رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم تكن المباني العشوائية أو الشوارع المكتظة بالسكان - الذين يمتلكون وجوهًا رَسَم عليها البؤس والفقر آثاره - أو عدم توفر أدنى من الخدمات الضرورية كالنظافة والصرف الصحي ما جعلتني أشعر بالدهشة، إلا أنني شعرت بالدهشة حقًا عندما رأيت الآلاف من الكوابل التي تمر من فوق رؤوس المارة كشبكة عنكبوت قبيحة تريد الانقضاض على البشر، لقد كانت خطوط الكهرباء والماء والهاتف والإنترنت، كلها متشابكة، وتمر فوق الشوارع بارتفاع توشك فيه على ملامسة رؤوس الناس.. بل الأطفال. فضلًا عن أن منظر تساقط المياه من بعض الخراطيم التالفة (في بعض المواقع) على خطوط الكهرباء والهاتف كانت تجعل الأفئدة تعتصر حزنًا وأسى، ناهيكم عن أن عددا من السكان فارقوا الحياة بسبب صعقات كهربائية ناتجة عن سوء التمديد.
نعم، هنا مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت، صبرا، شاتيلا، برج البراجنة، تلك الأسماء التي طالما سمعت بها ورغبت بزيارتها ولقاء أهلها الذين شهدوا أفظع النكبات والمآسي في تاريخ أمتنا، تلك الأماكن التي أصبحت مركز تجمع للاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من بلادهم بشكل قسري وممنهج على يد الاحتلال الإسرائيلي ما بين 1948 - 1967، نعم، هذا هو حال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت.
نعم، منذ التهجير وحتى يومنا هذا، يعيش إخواننا الفلسطينيون في منازل أقيمت على عجل، وأكواخ رثّة آيلة للسقوط، ومنذ ذلك الحين توقفت الحياة بالنسبة لهم وكذلك الأحلام والآمال، نحن نتحدث عن أكثر من مائة ألف إنسان باتوا في طي النسيان.
مذبحة صبرا وشاتيلا
كلما ذكرت الحرب الأهلية في لبنان تبادرت مذبحة صبرا وشاتيلا إلى الأذهان، تلك المذبحة التي قامت بها بعض الميليشيات المسيحية اللبنانية الموالية لإسرائيل، يوم 16 سبتمبر 1982، في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، لم يعرف عدد القتلى في المذبحة بوضوح، وتتراوح التقديرات بين 750 و3500 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح. جاء تنفيذ الجريمة بإيعاز من جزار بيروت "أرئيل شارون"، حيث كان المخيمان مطوقين بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل والجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة أرئيل شارون، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لوزراء إسرائيل.
وقتئذٍ، سمع العالم عن وجود مخيم للاجئين الفلسطينيين في بيروت، وتذكر العالم وجود آلافٍ من الفلسطينيين يعيشون فيه بعيدًا عن أراضيهم بعد أن تم تهجيرهم منها على يد القوات الإسرائيلية، وقتئذٍ، شاهد العالم بأسره عشرات الآلاف من البشر الذين يعيشون في أوضاعٍ تخلو من الإنسانية، وبعد أن وضعت الحرب الأهلية في لبنان أوزارها، نسي العالم هؤلاء اللاجئين مرّة أخرى.
دخلت إلى إحدى الحدائق الصغيرة في مخيم شاتيلا الذي شهد تنفيذ أسوأ وأكبر مذبحة في تاريخ لبنان، لقد شَهِدَت تلك الحديقة حادثة إعدامات ميدانية نفذت بحق مجموعة من الشبان الفلسطينيين، لقد كان ذلك المكان قبيحًا للغاية، ولم تنبت الأعشاب منذ المجزرة على التراب الذي انهمرت عليه دماء الفلسطينيين، فيما كتب على أحد جدران تلك الحديقة المنسيّة عبارة “Sabra&Shatilla Massacre” (مذبحة صبرا وشاتيلا) التي تثير في النفس رعبًا تدفع الأحشاء إلى الاضطراب. وبحسب ما قاله لنا السكان المحليون، فإن بعض الذين قتلوا في المذبحة، تم دفنهم في هذا المكان.. ولكن لا أثر للقبور في الحديقة حيث تم تسويتها بالأرض.
