رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في بيت شريف النسب، عظيم الحسب، منتمٍ إلى بني مخزوم من قريش، ولدت أم المؤمنين، أم سلمة، هند بنت أبي أمية، وكان والدُها سهيلُ بن المغيرة، سيدا في قومه، وأحد أجواد قريش بل العرب جميعا، اشتهر بالجود والندى، وعُرف في الناس بلقب (زاد الرَّكْب)، والركب هم جماعة المسافرين، لأنه كان زاد من لا زاد له في السفر، يغني من معه في ترحاله، ويكفيهم كلفة الطعام والشراب، ويحتمل عنهم احتياجاتهم في أسفارهم، حتى كأنه موكَّل بهم وكفيل، فلا يعوزهم شيء في صحبته، بفضل سخاء يديه. نشأت هند في ذلك البيت، مزدانة بجمالها وعقلها وحصافة رأيها، فكثر خطابها الطارقين على أبيها، في طلب مصاهرته، وكان من أولئك عبد الله بن عبد الأسد القرشي، وهو من قومهم بني مخزوم، الذي جاء يخطب إليهم ابنتهم هند، وكان كُفْئاً لها، يوافق أحدهما الآخر، فقبلوا به وتم الزواج بينهما، وعاشا معا حياة سعيدة مطمئنة، زادتها بهجة وفرحة أن رزقهما الله ولدهما سلمة. في أثناء تلك الأيام بمكة كان وحي السماء قد نزل على قلب خير خلق الله، على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، لتشرق في حياة الناس أجمعين، شمس ساطعة برسالة الإسلام، تبعث أنوارَها مبددة ظلمات الأرض، هادية نفوس من يمشون عليها ضالين حائرين، فبدأت صفحة جديدة في حياة أهل مكة منذ أن أخذ رسول الله، يدعو الناس، ويبلغهم رسالة ربهم بالدين، فاستجاب له أول الأمر نفر قليل، أخذ يزداد رويدا رويدا، حتى كان من الداخلين في الإسلام مبكرا، أبو سلمة، وأسلمت بإسلامه أم سلمه، وازدادا في ذلك وفاقا وألفة، وحين جعل المسلمون المستضعفون في مكة يهاجرون إلى الحبشة، أزمع أبو سلمة الهجرة إليها، فصحِبَتْه امرأته المخلصة أم سلمة، متجشمة المشقة والعناء، وهناك في الحبشة مكثا ولبثا مدة من الزمن، حتى بدا لهما العودة إلى أرض الوطن، وقد نازع الشوق نفسيهما إلى مكة، وإلى القرب من قرة عيونهم رسول الله، فرجعا تلبية لنداء الحب، وإجابة لهتاف الحنين، والحال في مكة من الشدة والبأساء، مثلما كان عليه من قبل، ولكن المسلمين صابرون محتسبون، مع نبيهم الكريم، حتى أذن الله لنبيه بالهجرة إلى يثرب حيث الأنصار الذين استقبلوا من هاجر إليهم، وآثروهم على أنفسهم، محبة ونصرة لدين الله.
وهنا نُشرت لأم سلمة صحيفة من صحائف كتاب حياتها، تحكي سطورُ مَتْنِها، قصة هجرتها التي قاست فيها نوائب الدهر ودواهيه الهائلة العاتية، إذ لاقت في سبيل هجرتها محنة شديدة، وكُربة عصيبة، فابتليت أشد الابتلاء، وقد روت هي نفسها ما وقع عليها، وما تعرضت له يوم نوت وزوجَها أبا سلمة، الخروج إلى المدينة المنورة، وهو أنه لما أجمع أبو سلمة الهجرة إلى المدينة رَحَل بعيرا له وحملها وحمل معها ابنهما سلمة، ثم خرج يقود بعيره، فلما رآه رجال بني المغيرة، عشيرة أم سلمة، قاموا إليه وقالوا: هذه نفسُك غَلَبْتَنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه، علامَ نتركك تسير بها في البلاد؟ ونزعوا خِطام البعير من يده، وأخذوا أم سلمة عنوة، فغضب عندئذ بنو عبد الأسد قوم أبي سلمة، وأهوَوْا إلى ولدهما وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبها. فتجاذبوا بُنيها سلمة حتى خلعوا يده، وانطلق به رهط أبيه، وحبس بنو المغيرة أم سلمة عندهم، ومضى أبو سلمة حتى لحق بالمدينة، وهكذا فُرق بينها وبين زوجها وابنها، وكذلك يفعل الظالمون قُساة القلوب.
