رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تفتقر حياتنا الحديثة إلى مفهوم البساطة حيث تمتد يد التعقيد فتطال أبعاد حياتنا بل وفضاءاتنا التي أصبحت مشوشة وأكثر تشابكاً، وباتت تؤثر حتى على أمزجتنا ومساحات تفكيرنا التي أصبحت مكتظة فلا سبيل للهدوء والتأني الفكري. وإذ نلاحظ أن هناك شعورا بالتخمة الفكرية، فالأفكار متضاربة ومتشاحنة وسريعة تتزامن مع الحياة المعقدة الممتلئة فلا تأخذ وقتها الكافي في المعالجة والتحضير في مصنع العقل فتتزاحم الأفكار دون هوادة على أعتاب الذهن نتيجة لرتم الحياة المتسارع، فيعاني الإنسان من وطأة هذه الأفكار التي ترهق عقله وتستنزف طاقته.
وتعزز مظاهر التعقيد على مستوى بيئة الانسان من تفاقم هذا الشعور، إذ فشلت المنازل في هذا الوقت من توفير الراحة والاسترخاء لقاطنيها، بعد أن ضاقت بالمقتنيات والماديات وشغلت مساحات كبيرة من المنزل دون نفع حقيقي لها سوى التظاهر والتفاخر وحب الامتلاك، بيد أن الراحة الحقيقية تكمن في البساطة فالمنزل البسيط المرتب المتوفر على الحاجات الأساسية يعطي راحة للعين وانشراحاً للقلب، فلا نعجب اليوم من ضيق الصدور الذي بات ملازماً للنفوس فالمساحات داخل النفس وخارجها أصبحت ضيقة.
كما أن بيئة العمل لا تختلف كثيراً فتجد بعض المكاتب لبعض المسؤولين بعيدة كل البعد عن الهدف الذي أوجدت من أجله، حيث دلائل الرفاهية تتمظهر هنا وهناك ولا يرتضي البعض سوى بالأجهزة الحديثة حتى وإن كان ليجهل كيفية استخدامها، فقد رأيت بعض المسؤولين الذين يحرصون على أن توفر الدولة لهم أحدث الأجهزة ولكنهم يعجزون حتى عن استخدامها فهي كباقي الأثاث يجتهد في توفيره حتى تكتمل الصورة وتلك طامة أخرى وشكل آخر من أشكال التعقيد.
ولقد لعبت التطبيقات المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في الحياة المعقدة حيث انكمشت صورة الحياة في هذه المنابر، فباتت وسيلة للعلم والتعلم والمرح والتسلية والاجتماعات والاعمال والتواصل وبناء العلاقات الالكترونية البائسة، وبث كمية المعلومات والآراء المتضاربة التي ما انفكت تربك التفكير وترهق العقل وتهلك النفس فيما يصدق منها وما لا يصدق، كما وساهمت بشكل شرس في تنمية ثقافة الاستهلاك التي يعتاش عليها رواد هذه التطبيقات فيجد الإنسان نفسه في شقوة السعي للحصول على كل جديد يتم التسويق له من خلالها حتى يغذي شعوره بالعصرية ومواكبة التطور فالآخرون ليسوا أفضل منه حالاً وسعادةً، فالبعض يربط الشعور بالسعادة بحياة الناس المزيفة التي يحاولون تصنعها أمام الشاشات، فتحترق روحه في سبيل تقليدهم حتى يرضي ذلك الشعور الذي لن يتحقق أبداً من هذا المنظور! الذي لن يمنحك السعادة بل سلبك إياها كما سلبك الراحة والسلام والسكينة وكافأك بشعور القلق والخوف والضيق والتكالب على الدنيا والسخط وعدم الرضا والقناعة بنعم الله عليك وهذا بعيداً عن الإيمان والاستسلام لله والرضوخ لمقاديره.
