رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. وائل مرزا

د. وائل مرزا

مساحة إعلانية

مقالات

531

د. وائل مرزا

هل يستسلم السوريون؟ وهل يتحمل الوضع العربي ذلك؟

30 أغسطس 2015 , 01:43ص

بغضﱢ النظر عن كل (مظاهر) الاهتمام في عالم العرب بخصوص ما يجري فيه حالياً من أحداث، وبمدى تأثيرها القادم على المنطقة كشعوبٍ ودول وثقافة وخرائط، يَظهر في كثيرٍ من الممارسات والقرارات الافتقارُ إلى الدرجة المطلوبة من (الجدﱢية الإستراتيجية) فيما يتعلق بإدراك حساسية الواقع العربي الراهن، وفي التعامل معه.

ما يجري خطيرٌ جداً، لايجب أن نملﱠ من التذكير بهذه الحقيقة، وحين نقول إنه خطيرٌ على الشعوب والدول والثقافة والخرائط، فبمعنى أن التهديد (وجودي)، وهو يستهدف كل المكونات.. كلها دون استثناء.. ولا تنفع معه لا التطمينات السرية، ولا الوعود الزائفة، ولا التنازلات الجانبية، ولا التفاهمات المُنفردة. فهذه كلها تدخل في تكتيكات (الاستفراد)، وهي جزءٌ من اللعبة الجديدة التي انطلق مسارها، ولن يوقفها إلا تفكيرٌ إستراتيجيٌ حقيقيٌ يُجمع عليه العرب، أو من تبقى منهم من عُقلاء، وهؤلاء موجودون دون شك.

في هذا الإطار، لم يعد ممكناً لنا، كعرب بشكلٍ عام، وكسوريين خصوصاً، أن نخلط بين الأهداف والوسائل، ونظن أن مجرد الضجيج في التعبير عن أهدافنا والإصرار على مطالبنا المشروعة من خلال البيانات والخطابات والمقالات الصحفية، يكفي لتحقيقها، أو ليكون منطلقاً للتعامل مع متغيرات السياسة العالمية والمحلية بغرض التأثير فيها وتوجيهها فيما يخدم مصالحنا. لابد، كبديل، من توليد رؤيةٍ إستراتيجة تتمحور حول تلك الأهداف، لكنها تأخذ بعين الاعتبار الحركة الدائمة في معادلات موازين القوى والمصالح العالمية، وتحاول تحقيق أهدافها من خلال استيعاب وتوظيف مناطق الخلخلة والتغيير المتكررة في تلك المعادلات..

في كتابٍ عن السيرة نشره منذ عقود الدكتور عماد الدين خليل، لخصَ الكاتب إستراتيجية الرسول الكريم في قصة الهجرة بعبارةٍ أنقلُها من الذاكرة: "إن الرسول توكل على الله وكأنه لايوجدُ هناك عالم أسباب، لكنه في نفس الوقت أخذَ بعالمِ الأسباب وكأنه لايوجد هناك شيءٌ اسمه التوكلُ على الله"!

باستحياء هذه القاعدة، يُصبح المطلوب اليوم هو "الاعتماد على القوة وكأنه لايوجدُ شيءٌ اسمه دبلوماسية أو سياسة، واستخدامُ الدبلوماسية والسياسة وكأنه لا يوجد شيءٌ اسمه القوة".

ولما كان السوريون اليوم في خط المواجهة الأول، فإنهم أولى الناس بمراجعة كل مايفعلونه، وباتخاذ المعادلة المذكورة منهجاً للتعامل مع قضيتهم. لأن قبولهم بوضعهم الراهن، واستمرار ممارساتهم وطريقة تفكيرهم وعملهم، ساسة وعسكرا، ونُشطاءَ ومثقفين، هو، عملياً، الخطوة الأخيرة قبل الاستسلام، حتى لو ملأوا الدنيا ضجيجاً بشعارات تقول، نظرياً، عكس ذلك.

هذه حقيقةٌ أخرى لم يعد ينفع الهروب من قولها بقوةٍ ووضوحٍ وصراحة: كل شيىءٍ يفعله السوريون، ممن ينتسبون إلى الثورة بأي معنى من المعاني، بات تهيئةً لإعلان الاستسلام، بل والانتحار الجماعي.

فبعد كل ما عرفوهُ اليوم من نفاق العالم وانتهازيته ووحشيته، لايكونُ الاستمرارُ في أي نوعٍ من المماحكات التنظيمية والأيديولوجية العنيدة والسخيفة لساستهم وعسكرهم، أو السلبية القاتلة لنشطائهم ومثقفيهم، إلا مساهمةً حثيثة في التحضير العملي للاستسلام والانتحار.