الشوارع التي ازدحمت فيها النعوش
إن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الشتات بشكل عام وفي صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة بشكل خاص، هي عبارة عن عشوائيات كبيرة، وليست كما يوحي اسم المخيم المرتبط بالخيام، لقد بنى الفلسطينيون تلك الأحياء الفقيرة بأيديهم وبشق الأنفس، لذا فهي بعيدة كل البعد عن التنظيم، والتمدّن، وتفتقر بشكل كبير للخدمات والبنى التحتية والإمكانات التي توفر فرصة التطور، كما أن معظم خطوط الصرف الصحي المقامة بوسائل بدائية مصابة بالتلف، وتتسرب منها المياه نحو الشوارع والأزقة الضيقة، التي لا تتسع لمرور شخصين من جانب واحد.
وقد حدثني "أيوب جوشقن" مراسل وكالة الأناضول للأنباء في بيروت منذ 16 عامًا، والذي رافقني في جولاتي إلى المخيمات، قائلًا: "إن أزقة المخيم لا تتسع لتوابيت الموتى، ما يدفع الأهالي إلى تناقلها من فوق أسطح المنازل، لإيصالها إلى أحد الشوارع الرئيسية ومن ثم المقبرة".
اللاجئون الفلسطينيون الجدد القادمون من سوريا
يعيش نحو 26 ألف لاجئ فلسطيني في برج البراجنة الذي لا تتجاوز مساحته نحو 1 كيلومتر مربع، ويضم هذا المخيم على أرضه أعلى كثافة بشرية في العالم، لا يوجد إحصاءات رسمية حول عدد سكانه وكل الأرقام الموجودة هي عبارة عن تقديرات، وقد تكون أعداد سكان المخيم أكثر من تلك التقديرات، حيث تشير بعض التقديرات إلى وجود نحو مائة ألف نسمة في المخيمات الثلاثة التي سبق الإشارة إليها، وإذا أضفنا إلى هذا الرقم، أعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين توافدوا على المخيم من سوريا بسبب الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد، فإننا سنلاحظ أن الرقم قد ارتفع بشكل كبير وتجاوز مرحلة المعقول.
وعلى الرغم من الكثافة السكانية الهائلة، فإن المخيمات الفلسطينية تفتقر إلى الحد الأدنى من توفير الوظائف والصحة والتعليم والمأوى اللائق، إضافة إلى كومة كبيرة من المشاكل لعل أبرزها توفير التعليم للأطفال والشباب، ورعاية المسنين، وتأمين معيشة الأسر، وإلى جانب كل هذا وذاك جلب الفقر المدقع مشاكل وأمراضا اجتماعية أخرى، وولد التقاتل والصراعات ووفر بيئة خصبة لبعض الجماعات الإجرامية، ودفع بعض الشباب لتعاطي المخدرات وحبس آخرين في غياهب قائمة طويلة من المشاكل النفسية، خاصة وأن الحكومة اللبنانية لا تمنح اللاجئين الفلسطينيين إذنًا للعمل فيها، ناهيك عن أنها لا توفر لهم أي وظائف أو دعم ما يدفع شباب المخيمات نحو النزول إلى المدينة والعمل في قطاعات غير قانونية.
سكان المخيمات الفلسطينية، هم شريحة اجتماعية طوتها صفحات النسيان، وبات العالم لا يتذكرها، ولا يتذكر أن أبناءها هم أولئك الذين أخرجوا قسرًا من أراضيهم وبيوتهم التي اغتصبت. نعم صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، هي تلك الرقعة من العالم التي بقيت حبيسة في صفحات تاريخ قاتم، والتي طمست لكي لا يستطيع أحد تذكرها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2334
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2256
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025