كانت أم سلمة تخرج كل غداة وتجلس (بالأبطح) وهو مكان في ضاحية مكة، لا يعلم بحالها إلا الله، ولا تزال تبكي حتى تمسي، كذلك كل يوم إلى أن مضت سنة أو قريب منها، فمر بها رجل من بني عمها بني المغيرة، فرأى ما بها فرحمها ورق لها وقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرقتم بينها وبين زوجها وابنها. وما زال بهم حتى قالوا لها: الحقي زوجك إن شئت. ورد بنو عبد الأسد عليها ابنها، فرحلت بعيرها ووضعت ابنها سلمة في حجرها، ثم خرجت تريد زوجها بالمدينة، وما معها أحدٌ من خلق الله، حتى إذا كانت (بالتنعيم)، على فرسخين من مكة، لقيت عثمان بن طلحة، وكان يومئذ على الشرك، فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟ قالت: أريد زوجي بالمدينة. فقال: هل معك أحد؟ قالت: لا ولله، إلا الله وابني هذا؟ فقال عثمان: والله مالكِ من مَتْرَك. وأخذ بخطام البعير، وانطلق معها يقودها.
جمع الله شمل أم سلمة بزوجها وابنها بعد تفرق، وطول نَوَى، وهدأت النفوس بعد أن زعزعها البَيْن، وقلقلها الفراق، فنعموا جميعا، وسعدوا بالقرب من رسول الله، وبجوار إخوانهم المسلمين المهاجرين والأنصار، ويوم صاح منادي الجهاد للذود عن الإسلام، كان أبو سلمة من المجاهدين، فخرج في بدر ثم في أحد، اليوم الذي جاهد فيه وتفانى حتى أصيب إصابة بليغة، ولكنها لم تودِ بحياته، فقد عولج حتى تعافى منها قليلا، غير أن جرحه عاوده فيما بعد، وألح عليه، فمات على أثره، ألم بأم سلمة من الحزن والأسى على موت زوجها، ما كاد يفطر قلبها، لشدة ما كانت تحبه، بيد أنها صبرت واعتصمت بربها واسترجعت، وقد كانت رضي الله عنها، سمعت مرة رسول الله يقول:(ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أُجُرني في مصيبتي، وأَخْلِفْ لي خيرا منها، إلا أَجَرَه الله في مصيبته، وأخلَف له خيرا منها)، فقالت أم سلمة هذا الدعاء، ولكنها رجعت إلى نفسها، وقالت: ومن خير من أبي سلمة. قالت ذلك وقد أكبرت أن تكون زوجا لرجل غيره، ولو كان أبا بكر الصديق الذي تقدم لخطبتها فرفضته، وكذلك فعل عمر بن الخطاب فرفضته أيضا، ثم بعث إليها النبي يخطبها، فيا لَحكمة وتدبير القدر، الذي جعلها ترفض أبا بكر وعمر، لتكون زوجَ خير البشر، محمدٍ رسول الله، فيستجاب لها ذلك الدعاء على أحسن مرام.
حينئذ تغيرت نفسها، وتشتت أحزانها، إلا أنها استعظمت الأمر، واستصغرت حالها، فاعتذرت للنبي قائلة إنها مسنة وغيورة، وذات عيال، فأجابها بقوله:(أمّا أنك مسنة، فأنا أكبر منك، وأما الغَيْرة فيذهبها الله عنك، وأما العيال فإلى الله ورسوله)، وتم الزواج وكان وليها ابنها سلمة، ونالت بذلك شرف أن تكون أما للمؤمنين، وهي خليقة بهذا الشرف، وجديرة بالمنزلة العالية، إذ كان لها عقل سديد، ورأي حصيف، حتى إن النبي الكريم، أفاد منها، وذلك في يوم الحديبية، بعد أن عقد الصلح مع قريش،
وأمر أصحابه أن يقوموا فينحروا ويحلقوا، فلم يقم منهم رجل، حتى بعد أن كرر أمره ذلك ثلاث مرات، فدخل على أم سلمة في الخيمة، وذكر لها ما حدث قائلا: هلك الناس، أمرتهم فلم يمتثلوا. فهونت عليه الأمر، وأشارت عليه بقولها: يا نبي الله، أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فقام عليه الصلاة والسلام، وفعل ما قالت، وما إن رأه الصحابة أنه قد نحر وحلق، حتى تسابقوا عجلين، فنحروا ثم حلقوا اقتداءً به. وهكذا نجّت أم سلمة الأمة من بلاء عظيم.
فعل الخير
عاشت أم سلمة، بعد وفاة رسول الله، سنينَ طويلة، قضتها في فعل الخير، وبذل النصح، حتى رجعت روحها إلى ربها، راضية مرضية، وقد كَبُر سنها، وصلى عليها أبو هريرة، ودفنت بالبقيع، عليها رضوان الله.
من الرياض.. أطيب التهاني للدوحة بيومها الوطني
من فضل الله تعيش دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مرحلة غير مسبوقة من التقارب والتنسيق، تعمّقها رؤى قادتها... اقرأ المزيد
27
| 13 ديسمبر 2025
العدالة المعلقة بين النية المبطنة والإبادة المعلنة 1-2
على شريط ساحلي قبالة بحر أبيض، وبتوقيت يكاد يتفق واللحظة، تُعاد كتابة التاريخ بدمٍ لا يزال يجري طوفانه!... اقرأ المزيد
36
| 13 ديسمبر 2025
ذوو الهمم في حياتنا
يحتفل العالم في الثالث من ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة. ذلك اليوم الذي يدعو... اقرأ المزيد
63
| 12 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2325
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2256
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025