رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أرثي زمانك يا أبي، وزمان جدي وجد الجد ومن كانَ، ضاع الرجاء يا رسولي وصحبه أبناء أمتك لا عمرَ ولا عثمانَ.
يتكبد المجتمع وطأة جيل أملد أجوف أرعن نأى بعيدا عن الأخلاق والشهامة والمروءة التي كانت دستورا للتربية الحقة، وعمادا للتنشئة الفضلى وصكاً يوثق تخريج النشء ليواجه متقلبات الحياة المتباينة بمبادئ ومعايير أخلاقية راسخة لا تعبث بها رياح التغيير الجافلة.
جيل اتخذ معظمه من الاتكالية والأنانية وسما له، وتدثر بغطاء الحرية الشخصية الزائفة، واستوثق بكل رؤية حديثة عوجاء، وانكب عليها كما تنكب البهيمة على طعامها فلا تميز غثه من سمينه، فبالغ همها أن ترضي نهمها وتشبع حاجتها.
ولست هنا أحمل هذا الجيل كامل المسؤولية، فالجزء الأكبر من اهمال مسؤولية هذا الجيل وضياعه يقع على بعض الآباء الذين نبذوا أدوارهم وتملصوا من تعهداتهم العظيمة.
فالآباء لا يقلون شأناً عن أبنائهم في استسهال التسليم لآفات العصر الحديث، وتأثيراتها اللامحدودة عليهم، بل أضحى شماعة للآباء ومرهماً مخدراً يسكن إحساس التقصير الذي يخالجهم طوال الوقت.
ولا ننسى أن نشير هنا إلى أن هذه الآفات من الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والمحمول وغيرها دخيلة على الأسرة، التي يفترض أن تكون حصناً منيعاً يحفظ الأبناء من كل دخيل قد يزعزع عقيدتهم ومبادئهم وأخلاقهم، ولا شك أن الأمواج عاتية، ومخالبها دامية، يتعذر مجابهتها أو ردعها، وقد تؤدي الاستجابة الكاملة لها وترك الأبناء في براثنها إلى الغرق، فالمقاومة ضرورة والرقابة حاجة وقائية لا بد منها.
ومما ساهم في وهن معظم ابناء هذا الجيل العاطفة المفرطة عند الآباء، الأمر الذي أبطأ نضوج الأبناء، فالحرص الزائد والإفراط في الدلال واللين والرعاية الزائدة لا تخلق شباباً قوياً يعتمد عليه بل إن نتائجها تظهر وبشكل جلي بين بعض شرائح المجتمع، حيث استرجلت الفتيات واستأنث الذكور!.
ولقد ارتضى بعض الآباء الخضوع والتسليم كأسلوب لاختزال المشقة التي يكابدونها في تربية الأبناء، إذ إن أسهل الطرق لشراء الراحة هي الاستسلام للصعوبات والخنوع لها، وتناسوا أنهم سيجنون حصاد ما زرعوه.
وعجبي لآباء يتفاخرون بإنجاب الأبناء الذكور منهم والإناث ثم لا يشكرون الله على نعمته فيتقون الله في تربيتهم!.
فكثيرا ما يُترك الأبناء دون توجيه أو حزم، مهابة أن تتأثر نفسياتهم، أو مخافة أن تصيبهم العقد النفسية، ثم يترقب الآباء أن يكبر الأبناء فيصلحوا من ذات أنفسهم! ولم يدركوا أنهم بذلك يفسحون المجال لعاداتهم السيئة وممارساتهم المغلوطة وأفكارهم الملوثة وسلوكياتهم المضطربة أن تتأصل وتنمو فيصعب تغييرها أو التعامل معها.
وكيف لا يذعن آباء نبذوا التزاماتهم ولاذوا فراراً ليعانقوا هواتفهم وأجهزتهم فيأخذوا نصيبهم من ذلك الإدمان، وتلك اللذة التي توفرها لهم مختلف التطبيقات التي تستهدف الجميع فلا تبقي ولا تذر!.
ناهيك عن أوقات أمتع وأجمل يقضونها بين المقاهي والمطاعم بصحبة الأصدقاء والانشغال بالحياة الاجتماعية وممارسة الهوايات والسفر والبحث عن الجمال، فقد يجدون الوقت لكل شيء يشتهون إلا الأبناء!.