ويبرز لنا وجه آخر من وجوه التعقيد الذي غلف حياتنا بصورة المتعددة، فبينما كان الإنسان قديما يرضى بصنف من الطعام يسد رمقه أصبح اليوم في ظل الحياة المعقدة يحتار فيما يأكل وأين يأكل! حيث تضاعفت أماكن تقديم الطعام وتعاظم التنافس فيما بينها على تقديم أشكال معقدة من الأصناف والألوان لجذب الزبائن الذين يعانون من شره الاستهلاك فيأكلون كل شيء في أي وقت! وبسبب وبدون سبب! ومثل ذلك التنوع والتفضيلات في مختلف الأمور والأشياء، وهنا يستنزف العقل طاقته أمام سيول الاختيارات وتشعبها في الحياة فهو مجبر على الاختيار والتفكير السريع في البدائل والاحتمالات المتاحة والمتنوعة، ولو تمعنا قليلاً فإن معظم إجهاد العقل يومياً يأتي من هذه الناحية فالخيارات جزلة في كل شيء وهذا من شأنه أن يجهد العقل ويثقل كاهله بينما لو قمت بتحديد بعض الأمور وجعلها أكثر سهولة وبساطة لوفرت جهد العقل وقوة تركيزه على الأمور الأكثر أهمية!
ولكي نقلل من عنف الاستهلاك وشراسته يتوجب علينا أن نرفع من ثقافة الاكتفاء فرغبات النفس دائماً في ازدياد وإن لم تُكبح جماحها فليس لها حدود للشبع، يقول البارئ عزّ وجل " أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ " وهي جملة تعبر عن الاعجاز القرآني في اختزال المعنى نعم الهاكم التكاثر عن دينكم، أخلاقكم، أبنائكم، بيوتكم، ذويكم وحياتكم الصالحة.
وتطال يد التعقيد فتعبث في العلاقات التي أصبحت غير مفهومة على نحو مخيف، فلا صداقات حقيقية ولا علاقات أسرية ثابتة، فالعلاقات أصبحت هشة هينة؛ ولم لا؟! وهناك البديل الذي يمنح السلوان! كما لم يعد الإنسان يفكر بأخيه ومدى احتياجه إليه فمقدار حاجة الانسان للآخر أصبحت تختزل على المصلحة والفائدة، أما القيم الأخرى وحسن التعامل والوفاء لم يعد يشغل بال أحد فخسران الأشخاص لم يعد مهماً مقابل جيوش من آخرين متاحين على وسائل التواصل الحديثة، وهذا ينافي ما يدعونا الله عزوجل إليه من التكافل والرحمة دون تكلف فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وكعاقبة لهذا التعقيد أصبح الإنسان يتردد ألف مرة قبل أن يفكر مجرد التفكير في الاستعانة بأخيه!
إن هذه الحياة المعقدة تستلزم منا وقفة صادقة مع النفس فلم تجلب للبشرية سوى مظاهر أثرت على نفسياتها وسلوكياتها وقادتها من الأحسن إلى الأسوأ ومن الجميل إلى الدميم وهنا استذكر ذلك الزمان الذي كانت الحياة فيه بسيطة هانئة فكثيرا ما أسمع جملة "يا زين حياة أول " -أي ما أجمل حياة الآباء والأجداد -عندما أجلس مع جيل الستينات والسبعينيات فما الذي يميز ذلك الزمان؟ ولم ضيعناه من أيدينا؟
إن أكثر ما يميز ذلك الزمان وتلك الحقبة من الزمن التي يظل الحنين إليها متوهجاً هي البساطة والبراءة من كل تعقيدات الحياة الحديثة، فعلى الرغم من أن التكنولوجيا الحديثة والوفرة المالية ساهمت وبشكل مؤثر في تحسين ظروف الحياة وتعاملاتها إلا أنها في نفس الوقت عقدتها وشعبتها وشوهت علاقتها الإنسانية وخصوصاً بعد ظهور فيل الرأسمالية الأهوج الذي يسعى وراء النمو والتضخم.
الأمر ما زال بأيدينا؛ فنحن قادرون على أن نتخلق بالبساطة ونتحرر من عبودية المجتمع والعيش تحت سطوة من لا يرحم، ونظرة الآخرين الملوثة للحياة الهانئة، ومحاولة كسب رضاهم واستحسانهم، ابدأ بنفسك، ومارس عملية التنظيف، تنظيف القلوب والنفوس والمشاعر والبيئة المحيطة من كل التعقيدات والنتوءات التي تعرقل سير الحياة في أمان واطمئنان.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2385
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2265
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025