رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كما تحدثنا عن رفاقه، انخرط فارس في الثورة من بداياتها بحسمٍ ودون تردد. لم يفعل ذلك بالإشارات أو التصريحات أو المشاركات (الفيسبوكية)، وإنما بالفِعل العملي والتظاهر في الشارع مع الناس. لكنه عبَّرَ عن مشاعره بعد مظاهرة الفنانين المشهورة حين كتب على صفحته الخاصة: "كنا قلة قليلة وقلقة، وما أن وصلنا حتى دُهشت من حجم المجموعة وقد كبرت.. كثر انضموا لها، صرنا في وسطها شباب وفتيات أغلبهم لا أعرفهم، فجأة صدح صوت سماوي لأحد الشجعان بهتاف البدء ولتردد وراءه الحناجر الذهبية، هي لله هي لله ما نركع غير لله.. وليعقبه بهتافات تنفي الطائفية والإثنية لصالح الحرية والمدنية".
قبلها، كان فارس أحد الأمثلة على قلةٍ تمتلك (الحلم) وتجرؤ على (المبادرة)، وذلك حين جمع (تحويشة) العمر ووضعها في مشروع عزيز على قلبه لإقامة "ورشة البستان للثقافة والفنون". ورغم استغراب البعض، ورغم كونها " فكرةً جنونية، وواحدة من تهويمات هذا الممثّل القلق الذي لا يركن إلى ضفة" كما قال أحدهم. ورغم أنها لم تلقَ دعم الجهات الحكومية والأهلية، لكنه اعتبرها جزءاً من "ممارسته للمواطنة" وثابر عليها حتى نجح. "وإذا بشوارع البلدة الجبلية وساحاتها تستيقظ بعد أشهر، على مشهد آخر: تماثيل من الرخام تزيّن الأماكن المقفرة بأشكال واقعية لم يألفها النحت السوري منذ أزمنة طويلة" كما ذكر تقرير إعلامي آنذاك. ثم أقام فيه ملتقى للنحت العالمي باسم (جمال الحب).
ذهب حلم فارس بعيداً، فقد كان يريد أن يتحوّل (الهنغار) الذي كان حظيرةً للأبقار، إلى فضاءٍ ثقافي لفعاليات إبداعية مغايرة، فقال يومها: "أفكر بأن نقيم أسبوعاً سينمائياً في الهواء الطلق، وأن نبني مكتبة للإعارة المجانية، وإقامة ورشات جديدة للنحت والرسم".
المفارقةُ أن زبانية النظام هاجموا (البستان) بعد مواقفه المنحازة للثورة، وعندما بدأوا بتحطيم المنحوتات الموجودة فيه سألهم فارس بأسلوبه الساخر المعهود عما إذا كانوا قد أصبحوا حكومةَ طالبان، التي حطمت التماثيل التاريخية في الحادثة المعروفة منذ سنوات.
تصاعدت حملات التشويه ضده مع الأيام، ذلك أن النظام كان يعرف حجم الأذى الناتج عن انحيازه للثورة لكونهِ، من ناحية، فناناً له شعبية ومُحبون، ولأنه، من ناحيةٍ ثانية، أحد أبناء المواطنين السوريين المسيحيين. فمثل هذه الصفات كانت تساهم في إلغاء قيمة ورقتين من أهم أوراق النظام: أن قطاع الفنانين والمثقفين يقف معه ضد الثورة، وأن الثورة إسلامية بحتة.
المفارقة أن مثل هذه الحملات لم تكن تعمل إلا على توضيح موقفه المؤيد للثورة بشكلٍ أكثر وضوحاً. فعندما استغل البعض عدم توقيعهُ على ما سُمي (بيان الحليب) المشهور لأطفال درعا، أرسل لبعض وسائل الإعلام يشرح حقيقة موقفه الذي تلخص في العبارة التالية: "رفضت التوقيع على النداء بسبب أنه كان ضعيفا ومتباكيا ولم يرق لمستوى الفاجعة حينها، فهو لم يذكر الشهداء وقاتلهم ولم يدِن فاعل الحصار، ولم يكن غاضباً تجاه المستبد، قدر مناشدته إياه تمرير الغذاء من حصار غذائي مفروض على درعا".