ولا ننكر أن تقهقر السيطرة وتطبيق مبدأ الحرية الشخصية البحتة للأبناء كان باعثاً قوياً لاندثار قيم عظيمة، كالإيثار والتضحية ومراعاة شعور الآخرين والإحساس بالمسؤولية، وكذلك ضمور الروابط الأسرية المتينة، إن تكرار الآباء لمثل هذه المبادئ البعيدة كل البعد عن تعاليمنا وتقاليدنا وأعرافنا يساهم في تأصلها في نفوس وعقول أبنائنا فمن منا يعيش حرية مطلقة؟! فجميعنا ملتزمون بأمور ديننا ودنيانا، بداية باتباع أوامر ونواهي الخالق عز وجل، وتقيدنا له بالعبادة والطاعة، وامتثالنا بالقيم والأخلاق التي دعانا إليها حبيبنا ونبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث نقبل عليها بحب مستسلمين لله قولاً وعملاً، ونهاية بارتباطنا بالعمل وقوانينه، وأحكام وأعراف المجتمع، وبالمسؤوليات والواجبات والتكاليف الأخرى تجاه أنفسنا والآخرين، فإذا لم نكن حازمين فيما سبق فهل للغض الغرير أن يقبض على دينه وأخلاقه وعمله ويفي بالتزاماته؟! كيف وقد أفعم بمفهوم الحرية البحتة، فأصبح لا يطيق قيداً ولا يتحمل حدودا ولا يتكلف صبرا.
إن من المؤكد أن الزمن يتغير والأحوال تتطور وهذه طبيعة كونية، يستحيل إنكارها، غير أن الأخلاق الواجبة شرعاً وإنسانياً لا تتقاطع مع التطور والتقدم، فيتحتم على الآباء أن يلزموا بها الأبناء قدر المستطاع، ولا يؤثر في اقتضائها تغير الزمان، فالإنسان هو الإنسان لا يتغير في مشاعره وإحساسه وحاجاته، إنما يحدث التغير في تفاوت ودرجات الجوانب الآنف ذكرها، حيث إن جوهر الإنسان لا يتغير وإن تبدل الكون من حوله.
وبجانب ما ذكر فإن قلق بعض الآباء من أن يكون الأبناء امتدادا لهم ورهبتهم من تأثيرات القسوة عليهم فتركوا لهم الحرية على مصراعيها، وأبقوا لهم التفرد والخصوصية المبالغ فيها وتنحوا عن أدوارهم التي تتخطى توفير حاجاتهم الأساسية، مما جعلهم فريسة سائغة للمؤثرات الخارجية، فمالوا لأصدقائهم واتبعوهم حتى أضحوا "كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً"، وتعلقوا بعادات غريبة وقيم دخيلة أفسدت فطرتهم فضلوا سبيلهم واتبعوا أهواءهم وتتبعوا كل ناعق أعوج فأصبح قدوة لهم، وساروا خلف كل مشوه فأصبح أسوة لهم، لا يتدبرون في ذلك ولا يتفكرون ولا يعملون عقولهم، وإن خالف عقيدتهم وأعرافهم، فهم ماضون خلفه كالثور يدور في الساقية.
وماذا جنينا بعد كل هذا؟
فها نحن نحصد نتاج سوء التربية والإهمال والاستسلام والإذعان، ها قد برز هذا الجيل وكشف عن تمرده واعتداده برأيه ورعونته وتسويفه ضاربين بالآباء عرض الحائط فلا يقيمون لهم وزنا ولا تقديرا ولا احتراما.
إننا بحاجة إلى انتفاضة الآباء واستفاقتهم استفاقة حقيقية مدوية، لينقذوا ما يمكن إنقاذه من هذا الجيل والسائرين خلفه، ولتكن تربية الأبناء وإفراد الوقت لهم على رأس الأولويات ومحاولة إحكام السيطرة في مستوياتها المعتدلة والقسوة في محلها إن لزم الأمر ذلك، والتحكم بالعواطف والمشاعر المفسدة التي لم تورث سوى الخنوع والهوان والجحود والنكران وعدم الوفاء لفضل الآباء، والالتزام بقوانين الأسرة والمنزل والآداب والأخلاق والابتعاد عن التهاون في تطبيقها فلا تهدد وتتوعد وتزمجر ثم لا تفي بوعودك!. فالعقاب غايته التهذيب والتقويم، ولو كان غير ذلك لما رأيت جميع أنظمة العالم تستعمله لتردع كل السلوكيات الشائنة.
