأفكار..فلا أنت محسوبٌ على اليأس ولا على الأمل.

أركز هنا على هذا الوعي الملتبس. الذي ينتج ما يقابله على مستوى الحضور. هذا الوعي المداهن والمهادن لا يمكن أن يشكل دافعًا لفعل مناقض ومناهض. هذا الشعور المختلط والمضطرب لا يمكن أن يدفع لتجاوز فعلي لأزمة الوجود.

ما يحدث أننا نبدو أيأس ما نكون من هذا الدرب الذي استهلكنا حتى النخاع. وذقنا مراراته وخبرنا ويلاته إلى المنتهى. ورغم هذا اليأس المصرح به نطور تعايشنا وتكيفنا على نحو دائم. دون أن يشكل يأسنا هذا فارقًا يذكر. بل يبدو مدعاة لمزيد من الانغماس والخضوع.

أشكك فيما ندعيه من وصولنا إلى درجة الانسداد. إذ لا أحد أعلن انفجارا يليق. إن التعاطي البائس مع ما يحدث ضمن أشكال وقورة تفصح بأننا لم نصل بعد حد القطيعة. وحد نفض اليد.

كل الثورات نتاج يأس حارق. ووعي فارق. لا بد من مجاوزة السلبية وإحداث صدمة حقيقية على مستوى الوعي والشعور. تخرج المرء من حالة التواطؤ مع قهره بحيث يركز طاقاته وإمكاناته وإرادته نحو الخلاص.

بين الوهم والحقيقة خيط ٌ رفيع. في مقدورنا أن نتحمل العيش في الوهم حين نجبن عن تحمل تبعات الحقيقة. لا يمكن للطبيب أن يؤجل مصارحة مريضة بطبيعة دائه وعلته. عليه في لحظة أن يكاشفه. فلأن يعيش على يقين من المرض خيرٌ له من أن يعيش على وهم الصحة. في الحالة الأولى يمكن تقدير إمكانات الشفاء ووسائل المدافعة. واتخاذ مجمل القرارات بإرادة ومسؤولية وإيمان. وفي الحالة الثانية يغدو المرء ضحية جهله بخطورة ما يحمل من أسقامٍ مميتة.

أتساءل إلى أي مدى نحن ضحايا وعينا الخاص والعام فيما يتعلق بطبيعة حياتنا وعلاقتنا بالدولة والنظام؟

إلى أي مدى يشكل حضورنا المترهل تجليًا لأزمات عميقة على مستوى الفكر والروح. أزمات حددت مستوى الفعل والخطاب.

هناك الكثير مما يجب أن نعترف به إن أردنا إحداث فرق. التغيير لا يمكن أن يكون نتاج وعي خامل. ولا مشاعر مبهمة. التغيير يبدأ حين نكف عن مخاتلة الذات. يبدأ حين نقرر صراحةً أننا لم نعد نطيق. حين نريد ونرغب بواقع آخر مختلف. حين نؤمل بقوة ما يداخلنا من يأس وحين نفعل بطاقة الأمل كاملة.

علينا ألا نخاف من كوننا يائسين بل من كوننا راضين قانعين، لا أتحدث عن الوعي الكئيب وسوداوية الروح ولا عن القنوط والإحباط المقعد، أتحدث عن اليأس الذي يمنح الأمل معناه، اليأس المحرر الذي يخرجك من دائرة المراوحة في درب الخسران، اليأس الذي يصل بك ذروة الانتهاء وإعلان القطيعة والرفض والثورة.

هذه العقود من توقف التغيير، تضع يأسنا المصرح به في دائرة الشك، يأسنا من السلطة الفاسدة ومن خياراتنا البائسة.

تنتظر اليمن تغييرًا ربما أكبر مما تعد به هذه المشاورات المحبطة وندرك الآن مدى خطورة التورط في تبني خيارات غائمة ملتبسة كليلة تزيدنا يأسا وبؤسا وخبطا في المتاهات.

لقد عاش اليمنيون في ظل حرب مفتوحة لم يكن الاستقرار الموهوم في ظل نظام صالح سوى حروب مؤجلة وهم اليوم بين خوضها حتى النهايات أو تركها تنهيهم بالتقسيط عبر المساومات والتسويات المجحفة.

لا نريد إطالة أمد عذاباتنا أكثر ولا الاستمرار في جلد أنفسنا كعبيد معاقبين.

مساحة إعلانية