ثم ظهر على شبكة الإنترنت موقع سمى نفسه (أكبر تجمع مسيحي سوري على الفيسبوك) وقام بتهديده المرة تلو الأخرى، وبإطلاق أوصاف الخيانة والعمالة والارتزاق عليه. كما قامت مواقع أخرى موالية للنظام بإطلاق تهديدات تعطيه فيها المُهَل وتنذره بفضحه حول ممارسات ومغامرات مزعومة. لم يُبالِ فارس بكل ذلك الهجوم، وأصرَّ على خياره الغالي، فاضطر بعد أشهر إلى مغادرة سوريا بعد ارتفاع وتيرة التهديدات والضغوط. وعندما التقيناهُ في اسطنبول، بعد رحلة الهجرة التي قادته مع زوجته وابنتيه إلى باريس، كانت زوجتي تُلح عليه للقيام بأعمال فنية، ولو بسيطة، للثورة وأهلها، لكنه كان يتوق للقيام بعملٍ راقٍ "يليق بعظمة هذه الثورة وهذا الشعب" كما قال. لم يمنعهُ هذا بالطبع من زيارة مخيمات وأماكن وجود اللاجئين السوريين بحثاً عن فرصٍ لخدمتهم، ثم المشاركة في مشاريع صغيرة متنوعة في هذا الإطار.
وأخيراً، ظهرت أصالة المعدن مرةً أخرى منذ أشهر حين عُرضت عليه المشاركة في عملٍ فني ضخم ينتج عنه عائد يعينه في رحلة الغربة الصعبة.. لكنه عرف أن فنانين من (شبيحة) النظام مشاركون فيه. فرفض بعبارةٍ واحدة: "لن أظهر في مشهدٍ واحد مع السفلة".
بهذا الموقف، يُبقي الفنان الحاصل عام 2008 على جائزة أفضل ممثل في "مهرجان فالنسيا الدولي" بإسبانيا، شعلة الأمل حيةً، حين يتعلق الأمر بالحفاظ على المنظومة القيمية الأصيلة للثورة السورية.
حقٌ ما قاله الصديق إياد شربجي عن فارس: "ابن الثورة المسيحي فارس الحلو، يرفض العمل مع ابن النظام السنّي مصطفى الخاني. بأمثال فارس مازال في ثورتنا خير كثير، ومازالت الثورة لكل أبنائها الشرفاء كائناً ما كانت ديانتهم وأفكارهم".
يقولون إن للإنسان نصيباً من اسمه. تُفكرُ في نماذج من السوريين صارت أمثلةً على النذالة والبشاعة وتتساءل: كيف لا يكون صديقُنا مَن هو عليه واسمه: فارس الحلو.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13716
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1815
| 21 نوفمبر 2025
شهدت الجولات العشر الأولى من الدوري أداءً تحكيميًا مميزًا من حكامنا الوطنيين، الذين أثبتوا أنهم نموذج للحياد والاحترافية على أرض الملعب. لم يقتصر دورهم على مجرد تطبيق قوانين اللعبة، بل تجاوز ذلك ليكونوا عناصر أساسية في سير المباريات بسلاسة وانضباط. منذ اللحظة الأولى لأي مباراة، يظهر حكامنا الوطنيون حضورًا ذكيًا في ضبط إيقاع اللعب، مما يضمن تكافؤ الفرص بين الفرق واحترام الروح الرياضية. من أبرز السمات التي تميز أدائهم القدرة على اتخاذ القرارات الدقيقة في الوقت المناسب. سواء في احتساب الأخطاء أو التعامل مع الحالات الجدلية، يظل حكامنا الوطنيون متوازنين وموضوعيين، بعيدًا عن تأثير الضغط الجماهيري أو الانفعال اللحظي. هذا الاتزان يعكس فهمهم العميق لقوانين كرة القدم وقدرتهم على تطبيقها بمرونة دون التسبب في توقف اللعب أو توتر اللاعبين. كما يتميز حكامنا الوطنيون بقدرتهم على التواصل الفعّال مع اللاعبين، مستخدمين لغة جسدهم وصوتهم لضبط الأجواء، دون اللجوء إلى العقوبات القاسية إلا عند الضرورة. هذا الأسلوب يعزز الاحترام المتبادل بينهم وبين الفرق، ويقلل من التوتر داخل الملعب، مما يجعل المباريات أكثر جاذبية ومتابعة للجمهور. على الصعيد الفني، يظهر حكامنا الوطنيون قدرة عالية على قراءة مجريات اللعب مسبقًا، مما يسمح لهم بالوصول إلى أفضل المواقع على أرض الملعب لاتخاذ القرارات الصحيحة بسرعة. هذه المرونة والملاحظة الدقيقة تجعل المباريات أكثر انتظامًا، وتمنح اللاعبين شعورًا بالعدالة في كل لحظة من اللعب. كلمة أخيرة: لقد أثبت حكّامُنا الوطنيون، من خلال أدائهم المتميّز في إدارة المباريات، أنهم عناصرُ أساسيةٌ في ضمان نزاهة اللعبة ورفع مستوى المنافسة، ليكونوا مثالًا يُحتذى به على الصعيدين المحلي والدولي.
1263
| 25 نوفمبر 2025