ولا يترك الأبناء فيفعلوا ما يشتهون لا يَسألون ولا يُسألون، فالتربية ليست عملية فطرية عفوية، بل تحتاج إلى جهد وعمل ومثابرة، كما أن المسؤولية تتطلب التفرغ للأبناء فلا ضير من ممارسة هواياتنا معهم، وإيجاد اهتمامات مشتركة، ولا ضرر في اصطحابنا لهم بغية توثيق صلاتنا بهم فتتعزز ثقتهم بنا وتقديرهم واحترامهم لحرصنا عليهم.
وأرى أن يمنح الأبناء قدراً مناسباً من الحرية تسمح لهم بالانتقاء وممارسة الهوايات والتبضع المعقول حسب ميولهم وأذواقهم والمشاركة في اختيار أماكن الترفيه والسفر.. وغيرها، وإبداء الرأي بأسلوب مهذب وأن نستمع لهم ولانتقاداتهم وليس بالضرورة الأخذ بها جميعها.
وليس هذا وحسب، بل إن مناقشة الأبناء في مواضيع فكرية متنوعة تشحذ تفكيرهم وتثير عقولهم وتوسع مداركهم وترفع درجة الوعي لديهم، كما لها عظيم الشأن في التأثير على معدل مستويات التفكير فتنقلهم من مستوى التفكير السطحي المتعلق بتوافه الأمور الى مستوى التفكير العميق المركز.
وليعود الآباء أبناءهم من الصغر على تولي مسؤولية الأسرة أولاً وعدم الاتكالية عليهم في كل شيء، ثم البدء في منحهم بعض المسؤوليات الخارجية، ويا حبذا لو يلتفت الآباء نحو تنمية المهارات القيادية في نفوس الأبناء، فينشؤون على روح المبادرة والإقدام.
إن الحديث هنا يطول ويتشعب، وأعتقد بأنكم تلامسون واقعاً مريراً يتحتم علينا أن نستنفر وننتفض ونقف جنباً إلى جنب لنحاول أن نخلق جوا عاما أكثر أماننا لأبنائنا، فالمسؤولية عظيمة والخطب جلل، تستدعي أن يقوم الآباء بأدوارهم مع أبنائهم وأبناء غيرهم فقديماً كان الأب أباً للجميع، ما لا يقبله لأبنائه لا يقبله لأبناء الآخرين، فيتدخل بالنصيحة والكلمة الحسنة إن رأى خطأ أو هفوة أو تقصيرا، كما أن الأهالي كانوا متعاونين فلا يستاؤون من ذلك، وإن تذمر الابن شاكياً، لم يشدوا على يده، بل شكروا من وجهه وأرشده، هذا هو المجتمع المتكاتف المسؤول، والذي نتمنى أن يعود يوماً ما، وسيعود إن شاء الله برغبة وإرادة كل مربي ورع حريص على أبنائه، غيور على أبناء الوطن.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
834
| 16 ديسمبر 2025
يترقّب الشارع الرياضي العربي نهائي كأس العرب، الذي يجمع المنتخبين الأردني والمغربي على استاد لوسيل، في مواجهة تحمل كل مقومات المباراة الكبيرة، فنيًا وبدنيًا وذهنيًا. المنتخب الأردني تأهل إلى النهائي بعد مشوار اتسم بالانضباط والروح الجماعية العالية. كما بدا تأثره بفكر مدربه جمال السلامي، الذي نجح في بناء منظومة متماسكة تعرف متى تضغط ومتى تُغلق المساحات. الأردن لم يعتمد على الحلول الفردية بقدر ما راهن على الالتزام، واللعب كوحدة واحدة، إلى جانب الشراسة في الالتحامات والقتالية في كل كرة. في المقابل، يدخل المنتخب المغربي النهائي بثقة كبيرة، بعد أداء تصاعدي خلال البطولة. المغرب يمتلك تنوعًا في الخيارات الهجومية، وسرعة في التحولات، وقدرة واضحة على فرض الإيقاع المناسب للمباراة. الفريق يجمع بين الانضباط التكتيكي والقوة البدنية، مع حضور هجومي فعّال يجعله من أخطر منتخبات