نعم. أظهر السوريون، قبل توريطهم في عسكرة الثورة من قبل النظام والعالم من خلفه، نمطاً فريداً من الممارسات يحكي، واقعياً، عن رسوخ عُمقهم الحضاري. واليوم، بعد تجربة السنوات السابقة، باتَ عليهم استعادة ذلك العُمق بطريقةٍ أخرى، أو القولُ، تبريراً للعجز، بأنه كان وَهماً أو كذبةً كُبرى، وليُترك مصير سوريا لجيلٍ قادمٍ يأتي بعد مرحلة (التيه).

المشهد (السوري) اليوم هو في الحقيقة (سوريالي) من حيث ملامحه الغرائبية العَبَثية. ولا مخرج من هذا الوضع إلا بإجماعٍ وطنيٍ تُلغى معه كل الأجندات الحزبية والطموحات الشخصية والرؤى الأيديولوجية التي لم يعد لها معنى، لأنها، أصلاً، مُهددةٌ بالإلغاء جميعاً، ومعها أصحابُها، ووطنُهم وشعبُهم.

السوريون اليوم أمام مَفرق طريق تاريخي بكل مافي الكلمة من معنى. والسؤال ليس حول (الخيارات) التي لديهم، وإنما حول إمكانية وكيفية قيامهم بالاتفاق على الخيار الوحيد المتوفر لديهم، وبأقرب وقت.

التشبيهُ القادم حساسٌ ومؤلم، ولكنه ليس عنصرياً بالتأكيد. فإما أن تقوم (كتلة حرجة) من السوريين، من جميع الأطياف والهياكل والانتماءات، بالانتفاض على الواقع الراهن لـ (مُجتمع الثورة) بكل مكوناته، وتتعلم من دروس إخوتنا في فلسطين والعراق، ويتم إنقاذ سوريا وشعبها، أو تدخل البلاد وأهلها، في النفق الذي دخل فيه البلدان العزيزان.

يبقى هذا خيار السوريين، لكن المفارقة أن آثارهُ لن تنحصر في حدود بلادهم. فالمؤكد أن الوضع العربي لايحتمل استسلامهم، لأنه يعني قدوم الطوفان الكبير. وهذه فكرةٌ يجب أن تبقى هاجساً يؤرقُ العرب، لأن النومَ عنه قد لايكون بعدهُ استيقاظ.

ماذا يمكن للعرب أن يفعلوا؟ حسناً. قالها يوماً ماوتسي تونغ: "القوة السياسية تأتي من فوهة البندقية". وبعدهُ قال جورج أورويل: "ينامُ الناس بسلامٍ في أسِرﱠتهم ليلاً لأن هناك رجالاً أشداء يسهرون مستعدين للعنف من أجلهم".

وبكل صراحة، لا يوجد أقربُ من إيران نفسها لنتعلم الدرس، ونتعاملَ معها بالشكل المطلوب. فقد مضى زمنٌ لم يكن فيه عندها أي مجالٍ للسياسة والدبلوماسية، واضطُرت اضطراراً للإبداع في توظيف القوة، حتى وصلت إلى وضعٍ يُمكِّنها من الجمع بين قوة القوة وقوة السياسة والدبلوماسية.

أما العربُ، فوضعهم اليوم، من جانب، أفضل مما كان عليه وضع إيران سابقاً. بمعنى أن بإمكانهم التفنن في الجمع بين القوتين، والاستفادة من ذلك بشكلٍ حاسم، فأوراق القوة وأوراق السياسة والدبلوماسية متوفرةٌ لديهم، وكل ما ينقصهم هو التخطيط الإستراتيجي والإرادة، مع التأكيد أن وجود التخطيط والإرادة ينبع من ضرورةٍ قاهرة، وليس نوعاً من (الترف) الذي يمكنهم معه أخذ الوقت للتفكير، فوضعهم الراهن، من جانبٍ آخر، أسوء من وضع إيران سابقاً، لأن التهديد الذي يواجههم (وجوديٌ) كامل، وليس لديهم (رفاهية) التعامل معه بالتكتيك والمناورات الخفيفة والرؤية القصيرة النظر.

"والله تا ياخدو بناتنا ونساءنا سبايا لـ (قم).." قالها صالح القلاب، وزير الإعلام الأردني السابق، بصراحته المعهودة منذ أيام، مُختصراً خطورة الموقف. وإما أن تتوقف "الألعاب الصغيرة" كما سماها، ومعها محاولات "الاختباء وراء الأصابع"، ويرتقي العربُ إلى جدية الموقف، أو تصبح رقبةُ الجميع تحت المقصلة.

مساحة إعلانية