البطولة أمام المرمى. النهائي يُنتظر أن يكون مواجهة توازنات دقيقة. الأردن سيحاول كسر الإيقاع العام للمباراة والاعتماد على التنظيم والضغط المدروس، بينما يسعى المغرب إلى فرض أسلوبه والاستفادة من الاستحواذ والسرعة في الأطراف. الصراع في وسط الملعب سيكون مفتاح المباراة، حيث تُحسم السيطرة وتُصنع الفوارق. بعيدًا عن الأسماء، ما يجمع الفريقين هو الروح القتالية والرغبة الواضحة في التتويج. المباراة لن تكون سهلة على الطرفين، والأخطاء ستكون مكلفة في لقاء لا يقبل التعويض. كلمة أخيرة: على استاد لوسيل، وفي أجواء جماهيرية منتظرة، يقف الأردن والمغرب أمام فرصة تاريخية لرفع كأس العرب. نهائي لا يُحسم بالتوقعات، بل بالتفاصيل، والتركيز، والقدرة على الصمود حتى اللحظة الأخيرة.
678
| 18 ديسمبر 2025
يوماً بعد يوم تكبر قطر في عيون ناظريها من كأس العالم الذي أبهر وأدهش وأتقن، الى احتضان فعاليات كأس العرب. نعم نجحت قطر في جمع العرب في ملتقى استثنائي، بدأ بافتتاح مهيب وأسطوري اجتمعت فيه حضارة العرب وعاداتهم وأحلامهم ونجحت في تقديم فلسفة الاستاد خلال الأيام الماضية على أنه البيت العربي الكبير الذي يجمع العرب متجاوزين الحدود والفوارق. لقد تبيّن لنا أن هناك الكثير مما يجمع العرب، وليس حرف الضاد وحده، فها هي كرة قدم أظهرت أنهم يقفون ويستطيعون البناء وتقديم الأفضل، وأن هناك جيلا متفائلا يؤمن بالمستقبل وبأنه قادر على أن ينهض من تحت الركام، جيل جديد يتنفس عطاءً ويضع لبنات البناء الذي يعيد المجد لهذه الأمة. أما فلسطين فكانت حاضرة في هذا المهرجان الكروي، في تضامن ليس جديدا أو غريبا على قطر وشعبها، ولعل الأوبريت المؤثر حين جمع قصص الاناشيد الوطنية للدول العربية عبّر لكل الحاضرين والمشاهدين أن تحريرها ممكن وان وحدتنا ممكنة. قطر ومن جديد تجمع العرب في كأس العرب للمرة الثانية من المحيط الى الخليج في هذه الاحتفالية الكروية التي تعد الأكبر في العالم العربي، والسؤال الذي يطرح نفسه عن سرّ نجاح قطر مرة تلو الأخرى؟ لقد وضعت قطر بصمتها على خريطة العرب والعالم فأصبح يشار إليها بالبنان لما تمتلكه من قدرات استثنائية على استضافة الأحداث الرياضية الكبرى وتمثل كأس العرب فصلاً جديداً في هذا الإرث الرياضي الغني والمتنوع. قطر وخلال أعوام مضت وضعت رؤيتها، وحددت هدفها وسخرت امكاناتها، وبذلت كل ما تستطيع لتحقيق ما رأيناه من ترتيبات لإقامة كأس العالم على أرض صغيرة حجما، كبيرة بالفعل فكان لها ما أرادت واستقر الهدف وجاءت في هذه البطولة لتبني على ما تم انجازه وتعطي أكثر وأكثر. تمتلئ ملاعب قطر بالجماهير التي تحول ملاعب المونديال الأيقونية إلى مسرح جديد للإثارة الكروية العربية يستفيد فيها المشاركون والجماهير من منظومة متكاملة، أسست على أرقى المعايير البيئية العالمية، فهي لم تعتمد بناء ملاعب يطلق عليها مصطلح الأفيال البيضاء ببناء أبنية ضخمة لا داعي لها بل شيدت على مبدأ الاستدامة واستخدام أدوات صديقة للبيئة بحيث يمكن تفكيك وإعادة استخدام الملاعب وفق خطة مدروسة بمجرد الانتهاء منها سواء بإعادة تدويرها في مشروعات داخلية أو بالتبرّع بها وإهدائها إلى دول أخرى لرفع كفاءة منشآتها الرياضية إضافة الا أنها ملاعب بلا تدخين وملاعب يصدح فيها صوت الأذان انجاز مختلف ومقدر. يضاف إلى هذه الملاعب المونديالية، أنها استفادت من البنية التحتية الرياضية الواسعة التي أولت قطر اهتماما كبيرا بها بما في ذلك مرافق التدريب الحديثة، ومناطق المشجعين التي توفر تجربة ترفيهية متكاملة وفي نقطة تحسب لهذه الجهود تتضمن الملاعب خيارات أماكن مخصصة للمشجعين من ذوي الإعاقة. وهنا لا بد من ذكر تسهيلات حركة المشجعين من خلال شبكة منظمة من المواصلات فنجاحها يعد حجر الزاوية في انجاح البطولة فهي توفر شبكة نقل حديثة ومتكاملة تتمتع بسلاستها وفعاليتها مع وجود مترو الدوحة العمود الفقري للدوحة الذي يربط غالبية الملاعب والمناطق الحيوية في قطر خلال دقائق معدودة، بجانب منظومة نقل عام فعالة سلسة الحركة خلال الفعاليات الكبرى، فضلا عن طرق حديثة تساهم بصورة كبيرة في تقليل الازدحام وتعزيز انسيابية حركة الجماهير. وإلى جانب ذلك، يتوفر أسطول حديث من الحافلات الكهربائية الصديقة للبيئة لتقليل الانبعاثات الكربونية، وكذلك خدمة نقل عام مستدامة وفعالة تشمل "مترولينك"، والتي تتمثل في شبكة حافلات فرعية مجانية تربط بين محطات المترو والأماكن المحيطة. لقد ركزت قطر على الاستدامة عبر استخدام حافلات كهربائية وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، وتوفير تجربة سلسة في نقل المشجعين مع الأخذ في الاعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم وسائل النقل والمحطات، وهو الأمر الذي يساعد على ترك إرث مستدام لقطر يعزز من مكانتها كمركز للفعاليات العالمية. وبينما تدار المباريات من جهة تقام مجموعة من الفعاليات الثقافية والترفيهية لتعزيز تجربة المشجعين وخلق أجواء إيجابية وبناء جسور بينهم حيث ترحب قطر بهم بطريقتها وبحسن وكرم الاخلاق والضيافة. أي انجاز هذا، خطوة ٌتحسب وتقدر ونقطةٌ بألف هدف، فقطر تربط استثمارها بالرياضة بتحقيق نمو اقتصادي وسياحي وفي نفس الوقت وفي هذا المحفل العربي الاخوي تزيل اسباب الفرقة وتقرب المسافات في تجمع لم نكن نراه او يشهد له في من سبقها من فعاليات لكأس العرب. أي انجازٍ هذا في أكبر تجمع عربي، إذا هي الارادة الجادة والحقيقية المنتمية، تغلفها الشجاعة والاقتدار الساعية لبث الخير. قطر لا تمتلك المال فقط، إنما هي تتبع قواعد النجاح وتركز على الإنسان وفكره وتطويره، لا تترك جهدا ً في الاستفادة من خبرات الآخرين والتعلم منها والبناء عليها، وتعطي الفرص وتمنح المساحات للعطاء لمن يريد من القطريين أو غيرهم ممن يعيشون على أرضها. من استاد ملعب البيت كان الافتتاح، ولن تكون النهاية، لقد أصبحت قطر على الدوام البيت الذي يجمع ولا يفرق يلم الجراح ويبث الطمأنينة. الأمل يحدونا لأن نزيد ما تم بناؤه فكريا وروحيا ومعنويا في قطر، وفي غيرها من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية، حتى نغدو منارة يهتدى بنا.
672
| 15 ديسمبر 2025